الحب شعور إنساني يتأثر بنوازع النفس، ويتولد في الطبيعة، ويتعايش مع العرف الاجتماعي، ويتداخل مع الموروث والتقاليد. إنه الشعور المقدس في الديانات البدائية وفي الحضارات المتطورة معا، وهو شعور متأصل وفعال يقرب المسافات بين البشر، ويختصر الفوارق في الجنس والشكل واللون، ويذيب الحواجز بين الطبقات ويقرب بين الناس. وقد ظل الحب محورا أساسيا دارت حوله الإبداعات البشرية، ومثل حضوره الدائم في وجدان الفرد والجماعة دافعا من دوافع سعي الإنسان للرقي بإنسانيته نحو الكمال المنشود.
الحب ظاهرة اجتماعية أساسية لم تتغير في جوهرها منذ أقدم العصور التي عاشها الإنسان، فقد ارتبطت المرأة بالأرض، وكان للمرأة في المجتمعات القديمة قيمة اجتماعية وإنسانية أكثر من الرجل، ومع ظهور أقدم الحضارات أخذت مشاعر الحب تكتسب طابعا حضاريا، بل أخذت تشكل أحد مظاهر السلوك الحضاري للإنسان، فملحمة 'جلجامش' تشتمل على مواقف عشقية بين جلجامش البطل والآلهة 'عشتار' ربة الحب والجمال، ومن منا لا يعرف 'فينوس' إلهة الجمال التي كان لها علاقات حب كثيرة مع الآلهة وبعض البشر ومنهم الراعي الجميل 'أدونيس'. وتمدنا الأعمال الأدبية اليونانية بصور كثيرة عن العشق وفي مطلعها 'الإلياذة والأوديسة'، والعملان ينسبان إلى 'هوميروس' وكان هذا الشاعر يتغنى بالحب و'هيلين' بطلة الإلياذة، امرأة جميلة أقلعت من أجلها ألف سفينة ولقي الموت في سبيلها آلاف الرجال.
الحب والاديان السماوية
ثمة ترابط وتوافق بين الحب والأديان السماوية، فهما يسعيان على صعيد الفرد والأسرة والمجتمع تقوية الأواصر، وإشاعة روح والطمأنينة. إن الغاية المنشودة من وراء الإيمان بالأديان، هي إيمان البشر بمزيد من الحب وهي أقدس المشاعر الإنسانية التي بنى عليها الأنبياء رسالاتهم، فقد حفلت الأسفار اليهودية بقصص الغرام التي تعد وسطا بين التاريخ والشعر، مثل قصص حب 'اسحق ورفقة'، 'ويعقوب وراحيل'، 'وإبراهيم وسارة'. وحملت المسيحية فكرة واضحة عن الحب الروحي، فالمحبة تبلغ أقصى درجاتها، حين يرتضي أن يموت الابن لكي تكون الحياة للعالم. أما الإسلام فقد أبقى على عدد من العادات والتقاليد الجاهلية؛ لكنه قدم قيما روحية واجتماعية جديدة تحمل أسمى معاني الحب، وعرضها بصيغ وأشكال مختلفة منها ما انطوت عليه ألفاظه وتعابيره، ومنها ما انطوت عليه إشاراته ومعانيه ودلالاته ومنها ما احتوته قصصه. وقد ورد في القرآن الكريم استخدام واسع لجذر الحب وفعله واشتقاقاته الأخرى، ولا شك أن الإسلام أدرك نوازع الإنسان، وقدر سلطان الأحاسيس فوجهها وهذبها؛ لأجل صيانة الإنسان من الزلل وحفظ نوعه ونسله، ولم ترد كلمة الحب تعبيرا عن علاقة الرجل بالمرأة إلا في سياق قصة يوسف عليه السلام.، ومنها قصة 'سليمان عليه السلام مع 'بلقيس'، وقصة 'موسى' عليه السلام وبنات' شعيب'، وتوافر للرسول محمد صلى الله عليه وسلم من عواطف الألفة والمحبة للبشرية ولأهل بيته ولأصحابه ما لم يتوافر لإنسان، وكانت أولى مظاهر ألفة النبي عليه السلام وحنانه مع المرأة تتجلى في حياته مع السيدة 'خديجة' إذ أعجبت به وأحبته لأمانته وصدقه وحسن خلقه، وقد استجاب الرسول لهذه العاطفة النبيلة وبادلها حبا بحب وحنانا بحنان.
