في «عين البوم» صلنفة - اللاذقية عام 1946 ولد الشاعر عادل محمود، ومرَّ على هجره «عين البوم» ثمان وثلاثين سنة، عمل في الصحافة ثلاثين سنة، في سورية وقبرص وتونس و يوغسلافيا..
صدر له في الشعر الكتب التالية: «قمصان زرقاء للجثث الفاخرة»، «صنعناه من حجر»، «مسودات عن العالم»، و «استعارة مكان» كما أصدر مجموعة قصص بعنوان «القبائل»، وكتاب مقالات بعنوان« ضمير المتكلم».
عين البوم
رغم ذلك خاطب عادل محمود جمهور ندوة (كاتب وموقف) بقوله: «اعتقد أن نصفكم لم يسمع بي، ونصفكم الآخر لم يقرأ لي» والسؤال: لماذا، وهل المشكلة في الشاعر، أم في الحاضرين..؟ يجيب الشاعر عن سؤالنا هذا: بطبعي لا أحب المقابلات الإعلامية، ولا أسعى للشهرة، كما أن إيماني برسالتي الشعرية ضعيف قليلاً، فالشعر شأن شخصي يهم الآخرين، وأنا أكتب وأقرأ وأتسلى..!!
إذاً: هل لهذا السبب «لم يأخذ حقه من ضوء القمر الصادق، ولا من فلول الفجر الكاذب»؟ كما يقول مدير الندوة الناقد عبد الرحمن الحلبي.
رغم الاعتقاد السابق الذكر للشاعر في تصنيف الحاضرين من مسألة تلقي شعره، مع ذلك قدم نفسه وتجربته للحاضرين، بأسلوب أقرب إلى المواربة، فروى في «ما يشبه النص» عدداً من الأساطير الهندية، والأحاديث، فأين الشاعر من كل ماروى.. هل يخدع الحاضرين ويغشهم في تقديم نفسه لهم_ كما سألته إحدى الحاضرات؟
مواربة..
يجيب: ربما كنت «مخادعاً» بأمر واحد، هو شهادات الزملاء الذين تحدثوا عن تجربتي الشعرية، من جهتي اعتبر أنني أكتب بحرية، وليتحدث الآخرون بما
يغش جمهوره، لكنه لا يستطيع أن يغش نفسه على وسادته، فالشاعر أقرب إلى الوتر منه إلى الآلة الوترية. أنا شخص يحاول فعل شيء ما..؟!
يقول منذ (38) عاماً غادرت «عين البوم» وجئت دمشق لأدرس الأدب العربي، وكان لقائي الأول مع شخص وجودي مؤمن بأفكار سارتر «إن الآخرين هم الجحيم».
وأخيراً يموت كمزارع للحمضيات، كان لذلك اللقاء أثره في اتجاهي للكتابة، فكتبت في مجلة «الطليعة» إلى جوار: نذير نبعة، وطيب تيزيني، وصفوح الأخرس، واستمررت فيها صحفياً حتى أغلقت، وفي حرب تشرين عملت بجوار ممدوح عدوان مراسلاً حربياً لجريدة «البعث» وبعدها سافرت إلى قبرص واشتغلت في مجلة «البلاد» الفلسطينية والتي كانت تحرر موادها من داخل فلسطين، فكانت صوت فلسطين الداخلي من الخارج، ثم بعد ذلك سافرت إلى يوغسلافيا، ومنها إلى تونس للعمل في مجلة «اللوتس» وأخيراً نشرت في آخر أعداد صحيفة «الدومري» واليوم لى زاوية أسبوعية في صحيفة الكفاح العربي..!!
جيل السبعينات
يذكر عادل محمود: يصنفونني من شعراء جيل السبعينيات، أصحاب تجربة القصيدة الشفوية، وهي غير القصيدة الرؤية التي كتبها شعراء جيل الستينيات، تجارب هذا الجيل لا يزال يتجاهلها النقد حسب د. عابد إسماعيل ذلك التجاهل المريب لكل ما هو جديد والتمترس باطمئنان حول أسماء أزلية معروفة، ولا يزال هذا النقد يرى إن القصيدة الحديثة خارجة عن القانون. ينظر إليها النقاد كأساتذة نحو وصرف وهذه رؤية بنظر د. إسماعيل تنطلق من أصولية نقدية متزمتة، ومن هنا يرى في نص الشاعر عادل محمود أنه يوفر لنا فرصة لنزع القفازات الأصولية والاقتراب من الشعر، فالشاعر هنا يكتب قصيدة ليبرالية وديمقراطية بعيداً عن التجليات السياسية للألفاظ، قصيدة تتسع لفوضى العالم وتناقضاته، فهي غائرة في كينونة الأشياء و البشر..
الابن الضال
وهي نموذج للنص الجديد الذي يطرد البلاغة الجوفاء التي صمت آذاننا، نص مدجج بالأسئلة، وبالقلق اليومي، الذي ينزع القداسة عن نص الأسلاف معطياً الشرعية للابن الضال والعاق بالخروج على نص السلف متجاوزاً آلياته الراسخة المطمئنة..!!
