منعم الفقير، شاعر من العراق ويقيم منذ 25 سنة بالدنمارك حيث يدير تجمع السنونو الثقافي إضافة إلى رئاسة تحرير مجلة السنونو وهي عربية وتعني بالثقافة الدنماركية. إضافة إلى مجلة ديوان وهي بالدنماركية وتعني بالثقافة العربية وهو عضو جمعية الشعر ولجنة العلاقات الدولية في اتحاد الكتاب بالدنمارك.
عمل في بداياته بالعراق مع جماعة المسرح الجديد ككاتب وممثل ثم انتقل إلى بيروت ثم دمشق حيث عمل بالصحافة الثقافية. صدرت له عدة أعمال شعرية منها بعيدة عنهم و المختلف و أثر علي ماء و اللوعات الأربع ، و لا جسد في الثوب و حواس فاسدة كما صدرت له رواية بعنوان مقهى مراكش وأخرى بعنوان قطار الطفولة وهي مسرحية روائية وذلك بالاشتراك مع الشاعرة الدنماركية مريانه لارسن. وصدر عنه كتاب بعنوان أخطاء كونية ويضم دراسات ومختارات شعرية واعده الكاتب عزت العزاوي عن منشورات مركز اوغاريت في رام الله بالتعاون مع اتحاد الكتاب الفلسطينيين.
نال عديد الجوائز منها جائزة الشاعر بول سورنسن وجائزة الكاتب التي يمنحها سنويا اتحاد المكتبات العامة في الدنمارك وجائزة الانجاز الفني التي يمنحها صندوق الدولة لرعاية الفنون والآداب. أيضا جائزة البنك الوطني الدنماركي للآداب والفنون وجائزة فنان العام بدرجة شرف وذلك سنة 2000.
وأدرج ضمن انطولوجيات مختلفة منها التي تعني بالآداب في الدنمارك وألمانيا واسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة وماليزيا.
التقيناه علي هامش اللقاء الشعري في كلية الآداب بسوسة ضمن مهرجان الايام الشعرية وكان هذا الحوار:
* منعم الفقير والشعر، ما الحكاية؟
جئت إلى الشعر من المسرح، كنت في بغداد قد ساهمت مع الآخرين في تأسيس فرقة مسرحية تحت اسم جماعة المسرح الجديد.. كانوا من الهواة ولديهم أحلام وحماس أكثر مما لديهم من خبرة وتقنية.. كنا نحاول ان نعطي دورا جديدا للمسرح وخصوصا في مستوي ارتياد الجمهور.
بدأنا بالمسرح في الصالة والحديقة المتنزه إلى حدود سنة 1978 ثم توقف العمل بهذا النوع من النشاطات بسبب وضع السلطة اليد علي كافة الممارسات الفنية والأدبية ولا تسمح بها إلا من خلال وسائلها وقنواتها.
في منفاي الثاني بيروت، اكتشفت ان هناك صعوبات في مواصلة العمل المسرحي من خلال تعذر حصول إجماع إلى الرؤية في النص ومقولة العمل المسرحي، وفي هذه المعمعة من الاختلافات والنقاشات، وجدتني أودع المسرح خطوة اثر خطوة.
لكن ظهورا عابرا لامرأة تنبأ لي بقصيدة فحاولت ان اكتبها كما أتمني واشتهي، وبالفعل كانت القصيدة الأولى التي نشرتها وتلتها القصائد اللاحقة.
ولا بد من الاشارة إلى ان هذه المرأة كانت مكان القصيدة فيما بيروت مدة زمانها وأنا مدين لهذه المرأة ولبيروت.. لوجودي كرجل وبسلامتي الشعرية.
* بين هذه الرحلة، ودمشق، بيروت ثم الدنمارك.. كيف كان منعم الفقير في هذه الحالة الشعرية المفتوحة؟
اعتقد انه علي كل شاعر ـ وهذا يعنيني قبل غيري ـ ان يجد مكانا يساعده علي تكوين رؤياه عن العالم وان لا يزاحم أو ينافس شاعرا غيره علي مكان واحد، ففي الأرض موطئ قدم..