الحب والحرب عند العرب
يكاد الأدب العربي يكون أسبق آداب العالم إلى تصوير الحب والتعبير عن عاطفته، فيما توافر للعرب في بيئتهم الخاصة، من فطرة سليمة وإحساس مرهف، ومن تذوق دقيق واع لما يحيط بهم من روائع الجمال وبدائعه متمثلة في مناظر صحرائهم، وبما اشتملت عليه سماؤها من غيوم ونجوم تسحر، فإذا أضيف إلى ذلك ما امتاز به العرب من كثرة الترحال والانتقال انتجاعا للرزق، ومن فصاحة اللسان والجنان والقدرة على التعبير. وقد تغنى بجمال الحب وحب الجمال فطاحل الشعراء العرب، منذ عصر الجاهلية، والحق أن المرأة كانت تشكل حافزا قويا من حوافز الإبداع عند العرب يذكرونها في الحروب، وتستفتح بها القصائد وترتسم في أحاديثهم ومسامراتهم.
وكثرت عندهم أوصاف المرأة المعنوية والحسية، فالآلهة عندهم تحمل أكثرها أسماء الإناث، بل صوروا الغيلان والسعالي بصور النساء وشبهوا الحسناوات بالجنيات، وكان الغزل بالمرأة يجري مجريين مجرى عفيفا ومجرى حسيا صريحا، أما الأول فكان في البادية، وفي الأكثر قل ما صرح الشاعر البدوي باسم حبيبته، وكان هذا الغزل يدور حول بث الشوق والرغبة في لقاء الحبيبة، وتذكر أمكنة اللقاء. ومنهم 'مجنون ليلى'، 'وقيس بن ذريح 'مجنون صاحب لبنى، 'وتوبة بن حمير' صاحب 'ليلى الأخيلية' وغيرهم كثير. أما الثاني يتمثل في بعض شباب المدن في الحجاز أوتوا بسطة في الرزق ورفعة في المكانة الاجتماعية ورقة في الدين وقسطا وفيرا من الفراغ ومنهم 'عمر بن أبي ربيعة' وهو أشهر من أن نجمل عنه، وقد ترك شعرا كثيرا صور فيه حياته العابثة الماجنة وقص فيه حوادث غرامه وخلفه في هذا الصنف من الحب فريق من الشعراء منهم 'الأحوص' و'العرجي'.
كان للحب العذري أثر في الشرق والغرب، فأما الشرق فلم يكتف بهذه النظرة المثالية للحب الإنساني، وإنما تعداها إلى القول بالحب الإلهي. والذين حملوا لواء العشق من الصوفية 'رابعة العدوية' أشهر نساء أهل التصوف، والسابقة إلى وضع قواعد الحب والحزن في التصوف. وهذه غزليات 'ابن الفارض' وخمرياته قد ملأت الدنيا وهي بمجملها نشيد الوجد الروحي، الذي يشعرنا بذلك العشق الأسني الذي يملك على العاشق حواسه فيسكره، ويحيله من عالم المادة إلى عالم الروح، يقول: ما بين معترك الأحداق والمهج أنا القتيل بلا إثم ولا حرج.
غزل الصداقة وغزل العلاقة
أما أثره في الغرب فحسبنا في الدلالة عليه شهادة عالم من جل علمائه هو 'أندريه موروا' عضو الأكاديمية الفرنسية، حين يتحدث عن نشأة الحب الرومانسي، أيام 'التروبادور' و'التروفير' ومن ثم في قصص الفروسية، من خلال التيارات العربية التي قدمت إلى أوروبا عن طريق جنوب فرنسا.
كان لشعر الفروسية أثر في إثراء الحب بمفاهيم عشقية جديدة وخير من يمثل هذا الاتجاه 'عنترة بن شداد العبسي' فقد بقي ذكره أنموذجا للبطولة والفروسية عند العرب، ولقد أطلت من حياته مظاهر الفارس والشاعر والعاشق، وسطعت بأوضح صورة من صور شمائل الرجولة التي أطنب بذكرها العرب، وأصبح بنخوته وفعاله وغرامة بعبلة التي خلد اسمها في معلقته المشهورة جزءا من التراث الأدبي في العالم العربي.
