أحمد العلي
(مختارات من الأدب الصوفي) الحلقة الأولى
(1)
مَن يُطلِقُ الصوّتَ الذي في الصّدى؟
مَن يرسُمُ الصورة التي في المرآة؟
مَن يُحرّكُ العدَسَة في الحُلم؟
لا أحد
لا مكان،
ذاك كُلُّه
مِزاجُ الذّاكرة.
Ω
فتاةُ أوراق الشّجَر
(الهند)
(2)
بحنانٍ
رُحتُ أجُسُّ الأشياء كُلّها،
عارفاً أننا يوماً ما
سنفترق.
Ω
القدّيس يوحنا الصّليب
(إسبانيا)
(2)
عِشتُ على شَفَةِ الجنونِ
مُريداً مَعرفةَ الأسباب،
طارقاً هذا الباب،
حتى انفتَحَ،
فاتّضح لي أنني
كُنتُ أقرعُهُ
من الدّاخل.
Ω
جلالُ الدّينِ الرّومي
(أفغانستان)
(3)
آهٍ يا مَولاي،
النجومُ تَبرُقُ،
و أَعيُنُ النّاسِ مُطفأة.
أَوْصَدَ الملوكُ أبوابهم
و كُلُّ عاشقةٍ تختلي بحُبّها،
و أنا وحدي الآنَ
هُنا
و معك.
Ω
رابعة العدويّة
(العراق)
(4)
قضَيتُ في تَرحاليَ وقتاً
مع يوجانيٍّ* عظيم.
قال لي مرّةً: عليك أن تَسْكُنَ تماماً
لتسمع تدفُّق دمكَ
في أوردتك.
و في هدوءٍ جلستُ
ليلةً ما
و بدى أنني على شَفَى الدخول
لعالمٍ بداخلي
هائل الاتساع، و أعرفُ
أنّه المنبعُ الذي
جئنا جميعاً
منه.
Ω
ميرابي
(الهند)
*يوجاني: مُدَرّبٌ لرياضة اليوقا.
(5)
نهاراً و ليلاً
تُشرِقُ الموسيقى
وادِعَةً
من المزمار.
نَبْهَتُ
عندما تتلاشى.
Ω
جلالُ الدّينِ الرّومي
(أفغانستان)
(6)
الحِكمَةُ أحلى من العَسَل،
تجلبُ السّعادةَ أكثر من النّبيذ..
أَبهى من الشّمسِ أشعّتُها،
و إنّها لأثمَنُ
من الجواهر.
إنها تفتحُ الأُذنَ لتَسمَع
و القلبَ ليعي.
أُحبُّها كأُمّي،
و تُربّيني كطفلها،
و سأتبَعُ آثارَ أقدامها
فهي لن تترُكَني
أبتعد.
Ω
بلقيس، مَلِكة سبأ
(إثيوبيا/اليمن)
(7)
لترى الكونَ في حبّة رَمْلٍ،
لترى الجنّة في زهرةٍ بريّةٍ:
أَرِح الأبديّة في راحة كفّك،
و الخلودَ
في وَهلة.
Ω
ويليام بليك
(إنكلترا)
(مختارات من الأدب الصوفي)
الحلقة الثانية
تَمتَصُّ أيادينا الماءَ على مَهلٍ
كالجذور..
لذا أغرِسُها في كُلّ جَميلٍ من هذا العالم،
و أطويها في الصّلاة،
و تغرفُ الضوءَ
من الجنّة.
Ω
فرنسيس الأسيزي
(إيطاليا)
—————————
يضَعُني البَحرُ العظيمُ في الحَرَكَة،
يُوَجّهُني إلى لا غايَةٍ،
و يَجرِفُني
كعُشْبَةٍ في نَهر.
السّماءُ
و الرّياحُ العاصفةُ
جالَتَا بروحي داخلي
حتى حُمِلتُ بعيداً
أرتعشُ من الفرح.
