في شتاء 1990، كان معرض القاهرة الدولي للكتاب يستقبل حامل جائزة نوبل للآداب (1985)، الفرنسي كلود سيمون، أحد كبار الآباء الروائيين الذين صنعوا ما أُطلق عليه في فرنسا، في أحد الأيام، تسمية "الرواية الجديدة". كانت الغاية من ذلك، القيام بتكريم مزدوج له ولـ"زميله" نجيب محفوظ الذي كان فاز في العام 1988 بالجائزة نفسها، وتحقيق لقاء بين رجلين عملاقين يكتبان روايتين مختلفتين، ويملكان نظرتين مختلفتين إلى الشخصيات والأبطال والحوادث والتفاصيل والأمكنة والأزمنة والأشياء و... اللغة الروائية. قلتُ في نفسي: لا مفرّ - وأنا في القاهرة في مهمة مهنية - من إجراء حوار مع هذين الرجلين اللذين سيكونان حتماً غارقَين في متاهة الاحتفالات واللقاءات والزيارات، وسيكونان، ولا بد، منشغلَين معاً بالرضوخ للإعلام الأدبي وسواه، فضلاً عن آداب الغرف من طقوس الحياة القاهرية. كنتُ اعمل آنذاك في وكالة الصحافة الفرنسية، وقد مكّنني ذلك من الحصول، بواسطة الملحق الثقافي الفرنسي في العاصمة المصرية، على موعد مع كلود سيمون، وإن بصعوبة فائقة، بعدما رضخ لأسئلتي وهو على أهبة "السفر" إلى إحدى المناطق الأثرية المصرية بعيداً من القاهرة. لم تسعفني الظروف الموضوعية في نشر هذا اللقاء حيث كنتُ اعمل آنذاك، فنشرته في "الملحق" (العدد 291، 4 تشرين الأول 1997).
هكذا كان لا بدّ من الفوز أيضاً بنجيب محفوظ. المهمّ أن اللقاء شقّ طريقه إلى النور بواسطة أصدقاء مصريين، إذ تبرّع عدد من مريدي الكاتب، وأصدقائي، في مساعدتي للحصول على موعد معه لإجراء حوار. ذهبتُ إليه في مكتبه في "الأهرام". كان ذلك قبيل الظهر تقريباً، في نحو الحادية عشرة والنصف. لا أزال أذكر المشهد بتفاصيله: أنا في مكتب الاستقبال، والى جانبي في المكتب نفسه، فريق تلفزيوني ألماني يريد - في التوقيت نفسه - إجراء مقابلة مع الكاتب المصري، وكان ثمة أيضاً صحافيون عرب وأجانب ومصوّرون وآلات تصوير، لا تسعفني الذاكرة في تعدادهم.
الشاي، تأكيداً، للضيافة، ومجاملات مصرية – لبنانية، ثم طلبت السكرتيرة من الكاتب المصري الكبير أن يضع السمّاعة في أذنه التي تعاني ضعفاً، لأن "الأستاذ"، أي أنا، والقول لها، يريد إجراء حوار صحافي. أدرت المسجل، فكان هذا النص الحواري الذي لا أعتبره وثيقة "عظيمة"، لكنه يتضمن أفكاراً وآراء تعكس نظرة محفوظ إلى بعض المكوّنات في كتابته الروائية، فضلاً عن مواقفه الإشكالية من "رواية الأشياء" أو "الرواية الحديثة". ولا تزال أجوبة محفوظ تلك تحظى بالراهنية الأدبية حتى هذه اللحظة، رغم مرور ستة عشر عاماً على اللقاء المذكور الذي لم تسعفني الظروف الموضوعية آنذاك في نشره حيث كنت اعمل. يتضمن هذا الحوار "السريع"، إلى ذلك كله، "وصية" أدبية وجهها محفوظ إلى الكتّاب العرب، يجدر بهؤلاء أن يقرأوها اليوم بعناية. وفي ما يأتي النص الحرفي للحوار.
* كتابة المذكرات عمل مهم وكبير جداً في حياة الكاتب، وخصوصاً بعد ان يعيش تجربة ضخمة في الكتابة والتجربة الانسانية والخبرات والتقنيات. أين أنتَ من كتابة مذكراتك؟
- يعني أن أكتب صورة عن حياتي الفكرية؟ عملتُ ذلك للبرنامج العام للإذاعة وبرنامج "صوت العرب" وفي التلفزيون وفي كتاب مع جمال الغيطاني، إلى جانب فصول في كتب متفرقة. فزيّ ما تقول: ما بقاش عندي شي أقوله.
