أجرى الحوار: بدل رفو المزوري
* لقد قالت الشاعرة آخين ولات - في شهادتها التي تضمنتها مجلة حجلنامة - أن كل ما كتبته هو ميت في نظرها وليقرأه غيرها إما ليزداد موتاً أو ليحيا أكثر. كيف تفسرين ذلك، وهل يتمتع القارئ بأدب ميت في نظر صاحبه؟ ـ كل نص وهو مجرد فكرة، مادةٌ هلامية، وأنا إذ أقوم بفعل الكتابة أقوم عملياً بإحياء هذه الفكرة أو تلك، وبالتالي فإنني بمجرد إنجاز العمل بشكله النهائي أكون قد قتلت الحدث والشخصية وكذلك الفكرة، بشكل أو آخر بإفراغ الذات منها، فهل إفراغ الذات من الأشياء يعني شيئاً آخر، سوى قتلها؟ وأنت عندما تقرأ هذا العمل، لا تقوم إلا بإعادة الحياة بشكل مغاير لهذا النص الذي لا أقدمه للقارئ ميتاً، لأني لم أنف كونه حياً في نظر الآخرين، وإلا لَما حقق التفاعل الذي يختلف في درجة التألق، وبالتالي فإني أنظر وأستشف من تفاعل القارئ مع مادتي مدى كونها حية أو ميتة، فإذا قرأها قارئ ولم يكلف نفسه عناء الإتمام، فإنها لن تزداد إلا موتاً، وهنا حتى الموت أظنه يحمل رسالةً مثله مثل الحياة تماماً، أما إذا قرأها وتفاعل معها فإنها بالتأكيد ستحيا أكثر مما أحييتها أنا، وهكذا يتجدد الأدب، ولا يموت، والأدب الذي يمكن له أن يتجدد في كل لحظة هو فقط الأدب الحي دائماً وأبداً. لطالما أني أفكر وأترجم هذه الأفكار عبر اللغة - أياً كانت اللغة- فإن هذا ما هو إلا القيام بفعل الإحياء تارةً والقتل تارةً أخرى ـ هذا ما أفهمه أنا من الكتابة وهو رأي شخصي - وبمجرد الانتهاء من عملية خلق العبارة فإن استمدادها الحياة مني يكون قد انتهى أيضاً، فيكون كلانا قد مات بالنسبة للآخر: أنا بالنسبة للنص والنص بالنسبة لي، إلى أن يستعيد الحياة مرةً أخرى من خلال تفاعل المتلقي معه ومدى تأثيره في وجدان هذا القارئ الذي غالباً ما يمده بحياة أجمل وأطول إذا ما كان ذوّاقاً يتمتع بحس مرهف ومشاعر جميلة، أتمنى أن يستمد النص الذي أكتبه هذه الحياة المنشودة من القارئ. * كيف تقيم الشاعرة آخين الحركة النسوية الشعرية في سوريا، إن كان هناك في نظرك أدب نسوي وأدب رجالي...؟ - هناك الأدب الجميل فقط الذي يعلن تارةً أنه كتب من قبل امرأة، وتارةً أخرى من قبل رجل، فالأدب أدب، حيث هناك إبداعٌ فقط، لا أدب نسوي وآخر رجالي. سبق وأن بينت وجهة نظري في مقولة "الأدب النسوي والرجالي" التي لدي تحفظ تجاهها، في مجلة "حجلنامه" المهتمة بقضايا الأدب الكردي، لذلك سأختصر الإجابة هنا على الشق المتعلق بمشاركة المرأة في الحركة الشعرية السورية: لا تمتاز حركة المرأة في المشهد الشعري السوري بكثافة وجودها على العموم، وبالتالي فإن تقييمي لن يكون تقييم ناقدةٍ بقدر ما هو تقييم وجهة نظر جزءٍ من كل، للكل الذي يمكنني أن أصفه بالضعف مقارنة مع كون المرأة نصف المجتمع ومربية النصف الآخر وبالتالي فإن حضورها الأدبي في الساحة الثقافية لا