Ω
أوفافنوك
(شعب الإسكيمو)
—————————
حَزِنتُ يوماً ما و ذهبتُ لأتمشّى،
جلستُ في حديقة.
و هناك، لاحَظَ أرنَبٌ حالي
فاقترب منّي.
غالباً
لا يُكلِّفُ الأَمرُ أكثرَ من ذلك
للمُساعَدَة.
أن تكونَ و حَسب
بالقُرب من مخلوقاتٍ مُتْرَعَةٍ بالمعرفة،
مُتْرَعَةٍ بالحُب،
حتى أنها لا تتبادَلُ الحَديث،
إنها فقط تتفرّسُ حَولها
بتفهُّمٍ
بَديع.
Ω
القدّيس يوحنا الصّليب
(إسبانيا)
—————————
أوه
يا أصدقاء الدّرب،
لم تَعُد عَينايَ عَينايْ،
ثَقَبَتْهُما العُذُوبَةُ
عندما نفذَت منهُما
ذاهبةً إلى قلبي.
كَم طالَ الوَقتُ و أنا واقفٌ
في هذا البيت الجَسَد،
و أَرمُقُ مَولاي.
محبوبي أعشابٌ مَنقُوعَةٌ
داوَتني إلى أَبَدِ الدّهر.
ليسَ لـ ميرابي سوى قيريدارا*؛ الحاملُ لكُلّ شيء،
و الجَميعُ يقولُ
إنها متيمة.
Ω
ميرابي
(الهند)
*قيريدارا: حامِلُ الجبال؛ إلهٌ في الديانة الهندوسية.
—————————
الخُلودُ لحظَةٌ واحدَةٌ،
الخُلودُ هُوَ الآن..
و عندما تَنظُرُ عِبرَ هذه اللحظة
فأنتَ ترى
خِلالَ الواحد الّذي
يرى.
Ω
وومن
(الصين)
—————————
هُوَ؛
مَنْ يُقَيّدُ نفسه بلذّةٍ ما،
يُدَمّرُ أجنحة الحياة.
لكنه هُوَ؛
مَن يُقَبِّلُ اللذةَ و هي طائرةٌ،
يَحيى
في أبديّة ارتفاع الشّمس.
Ω
ويليام بليك
(إنكلترا)
—————————
بين أن تحيى
و أن تحلُمَ
أَمرٌ ثالثٌ؛
خمّنه.
Ω
أنطونيو ماتشادو
(إسبانيا)
—————————
مِحْوَرُ المَحَاورِ،
لُبُّ البِذار،
لَوزةٌ ملمومةٌ على نفسها
و يكتنزُ سُكَّرُها؛
هذا الكونُ برُمّته
حتى آخر نجمةٍ
و ما بعدها
كُلّه
لَحمُ جسدك أنت، و فاكهتك.
تشعُرُ الآنَ
أن لا شيء يتشبّثُ بوجودكَ؛
مَحَارَتُكَ العظيمةُ تَعومُ
في فضاءٍ لا نهائيٍّ
في ميوعةٍ غنيّةٍ
في دَفَقاتٍ تعلو و تهبطُ،
تُشرِقُ في سَلامِكَ الأبَديّ.
تَدرُجُ مليونُ نجمةٍ
في سَمَاءِ ليلِكَ،
مِن عُلُوِّها تَلمَعُ فوق رأسك.
لكنّ مَجْدَ الحياةِ
يبقى لك؛
عندما تموتُ تلك النجومُ
يُطِلُّ الوجودُ كله
من داخلك.
Ω
ريلكه
(التشيك)
—————————
و بعدَ كُلّ هذا الزّمَن
لم تقُل الشّمسُ للأرضِ:
أنتِ مَدينةٌ لي.
أُنظُر ماذا يفعلُ حُبٌّ كهذا؛
يُضيءُ وَجهَ الفضاء.
Ω
حافظ الشيرازي
(إيران)
—————————
بحثتُ عن نفسيَ حتى
أعياني التّعب.
