ثمانية ملايين دولار او اكثر قليلا حجم دعم الحكومة المغربية للسينما والسينمائيين لديها سنويا، ربما هو مبلغ ضئيل قياسا بالأرقام الفلكية التي نعرفها جميعا عن حجم الانتاج الامريكي او الاوروبي للفيلم الواحد، لكن المغرب بهذه الملايين الثمانية تضع كافة الدولة العربية وفي مقدمتهم الخليجية امام فشل ذريع، لم تحميهم كلماتهم البراقة في المهرجانات التي يقيمونها بين الحين والآخر، والتي بدون مواربة او خجل يعلنون فيها الصناديق تلو الصناديق الخاصة بدعم السينما فيما هي محض كذب باعتبار ان المثقفين والسينمائيين لا يعدون اكثر من مغفلين وسذج، سيفرشون لهم البساط الاحمر الباهت في مهرجانات بدون صناعة سينما.
ستبدو بمثابة الحالة الهزلية ما نعاني منه في الخليج من ظاهرة تنظيم مهرجانا سينمائيا مشتركا كنوع من انواع التتويج للتعاون الثقافي على صعيد السينما بين دول مجلس التعاون بينما لا نحفل ولا يدخل ضمن نطاق فكرنا ان نقيم مشروعا لإنتاج سينمائي مشترك، كما اننا في ظل اوهام عديدة يسببها بريق المهرجانات ننسى ان نسأل السؤال الهام وهو هل نملك صناعة سينمائية بالمعنى الحقيقي ام لا؟، فيصبح الامر بالنسبة للمراقبين مضحكا ولا يدعو المهتمين للشعور بجدية المناسبة او من يقف خلفها، اذن هي ليس اكثر من صورة في الصحافة واستمرار لتمثيلية الحساسية الحضارية بأهمية الفنون التي مارستها الانظمة العربية على اوساطها الثقافية من جهة والشركاء السياسيين الدوليين من جهة اخرى، الى ان تناهى الامر بهذه الانظمة الى حالة من حالات المواجهة مع الشباب بكل هذه الاكاذيب فلم يكن لديها جواب واحد لأسئلتهم التي لن تزيد تكلفة اجابتها عن ثمانية ملايين لم تعجز ميزانية المغرب عن المبادرة بتقديمها وهي ليست عضو في نادي الدول العربية النفطية الغنية.
علي اليوحا امين عام المجلس الوطني للثقافة والفنون الكويتي وهو يرأس اعرق مؤسسة رسمية خليجية تعمل في حقل الثقافة والفنون، ماذا يقول في مهرجان الخليج السينمائي في النسخة الكويتية قبل شهر واحد فقط؟ وهو الشخصية الكريمة الدؤوبة على التواصل مع مختلف الفنون رغم انه يأتي من الهندسة والاثار قبل ان يصبح امينا عاما للمجلس، يقول بعد ان تشبع حماسة في احدى ندوات مهرجان الخليج السينمائي المقام في الكويت (اننا نطلب منكم ان تقدموا لنا المقترحات لإنتاج افلام سينمائية في حدود المتاح حسب الانظمة المالية المعمول بها، فنحن لا نعرف الآلية التي يتم من خلالها الاختيار ومن ثم الانتاج).
بهذه العفوية التي يصدر عنها امين عام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بوصفه يمثل نموذجا متقدما للمؤسسات الرسمية الخليجية التي يعول عليها ان تحدث التغيير على صعيد مختلف الفنون وفي مقدمتها السينما تنكشف حقيقة كل المؤسسات الثقافية التي تعنى بالسينما لدينا بأن ليس من ضمن فكرها الانتاجية وهذا ما يجعلها تجهل ابسط آليات الانتاج السينمائي وتفتقد للحد الادنى من خبرة التعامل مع تحقيق مبادرات قد تكون بداية حقيقية لصناعة السينما في المنطقة.
في ذات الوقت صار لدى دول المنطقة تراكم خبرة جيد على صعيد اقامة المهرجانات السينمائية، هذا فقط لان تنظيمها يدخل في سياق عمل العلاقات العامة وليس ضمن الحراك الثقافي والابداعي، وهذا ما يفسر الغياب الملفت للفنانين الخليجيين بصورة عامة والكويتيين بصورة خاصة في مهرجان الخليج السينمائي الاخير الذي اقيم في الكويت، بينما كافة مدراء ومسئولي الثقافة الرسميين كانوا حاضرين يطبعون خطواتهم الواثقة على البساط الاحمر.
مرة اخرى ربما تكون هذه المهرجانات التي تقام احد اهم عوامل ازدهار الحالة السينمائية في الخليج من خلال مبادرات الشباب الفردية، لكنها بكل تأكيد لن تؤسس لصناعة سينمائية بدون ان تكون هناك جدية ووعي كاملان لدى المؤسسات الثقافية الرسمية والخاصة التي تملك المال المطلوب، ذلك ما وثقت به المغرب فخصصت ثمانية ملايين للاستثمار في هذا القطاع فلم تخذلها السينما.