لعبت مجالس الغناء التي استجدت في العصر الأموي دورا كبيرا في تطور شعر الحب والغزل، يشار فيها إلى أخبار العاشقين، وتنشد فيها أشعارهم، وكانت أسماء العاشقين تتردد على ألسنة المغنيين والمرددين؛ مما أدى إلى خلق شعور رقيق أبعد عنهم قصائد الهجاء. وأغلب الظن أن أحدا لم يوفق في وصف الطروب كما وفق 'أبو حيان التوحيدي'.
أسهم العرب في تقديم تنظيرات مهمة فيما يتصل بمشاعر الحب، وأفردوا للحب كتبا خاصة، عالجوا فيه تطور فكرة الحب واتجاهاته، وعلاماته ودرجاته وأمراضه، وخرجوا بنتائج وآراء طريفة، وفيها إبداع يقترب بعضها من التحليلات النفسية المعاصرة في بعض الأحيان. فقد عالجه الجاحظ من منظور أدبي نفسي اجتماعي في رسالة' العشق والنساء' وفي كتابه'مفاخرة الجواري والغلمان' وهي رسالة قارن فيها الجاحظ بين الجارية والغلمان، وأظهر فضائل كل منهما على الآخر. كما يمدنا 'التوحيدي' الذي يقترب من منهج 'الجاحظ' في كتابه 'المقابسات' المقابلة الأخيرة بمداخلة عن فلسفة الحب والعشق، ويقول' غزل الصداقة أرق من غزل العلاقة' ويذكر التوحيدي أسماء الحب ودرجاته ويؤيد الرأي القائل' بأن المحبين على أشكالهم يقعون'، ومنهم من مزج العشق بالموقف الديني كما هو الحال عند 'ابن حزم' صاحب كتاب ' طوق الحمامة في الألفة والإلاف'، ومنهم من مزج العشق بالمجون فيسرد القصة المكشوفة والخبر العاري كما فعل 'الأصفهاني' في 'الأغاني'.
قباني ودنقل ودرويش
لا يمكن الحديث عن الحب كموضوع أدبي فلسفي في ثقافتنا العربية الحديثة دون أن يتبادر إلى الذهن اسم 'نزار قباني'، الذي نزع عن القصيدة العربية ثوب البداوة، وخلص الحب من أوهامه، وأخرج الجسد الأنثوي المكبوت من كهوف العتمة والصمت، إلى فضاءات النور والصوت، يقول:' إنني أكتب للمرأة، وعن المرأة لأنقذها من مخالب القبيلة، ومن سيف أبي زيد الهلالي'. لعلنا، لا نجافي الحقيقة إذا قلنا إن شهرته الواسعة قامت على ما سطره فيها، وما أجراه على لسانها، وما فجره فيها من ثورات وبراكين من خلال نرجسيته الأكثر بروزا في شعره، فهو المعشوق لا العاشق، والمطلوب لا الطالب، فالمرأة هي الأسيرة لديه، المتهالكة على ساديته وجنونه، يقول: أوصيك بجنوني خيرا
فهو رصيدك الجمالي
ويوم أسحب منك كفالة جنوني سيشهرون إفلاسك
لم يكن القباني صاحب قضية، ولا كان عدوا للمرأة أو نصيرا، لكنه راصدا يرسم بالكلمات من كل الزوايا، ولقد تنوعت صورة المرأة في شعره، وتلونت أساليب الخطاب الغزلي، فتارة يتناولها ثائرة متمردة، وتارة يتناولها جسدا ونوازع جنسية، وأحيانا يجري على لسانها من بوح بأسرار الرغبة الجنسية. وإذا كان قد وفق في بعض شعره إلى تنوير المرأة، فإنه قد تسبب في كثير منه بإفسادها عبر تصوير الحرية على أنها انفلات لامسؤول، واستسلام مطلق لرغبات الجسد.
أما 'أمل دنقل' فعلى الرغم من انخراطه في مسيرة الحداثة الشعرية، فهو لم يتمكن من الارتقاء في أو تعامله شعريا مع المرأة، فقد بقيت نظرة الريفي الذي ينظر إلى المرأة كمصدر للغواية مقابل صورة أخرى طهرانية للحبيبة المقدسة، هذه الثنائية التي تمثل عقدة الرجل الشرقي.
