الفريد دو فينيي
باريس في 27 مارس 1841م
هذا نص الرسالة التي بعث بها الفريد فيكتور دو فينيي الى الناخبين في مقاطعة "شارنت" غرب فرنسا، وقد ضمنها مجمل تصوراته وتوقعاته بخصوص الانتخابات التشريعية التي شهدتها فرنسا في ابريل من عام 1848م عقب الثورة الباريزية، حيث تقدم، الشاعر للمشاركة كممثل للمقاطعة المذكورة وهو ما يحتم عليه اكتساب نسق سياسي يرتبط بالواقع ويتجانس مع معطياته المراوغة، فيما هو يزايل الخطاب المثالي الحالم الذي يطغى على شخصية دو فينيي بوصفه شاعرا من أرومة امتزجت فيها الوحدة المرة بالكبرياء، كما قال عنه الشاعر الفرنسي المعاصر "آلان بوسكي"، وذلك ما يوحي به غيابه الفعلي عن الناخبين، وعن ميدان التنافسى والمقارعة بالوعود والآمال، واكتفاء بكلمة أهم ما يميزها الاقتضاب والتكثيف شكلا، وأما مضمونا، فالمصارحة والصدق باعتبارهما اللحمة التي تشد الشخصية الفنية لشاعر الى شخصيته الواقعية.
لقد جسد دو فينيي في جملة ما كتب من شعر: "الأقدار"، "قصائد قديمة وحديثة" وغيرهما قيمتي النبالة ورباطة الجأش وتنويعاتهما السلوكية، فكيف ارتضى لنفسه الارتماء في لجة السياسة، رغم الذي يبدو من مجافاتها للشعر والابداع اجمالا. لكن المثير في رسالتنا هذه أن دو فينيي في معركته الجديدة يعتمد بصفة يظهر أنها تامة، على ماضيه العسكري وأعماله الفكرية المنتجة في الفترة التي سبقت انتخابات 1848 التي شكلت حلا نسبيا للاضطرابات السياسية والاجتماعية في فرنسا آنذاك وبيانها وارد في مراجع التاريخ الحديث لأوروبا. وأهم قرينة تضاف الى ما ذكرنا لتوضيح مقدار مراهنة الشاعر على رأسماله الرمزي، مطلع قصيدته "Lésprit pure" المهددة الى "EVA" والمبثوثة في مجموعته المعنونة "Les destinées" "الأقدار" حيث يقول
Si l'orgueil prend ton coeur quand le peuple me nomme
Que de mes livres seuls le vienne ta fieté
والفريد بذلك ينيخ سؤالا اشكاليا، يختزن صوبته كما يبدو في المفارقة التي تجعل التقاء الكيان الابداعي بالوظيفة السياسية شكلا من أشكال الزواج بالمحارم، ينتهي في غالب الأحيان بالاخفاق مع ما يوافق ذلك من قلق يحث على تجديد النظر في أسئلة الشعر واحتمالاته من كوة الواقع والمجتمع وهو ما يعني تجريده من جبة التعالي والسمو التي يعطي بحرارتها منذ أول خبط في سمائه بجناحي:
"بنتاؤور" * إن صح أن آدم لم يقل شعرا.
وفي هذا الصدد يهمنا جدا أن نعلم أن دوفينيي فشل في معركته الانتخابية تلك، وكانت هذه حاله أيضا في محاولاته لولوج الأكاديمية الفرنسية، انتهت أخيرا بقبوله عضوا فيها.
فهل هي مجرد انتكاسة طبيعية لشخص لم يستطع أن يوفر لنفسه القدرة على استمالة من يتوجه اليهم بأفكاره وآرائه، أم كانت - وهذا هو الراجح - هزيمة حتمية لنداء الأقاصي وصرخات الحلم المكتومة أمام هدير الميكيافلية، وأوزارها التي تملك القدرة على توليد الامكان من نعش الاستحالة؟
أتقدم الى الانتخاب، وأنا غير مكترث بالماضي، منشغلا فقط بمستقبل البلا، لكن، اذا أراد مواطني الأعزاء أن يحيطوا علما بسيرتي من خلال البحث في السنوات الماضية من حياتي، فلن يجدوا غير نزعة لا امتثالية تامة، وهادئة وصلبة، ست عثرة سنة من حياتي تلك محضتها لأكثر الخدمات العسكرية قسوة وجفاء، وجملة ما بقي منها نذرته للدراسات العميقة، حياة صارمة، وبعيدة عن قيود ودسائس الأحزاب.
لقد أجهدت نفسي في الحصول على تلك السعادة والعناية بها، وهي التي اقتضت مني عدم الخضوع لأي قوة، اذ لم أكن أقبل أو أبحث عن أية حظوة.
وكنت كذلك قد أيقنت أن هذا التحرر الفكري والروحي، تفيئه ظلال الحكم أكثر من المعارضة ذاتها والسبب في ذلك أن القوى الديكتاتورية أو التي تطمح الى ان تكون كذلك تستطيع أن تأمل في رشوة الخصم أو الاطاحة به، ولكن لا أمل لها في التأثير على حكم لا يدين لها بحب ولا بكراهية.
ولو كانت الجمهورية تعرف كيف تتفاهم مع نفسها، فإنها ستصير ضحية لأولئك الذين يفكرون ويتصرفون على نحو ما ذكرت، على أنها تستطيع أن تنجو من كيدهم ما دام عليها أن تكون حكومة للجميع عن طريق كل واحد، وحكومة لكل واحد عن طريق الجميع، وهو المبدأ الذي تنبني عليه كل حكومة جيدة، واني على استعداد للمساهمة في بنائها بنصيبي من الأعمال في حدود طاقاتي. عندما تكون فرنسا واقفة، فمن يستطيع الجلوس للتأمل ؟ وحينما يقوم البرلمان في إطار مشاورات حرة بالمصادقة على الجمهورية المعلنة نيابة عن الشعب فإنه يتحتم علينا أن نسعي بكل جدية الى تشكيلها على صورة الجمهوريات الحكيمة المسالمة والسعيدة، التي عرفت كيف تراعي الملكية والأسرة والذكاء، الشغل والشقاء، جمهورية تقودها حكومة متواضعة ونزيهة مثابرة ومقتصدة لا تثقل كاهل الشعب، تستشرف وتتنبأ بمطالبه وحاجاته، وتدعم تطوراته الواسعة، كما تتيح له العيش في كنف الحرية، والازدهار بكامل قواه.
لن أطلب منكم مواطني الأعزاء أصواتكم - ولن أعود لزيارة "شارنت" الجميلة بين ظهرانيكم، الا بعد أن تكونوا قد اتخذتم قراركم.
إنني أومن أن الشعب حكم سام، يتعين عليه الا يستسلم لكل من يتوسل اليه، كما أنه من الواجب أن يكون موضع تقدير واعتبار، حتى لا تتم محاولة إغرائه وتضليله، عليه أن يكافيء كلا وفق انجازاته حياتي وأعمالي كلها أمامكم.
:Alfred DE VIGNY
Les destinées; Nouveaux Classiques Larousse (avec documentation thématique) p.p 157 - 158.
شاعر فرعوني. أول شاعر في التاريخ