( 1 )
استدار الشخص ناحية فولتير صارخاً : "هل قلت أنك ستناضل لكي تتيح لي التعبير عن اختلافي مع رأيك ؟ لماذا لم تنصح الجريدة بأن تنشر وجهة نظري المختلفة ؟!"
أطرق فولتير بأسى، كمن يخفي خيبة وخذلان ثقيلين : "لقد رفضوا أن ينشروا موقفي بالأساس. لا فائدة، إن أحداً لا يريد أن يصغي للآخر، عليك أن تنسى الأمر.
إنهم لم يسمحوا لي بالعبور نحو الكتاب التالي. لم يبق لهم إلا أن يزينوا المقصلة برأسي، بالنسبة لهم، نشر عنقك أسهل بكثير من نشر وجهة نظرك. إذهب وتحسّس رأسك".
خالجتْ الشخص شفقة تجاه فولتير، لابد أن الخلل أصاب منه مقتلاً. كيف يمكنني أن ألوم رجلاً علّم الناس الكلام، وها هو الآن يَغصُّ بكلماته ، ويموت بها.
( 2 )
مضيت في شارع الناس أسأل عن النفوس المكسورة بفعل أخطاء ارتكبها سواهم. ولم يأتني الجواب. جاءني سؤال آخر. ثمة أخطاء يجري تصويبها بأخطاء أكثر فداحة منها. وليس لك أن تسأل، عليك أن تقبل الأجوبة. فالسؤال فضيحة الناس ، والناس في بلهنيتهم يعمهون.
وفي المنعطف، أمسك بي شخصٌ لا أعرفه ولا يعرفني، أسندني على الجدار زاعماً تلقيني الدرس، هو الذي لم يكن يعرف اسم الفاعل . ظهري للجدار ووجهي في شخصٍ ملطخ بالأخطاء، عيناه محتقنتان بحقيقة يعجز عن البوح بها. يداه الثقيلتان بالأصفاد تستعد لسرد درس الحرية فيما يحاصرني بحصاره، ظهري للجدار وظهره يرشح دماً لفرط النصال التي تسنده بوهم المستقبل.
( 3 )
تجتهد العائلة في تدريب طفلها كيف يتعلم الكلام، وبعد أن يحسن ذلك ، وينطق الكلمة، سوف يصرخ به الجميع : "اسكتْ يا ولد".
( 4 )
يصرخ بي : " اخرسْ ".
وهو عاكف في ورشة الوطن، يصوغ مستقبل الكلام للناس .
كنت محاصراً بالصمت،
( 5 )
نهض فولتير من تأمل المشهد، وهو يطفح بالوجع : "إن التاريخ هو حزمة من الخدع نختال بها على الأموات ".
يريد أن يتهمنا بالموت، هذا الذي مات باكراً، ملطخاً بأحزانه النبيلة.
( 6 )
عندما يكون الكلام ضرورياً ، لا تقدر أن تفعل ذلك . وحين يتاح لك ذلك ، لا يعود للكلام معنى . وما إن يحاصرك صمتك لفرط الحبسة، حتى يقال بأن الغياب خيارك، أنت الذي "تدعى إلى الموت، ولا تدعى إلى المجالسة".
( 7 )
من أحزان فولتير :
- إن الذين يجعلونك تعتقد بما هو مخالف للعقل، قادرون على جعلك ترتكب الفظائع "
- على المرء أن يشغل ذاته بكل عمل يجعل من هذه الحياة شيئاً محتملاً في هذا العالم .. وأنت إذا لم تكن تريد الانتحار فعليك دائماً أن تجد شيئاً ما تعمله"
- عندما يبدأ الشعب بالتفكير ، آنذاك يكون من المستحيل توقيف موكبه "
- لو أن الطبيعة لم تضع فينا قليلاً من الخفة والطيش ، لتوجب أن نكون أتعس الكائنات."
- عندما باع الوصي على العرش الفرنسي، لأسباب اقتصادية، نصف الخيول التي تملأ الإسطبلات الملكية، علقَ فولتير قائلاً :كم سيكون عمل الوصي أحكم بكثير من ذلك، لو أنه طرد نصف الحمير التي تملأ البلاط الملكي"
( 8 )
لماذا يتوجب علينا أن نتجرع الدرس، في كل مرة، مراً كالعلقم إلى آخره، ثم نبدأ من الصفر، كأننا لم نتعلم شيئاً، وكأن الضحايا ليست سوى قناديل مطفأة على طريق محفوفة بالخسارات.
لماذا يتوقع الآخرون أن نصدق الكذب، كما لو أنه حقيقة . لماذا لا ندرك بأن
الحقيقة ضرورة تضاهي الهواء، كما لو أن أحداً لا يريد أن يتيح لموهبة الإصغاء أن تنمو في أعضاء جسده وفكره معاً.@