تقتصر صورة المرأة في قصائد شعراء المقاومة على صورة أم الشهيد أو أخته، أو في الصورة المثالية وهي صورة المرأة/الوطن، ولم يتناولوا المرأة كامرأة له مقوماته الإنسانية وخصوصيته الأنثوية، يقول 'سميح القاسم' من قصيدة: 'ليلى العدنية':
شاءها الله شهية! شاءها الله فكانت كبلادي العربية!
شعرها ليلة صيف بين كثبان تهامة... مقلتاها من مهاة يمنية.
أما عند 'محمود درويش' فقد تطورت صورة المرأة عن النمط السائد من خلال 'ريتا' التي كانت أشبه بلعنة ملازمة للشاعر، إلى تقديم ديوان كامل عن علاقته بالجنس الآخر من خلال'سرير الغربة' الذي هو محاولة لاكتشاف عوالم المرأة، وأسرارها، يقول:
ريتا تحتسي شاي الصباح
أتأخذني معك؟ فأكون قلبك الحافي، أتأخذني معك،
فأكون ثوبك في بلاد أنجبتك...لتصرعك
وأكون تابوتا من النعناع يحمل مصرعك
الحب والحداثة
أما عند رواد الشعر الجديد نلحظ ضياع مصطلحي نسيب وغزل، بعد انهيار الحواجز بين الحب والجنس، ولم يعد الشعر الذي يعبر عن الحب ينقل عاطفة مفردة بسيطة، وإنما ينقل كما قال د.إحسان عباس غابة متشابكة الغصون من العواطف والمشاعر. ويعد استخدام الأسطورة من أبرز الظواهر الفنية عند رواد الشعر الجديد الذين استطاعوا أن يوظفوا التراث الأسطوري بنوعيه القومي والعالمي للتعبير عن تجارب الشعراء وموقفهم من الحياة.
تعد قصيدة' الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع' الصادرة عام 1975، نقطة تحول ليس في تجربة 'أنسي الحاج' فحسب، بل في حركة الشعر العربي، فقد أعادت الاعتبار إلى الأنوثة بعد سيطرة سلطة الرجل على القصائد الموجهة إلى المرأة، فالحاج نظر إلى الأنوثة كقيمة عليا، فالقصيدة تمثل تحولا لغويا في مفهوم الحب، فقد تخلت عن قصيدة الغزل والنسيب التقليد لتعيد إلى الأنوثة ألقها وسلطتها من خلال معجمه الفلسفي والثقافي الخاص به، فالأنوثة تحضر في القصيدة مقترنة بجمال أخاذ وقداسة في محاولة احتجاجية على فكر رجولي سائد، وفي محاولة منه إلى إعادة الاعتبار إلى الأنثى الآلهة التي تذكرنا بالأساطير القديمة التي كانت الأنثى تتماهى فيها بالإلوهية وتصبح رمزا للخير والحب والجمال والخصب، وهذه الرسولة يقترن جمالها من خلال شعرها الطويل، مقترنا بالينابيع وهي أصول حياة الأنهار. والشاعر هنا لا يستعين بالأسطورة ليوظفها في بناء أسطورته كما عرف عن رواد الشعر الجديد، إنما ينتج أسطورته الخاصة به فهو يمنح أنثاه قدرات تحويلية خاصة بها فهي تفك السحر، وهي السائغة اللينة، وتتشابك يداها مع الحب،... ونلحظ انحياز لغة الحب عند الشاعر إلى طابع الحب غير المتعوي اللاجنسي، ليضفي على هذه الأنثى طابع النبوة فهي رسولة أنثى داعية تنطق باسم الرب. الحاج يروم في الرسولة إلى تقديم وجه آخر من التكوين، يعدل عما جاء في التوراة، ويقدم أسطورته معكوسة تماما، يقول:' إن قصة التكوين عندي معكوسة تماما عما هي في التوراة'. فالمرأة في التوراة أداة الخطيئة ورمز السقوط، بينما في الرسولة هي إعلان براءة المرأة وإشهار خطيئة الرجل وسلطته القمعية. وهكذا تكتسي المرأة عند الحاج طابعا رمزيا متعدد الدلالات، فهي الأرض والحياة.يقول:
أعطاك جرة فتعددت وصارت ينابيع
تلاطفين وجه الحجر فيدفق نهر
تمسحين هامة الخائف فيصبح قدوة الأحرار
تفتحين نافذة الريح بالبشارة
وهو يومئ من طرف خفي إلى دعوة الإنسان العربي؛ كي يكتمن المرأة الأرض الحياة في عمقه، وتنعش وتحيي كيانه الداخلي، ولهذا جاءت الرسولة نشيد عشق غنائي يطرح مسألة الحب في فضاء صوفي متعال تتحقق فيه المرأة تحققا جماليا، وتغدو الحبيبة عند الحاج بؤرة لتجلي الرب وحلول الشاعر وتصبح بالتالي جسدا واحدا، يقول:
أحبك فكيف لا أحب صانعك!