وأقول تحديدا إني أريد ان اكتب دون ان أختلف عن غيري أو معه.. كان هذا السؤال كافيا لبث الرعب والقلق في وجودي الشعري قيد الإنشاء.
بعد ان حاولت ان أتصالح واتفق مع نفسي، توصلت إلى ان ابني جملة تخصني لتأسيس معجم شعري ولغوي يخصني ولا يهمني ان كان قليل الكلمات، المهم انها كلمات وأنها تختص بي ولها علاقة مع ماضي الشعوري، فالكلمة هي أنا المقروء أو المسموع.
هذا كان همي الأول أي ان تكون هناك لغة وموضوعات وتكون ذكرياتي علي علاقة بها. أحاول ان أنتج قصائدي كما أتمنى ان انتخب ذكرياتي.
وإذا كان المقصود هو ان نتحدث عن دمشق، بيروت وكوبنهاغن أنا بالنسبة لي هي أزمنة تتفاوت في حدة ألمها وإحباطها وتمكنها من جعل الآمال متعذرة.
* وبغداد؟
أنا قد لا اكتب إلى بغداد لكني اكتب منها أينما أكون، وعندما تتهدم بغداد، يعني ان الأرضية التي تحمل جسدي تكون في خطر. في كل التجارب الشعرية والحياتية، أحاول ان ابقي ذاك المراهق البغدادي الذي يقاوم الكبر والنضج ويبقي علي ارتباكه وذهوله.
* وهل الشعر لحظة ارتباك في هذا الكون المربك؟
بالانعطافات التاريخية والفكرية واعني بها الإيديولوجية، ينشط التآمر علي الشعر والفلسفة علي حد سواء. والشعر يصبح أكثر تضررا ومرد ذلك كون الشعر يحمل من الأسئلة ما يجعل التحولات في حالة دائمة من التساؤل وهذا التساؤل يصبح معرقلا للبرامج السياسية التي تحاول استيعاب كل ما يهدد برامجها.
وإذا عدنا إلى هذه التحولات، سوف نجد سحب الأهمية من الشعر والتقليل من مساهمته في الحياة اليومية وتمجيد ادوار فنون أخرى لأنها الأسهل علي الاختراق، وهناك دائماً ما هو مطلوب، والمطلوب هو الشعر.
الساسة يتعاملون مع الفن كوسيلة لتبرير أطروحاتهم فيما الفن هو منظومة جمالية مستقلة أحيانا حتى عن فنانيها، الفن إرادة الجمال والجمال عندما يكون يجب ان نصغي إليه.
* أين تضع تجربتك في هذا المشهد الشعري العربي؟
أتمني ان يُطرح هذا السؤال علي غيري لأني أريد ان اعرف كغيري أين أنا من هذا المشهد.
* والنقد؟
هناك ظاهرة يجب ان نسميها دون مواربة أو تورية.. ان النقد العربي ظاهرة غير سوية خصوصا فيما يتصل بالشعر.. فالشعراء العاملون في الأقسام الثقافية تحولوا إلى نقاد.. وهذا التحول ليس بريئا حيث ان الشاعر أينما يكون، فهو يمثل تجربته وهناك قلة قليلة ظهرت في التاريخ نستطيع ان تقرأ الشاعر الآخر بعيدا عن تجربتها الذاتية. هذا فضلا عن ان المدارس المستعارة من العرب تفشل أحيانا في تقويم موضوع النقد والي الآن لم نلاحظ تجربة نقدية تستنبط أدواتها النقدية من النص ذاته كما ان نقد الشعر بقي متأخرا عن حركة الشعر العربية وهذا يخلّف تشويشا علي المعايير التي يرجع إليها في التعاطي مع التجربة والنص معا.
وربما نلاحظ أيضا ان النقد صار مديحا وذما ونصائح.
ومن النادر ان تجد من يتعمق في فهم مقولة النص وعوالم النص وتحليل رؤاه وكشف العلاقة بين الشكل والمضمون وبين اللغة من جهة والحقل التاريخي من جهة أخرى.
