يطرح إسماعيل هموم جيله برؤى مختلفة، ينجز من تفاصيل الأشياء الصغيرة بنائية شعرية مغايرة مليئة بالدراما والقص ، مستخدما مجازا لغويا غير مستهلك ، ومطوعا أدواته الفنية لإيصال نهايات ملتبسة أو مفجعة لعالم يشبهها بقدر أو بأخر...
في هذا الحوار نحاول أن نقترب من تجربته.
عابد إسماعيل شاعر وأكاديمي سوري، يعمل أستاذا في قسم الأدب الانجليزي/ جامعة دمشق- وهو إعلامي بارز في الفضائية الإخبارية.. صدر له في الشعر، طواف الآفل ـ باتجاه متاه آخر، لن أكلم العاصفة، ساعة رمل.
من ترجماته: "نصف حياة لنايبول"، و"مابعد الحداثة" لكريستوفر نوريس و"مذكرات بورخس".
* صدر لك أربع مجوعات شعرية حتى الآن، كان آخرها (ساعة رمل). كيف تقيم علاقتك بالمكان الدمشقي الذي ترصد معالمه في ديوانك الأخير؟
-في دواويني الثلاثة السابقة، حاولت قراءة أبجدية مكان آخر، غريب وناء، يتمثل بمدينة نيويورك التي عشت ودرست فيها لأعوام كثيرة. كان الهاجس الشعري عندئذ مختلفا، يحتم بنية شعرية ووجدانية مختلفة. في مجموعتي الأخيرة (ساعة رمل) أردت العودة إلى مشهد يمسني شخصيا ونفسيا وثقافيا، وهو يمثل أرضية للذات الشعرية قبل حدوث الصدع الأول. عدت إلى دمشق لأراها من جديد بعين جديدة، وأتأمل تناقضاتها وتحولاتها. في هذا الديوان، قراءة نقدية لثقل المكان ورمزيته، ومن عين المكان تماما.
* لكل شاعر طريقته، وخطه في النسيج الذي يصنع الأدب. كيف تقيم علاقتك مع التراث و مع معاصريك، وما هي استراتيجيات الاختلاف التي تعتمدها في عملك الشعري؟
- لا أومن من حيث المبدأ بفكرة تقسيم الأدب إلى مراحل. التراث و المعاصرة مصطلحان اكتسبا عبر الزمن، و بسبب الاستخدام السهل، هالة القداسة. لقد بات من البديهي القول إن الأدب العظيم يخترق كل الأزمنة، وهو قادر على تذويب الفروق بين المراحل من خلال تمجيد اللحظة الإبداعية ذاتها، فعندما أقرأ شاعرا "تراثيا" مثل أبي تمام أجد عناصر جمالية خالدة في شعره تخاطب الذائقة الفنية بإطلاق، في حين أن شاعرا "معاصرا" كالجواهري لا يكاد يلامس من القرن العشرين الذي عاش فيه سوى قشرته الخارجية. فلغته، بيانه وبلاغته، تحيلنا إلى زمن مضى. إذا، أبو تمام ـ الماضي- يبدو أكثر حضورا (و معاصرة) من الجواهري-الحاضر. أما عن "استراتيجيات الاختلاف" فأعتقد أنها معايير ذهبية يطمح كل شاعر الوصول إليها. هل تكمن هذه الاستراتيجيات في الأسلوب؟ في المعاني؟ في الصور؟ في الشكل؟ في المضمون؟ أم في كل هذه العناصر مجتمعة؟ من جهتي، حاولت في مجموعاتي الأربع السير باتجاه هذه الاستراتيجيات عبر رصد حثيث لوقائع توضعي في اللغة و الوجود كإنسان آخذ في الأفول باستمرار. ربما كانت هذه الإقامة القلقة بين الظل و الضوء، بين الحضور والغياب، تماما في بؤرة "الأفول" الرمادية، لحظة الغسق، ربما كانت هذه واحدة من استراتيجيات الاختلاف التي اعتمدتها في شعري.
* لماذا اخترت عنوان "باتجاه متاه آخر" لتسمية ديوانك الثاني ... ولماذا المتاه؟
-لأن المتاه هو وطن الشاعر، بل هويته الوحيدة. لا قلق خارج الكلمات، تلك الكلمات المخاتلة والمؤرقة التي تسكن البياض مجروحة بالبياض. اللغة خيانة مستمرة يرتكبها الشاعر بحق الحقيقة والمعنى، وهي بالتالي محكومة بالمتاه، تحاوره وتناوره في لعبة مرايا لا تنتهي. في البدء كانت الكلمة صمتا وكان النطق تلعثما، وكان المكان متاها. وعندما يهتدي الشاعر إلى مكانه الأول، يعود القهقرى إلى حضن المتاه، محاصرا بطمأنينة مفخخة بقلق فاوستي، لا يثق كثيرا بالدروب، ولا بالخطى التي حفرها الأسلاف من قبله. من هنا رؤية المتاه، وفتنته التي لا تقاوم.
