أطلق كل من لوغوف و فوريو كولمبو و امبرتو ايكو "موجز المعرفة التفاعلي" على شبكة الإنترنت، و هو موقع على الويب تمّ إنشاؤه تحت رعاية الأكاديمية العالمية للثقافات التي تجمع مفكرين من جميع أنحاء العالم ضمنهم الشاعر العربي أدونيس. و مشروع هذا الموجز يتوجه الى كل الذين يطمحون إلى طرح سؤال الاختلاف الثقافي و كان سيصدر في الأصل في طبعة كلاسيكية لكن امبرطو ايكو يطرح التساؤل حول " كيفية إيجاد لغة مشتركة مع ساكني غينيا الجديدة و الأوروبيين ؟" . فكانت الإنترنت وسيلة مثلى للتواصل و دفعت الموجز الى أن يكون في تطور مستمر.
هنا عنوان الموقع : www.academie-universelle.org
***
* اختارت الأكاديمية العالمية للثقافات الانترنت لوضع موجز المعرفة التفاعلي، هل ذلك استسلام للموضة ؟
إننا نريد التفكير في تهجين الألفية الكبير. فالحاسوب والإنترنت هما ثورة القرن الحقيقية. فهما يستطيعان تغيير طريقة تفكيرنا و تعلّمنا مثلما فعلت المطبعة، لقد أدّت آلة غوتنبرغ الطباعية الى تأويل حرّ للتوراة ، و مسفرة عن ظهور بيداغوجيا جديدة، تعتمد على الكتب و الصور. إذ لم يكن لطفل أن يحصل على مخطوط قبل المطبعة، لكننا استطعنا اليوم مع الإنترنت أن نعرف أشياء كان أسلافنا يقضون دهرا لمعرفتها.
* لكن الإنترنت ليست مكتبة و المعرفة بها يختلط فيها الحابل بالنابل أليس هذا الإسراف هو أصل الالتباس؟
إن الإنترنت معادل افتراضي للعالم، مثلما في العالم هناك غابات و مدن. فهناك أيضا الولايات المتحدة و بوركينافاسو، انك ستجد كل شئ على الإنترنت المواقع النازية التي تريد أن تبيعك أي شيء كالبورنو مثلا، و حتى نصوص مجمّع آباء الكنيسة..
إن ذلك عجيب. إنها موجودة . إنها موجودة إذن هنا، في حين لم يتم بصددها استشارة سوى قلة من العلماء في مكتبات متخصصة. لكنها واردة بالإنجليزية و ليس بالإغريقية في طبعة قديمة، وستجدون أيضا نقد العقل الخالص لكانط بالإنجليزية. و لكن الأمر يتعلق بطبعة القرن التاسع عشر غير محفوظة الحقوق. إن مشكل الإنترنت الكبير هو الانتقاء. فأنا أستطيع أن أميز بين موقع أنشأه أحد الحمقى، و بين موقع جادّ. لكن بالنسبة لطالب شاب فذلك محفوف بالمخاطر.
* هل تحتاج الإنترنت الى وسطاء لتقييم و فرز المضامين المتاحة على الخط ؟
لحدّ كانت وظيفة الكنائس و المؤسسات العلمية..الخ انتقاء و إعادة تنظيم المعرفة و الإعلام. هؤلاء الوسطاء يضيقون على حريّتي الفكرية، لكنهم يضمنون أن الجماعة انتقت الأهم. بدون انتقاء، هناك احتمال فوضى المعرفة. لحسن الحظ فان طفلا بالمدرسة قال لي هذا ما اخترناه لك، بنية النظام الشمسي، الكيمياء.. الشبكات انتقائية المؤسسات، رغم أنها تفعل ذلك بشكل خاطئ.فمنذ ألفي سنة، كان العالم متفقا مع نظام بطليموس.:ا كتشفنا فيما بعد أن غاليلي كان محقا فتغيّر الانتقاء.
* هل ستندثر المعرفة الجماعية لصالح المعرفة المجزّأة ؟
تماما. انه العصر الجديد. كل واحد منا له دينه الخاص، وتخصصه.الشخصي.و بالتالي كل موقع سيصبح مصفاة تخصصه. إننا نضع في موقع الموجز التفاعلي مع مستندات اليونسكو و ليس مع جماعة معادية للسامية. انه قبل ذلك انتقاء. غدا تستطيع مؤسسات مثل أكاديمية العلوم أن تقترح نشرة بالمواقع الشاذة، و الجرائد.يثق حسب أفكاره بالانتقاءات.و أؤكد على وظيفة الانتقاء الخارجي للشبكات و المتعلق بالمدرسة و الكتب و الجرائد. لا أؤمن بعالم لا نفعل فيه سوى الإبحار عبر الإنترنت، مثلما لا أؤمن بعالم لا نفعل سوى التنقل عبر السيارة. إننا نتجول أيضا و نتفرج على بوتيكات، و أحيانا نأخذ الطائرة أو القطار.