* أليس هناك جوانب أخرى تحب أن تتحدث عنها في ما يتعلق بحياتك الشخصية وطريقتك في الكتابة وعلاقتك مع نفسك؟
- يتهيأ لي أنني قلت كل ما يمكن أن يقال.
مزاجي الصحي هو الذي يحكمني الآن
* هل هناك في الأفق ما يجعلك تتهيأ لكتابة أعمال روائية أو قصصية تقوم بتحضيرها الآن؟
- أنا في حالة غير مرضية بسبب عيني وسمعي... يمكن ألاّ أقدر أن أكتب أكثر من قصة قصيرة، وبعناء.
* هل هذا هو السبب الوحيد الذي يحملك على كتابة القصة القصيرة أم أن هناك تحولاً لديك عن الرواية؟
- لم أقع على موضوع روائي كي أسأل نفسي كيف سأتصرف.
* أنت الآن ميال إذاً إلى كتابة القصة القصيرة؟
- بالضبط. وهي مناسِبة لي. وأنا أكتب القصة القصيرة الآن للأسباب نفسها التي جعلتني أكتبها في الماضي. المرء لا يعرف لماذا.
* هل يرتبط ذلك بالمزاج؟
- بالضبط. إنها عملية مزاج، وقد جاءت مناسِبة لظروفي ومزاجي.
* هل تستطيع هذه القصة القصيرة أن تستوعب علاقة نجيب محفوظ بالعصر اليوم؟
- علاقتي مع صحتي هي المهمة.
* إذاً، ترتبط كتابة القصة بالمزاج الصحي.
- بالضبط.
* بعد حصولك على جائزة نوبل في العام 1988، حصل ما يشبه العلاقة الجديدة بين الكاتب وبين نفسه. أيّ تغيّر طرأ عليك في علاقتكَ مع نفسكَ، وفي علاقة الكاتب مع ذاته اللغوية والروائية. هل يمكن أن تُدخل القارىء، بل الجمهور الواسع، إلى ذات نجيب محفوظ بعد هذا الحدث؟
- في ما عدا الدهشة والفرحة، لم يتغيّر شيء في حياتي الشخصية. يمكن أن يكون تغيّر شيء بالنسبة إلى أولادي. أصبح العمر متأخراً. ومن الصعب أن يتغيّر الإنسان في هذه السن.
* على مستوى الكتابة، هل تعتقد أن مرحلة نوبل أحدثت لديك أو ستُحدث حالة كتابية أخرى؟
- كنت متوقفاً عن الكتابة قبلها بسنة، وتوقفت بعدها بسنة. لذلك عندما يأتيني الآن موضوع لقصةٍ ما فسأكتبه، وحتى بصرف النظر عن قيمته. فقط لفرحتي في الكتابة.
* أي موضوع يشغل نجيب محفوظ ويهزّه الآن؟
- وجود الإنسان في الدنيا. مصيره والحاجات التي تتماشى مع السن. واخد بالك؟!
لا أضيق إلاّ بالتقليد الأعمى
* نعرف أن الرواية العربية الحديثة شهدت مراحل وتطورات وتغيّرات في بنيتها وأسئلتها ولغتها ومقاربتها للذات والعالم. أنتَ رافقتَ هذه الرواية وكنتَ أباً لها على المستوى العربي، ثم شهدت هذه الرواية محطات وتغيّرات خرجت على المفاهيم التي كانت سائدة في السابق، فكيف تنظر إلى هذه التغيّرات وخصائصها وما موقفك منها؟
- أنا أؤمن بحرية الكاتب وأؤمن بالتجريب. ذوقي مرن وهو يتذوق الأعمال التي تطلع برؤيا مماثلة ومخالفة. لا أضيق بشيء الا بالتقليد الأعمى.
* إلى أي حد تصل علاقتك مع المخالفة إذا بلغت هذه الأخيرة حد القطيعة مع الإرث وحدّ التدمير؟
- ما دام نوعٌ من الكتابة له كتّابه وقراؤه ونقّاده فأنا أسلّم به حتى ولو لم أكن من رأيه أو كان متناقضاً مع كل الذي كتبناه. إذا لم يعد هناك قرّاء لما كتبتُه، هذا أيضا لا يهمني. تسألني لماذا؟ لأني متواضع في طموحي.