أما لقمان ديركي فيقول في شهادته: إن شعر عادل محمود لم يكن مسبوقاً بنظرية ولا يروم إلا أن يكتب نفسه، اكتشفت فيه جماليات نثر الواقع، وتعلمت فيه كيف «تستطيع أن تكتب عن الآخرين كما تكتب عن نفسك»، إنه شاعر يكتب دفعة واحدة بأقل ما يمكن من بذل المشاعر كأنه يتألم من وطأة قصائده، أما الشاعر فارس البحرة فيذكر: إن أجمل شيء في هذا الشاعر أنه يشعرك أنه لم يتغير منذ مئة سنة، قصيدته ذات النفس الطويل المترابطة بخيوط عناكب، حافظ عليها دون إدعاء كذئب أغبر وشريف نادم أبيض حسب وصفه لنفسه..!
حقل مفتوح
لكن بعد الإنجاز الذي صنعه شعراء قصيدة النثر في السبعينيات، سادت تقليدية من نوع ما على القصيدة الحديثة، فهل أصبح الشعر الحديث قديماً؟ يجيب الشاعر عادل محمود: في رأيي أن قصيدة النثر لا تزال حقلاً مفتوحاً لتجارب لا حصر لها. فهي تعتمد بالدرجة على التفاصيل المستمرة للحياة اليومية الأبدية، قصيدة مفتوحة على التجربة والأفق_ الحياة، وأرى أنه بعد جيل السبعينيات جاءت نصوص هامة جداً. وشعراء لهم دواوين تقرأ بتلذذ واستمتاع.. غير أن الشاعر أحمد تيناوي يرى في مداخلته أن شعراء السبعينيات هم من أفشل قصيدة النثر، لأن قصيدتهم جاءت تعبيراً أيديولوجياً لا تملك العمق والمعرفة والفلسفة..
فيرد الشاعر عادل محمود: إن قصيدة النثر قصيدة مشاغبة لجماليات القصيدة التقليدية، والهجوم جاءها من مراكز محافظة، ومن كتاب شعر لا يريدون التخلي عن المنبر، والطابع الايديولوجي غير موجود في قصيدة النثر، لكن يمكن أن يكون هناك اصطفاف لأصحابها من الخندق الآخر، وشعراء الحداثة ليسوا تياراً واحداً..!!
هدوء العاصفة
في مداخلته يذكر الأديب حسن. م. يوسف: أتذكر عادل محمود قبل ثلاثين سنة، كان الانطباع عنه، هو هدوء ما قبل العاصفة، ورغم أنه شاب ولم تنطلق العاصفة، غير أن الإحساس لايزال أنه فعلاً يجسد ويعيش حالة ماقبل العاصفة شعراً ونمط حياة فقد استطاع أن يحوّل بصدق فحم حياتنا إلى الماس!!.
الشعر لايورث
عن مرجعيات قصيدة النثر يذكر الشاعر عادل محمود، إذا كان الشعراء يبحثون عن آباء فهذه مشكلة، لأن الشعر لا يورث، وليس بالضرورة أن يشبه الحفيد جده، أنا اعتبر نفسي يتيماً شعرياً. وبالنسبة لقصيدتي التفعيلة والتقليدية يمكن لأي شاعر أن يكتبهما، فقط يحتاج لغة وأسلوباً، ولدينا مرجعيات فيها، وأصوات كثيرة في هذا المجال، أما قصيدة النثر فأنت أمامها لك خياران فقط أما أن تقبلها تماماً وتعجب فيها، أو ترفضها نهائياً..!!
المسرحي التونسي حكيم مرزوقي طرح رأيا طريفاً، إذ اعتبر أن معيار نجاح القصيدة يكمن في ترجمتها، والمقياس الحقيقي للشعر هو الترجمة، فإذا وصل، فهو الشعر الحقيقي..؟!!
قميصٌ أبيض
اختيار عادل محمود لعناوين دواوينه يستوقف الناقد لاعتبارين يذكر الناقد الحلبي الأول: إن العنوان يجيء إلى العمل من خارج ا لمجموعة والثاني: إن هذا العنوان يدخل في نسيج العمل طوعاً لا كرهاً، ويضيف، والنص عنده موار بالصور فإذا ما أراد الناقد استجلائها لاحتاج إلى إيراد النص كله كشاهد..!!
فالصورة عنده تخرج عن إطار زخرفة الأسلوب لتدخل في اكتناه ذات الشاعر.. «قميصٌ مفتوحٌ /أبيضٌ/ وبه بضعة خطوطٍ زرقاء/ نظيفٌ وقديمٌ/ ورائحته طيّبة/ قميصٌ متروكٌ على سياج/ طائرٌ يتفلّى تحت الشمس/ قميصٌ وحيدٌ أبيض نظيفٌ قديمٌ/ كلما هبَّ المساءُ من حوله.. فيه /ترامى/في الفضاء الرحب/ حفيفُ صاحبه القديم..» من مجموعة «استعارة مكان».
صحيفة تشرين