حفظتني فظهرت لي يارب
أقسم أن أنحني من قمم آسيا لأعبدك
أما الماغوط في شعره يجعل المرأة شيئا مستهلكا وليس كائنا له روح وخصوصية وحميمية، تتدنى فيه المرأة إلى درك الشيء فلا مشاركة ولا حوار ولا عاطفة، يقول:
آه كم أود
أن آكل النساء بالملاعق
أن أقضم أكتافهن كالفهد
أود أن أهيم فوق جسدك الصغير
واسحقه كالوردة
أن أرفعه بيدي كبندقية صغيرة فوق التلال
اذا فالماغوط لا يفهم من الجنس الآخر سوى الجسد بتأثير من أنانيته وانغلاقه على نفسه، وشعوره بالدونية، وخوفه من الحب والعطاء، فالحب عنده خنجر مسموم بالألم والقسوة والبؤس.
عرف أدباؤنا قيثارة الحب وعزفوا عليها تارة ألحانا حزينة تارة، وألحانا أخرى غارقة في الرومانسية، نكشف لنا مكنونات الحب، أحاسيس ومشاعر وقلوب هؤلاء، وكانت علاقة الحب التي ربطت بين 'مي زيادة وجبران' من أجمل علاقات الحب التي عرفها الأدب العربي، حيث بث العاشقان في رسائلهما شكوى العشاق من الشوق والبعد والحرمان، ذلك الحب عبر الرسائل واستمراريته لمدة عشرين عاما بل وعدم اللقاء بينهما! كانت علاقة حب عبر الرسائل فقط، وهذا ما جعل حبهما فريدا من نوعه، ولا أظن أن تتكرر مع أحد مثل هذا الحب.
أصبح الحب في يومنا مبتذلا رخيصا، فالنظرية التي تدعو إلى تحرير المرأة انطلاقا من تحرير جسدها، وإلى إطلاق طاقاتها الإبداعية انطلاقا من إطلاق طاقاتها الجنسية المكبوتة قد أضرت بالمرأة كثيرا، وشوهت صورتها، وحولتها في كثير من الأحيان إلى آلة جنسية مجردة من القيم والمبادئ والأخلاق. وأفسدت نظرتها إلى الحب حتى لبخيل إلينا بأن الحب الخالي من القرابين الجسدية لن يقود إلى سرير الزوجية. قد يكون نزار وغيره من دعاة تحرير المرأة قد أرضى المؤمنين بنظرية الفن للفن التي تكرس طلاقا بائنا بين الفن والقيم الأخلاقية، لكنه لم يرض القائلين بنظرية الفن للحياة بما ترسخه في نفوس القراء من قيم ومثل، وما تسعى إليه من نهوض بالأمم والشعوب... ولم تغفل الشرائع السماوية دور المرأة في بناء الأمة والمجتمع، ولم تقصر في رسم صورتها الروحية، فكانت السيدة مريم العذراء مثالا للطهر والنقاء وموضوعا لواحدة من أعظم المعجزات الإلهية على الأرض. وكانت ماشطة ابنة فرعون، وفاطمة الزهراء، وأمهات المؤمنين من نساء النبي عليه السلام، مضربا للمثل والطهر والنقاء وعلو الهمة.
القدس العربي
2012-05-29