لهذا أعرفُ الآن:
لا تُطالُ المَعرِفَةُ الخافِيَة
عِبرَ السّعي إليها.
لاحقاً،
مُستغرقةً في فكرةِ أَنّني الأشياءُ كُلّها،
وَقَعْتُ على بَيتِ النّبيذ؛
كُلُّ الجِرارِ مملوءةٌ حتى حوافّها،
بيد أنّه
لم يبقَ أحدٌ هُناكَ
ليشرب.
Ω
لِلّا
(الهند)
—————————
لطالما اتَّصَفتُ بالعُذوبَة المُتدفّقة،
و الحِدّةِ المُتّقدة.
بيد أن مياهي كانت خدعةً بصريّةً،
و ألسنةُ ناري مخلوقةً من ثلج.
هل كنتُ أحلُمُ حينها؟
هل أنا مستيقظٌ الآن؟
Ω
جلالُ الدّينِ الرّومي
(أفغانستان)
—————————
مُتْ و أنتَ لا تزالُ حيّاً.
تأكّد من موتك جيّداً،
ثُمّ افعَل ما تَشَاء.
ستكونُ بخيرٍ،
و تبدو الأشياءُ كُلُّها
رائعة.
Ω
بونان
(اليابان)
—————————
مُكتملٌ حُبُّ الله، ولا يوصف.
يسيلُ في النّفس الصافيةِ
كما يُسرعُ الضوء نافذاً من الأجسام الشفّافة؛
كُلّما زادَ ما يجدهُ فيكَ من الحُب
كُلّما وهبَ نَفْسَهُ أكثر
لتنموَ مَصقولاً و مُتفتّحاً،
لتكونَ فَرْحَةُ الجنّةِ
طاغية.
و كُلّما زادت الأنفُسُ المتآلفَةُ في رَنِينِهَا،
تعظُمُ شِدّةُ الحُب؛
فكُلُّ نفسٍ مرآةٌ
تعكسُ أختها.
Ω
دانتي
(إيطاليا)
—————————
أَبحَثُ عن قَصيدَةٍ
تَقولُ كُلّ شَيءٍ
كي لا أكتُبَ بعد الآن
شيئا.
Ω
توكارام
(الهند)
—————————
لا شَكْلَ لَهْ،
لكنّ عَيناي قد رأته،
و شَعّ مَجدُهُ في عَقلي الّذي
أبصَرَ ما صوّرَتهُ الرّوحُ
لشَكله السرّي الباطني.
لا حدود للغَيب،
فالحواسُّ تنتهي عِنده.
يَقولُ “مُجتباي“:
ليس للكلمات قُدرَةٌ
على احتوائه،
إلّا أنّها جَميعاً
فيه.
Ω
مُجتباي
(الهند)
—————————
الرّبيعُ يَعُمُّنا،
إلّا أنّ دواخلنا
كَونٌ آخَرٌ.
خلفَ كُلّ حَدَقَةٍ هنا
طَقسٌ عاصفٌ و مُفرَدٌ.
في النسائم
يتحرّكُ كل غصن من الغابة
حُرّاً،
سوى أنها
-أثناء تمايلها-
عند الجذور
تتصل.
Ω
جلالُ الدّينِ الرّومي
(أفغانستان)
—————————
الولادةُ، والشّيخوخةُ، والمَرَضُ و الموت؛
مُنذُ البدايةِ
هذا ما سارَت عليه الأمور.
أيّةَ فكرةٍ عن الانعتاق من هذه الحياة
لن تقومَ سوى بِطَويِكَ أكثر
في فِخاخها.
يبحثُ النّائمُ عن بوذا،
و يلتفتُ المَهمومُ نحو التأمُّل،
لكنّها وحدها
تلك الّتي تعرفُ
أنْ ليسَ مِنْ شَيءٍ هُناكَ
كي تبحث عنه،
تعرفُ أيضاً
أنّ لا شيء هناك إذاً لتقوله،
فتُبقي على فَمِها
مُطبَقَاً.
Ω
دايو نهان
(فيتنام)