أجمل مافي اللجوء الشعري،أن اللغة تتولى السكنى،وتتولى ربما الإطعام والإلباس.وفي لجوء كهذا لايعود هناك من "نهاية شهر" تفترض حضور مالك العِقار بوجهه المعصور طالباً روحَ الساكنِ المستأجر والذي التبس عليه الأمر فاعتقد أن للجوء الشعري طبيعةً تنسحب على الإقامة والعيش والكفاف.للجوء الشعري صفة تعويضية هائلة: عوضاً من قتل الأب،فرويديا،يتم قتل صاحب العِقار،فرويديا أيضاً.لكن في هذه الحالة لانص سيُكْتَب،هنا،بل إقامة تكاد تستحيل،في أي مكان،أي عِقار.كلمة عِقار ذاتها أصبحت تثير القرف والخوف والرغبة بموت من خلال ويكسي محظور اسمه "السيانيد" .
في التفاف على اللغة،في تدوّر حولها،تنشب كلمة العِقار أظافرها في عنق الساكن.فمن شرب الويسكي عاقرها وكذلك تعقر الناقة،ومثلهما مالك العقار،إلى أي منهما ينتمي مالك الشقة؟ لم نعد نعرف من المالك الأصلي للشقة هل هو السيانيد أم الناقة أم الخمر؟من ياترى؟
مالكو الشقق نوعٌ من السيانيد.السيانيد،في الأساس،مؤجّر شقق،لكنه في هذه الحالة لايكتب عقداً بين فريقين،بل بين فرد ونفسه.عندما يختفي ساكن الشقة،فجأة،نعرف من هو الفريق اللامرئي الثاني من العَقْد.العلاقة بين مالك "العِقار" والمستأجِر،كالعلاقة بين الزوج وحماته.لايصلحها إلا نهاية العالم.
اللجوء الشعري.منذ البداية ثمة تحسس لمصير معقوف كهذا.منذ البداية تدلّك الويسكي الفاخرة إلى الطريق.منذ سنوات اقتُرِحَ هذا اللجوء.لكن كيف ستبيت في كلمات؟كيف ستتدفأ في الاستعارات؟هل تقدر رؤيا النفري الواسعة أن تقترح حلاً لضيق هذه العبارة؟لضيق هذا البيت؟لضيق الصدر وتسرع النبض وفقدان الشهية على الطعام؟ على الأغلب كان النفري مالك عِقاروكذلك الحلاج كان على الأغلب مقاولاً ودلاّلاً يؤجر البيوت.الوحيد الذي لم يكن مالك عقارات هو العظيم ابن الفارض : ("مُنْعِماً عَرِّج على كثبان طَي"). قالها من مصر،من أم الدنيا،من عمق هذه المدنية العظيمة طالَبَ الحادي بأن يعرج على الكثبان،تخيلوا،وليس على شقة في عقارأو مكتب متخصص بتشغيل الخادمات.مسكين ابن الفارض مات في جبل المقطّم الذي كان لجوءه – غير – الشعري.لم تكن ميتة المتنبي أفضل حالاً أو الحسن بن هانئ الأندلسي.الأخيران بعد كل العِقارت التي ولجوها وسكنوها ماتا قتلاً،المتنبي بالسيف وابن هانئ خنقاً بتكّة سرواله.لم ينتفعا من العقارات كلها.هنا نبدو محظوظين نوعاً ما.لكن السيانيد،السيانيد،بات يزاحم طعمَ الويسكي بل طعمَ الشاي والقهوة والآيس كْريم.
كيف ستشرح لمالك العِقار كل هذا؟وهل سيمنحك وقتاً؟في الأساس هو على الباب،من ساعات الصباح الأولى لليوم الأول من كل شهر : وجهٌ معصورٌ يحمل كأساً مملوءةً بالسيانيد ولساناً لايتأبط إلا شرا وإصبعاً لاتشير إلا إلى الشارع إن لم تَدْفَع...