* ما هو حكمكم على هذه الاضطرابات في نقل المعرفة ؟
لست متشائما و لا متفائلا. يجب الاستعداد للمواجهة. أنا لست هيغليا يعتقد أن التقدم دائما ايجابي. كما أنني واقعي بمعنى أن أي تنظيم لا يمكنه أن يلغي الانترنت و في نفس الوقت لا يستطيع أي شخص أن يعارضها. فالإنترنت تدفع الى خوصصة المعرفة. و يمكننا أن نتأمل في الدولة القومية التي نشأت في القرن السابق سوف تختفي لصالح روابط افتراضية بين المدن لأجل مصالح مشتركة. إننا نخاف في فرنسا من ريح العولمة التي تستلزم الإنجليزية. ربما بخلاف ذلك، سيكون نموذج الألفية هو القديس بول الذي ولد بفارس من أسرة يهودية و التي تتكلم الإغريقية، لقد كان يقرأ التوراة بالعبرية، ثم عاش في القدس حيث كان يتحدث الآرامية. و عندما كان يطلب منه جواز سفره، فقد كان رومانيا. انه نموذج مهم للعولمة، فالإمبراطورية الرومانية لم تفرض لغة واحدة على أراضيها.
* هل سيتذوّق الجميع ثمار هذا الخليط الثقافي ؟
يوجد هناك خطر في أن يصبح العالم على طريقة أورويل مؤسسا على ثلاث طبقات و التي ليست دائما ماركسية. طبقة الذين يتفاعلون مع نشاط الشبكة، و الذين يتلقون رسائل و يرسلونها أيضا، ثم البرجوازية الصغيرة من المستعملين الخاملين كموظف شركة الطيران الذي يستعمل الشاشة لمعرفة أوقات الطائرة، و أخيرا الطبقة البروليتارية التي سيكون لديها فقط جهاز تلفاز. و مثلما أن طفلا من أسرة فقيرة يستطيع أن يتعلم بسرعة فائقة استخدام الإنترنت، فان تقسيم الطبقات لن يكون مؤسسا على الثراء. ربما أن روكفلر سيصبح فقيرا، في حين أن بيزوس الذي أنشأ أمازون أول مكتبة على الخط، يعتبر من أحد المهيمنين في الطبقة المسيّرة. فمع هذه الشبكات هناك الكثير من الأشخاص لم يكونوا في أي شئ، بدءا من بيل غيتس الذي لم يكن ليصبح بعد خمسين سنة سوى موظف
* ما الذي يجب فعله لتفادي الإقصاء التقني ؟
الحل هو خارج الانترنت، انه التربية. لكي نسمح لكل طفل أن يصل الى هذه الارستوقراطية الجماهيرية، فان على المدرسة أن تعلم البرمجة و ليس فقط استخدام برمجيات. لقد بدأت العمل بحواسيب سنة 1983، في ذلك الوقت كان من المفروض أن تبرمج، أي أن تفكر بمنطق الحاسوب. أن طلبتي السابقين هم اليوم جدّ متمكنين. أما الذين أتوا فيما بعد مع الماكنطوش و الويندوز، فاكتفوا بالإجابة على أسئلة و رقن بعض الأيقونات، لقد ضاعوا. فعندما تعلّم طفلا البرمجة على البازي و الباسكال ( لغتان للبرمجة ) فان هذا التمرين الذهني الكبير يجعله سيد الحاسوب.
* أليس تعليم الأطفال البرمجة أكثر يوتوبية من أن نحاول تلقينهم الاختلاف الثقافي عبر موجز المعارف ؟
لا.. إنها الشيء الأكثر سهولة في العالم، لأن هذا الجيل ولد مع الحاسوب. عندما حصلت على جهاز في البيت، قلت لابني الذي كان عمره 16 سنة: تعال سوف أريك. كان الأب هو الذي يريد أن يعلّم. أسبوع بعد ذلك، أصيب الحاسوب بعطب، فقام ابني ببعض الرّقنات فاشتغل من جديد. لأن جيله ولد بالضغط على الأزرار. أما جيلي فكان يدير المفاتيح. يمكن أن تكون اللغة المعلوماتية هي الأصعب في العالم. لكن بالنسبة للطفل يمكن أن تكون مثل دراجة هوائية دقيقة بعد محاولة الركوب يسقط، لكن بعد يوم لن يسقط أبدا، هذا عندما نعلّمك صغيرا... لكن عندما نعلّمك و أنت في الثمانين من عمرك.
إقرأ أيضاً:-