الدار البيضاء: سعيدة شريف
بصراحته المعهودة وبأسئلته القلقة عن الراهن المغربي الثقافي والسياسي أعطى الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي المقيم منذ 1985 بفرنسا للقاء الثقافي والصحافي الذي خصصته له مؤسسة سوشبريس للنشر والتوزيع؛ بالدار البيضاء صباح الخميس الماضي نكهة أدبية خاصة عبر فيها الشاعر الذي قضى ثماني سنوات من عمره في السجن (من 1972 الى 1980) بسبب أفكاره المتحررة ومعاداته لكل أسباب العنف والاضطهاد التي ذهب ضحيتها في السبعينات مجموعة من المثقفين والكتاب المغاربة حيث اضطر بعدها الى مغادرة المغرب بحثا عن آفاق أوسع للإبداع والكتابة رفقة مجموعة من الكتاب والشعراء المغاربة من بينهم الشاعر مصطفى النيسابوري والمتمثلة في إصدار مجلة ثقافية وأدبية باللغة الفرنسية تحمل اسم أنفاس SOUFFLES؛ ترصد المخاض الفكري والأدبي الذي كان يعتمل في الساحة الثقافية بالمغرب في نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي. إلا أن هذه التجربة الأدبية المتميزة إضافة الى تجارب أخرى لاحقة سرعان ما توقفت بعد خمس سنوات من الصدور أي في عام.1972
لم يكن بامكاني التعبير بكل حرية والكتابة وفوق رأسي شرطي...؛ بهذه الكلمات المؤثرة والحزينة في نفس الآن عبر الشاعر عبد اللطيف اللعبي عن الدوافع التي جعلته يغادر المغرب ويجعل من فرنسا مقاما له ولاختلاجاته الفكرية والأدبية التي لم يكن بلده المغرب يتسع لها آنذاك حيث وجد في فرنسا جوا عاما ساعده على التقدم في الكتابة والإبداع. أما الآن ـ كما أشار اللعبي ـ فالأمور قد تغيرت بالمغرب وبامكان المثقف الآن أن يقدم الشيء الكثير للثقافة كما أنه على الديموقراطيين أن يحققوا للمغاربة ما انتظروه منذ سنوات.
وعلى الرغم من كتاباته المتعددة عن السجن والاعتقال التي تراوحت بين الشعر والرواية والقصة والمسرحية إلا أن اللعبي الآن لا يعتبر نفسه كاتب سجن بل هو كاتب ومواطن يدافع ويحارب من جديد من أجل مواطنته ومن أجل الإسهام في تقدم المجتمع حيث قال بصراحة أنا لست كاتب سجن الآن. لقد اكتشفت مناطق وفضاءات أخرى للكتابة. كما أن آفاقي قد اتسعت ولهذا فصفة كاتب السجن قد سقطت عني الآن حيث أصبحت أهتم بالأسئلة القلقة المتعلقة بالراهن المغربي وبالأشكال الأدبية وبالامكانات المتاحة لتعبير أدبي أفضل؛.
أما بخصوص كتابات السجن التي حققت تراكما مهما في السنوات الأخيرة في المغرب فإن اللعبي يرفض الحكم عليها بمعايير أدبية ونقدية بل يرجح المعايير الإنسانية لأنها ـ برأيه ـ شهادة إنسانية بالأساس لا تتحمل إقحامها في الإشكالات الأدبية ما دام هدفها الأساسي هو الاشتغال على الذاكرة وإضاءة تلك العتمة التي لحقت سنوات الاعتقال والسجن بالمغرب.
وبالرغم من تفاؤل اللعبي ودعوته الكتاب والمثقفين المغاربة الاستماع الى بعضهم البعض وقراءة بعضهم البعض بشكل جيد بعيدا عن تلك الأنفة والشوفينية المتجاوزة الآن وزرعهم بذرة الأمل في الشباب المغربي حتى يتحملوا ويقاوموا جميع المآسي ويساهموا في إثراء الفكر والحضارة المغربية التي أفسدت بسبب طابع الفلكرة؛ (أو الفلكلور) الذي أسبغ عليها منذ الاستقلال بهدف استقطاب الأجنبي. إلا أن نبرة الحزن والأسى على ما يشهده المغرب من موات ثقافي؛ وقطيعة مع الذاكرة الثقافية جعلت اللعبي يتخوف من مستقبل الثقافة بهذا البلد الذي ما زالت الثقافة الى الآن لا تخلق الحدث فيه لأنه يحتاج الى الكثير من المبادرات لتشجيع القراءة والكتابة ومن تلك المبادرات خلق حوار مباشر بين الكتاب والمؤسسات التعليمية والاهتمام بما يكتب على الهامش لأن تلك الكتابات هي التي من الممكن أن تخلق الغد الثقافي في المغرب.
وللإشارة فقد صدرت للشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي مجموعة من الدواوين الشعرية والروايات والمسرحيات والقصص الموجهة للأطفال والشباب إضافة الى ترجمات للشعر والروايات والأنطولوجيات العربية قام فيها اللعبي بتقريب الأدب العربي من القارئ الفرنسي حيث ترجم أشعارا لمحمود درويش وعبد الوهاب البياتي وعبد الله زريقة وسعدي يوسف ومحمد بنيس وقاسم حداد وآخرين. ومن أعمال اللعبي الشعرية نذكر ديوان مملكة البربر؛ كل والانكسارات؛ والشمس تحتضر؛ الذي حوله مسرح اليوم؛ في المغرب الى مسرحية شأنه شأن مجموعة من أعماله الشعرية التي ترجمت الى العربية وتم تحويلها الى أعمال مسرحية. ومن رواياته نذكر رواية تجاعيد الأسد. وأغلب أعماله قد تم طبعها بفرنسا حيث حصل الشاعر على بعض منها على جوائز أدبية قيمة منها: الجائزة الدولية للشعر من المؤسسة الوطنية للفنون بروتردام عام 1979 وجائزة الحرية من البين كلوب؛ بفرنسا عام 1980 وجائزة فونلو نيكولي؛ الأدبية من أميركا عام 1999 وجائزة الشعر والوني ـ بروكسيل عام.1999
وقريبا ستصدر للشاعر عبد اللطيف اللعبي مجموعة من الأعمال الأدبية: ديوان شعري ايروتيكي بالفرنسية سيحمل عنوان فواكه الجسد؛ ورواية بالفرنسية ستصدر عن دار جاليمار؛ وتحمل عنوان قاع الخابية. هذا إضافة الى اشتغاله منذ مدة على انطولوجيا للشعر المغربي من 1956 الى 2000؛ ستصدر خلال هذا العام.
المصدر: جريدة (الشرق الأوسط)