يتماشى مع مكانتها العامة. المشهد الثقافي العام في سوريا يعاني من تراجع أو نوع من الجمود، وربما هذا بغير خافٍ على أحد، وهنا تؤثر الحالة العامة على الحالة الخاصة للمرأة المبدعة، وبالنسبة لمشاركة المرأة في الحركة الشعرية الكردية، فإنني أستطيع القول أن هناك أقلاماً عديدة تكتب في الحقل الشعري والنثري بشكل عام، إلا أن ما يهمنا هو النوع، لا الكم، أعتقد أننا لا زلنا نفتقر للنوع، ومردّ ذلك أننا محكومون بظروف عامة، إضافة لأخرى خاصة، مما يثقل كاهل كل واحدة منا بالكثير من المسؤوليات وتحدي العديد من العوائق التي تؤخر نضوجنا الفكري والإبداعي، فيما اختارته الأقدار للمرأة الموهوبة، لتكون المؤدية لرسالةٍ نبيلة، من خلال هذه الموهبة التي كانت هي صرختها الأولى وستكون الأخيرة أيضاً. * تحدثت ـ أيضاً في شهادتك ـ بأنك لم تتأثري بشاعر أو شاعرة، بقدر تأثرك بالكلمة الجميلة، فما هو مدى انسجامك بالكلمة، ودورها في البناء الشعري لقصائدك؟ - الكلمة هي أساس كل عمل أدبي فني، وبها يخفق الكاتب أو يتألق، بها يكون أو لا يكون. علاقتي مع الكلمة، هي علاقة عشقية دائمة، إذ يستفزني منها، الموّارة، المخادعة، البريئة... التي تمثل المرأة بكل حالاتها: اللعوب، الذكية، الأنثى الأبدية، التي تباغتك بشفافيتها حيناً، وبتواريها حيناً آخر، الأم المعطاء، المضحية، المتحايلة، المتفننة بجدارة، الصادقة إلى حد الحماقة، الصريحة إلى حد الوقاحة، الكاذبة إلى حد الألم، التي تملك من الشجاعة ما يجعلها تعلن أنها آتية لقتلك، أو هي آتية لإنقاذك، الكلمة هي الياسمين وهي المقصلة، هي السيف ذو الحدين، إن لم تحسن استخدامها قتلتك، وفي أحسن الأحوال جرحتك. بهذا الحب والحذر تتسم علاقتي مع الكلمة، بهذه البساطة، بهذه العفوية والعنفوان، بكل ما يجعلك تقبل على الحياة مصالحاً، أو تعطيها ظهرك متهكماً، جارحاً؛ بالتهكم تغتبط الكلمات أكثر بعض الأحيان لتموت بالرومانسية أكثر، فهل أفضل من التهكم حيناً في علاقتنا بالكلمة، والرومانسية حيناً آخر. تشدني من الكلمات، الشفافة القوية بنحولها، الشاعرية برنينها، العميقة بمدلولها، هي النرجس البري والبنفسج، هي نحن، ونحن هي. أنا لا أنتقي كلماتي من القواميس أو من قائمة الألفاظ التي من شأنها أن تعطي ما أكتب، القوة والتراص في العبارات والجزالة... إذ لا تهمني القوة في هذه الحالة، قدر ما يهمني الانسجام والتناغم الجميل. قد تكون البساطة هي الإبداع الحق والصدق، لسان حال الشاعر بصفائه، بعقده، بكل ما فيه من تحايل على القارئ، وما في التحايل من مشاعر متناقضة. انسجامي مع ذاتي في الكتابة ومع الموضوع المتناول، هو الذي يختار ما يناسبه من مخزوني اللغوي، ففي اللحظات التي أتحد فيها مع عالمي الخاص والعالم العام للكلمة، لا أختار بقدر ما أكون مطيعة لما تختاره مشاعري وحالتي النفسية من كلمات، ووجداني