معه حق الشاعر مازن معروف. قرأت له مقالا طرح فيه جملة من الاسئلة الجدية. والحق انني قبل قراءة هذا المقال، كنت اتأمل بشيء من الافكار التي تضمنته، من غير ان اجد حلولا واجوبة. ذلك ان النزق الشعري يجعلنا نرمي عن كاهلنا مسؤولية البحث عن اجوبة متعلقة بالشعر. ربما لأننا نخاف المقاربة العملية لأحوال فن سرّي نتعاطاه اسمه الشعر.
سأل مازن معروف: لماذا يحدث ان تجد في بيروت عشرات الشعراء، من دون ان تجد حركة شعرية ما، واحدة على الاقل؟ كل شاعر منعزل في كتابة الشعر على هواه. هلاّ اجتمع شعراء بيروت من اجل انقاذ الشعر؟
لا اعلم اذا كان الامر متعلقا بفكرة الاجتماع، او بعقد المؤتمرات من اجل مناقشة احوال الشعر. التجربة تقول ان هذا النوع من الاجتماعات والمؤتمرات، ربما يزيد من مأزق الشعر والشعراء، وغالبا ما ينتهي بحروب ثقافية في الجرائد والصفحات الثقافية. في محاولة التمعن في أحوال الحركة الشعرية اللبنانية، المطلوب وجود حوار وتفاعل داخلي بين التجارب المحلية على الاقل، وذلك قبل التفاعل مع الشعر العربي او الغربي او الاميركي، او في موازاته. هذا الحوار لا ينشأ على مذهب العبث والفوضى والالغاء، ولا يقوم على حالات فردية تحاول صوغ مشاريعها. فالتجديد والحداثة ينبغي ان يكونا اقل مرضا حين نتحدث عن حركة شعرية. والمقصود هنا ليس اقامة محفل شعري بيروتي، ولا انشاء حزب الشعر اللبناني على سبيل الفكاهة. المقصود ربما اعادة الحرارة الى جسم التجارب الشعرية اللبنانية في علاقاتها بعضها ببعض. لا اعلم اذا كان المطلوب اصدار مانيفستو شعري نحتاجه او لا. في الغالب تأتي هذه البيانات خلاصة تحديد ووصف واتفاق في ما بين شلة او جماعة من الشعراء، ترى الى الشعر من منظار تعريفات واحدة، مثل السوريالية والدادائية والرومنطيقية والصورية والواقعية وغيرها من الحركات والاتجاهات، التي جاءت نتيجة تراكم ومزاج مشترك. بالطبع، لكل حركة شعرية ما يشبه الزعيم، مثل تريستان تزارا الدادائي، او اندره بروتون السوريالي. لكن هذه الحركات انتجت شعراء كباراً، ناهيك بأنها خلقت مناقشةً تعدت كونها شعرية، لتصبح موقفا من كل شيء، من السياسة الى الاجتماع الى الثقافة الى الفن.
كان الدادائيون يرون، ان الشعور الذي، أكثر ما نحتاج اليه، هو شعور التقزز والغثيان، رافضين الذاكرة والمنطق والماضي والمعرفة والاخلاق، اذ كانت حركتهم قائمة على مجموع مواقف فلسفية وفكرية، في معزل عن تبنيها او عدمه. كذلك فعل السورياليون والوجوديون. وقد يخرج احدهم ليقول الان بموت المدارس، وموت الحركات الشعرية، وانتفاء الحاجة الى "قوالب" جاهزة لتفسير الشعر. هذا الكلام، على الصحة التي يوحيها من الخارج، يبقى ناقصا اذا لم نبحث عن بدائل. ان نحاول ايجاد ما يدفع الى كتابة الشعر اولا. ثم فلنقف موقفا نقديا تجاه كل الافكار المطروحة. عندها ربما يصبح في وسعنا البحث عن جديد ليس في الشعر وحسب، انما في مآل هذا الجديد وطموحاته.
منذ فترة قال لي شاعر صديق، ان جيل ما يسمّى جيل الشباب، لم يكتب جملة شعرية واحدة حتى الان. ولم يستثن هذا الشاعر ايَّ اسم من الاسماء المطمئنة الى نفسها. هل هذا الرأي يشكل حافزا للخوض ليس في مغامرة الشعر فحسب، بل في مغامرة الحديث عن الشعر ومستقبله واعادة تعريفه على الاقل بالنسبة الى هذا الجيل؟ من يجرؤ على اعادة تعريف الشعر مصادماً "القديم الذي كان جديدا في عصره"؟
نعيش في مدينة واحدة، ونكتب شعر شتات
النهار