زار الشاعر الموريتاني أحمدو ولد عبد القادر المغرب أخيرا للمساهمة ببعض الانشطة الثقافية.
وقد عرف الشاعر في بلده منذ السبعينات، ولكنه شبه مجهول في البلدان العربية الأخرى، كمعظم الكتاب الموريتانيين بسبب "عدم اهتمام الاعلام العربي المكتوب منه والمسموع بثقافة شنقيط" (موريتانيا) كما يقول في هذا الحوار معه:
* كانت شنقيط احدى عواصم الثقافة العربية يوما ما، ماذا عن الوضع الثقافي الآن؟
ـ من المعروف ان بلاد شنقيط تهيأت لها نهضة متميزة بخصائصها في المعارف الاسلامية العربية، وذلك في القرون الثلاثة وحتى الرابع بعد القرن الهجري العاشر. ونشأت هذه النهضة على خلفيتها التاريخية المنبثقة من الجانب الآيديولوجي لحركة المرابطين في القرن الخامس الهجري، كما شكلت تحولا نوعيا لها بعد تراكمات متتابعة. وعبرت تلك النهضة عن ذاتها خارجيا، باشعاعها المتكاثف على مر الزمان، في افريقيا (جنوب الصحراء)، كما مثلتها شخصيات معرفية أو اعلام هاجروا الى المشرق أو المغرب العربيين من امثال ابن التلاميذ الشنقيطي دفين القاهرة، والشيخ امين فال الخير الشنقيطي دفين الزبير، الشهير في جنوب العراق والكويت، وهو مؤسس مدرسة النجاة في الزبير للعلوم الاسلامية والعربية، وكمثال الشيخ ماء العينين الفاضلي صاحب الزاوية العلمية الجهادية العظيمة في جنوب المغرب. وغيرهم كثيرون.
ومنذ سبعينات القرن العشرين، والمنظومة المعرفية الشنقيطية (المحضرة) تعايش، بل تكابد ضرورات العصرنة، فالتحديث، واخيرا العولمة بصيغة أخرى: كيف نقحم بنيتنا المعرفية وتقاليدها سليمة في موكب عصري اردنا اللحاق به متأخرين؟ قد لا نكون الوحيدين في هذا المأزق. ولكن المعركة تستفحل والاشكالية قائمة.
* يدعى القطر الموريتاني ببلد المليون شاعر، ما مدى صحة هذا القول؟
ـ اطلقت الصحافة المشرقية (مجلة العربي) هذا اللقب على موريتانيا (شنقيط) في اواسط الستينات من القرن الماضي، وقتها كان احصاء السكان يقارب هذا العدد، وبغض النظر عن لا منطقية المبالغة، فلا شك ان الكتاب المستطلعين، فوجئوا ودهشوا حين نزلوا هذه الجزيرة الرملية النائية المترامية الاطراف، تعج بالاحياء البدوية المتنقلة، ومدارسهم (المحاضر) قائمة في كل مكان، هناك كان المنهاج الدراسي، يجبر الطلاب على حفظ عشرات الدواوين الجاهلية والاسلامية، حرصا على فهم العلوم الدينية، والعامل البيئي العربي الصحراوي اصيل ماثل، وحكايات الادب (شعراء ومقامات، وسيرا، ونظاما واراجيز..) تدندن بين السامرين على كل كثيب ابيض، وبين خيام الصوف السوداء، وعلى ظهور الجمال أو في بطاح واحات النخيل ومعاطن الآبار، أو في مشاهد التفاخر بين العشائر... الخ. تلك كانت الصورة الواقعية في ماض غير بعيد جدا، وعليها انبتت مبالغة المليون شاعر. وفعلا كان للشعر مكانته المرموقة، ونبغ فيه المئات ممن كتبوه فصيحا جزلا متخلصا من مسحة الانحطاط التي طبعت الشاعر العربي قرونا مديدة.
أما ان يكون البعد الجغرافي، وتوجه الشعر عندنا الى روح عصره، جديد العهد، ووسائل النشر لم توجد عندنا بالشكل المساعد، فهذا ما يبلور المفارقة الحادة، بين لفظة المليون شاعر من جهة، وحجم حضور الشناقطة حاليا في الساحة الادبية العربية من جهة ثانية، على ان المشهد الثقافي الراهن تتعايش فيه اجناس الشعر العربي المألوفة عصريا، على اختلاف مراميها واشكالها.
* وحظ الشعر الشعبي (الأدب الحساني) في هذه الثقافة؟
ـ الشعر الحساني أو الازجال الشعبية، له مكانته العريقة والمتعاظمة في المجتمع، فهو ليس كالفصيح الخاص اساسا بالنخبة، أوثق صلة بالفن الغنائي، وما زال يذوب حنينا ويتفصد حكمة، يتقاسم الابداع الامي والمتعلم. ومع قرب قاموسه الدارجي البدوي من الفصحى، فإنه لم يكلف نفسه تلبية نداء العصر، عكس الفصيح الذي يحاول منذ عقدين ارتياد المجهول، ويغير ازياءه، وربما جلدته احيانا، عبر صخب هائل من تضارب الاذواق والمشارب وتصادم الاجيال.
* أنت تكتب الرواية ايضا ولكنك معروف كشاعر فقط؟
ـ نعم، انا اكتب الرواية الاجتماعية التاريخية، محاولة لاضاءة خصائص الصحراء وأهلها بأسلوب درامي متحرك، يكمل كتابات المؤرخين (الستاتيكية) وأرى ان اشخاص الرواية من هذا النوع قد يوفقون في رصد واظهار جزئيات ولمحات دقيقة لا تراها عيون المؤرخين الموثقين. وتبقى كتابة العمل الروائي عندي هواية، اما الشعر فقدري.