* لمن يكتب نجيب محفوظ اليوم؟
- بالحقيقة، انا أتصور القارىء ولكنني لا اعرف ان احدده. ليس عندنا قراءة واسعة تمكّنني من القول أنني اكتب للفلاحين او البورجوازيين او العمال او الاريستوقراطيين.
* أسأل نجيب محفوظ كشخص وكاتب في آن واحد: ما علاقتكَ بالكتابة نفسها؟
- والله هي حياتي. وعندما أتوقف عن الكتابة اشعر ان حياتي لم يعد لها معنى. الفن حياة وليس مهنة.
* في هذا المعنى، ما موقفك من القول الذي يرى ان الكتابة غاية ذاتها.
- هي كده بالنسبة لي.
لا أفهم الكتّاب الذين يلغون الموضوع
* لكن إذا وصلت هذه الكتابة إلى ان تكون مجردة من موضوع واقعي، معقلن ومحدد، ماذا يكون موقفك منها؟
- هذا غير ممكن بالنسبة لي، لأن كتابتي لها موضوع. لذلك لم افهم الذين يلغون الموضوع. لم افهمهم ولن أفهمهم على الإطلاق. هم يشبهون أصحاب نظرية اللارواية. انا قلت هذا الكلام قبل أيام للروائي الفرنسي كلود سيمون الحائز جائزة نوبل للآداب، وكان هنا في القاهرة.
* هناك اتجاهات داخل الرواية الفرنسية والعالمية الجديدة، حيث الموضوع يصبح الأشياء او الكلمات. ما رأيك في هذا الاتجاه الذي يتغيب فيه الموضوع المركزي او الحادثة؟
- الأشياء ليست هدف الكتابة. أنا أصلاً كاتب حواديت. قاص. وعندما اكتب فإني أقدم قصة بطريقة ما. وعندما لا أقدم قصة فهذا يعني ان الفن راح ولم يعد موجوداً. أي أننا ندخل في حالة جديدة لا علاقة لها بفن القصة. انها البلبلة. والذين قالوا أنهم لا يريدون ان يكتبوا قصصا هم أحرار. لا خلاف حول هذه النقطة، لكن الخلاف يأتي من إصرارهم على تسمية ما يكتبونه أنه قصة. وليس ذلك فقط، بل يقولون للذي يكتب قصة انك لست قصاصا. ازاي بقا؟!
مش كده!
* هل من المناسب أو الضروري في رأيكَ أن نعطي القصة تحديدا معيناً؟
- انها ولدت كذلك. الناس من قديم الزمان يحكون حكايات قبل اختراع الكتابة. وعندما بدأت الكتابة راحوا يكتبون قصصاً. مش كده؟! وأُطلق عليهم اسم قصاصين. فن القصة هو الفن الذي يحكي قصة. وعن طريق القصة يقول شيئا معيّنا وتجربة إنسانية. فإذا ألغيت القصة تتخذ الكتابة وجهة جديدة ولا تعود قصة. لا قصة جديدة هنا. انها دوشة. إنها دوشة الأشياء، وليست قصة.
* لنفترض جدلا ان هذا الكلام صحيح، فهذا يعني ان تحديد مفهوم القصة هو تحديد تاريخي وماضوي قائم في الماضي، ولا يمكن أن يتطور.
- نعم، انه تحديد تاريخي.
* إذا كان العصر الحالي يشهد عملية تغيير تطاول التحديد السلفي لمعنى القصة، فما تفسيرك لذلك وما موقفك منه؟
- هذا يعني انه انشأ شيئا جديدا لنفسه.
* هل يمكن ان تسمّي ذلك قصة؟
- لا، لكني سأضرب لك مثلا. هناك شيء ينمو بين الكائنات الحية ونسمّيه نباتا. فإذا تحرك سمّيناه حيوانا. وإذا كان فيه عقل سمّيناه إنسانا. لا تستطيع ان تقول عن الإنسان انه حيوان وعن الحيوان انه إنسان. القصة نشأت عندما حكي الإنسان حكاية. وعن طريق الحكاية يقول ما يشاء. الموجات الجديدة، بعضهم يقول انها تيار سوسيولوجي وآخر سيكولوجي وآخر تيار الأفكار... انها مغامرة. فإذا رغبت في ركوبها فهذا لا يعني انها قصة. لماذا الاختلاف على التسمية؟ بعد كتابة الملحمة، كُتبت حكاية من نوع آخر ليس عن الملوك والبطولة، وسُمّيت قصة او رواية. لم نقل إن اسمها الملحمة الجديدة.
