* من "الحوار على بوابة الأرض" إلى "العشب الذي أكلته المدن" مرورا "بالموت عندما مر من هناك" و وصولا إلى "الأيام التي لم/لن تخبئ أحدا" و"الطين" قريبا وعبده خال يتنقل من دار طباعة إلى أخرى, أليست هذه دلالــه على أحد المصاعب والأزمات الكبرى للمثقف السعودي؟ ومتى ستكون هناك دار نشر متخصصة في السعودية تضاهي -على سبيل المثال لا الحصر- "دار الساقي" أو "دار الجمل"؟ و هل المشكلة في المستثمر بذاته أم العقبات التي يواجهها؟
- إن غياب الناشر المحلي الذي يتكبد مغامرة النشر في الأعمال الإبداعية المجلية لا تزال غائبة عن ذهنية المستثمر في هذا المجال. فالناشر المحلي يبحث في البدء عن الربح المبكر،بمعنى أنه لا يؤسس لداره اسما تكون مطلوبة في المعارض الدولية فهو يقدم على نشر الأعمال المتواضعة ولا يسعى مثلا لاستقطاب أسماء كبيرة من العالم العربي لتدعيم انتشار الدار وبالتالي تظل ضمن الدور التي لا يلتفت إليها الكثيرون.
هذه المعضلة هي أول ما يواجه الناشر لدينا ويمكن إيجازها بغيابه عن الأسماء المؤثرة والمطلوبة في السوق الشرائية. الأمر الأخر أن الناشر لدينا لا يقوم بتوزيع الكتاب في المعارض الدولية ويقتصر دوره على التوزيع في أماكن محصورة وإن قام بذلك تكون الأسماء المقدمة ليست ذات بال وهذا يغفل الإقبال عليها. ويمكن الإشارة إلى أن الناشر لدينا ليس ميالا إلى الكتابات الإبداعية وهو يرى أنها كتب جالبة للخسارة وهذا خلل كبير في النظرة للإبداع فقد ظلت القصة على سبيل المثال تمثل في ذهنيته أنها ليست إلا تخيلات وبهذا فوت على نفسه وعلى القارئ الاهتمام المبكر بهذا الفن. وهناك عقبات حقيقية يواجهها الناشر تتمثل في إجازة النص الأدبي يحث لا توجد معايير واضحة لإجازة العمل مما يؤدي بعزوف الكاتب عن النشر في الداخل ويؤدي بعزوف الناشر في الدخول إلى عملية خاسرة من البدء. ويمكن إضافة نقطة مهمة من وجهة نظري تتمثل في أن الكاتب لدينا يسعى لأن يطرق الأبواب العربية لانتشار أو لثقته أن عمله لا يقل بأي حال من الأحوال عن الأعمال العربية الأخرى التي تصدر في مراكز العواصم العربية. وهناك أسباب عديدة ومريرة نغض الطرف عنها في الإجابة المختصرة هذه.
* من السؤال أعلاه, لا نجد جل مؤلفات عبده خال على رفوف مكتباتنا شأنه شأن العديد من المبدعين السعوديين, ما الخلل؟ و ما الحل؟
- إن غياب الكتاب السعودي الذي ينشر بالخارج هي مشكلة نعاني منها كثيرا، ولا أعرف سببا محددا وواضحا،فالدار الناشرة لا تقوم بإجازة العمل للدخول به إلى الأسواق السعودية وربما هي تختصر الطريق لأنها لا تتواجد أصلا داخليا ولغياب المعارض المهمة في المملكة فهي لا تسعى لذلك وتكتفي بتوزيع ما تطبعه على الأطراف،فأنت تجد روايات الكتاب السعوديين في البحرين على سبيل المثال ولا تجدها في الدمام. والخلل في نظري عدم اهتمام مباشر من المؤسسات الثقافية في دعم تواجد الكتاب السعودي بالداخل. فأنا ككاتب حين أقوم بالنشر أجد مهام أخرى علي النهوض بها وليس لها علاقة بالكتابة مثل البحث عن دار للطباعة وكيفية التوزيع وإيصال العمل للأصدقاء ودائرة تستنزف جهدا كبيرا كان يمكن تلافيه لو أن هناك اهتمام مباشر من قبل المؤسسات الثقافية.