من معاني، كذلك الأمر بالنسبة للشكل والبناء الشعري لما أكتبه، إذ لا أجهد نفسي فيه ولا يشكل ذلك هاجساً ملحاً لي، حيث كنت ولا زلت أؤمن بألاّ أقيد قلمي، وأمسك بعنانه نحو وجهةٍ بعينها، نحو بناء هيكلية معينة وشكل يصنف كتاباتي ضمن المادة الشعرية أو القصصية أو النص المفتوح، أكون غافلةً عن الشكل بقدر انسجامي مع فرضية النص المفتوح، فلتأخذ الكلمات ما ترتضيه رداءً لها من فوضاي الداخلية، فمتى كانت المشاعر تقبل الترميم. النص هو الذي يكتبني، كذلك القصيدة أو النثر الحر... والشكل الذي تتخذه كتاباتي هو الذي يمثل حالتي الشعورية أصدق تمثيل، حيث تخف حدتها تتباطأ الجملة، حيث تتصاعد تكون الجملة في أوج تألقها، حيث تكون مشاعري هادئة يعلن النص عن ذلك من خلال الكلمات التي اختارها والمعاني التي انتقتها هذه الحالة بما يناسبها من التعبير، حيث أكون قلقة تكون العبارات مرتجفةً أكثر من القلق الذي ربما يمتد لذات المتلقي أيضاً، أستطيع الاعتراف بأن النص الذي أكتبه يفاجئني تماماً في أغلب الأحيان، بما تخفيه مشاعري وتنطوي عليه نفسي، كأنه يباغتني بسكينٍ أو وردة، أفاجأ إذ أكتشف في النهاية أن النص هو الذي كتبني لا أنا، و لهذا لا أكترث بالشكل كثيراً، بل أتركه غالباً على حاله، بفوضاه، بخوفي من الكلمات، بإيلامي إياها وتراشق العبارات، بكل ما في النص من انسجام أو فداحةٍ في الغربة، ليكون غرائبياً، فاضحاً، فهل في الكتابة أجمل مما يفضحك؟ * المكان في قصائدك له الحيز الأكبر، فهل هذا المكان مرتبط بزمان؟ - المكان والزمان.... لا تعني هاتان الكلمتان بالنسبة لي وحدة يجب تحجيمها، بقدر ما تعنيان لي مساحة لا حد لها من الحرية، وبالتالي فإن المكان قد يكون له ملامح ورائحة أكثر من مكانٍ معين في مكان بحد ذاته، فيما أكتب؛ وكذلك الأمر بالنسبة للزمان، وعلى العموم فإنني متأثرة إلى حد كبير بالمكان الريفي النبيل تحديداً، والمكان في كتاباتي هو ما يمكن له أن يحفظ لي نقائي، هدوئي، وإنسانيتي التي أرى أن كل ما يحيط بنا يجبرنا على افتقادها يوماً بعد آخر، والمكان المثالي هو ما يستطيع أن يشعرني بالجمال الكلي وبأني جميلة، هو ما يجعلني أحب الآخرين وأحب نفسي من خلالهم، وهذا المكان غير المحدد لا أظنه يرتبط بزمان محدد، وبالتالي لا الزمان ولا المكان مقيدان بجغرافية معينة لدي أو عصر محدد. - ما الذي أردت أن تقوليه في قصيدتك الطويلة "هبوب الذكريات" والتي تنشر على شكل حلقات في الموقع الالكتروني "عفرين نت" ؟ - ما أردت وأريد قوله في "هبوب الذكريات" لم ينته بعد، وأظن أن كل ما قلته وسأقوله هو نفسه ما تريد أنت قوله وهذا وذاك من الناس، والهبوب هي مجرد تداعيات وبث الحياة في ذكرياتٍ أعيد النبض إليها بقلمي الذي سيقتلها ثانية بمجرد أن يستقر هامداً فوق آخر صفحةٍ منها وحالما أطوي الأوراق في درجٍ للخزانة، أو ضمن مصنف لا أتفقد محتوياته مرة كل عام. فالهبوب التي أكتب ما هي إلا عملية إحياء ذكريات الطفولة والصبا، وهي ربما تكون قد كتبت إلى الآن بلغة فنية شعرية جميلة فقط، أما أن تكون قصيدة طويلة فهذا ما لا أعتقده. أعود فأقول أن ما أريد قوله من خلال الهبوب لم ينته بعد، ويمكنني اعتبار كل تأويلٍ من قبل القارئ أو احتمالٍ قد يأخذه بالحسبان، وكل حالة انفعالية تخلقها الهبوب أو غيرها من النصوص التي كتبت وأكتب، لدى المتلقي هو ما أردت قوله بالذات، وكلما كانت الاحتمالات أكثر ومتنوعة، كلما كانت سعادتي أكبر، لأنني عندما ألجأ إلى الانزياح بالكلمة من المعنى القاموسي لها إلى المعنى المجازي، لا أسعى سوى لتعددية الاحتمالات التي تعطي كل قارئ فسحة واسعة للتأمل والحرية. * الشاعرة آخين تكتب الشعر باللغة الكردية، وكذلك باللغة العربية، فهل نرى نفس الإحساس والروح الشعرية في كلا اللغتين؟ - أود لو أسأل أنا القارئ عما يشعر به من فرقٍ بين القراءة لي باللغتين، وهذا ما أريد استشفافه من وجهات نظر القراء، أريد حقيقة أن أشعر بما يشعرون به. ليست اللغة سوى أصواتٍ للتعبير عن انفعالاتنا الداخلية، وبالتالي فهي وسيلة وأداة للإفصاح عما نشعر به ونتفاعل معه من مجريات وأحداث تترك في ذواتنا آثاراً، وهذه الآثار تخرج فيما بعد على شكل نصوص وقصائد أو قصص وروايات. لا أخفيك أني في الكتابة بلغتي الأم، ربما أكون أكثر انسجاما مع المسؤولية المزدوجة تجاه هذه اللغة التي لازالت تشكل مادة خام ومساحة شاسعة للإبداع، مسؤوليتي في الكتابة بالكردية ليست إبداعية فقط، فهي بالإضافة إلى كونها إبداعية فنية، خدمة لهذه اللغة التي لم يتسن للكثيرين أن يخدموها كما هو مطلوب، ولذلك فنحن في الكتابة بالكردية لسنا كتاباً فقط، بل يكون فينا جانب من اللغوي، وكذلك جانب نقدي، فيه الكثير من الاستقصاء والتروي؛ ففي الكتابة بالكردية أشعر أني يجب أن أقدم مشاعري بلغة شعرية فنية جميلة من خلال عبارات فيها الكثير من الجمالية، بأبهى الصور وأنبل الأحاسيس، ربما هذه المسؤولية المزدوجة هي التي تشعرني بحالةٍ من النشوة، لا محدودة، ومتعة فريدة غريبة، حيث أشعر بأني أؤدي رسالة إنسانية، هي إحياء لغةٍ إذاً، وهذا ما يجعلني أنسجم مع كل كلمة وعبارة أو فكرة، وهنا يحضرني قول أحدهم: "من اجتهد وأصاب له أجران، و من اجتهد ولم يصب فله أجر واحد". وأنا بالنسبة للغتي التي أنا بحاجة ماسة لها كما هي بحاجة لي، يسعدني جداً الاجتهاد فيها، وإن لم أصب، فإنه يسعدني أكثر ألا يكون لي أجر على الإطلاق، إيماناً مني بهذا الاعتقاد، أكتب بلغتي وأكون أكثر عشقاً للقلم ولرائحة الورق التي تفوح. أما في الكتابة بالعربية، فإني أشعر بحالة إنسانية إبداعية، أستمدها من مخزوني اللغوي الذي أتاني جاهزاً، وبالنتيجة فإن الإبداع يبقى عملاً إنسانياً سامياً بغض النظر عن اللغة التي كتب بها، ليتني أستطيع الكتابة بكل لغات العالم . * هل أعطت الصحافة والنقد الأدبي الشاعرة الكردية حقها في سوريا؟ - أعتقد أنه حري بنا أن نسأل أولاً إذا ما كانت الصحافة الكردية قد أخذت حقها المشروع إلى الآن، أم لا؟ صحافةٌ مشروطة، محدودة بألف حدٍ وإشاراتٍ حمراء، من المحظور تجاوزها، لا بد أن تعطي نتيجة غير مرضية للمشهد الثقافي عامةً، وبالتالي فإن الحركة النقدية أيضاً ضعيفةً لأبعد الحدود، وهذه حقيقة لا يمكن لأحدٍ إغفالها أو التغاضي عنها. هناك محاولاتٌ خجولة غير مكتملة في النقد، هناك أحلامٌ كبيرة بصحافةٍ حرة، هناك شعاراتٌ وهتافات رنانة، نطلقها دون طائل، هناك كتاباتٌ تنشرها الصحافة على أنها أدب، وأخرى على أنها سياسة....الخ، وكل هذه الفوضى على حساب الشاعرة والشاعر دون تمييز، والنقد الكردي كونه لم يكتمل ويتبلور بعد، فإنه يشبه في حالاتٍ نادرة، النقد الموضوعي البناء، وهو في أغلب وجوده إما أن يكون مغالياً في المجاملات والمديح أو في التقزيم، فيكون معادياً أكثر من أن يكون محفّزاً للكاتب أو الشاعر لتطوير أدواته وإنضاج فكره المبدع، فيكون النقد عاملاً مثبطاً للإبداع، لا محرّضاً عليه، والشاعرة الكردية بخاصة تكون هي الخاسرة في هذه الأجواء من صحافةٍ جنينٍ، ونقدٍ تتحكم فيه مزاجية من يدعي أنه يمارس النقد، في الوقت الذي نحن بأمس الحاجة فيه لحركة نقدية بناءة، بعيدة عن عبارات الثناء الطويلة لمن تربطنا بهم علاقاتٌ، إما بحكم صلة الرحم أو الصداقة والحميمية، حيث النقد الأدبي يعني ممارسة تقنية تطبيقية في حقل الإبداع، وهو اجتماع النظرية الأدبية وتاريخ الأدب والمنهج النقدي، وأية ممارسة نقدية لا تتمتع بنظرية في الأدب أو منهج نقدي أو معرفةٍ كافية بتاريخ الأدب، فإنها ستكون قاصرة في حق النقد. - أود التنويه هنا أن الحديث هو عن الحركة النقدية الكردية في سوريا تحديداً- أرى أن كلاً من الكاتبة والكاتب الكردي مظلوم في هذه المعمعة والصخب، لأن الصحافة الكردية بالأساس مظلومة، محرومة من حقها في حرية التعبير، وبالتالي فإن فاقد الشيء لا يعطيه. * هل وصلت الحداثة، الشعراء الكرد متأخرة في سوريا، أم واكبت الشعراء العرب؟ - الحداثة الشعرية في الشعر العربي سبقت الحداثة في الشعر الكردي بكثير من الأشواط، وهذه نتيجة طبيعية، لأن الموجود يتطور دائماً على حساب ما يسعى هذا الموجود لقمعه، وما يسعى لتغييبه، وألا يكون له وجود من جذوره، الحداثة الشعرية الكردية حديثة العهد في سوريا، بحكم عدم ممارسة اللغة بشكل رسمي قراءة وكتابة، تعليماً وتعلماً، وهذه الحركة إن وجدت متأخرةً، فلأن الجهود التي نبذلها في تعلم لغتنا، اعتماداً على الاجتهاد والمجهود الذاتي البحت، في ظروفٍ صعبة نفتقد فيها الكتب والمراجع الهامة باللغة الأم، مما جعل الشعراء والكتاب الأكراد يتقدمون في الكتابة بالعربية على حساب الكردية، وبالتالي ضعف وتأخر الحركة الحداثوية الكردية عن مواكبة الحداثة الشعرية العربية التي تأخرت أيضاً عن الحركة الحداثوية الغربية في الشعر، فهل واكبت الحداثة في الشعر العربي، الحداثة في الشعر الغربي؟ الأسبقية للموجود إذاً، وبالتالي فإن المادة تسبق الفكر والوعي. * ما هي أعمال الشاعرة آخين المطبوعة، والمشاريع المستقبلية؟ - أعمالي المطبوعة مجموعة شعرية باللغة الكردية، ومجموعة قصائد مترجمة من الكردية إلى العربية للشاعر محمد حمو، وأنا لازلت في بداية الطريق. كان أبي ـ رحمه الله ـ يقول: "أن هناك من لا يقول ولا يعمل، من لا يقول ويعمل، من يقول ولا يعمل. وأنا بالنسبة للمشاريع المستقبلية أفضل أن أكون ممن لا يقولون ويعملون. * هل هناك تقارب فكري بين الشاعرات العربيات والكرديات في سوريا؟ - نستطيع أن نجزم أن هناك محاور فكرية عامة نلتقي فيها مثل الهم الإنساني والوطني العام، وهناك محاور قومية لا يمكن سوى للكردي أن يشعر بها، وأخرى لا يمكن أن يشعر بها سوى العربي، هذه من بدهيات اختلاف الانتماء العرقي لكل مبدع، ما أستطيع أن أقوله عما أستشفه من خلال تعايشي مع الواقع الأدبي الثقافي السوري، هو وجود أجواء فكرية واسعة بغض النظر عن الالتقاء أو عدمه فيها، وهناك تعايش عام بين الأدباء والمثقفين الأكراد والعرب، إلا في حالات نادرة، حيث يكون التعصب للقومية فيها سيد الموقف، ورد الفعل يكون تابعاً للفعل، حيث لا رد فعل بدون الفعل الذي يسبقه دائماً، أي بقدر ما يتنكر المثقفون العرب لأدب وثقافة الأكراد، أو لا، يأتي رد الفعل الكردي لطيفاً أو عنيفاً، وبالتالي بعيداً عن الموضوعية أحياناً، كلما شعر الأدباء الأكراد أن هناك محاولةٌ جديدة لتهميش الدور الكردي الذي هو فعال في حقيقته بالمشهد الثقافي العربي بشكل عام، وكذلك تهميش دوره الوطني الفعال أيضاً في تاريخ سوريا. هذا هو الجو العام، وكما سبق قوله أن العام يؤثر في الخاص بكل الأحوال، والعلاقة الخاصة بين الشاعرات الكرديات والعربيات بخطوط التماس الفكرية بين كلٍ من هاتين الفئتين، معتدلة بشكل أو آخر، من حيث الرؤى الفنية والجمالية وتقنية النص المكتوب، فالمرأة لها هم عام مشترك في المجتمع السوري، سواء كانت كردية أو عربية، وهذا الهم يتجلى فيما تكتبه من إبداع إنساني، إضافة إلى الهم الوطني العام، وكذلك الهم القومي، الذي تتفرد هنا به كل من الكردية التي هي صاحبة قضية عادلة، والعربية التي هي أيضا صاحبة قضية، وهنا ربما تختلف الرؤى الفكرية لنا، تبعاً لاختلاف حيثيات كلٍ من القضيتين وظروفها، وبالتالي فإن ملامح كل منهما تبدو حاضرة وواضحة في كتابات كلٍ من الكاتبة الكردية، وزميلتها العربية، إذ ليست الكتابة الشعرية بمنأى عن السياسة في أغلب الأحيان، وربما هذا ما نأسف عليه محاولين تجاوز هذه المحنة للأدب بشكل عام. 09/06/2003 - عن موقع: www.tirej.com |