* هل يصح إضفاء تحديد مطلق على القصة، تحديد غير قابل للتغير؟
- هكذا ولدت. أي ان الناس يحكون حكايات. لكن إذا كان الناس لا يرغبون في الحكاية. معليش، كل إنسان حر. الزمن هو الذي يرفضها. لكن، طالما انك تحكي قصة فهذا يعني انك قصاص. ان تحكي عن الأشياء فذلك ليس قصة. يمكن ان تكون الكتابة عن الأشياء أفضل من القصة، ليس عندي مانع. والناس يمكنهم ان يستغنوا عن القصة إذا شاؤوا.
غير ممكن
* ألا يمكن ان يستغنوا أيضا عما اتفقوا على تسميته قصة؟
- غير ممكن، لأن الفرق كبير بين ان تحكي حكاية وبين ان تصف الأشياء. الفرق مذهل.
* ما موقفك من تيارات ما يصطلح على تسميته "الرواية الجديدة"؟.
- الرواية او القصة تتطور مع الزمن. الحدوتة او القصة الرومانسية او التعبيرية او الرمزية او الواقعية او القصة غير المعقولة او قصة تيار الوعي... كل هذه الأشكال ماشية وتتضمن القصة، لكن جاء بعد ذلك ما يقطع بين هذه وبين القصة. هذا يعني ان القصة انتهت. انا وافقتُ على كل الأشكال: البنية المغلقة والبنية المفتوحة والرواية التي تعنى بالباطن والظاهر، والتي تترك العالم الواقعي كله وتخلق عالماً موازياً، والسوريالية. إنها أشكال جديدة ومعترف بها، وهي تتطور داخل فن القصة. باستثناء هذه النوع الذي يسمّونه الرواية الجديدة. والدليل على ذلك ان أصحابها سمّوها اللا - قصة. انها شهادة من أهلها. حاولتُ ان افهم اللا - رواية واللا - قصة فلم افهمها. لقد حاولت بإخلاص. رواية واحدة مترجمة لكلود سيمون فهمتها واستغربت ان يقال انها لا - رواية. الكتب التي وضعها ألان روب غرييه وناتالي ساروت ومارغريت دوراس هي من هذه المدرسة. وقد قرأت لدوراس حوالي أربع روايات وهي مفهومة وفيها قصص، فكيف تنتسب إلى هذه المدرسة؟ لا افهم! الكتب الأخرى ادخل في قراءتها ولا اعرف شيئا. يجيء شخص وتحصل جريمة ولا اعرف من الذي ارتكبها. هل ارتكبت الجريمة في رأسه أم ارتكبت في الواقع. أي حيرة هي هذه، ولماذا؟
* يقول أصحاب الرواية الجديدة ان العصر بالغ التعقيد وإنهم شاهدون على خرابه وتفكّكه ودماره، وهم ينقلون تعقيدات ذلك ويعتبرونه بمثابة رواية أو قصة جديدة. بل يسمّونه كذلك، فأين العجب؟
- لماذا؟ ليس الأمر بالدرجة المشؤومة التي يتحدثون عنها. إننا في عصر الصناعات المزدهرة. يصعدون إلى الفضاء وتتقدّم العلوم والمعارف. فلماذا الحديث عن التفكك والخراب؟
* ألا تعتقد أن العصر معقّد؟
- نعم انه معقّد. لكن إذا كنا نريد أن نستخدم الوسائل التي بين أيدينا ففي إمكاني أن أقدم لك رواية تعبّر عن كل هذه المعاني. هناك وسائل متعدّدة بقدر عدد الفنانين. وطالما أنهم يحاولون التعبير عن التعقيد من طريق القصة، فهم قصاصون. أما إذا كانت القصة، كوسيلة، لا تملك الإمكانات لاحتواء هذا التعقيد، فليس عليهم الا أن يكتشفوا وسائل جديدة ويعطوها تسمية جديدة.
الرواية العربية الجديدة تتطور
* كيف تقوّم واقع الرواية العربية؟
- لم أطّلع كفايةً على هذا الواقع. مضى زمن لا أقرأ فيه. لكن الذي قرأته، يدل على أن الرواية العربية تتطوّر. انها تجرّب أشياء جديدة وكثيرة بأصالة. وأحياناً تقلّد من غير أصالة. لكن لا بأس بذلك لأنني أعتبره من ضمن التقليد الذي يمكن أن يوصل إلى النضج والأصالة. وأنا مرحّب جداً بهذا الواقع. وكنت أقرأ بعض التجارب في غاية الاستمتاع، حتى ولو كانت متناقضة معي.