* لماذا التوجه المفاجئ من القصة القصيرة إلى الرواية؟ وهل الروية صرفتك عن القصة القصيرة وأنت من رواد القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية؟
- لستُ رائداً بل جئت من تراكمات قصصية سابقة،وأمثل جيلا (إن اتفقنا على قضية الأجيال) حديثا بالنسبة لعمر القصة السعودية. أما بشأن الانتقال من كتابة القصة إلى كتابة الرواية ربما لأني وجدت في الرواية المساحة التعبيرية التي تستوعب عالمي الحكائي الممتد في داخلي أصلا وربما استجابة لتلك المقولات التي كان يطلقها الزملاء حيال النصوص التي اكتبها بأنها تحمل نفسا روائيا وأيا كان من الأمرين فأنا لم أهجر القصة القصيرة ولكنها غدت ذات مساحة ضيقة بما يكتظ في داخلي.
وأرى أيضا أن كتابة الرواية الآن تحقق لها شرطها الموضوعي لكي تكتب،وفي نفس الوقت فالرواية تملك أبعادا متفاوتة ومستويات عديدة من البوح يضيق أفق القصة في منحك إياه.
* عبدالرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا كتبا على لسان بطل "عالم بلا خرائط" أن "الروائي هو أكثر شخص رومانسي و حالم و خيالي في الوجود إذ أنه يخلق مدنا وأبطالا وأحداثا لا وجود لهم سوى في كتبه ليسوق بها رؤيته" والبعض يقول أن الروائي ليس سوى مؤرخ حقيقي للتاريخ الغير مزيف, بين هذا الرأي وذاك, أين يقف عبده خال؟.. و أين يريد أن يقف ؟
" الروائي يسعى لخلق عالم جديد،عالم ينبذ الكراهية والحقد والكذب والاستبداد.
شغوف بخلق مكابدات الإنسان،وشغوف بصياغة جديدة للكون،وغواص في النفس البشرية،ومستشرف للمستقبل،ومغرم بتهشيم العلاقات،وبناء ماهر،وباحث عن التفاصيل الحية في الماضي، وصديق المهمشين وكاتب التاريخ السري للمجتمع،والمانح حرية التعبير لكل الفئات. هل يكفى.؟ الروائي يستبطن هذا الكون ويعيد إنتاجه وفق رؤية الصامتين. أين يريد أن يقف.؟ هو لا يبحث عن منطقة ليقف عليها،هو يبحث عن فجوات وكهوف ليدخل فيها ويخرج ما لم تره العين أو تسمع به الأذن. هو باحث دائم،هو كصفحة سماء تقدم لك ألوان الطيف. وهذا القول ليس انثيال لغوي. هي حقيقة،ومن يعرف هذا الفن يغدو سلطانا غير متوج. أذكر مقولة لا أعرف لمن تقول : لا يهمني من السلطان ما دمت أكتب الأغاني. ولو يعرف الناس ما يملكه الكاتب لا حاربوه على ما يملك.
* ألا تعتقد أن "مدن تأكل العشب" أعادت البريق لـ "الموت يمر من هنا" ؟ و هل ستكمل حكاية "يحيى الغريب" ؟
- رواية مدن تأكل العشب هي العمل الروائي الثاني الذي كتبته وقد حققت انتشارا مكن الآخرين من الالتفات للرواية الموت يمر من هنا. ولا أخفيكم أنني كنت أشعر بغصة من أجل رواية الموت.. والسبب أنها لم توزع بصورة جيدة والذي أسعفها ظهور رواية مدن تأكل العشب.. أما السؤال عن يحي الغريب فهذي الشخصية لقيت تعاطفا كبيرا من قبل القراء لدرجة مطالبة بعضهم بان اكتب تكملة للرواية لكي يصل يحي لذويه.
و اجدني اقدر هذا التعاطف الذي يتداخل فيه العاطفي وذائقتنا القرائية مع الفن فنحن لازلنا أسيري الخلط ما بين ما يكتبه الكاتب وحياته الشخصية