والنقد لم يراكم تجربة تكون حارسة علي الحداثة وما بعدها بل نجده علي العكس يتخذ من ماضي الشعر مرجعا في التقييم، ليس حاضره فحسب وإنما مستقبله.
* الشعر والحوار.. شرقا وغربا.. وتجربتك في الدنمارك؟
نحن بحاجة إلى ان نعرف الآخر كما هو وليس كما نريد أو نتصور. الآخر كما هو في بيت وفي حياته اليومية وفي همه الوجودي. لا توجد مبادرات مؤسساتية في التقريب بين الآخرين القاطنين في جهتي العالم (شرق وغرب) علي العكس من ذلك تم تحويل الجهتين من جهتين جغرافيتين إلى جبهتين محتدمتين تاريخيا. الغرب ليس كتلة واحدة بل شرائح وفئات واهتمامات أحيانا تصل إلى حد التعارض.
لنا في الغرب أصدقاء أكثر مما لدينا أعداء ولا اعتقد ان غربيا يحقد علي الجماعة العربية وهو قد استمتع في طفولته وفي صباه بقراءة أجمل قصص قدمت منهم وعنهم مثل إلف ليلة وليلة.
وأود ان اذكر هنا وعلي سبيل المثال ان الدنمارك احتفلت هذا العام بالذكري المئوية الثانية علي ميلاد أندرسن ودعت العالم للاحتفال به من خلال ترجمات كما تمت تسمية سفراء له.
فأندرسن نفسه مدين لألف ليلة وليلة لأن هذه القصص غدت مخياله الأدبي بعد ان قرأها كهدية من أمه حين كان محموما.
إننا في العلاقة مع الآخر، لا نراه إلا عدوا ومتآمرا ولا نفرق بين الفرد والمؤسسة ولا بين الأفراد وأنظمتهم وكما قلت، ان الشرق يظل حلما لكل دنماركي يتمني ان يتحقق في زيارة.
الحوار المطلوب مع الغرب هو أصلا يساعدنا علي تحديد أصدقائنا من غيرهم ويضعنا أيضا أمام الحاجة إلى إيجاد وسائل من المعلومات لتقديمها إلى الأفراد الذين يرتابون من التوجهات الإعلامية الغربية التي تغذي سوء الفهم وحتى الصدام. نحن في حاجة ماسة إلى قناة معلوماتية يرجع إليها الآخر في تكوين موقف وتدعيم آرائه.
* وعن تجربتكم تحديدا في هذا المجال؟
نحن في تجمع السنونو الثقافي، عملنا منذ سنة 1991 علي إقامة حوار بين الدنمارك والعالم العربي وركزنا علي ان تكون الثقافة أساسه وتمكنا من إقامة عديد الفعاليات الناجحة في تأثيرها ودعونا نحو مئة من الكتاب والفنانين والمفكرين العرب فيما لم تتمكن الجاليات الأخرى من تحقيق ما انجزناه كما أننا نتواصل في دعوتنا من خلال هذا إلى إنشاء صندوق عربي غربي لدعم مشاريع الترجمة لأنها الجسر المتاح لردم الهوة بين ثقافتين وتقريبهما عبر توسيع آفاق الفهم.
* وأخيرا؟
أنا في زيارة إلى تونس وحضرت المهرجان الدولي لربيع الفنون بالقيروان وقد توصلنا في تجمع السنونو الثقافي وجمعية مهرجان الفنون بالقيروان إلى إمضاء اتفاق تبادل الدعوات بين التونسيين والدنماركيين للمشاركة في الفعاليات المختلفة وهذه الاتفاقية لا تقتصر علي الشعر والنثر وإنما تمتد إلى السينما والمسرح وسوف نتابع تحقيق هذا الاتفاق، وعلي صعيد آخر تعرفت عن قرب علي زملائي التونسيين من الشعراء وكانت لنا لقاءات تفاعلية قد تنتج أعمالا مشتركة.
القدس العربي
2005/05/19