* انطلاقاً من خبرتك الطويلة. إلى أين تتجه الرواية العربية؟
- السؤال هو إلى أين يتجه المجتمع العربي؟ نحن مقبلون على تطورات كبيرة جداً. وما يحصل في أوروبا والعالم سيكون له انعكاسات على العالم العربي. إن العالم بوسائل اتصالاته الحديثة يتشكّل تشكيلاً جديداً. إلى أي شيء سيؤدي هذا الأمر؟ لا استطيع أن أتنبأ. إنما أعتقد ان الحس المرهف للفنان سيكون دائماً البوصلة التي تدله إلى أين يتجه وكيف يعبر.
* إذا كنت تعتبر ان الواقع العربي يشهد تغيرات جذرية وهو يشهد مثلها أيضا في الكتابة، فإلى أي حد يبقى الأدب الذي كتبه نجيب محفوظ أدب المراحل المقبلة؟
- لا استطيع أن أتنبأ. إذا استطاع هذا الأدب ان يعيش فهذا جيد، وإذا لم يقدر، يكون أدى وظيفته. انا قانع جدا بأنني أؤدي وظيفتي في وقتي واعتبر ان هذا هو المطلوب مني.
* لو انه أعطي لك ان تكتب هذا العصر، فهل كنت تكتبه بالطريقة التي كتبت بها؟
- لا يمكن، لأن الأمور تطورت تطورا فظيعا.
لكنتُ اتخذت أسلوباً ذا إيقاع سريع
* هل عندك تصور لملامح او خصائص ما كنت ستكتب فيه.
- لا شك في إنني كنت اتخذت لنفسي أسلوبا له إيقاع سريع وتُغني فيه الإشارة عن المقالة واهتم فيه بالخواطر الداخلية والخارجية.
* وعلى مستوى اللغة؟
- لغتي تطورت بشكل واضح. لذلك هناك فرق كبير بين "باقي من الزمن ساعة" او "حديث الصباح والمساء" وبين "زقاق المدق" و"خان الخليلي" و"الثلاثية".
* كتاباتك الأخيرة، هل ترى انها ملائمة لروح المرحلة والعصر؟
- انا لا اعرف العصر الا من طريق ذاتي. اكتب الذي يريحني. والذي يريحني أرجو ان يكون متوافقا مع زمني.
* تعالج الرواية العربية أحيانا إشكاليات ذات خصوصية يطغى عليها الطابع المحلي. هل تشكل هذه المحلية قيمة تتخطى إطارها الضيق لتعانق الإنساني؟
- ليس بين المحلي والعالمي من تناقض. انها جذور واحدة وأشكال مختلفة: مواقف الإنسان من الحياة والعقيدة والحب والحياة والزواج. قد تختلف هذه المدينة عن تلك، مثلما تختلف مصر عن أوروبا، لكنك تجد وراء كل ذلك غريزة واحدة وعاطفة واحدة. وقد تعتبر ما تكتبه محليا مئة بالمئة في حين ان الأجنبي يقرأه ويتذوقه.
* تُرجمت كتبك إلى لغات أجنبية عديدة. فما رأيك بهذه الترجمات؟
- الذي لمسته كان مشجعا.
* إلى آي حد كانت الترجمة أمينة لروح التجربة المحفوظية؟
- لا استطيع ان احكم لأني لست ضليعا من اللغات الأجنبية إلى درجة الحكم على جودة الترجمة.
* أي همّ يشغل نجيب محفوظ اليوم؟
- حال بلدي أولا. تكفي مشكلة الديون وزيادة عدد السكان.
* اقصد على المستوى الإبداعي؟
- لا يتوقف الإبداع لأن الحياة من غير إبداع تكون جافة وخصوصا إذا ربط الإنسان حياته به.
إلى الكتّاب
* ما الكلمة التي يحب نجيب محفوظ ان يوجهها إلى الكتّاب والأدباء العرب؟
- وصيتي للكتّاب ان يمتحنوا روح هذا العصر، وإلا يكرّسوا حياتهم للأدب الا إذا كانوا لا يستطيعون الاستغناء عنه. فإذا كرّسوها للأدب فهم فدائيون. لا تقتلوا أرواحكم بالأدب الا إذا كنتم "مجنون ليلى الأدب".
* في هذا المعنى من هو نجيب محفوظ؟
- انا إنسان عاشق أدب، واستطيع ان أقول لك انا مجنون ليلى الأدب.