* في مقطع لك من قصيدة "شتاء نيويورك الأخير" تقول: "وداعا لست سنين أمضيتها/ ذاهبا غاديا في طريق الكارثة"... أما زلت في طريق الكارثة؟
-برانيا يشير المقطع إلى تلك السنوات الست الصعبة، لكن المدهشة، التي كرستها للتحصيل الأكاديمي في مدينة نيويورك، وكانت تمثل للشاعر في داخلي-عندئذ- ست سنوات محورية، أقصتني مؤقتا عن القصيدة كشاعر، وقربتني منها كأكاديمي، حيث نلت شهادة الدكتوراه في شعر المبدع الأميركي ولاس ستيفنس. أما الدلالة الأعمق فربما كانت تشير إلى مدينة نيويورك نفسها، بعنادها الحضاري وما ترمز إليه من أتمتة باذخة تعمق شعور المرء بالتشيؤ والضياع. وإذا كانت "الكارثة" من زاوية أخرى تعني تعلم وإدمان القصيدة، والمكوث مع الشعر في كل الأوقات فالجواب "نعم" أنا ما زلت في طريق الكارثة، ذاهبا غاديا، أبحث عن ملامحي بين مرايا الكلمات.
* هي تفاصيل الحياة اليومية الصغيرة ... ذكرتني بكآبات بودلير الممضة، بثقل الزمن، بحسرات ريلكة - "معرى فوق جبال القلب"- وبمفاراقات إليوت الميتافيزيقية. هل أنت متأثر بكل هؤلاء؟
-إذا كان التأثر يعني استلهام هؤلاء الكبار وتقمص أرواحهم الشعرية فإنني بلا شك تعلمت من بودلير التركيز على الجانب القبيح والمأساوي من الحياة وتصيد التفاصيل الهامشية للبشر الهامشيين المحكومين بالظلال، ومن ريلكة تعلمت عذابات الأنا الصوفية في حوارها مع عالم ملوث بالحروب، ومن إليوت أسطرة العابر والآني والارتقاء به إلى مستوى التأمل الميتافيزيقي العالي. والتأثر من هذه الزاوية يكون فعل إبداع وابتكار، وليس مجرد محاكاة ونقل. إذ لا بد للشاعر من الاتكاء على ثقافته ومورثه، والفكرة القديمة بأن الإبداع مصدره الهام سحري غامض لم تعد تملك نفس المصداقية اليوم في ضوء الدراسات السيمولوجية والبنيوية للنصوص الأدبية. إن امتلاك ما يدعوه إليوت بالحس التاريخي يؤسس لنص مركب غائر في شرطه التارخي والمعرفي، وينقذ القصيدة من خطر الوقوع في التعبيرية المجانية التي لا تتجاوز حدود الأنا وهلوساتها الضيقة.
* قصيدتك عن الشعر تبدأ بهذا المطلع : لصناعة قصيدة ما يلزم الكثير من الضوء المشتول والديكة المنحوتة ..الخ".. لكن عنوانها استوقفني (حرفة). هل الشعر حرفة؟
- بالنسبة للإغريق (أرسطو) والعصر الأغسطي (هوراس) كانت كلمة شاعر (Poet) تعني الصانع (Maker) وهذه إشارة إلى أن الشعر حرفة بالدرجة الأولى يجب إتقان وامتلاك أدواتها. وعندما نشر الشاعر الأميركي إليوت قصيدته (الأرض الخراب) أهداها إلى مجايله وصديقه (باوند) بكلمات تقول إلى الصانع الأمهر حيث قام باوند بحذف الكثير من المقاطع مما اعتبره حشوا واستطرادا لايتموسق مع بنيان القصيدة المركزي.
شخصيا أظن أن الشعر نتاج موهبة وثقافة في آن معا. يجب على الشاعر إتقان أدواته أولا عبر التمرس والتدرب والإطلاع، غير أن هذا ليس كافيا، إذ لا بد من التيقظ والانتباه للصوت الداخلي الجواني ـالغامض والمربك دائما- الذي يدعو الشاعر إلى الكتابة. الشعر مس من الجنون يجب إخضاعه لمنطق المجاز- المجاز بكل ثقله الأنطولوجي. والمجاز يعني الدراية العميقة بتلك الفنون والأساليب البلاغية من إيقاع وصور وكنايات وما يمكن أن تقوم به من وظائف في ربط النص بلحظته التاريخية المعاشة.
* كيف تكون شاعرا حداثيا، بالضرورة، وأنت -كما تقول في مقطع لك- "إنسان وحيد يقف على حافة العالم"؟
- الحداثة في إحدى تجلياتها تعني الاصطدام بالخواء، ووعي الخراب الكوني الذي يتعرض له الكائن البشري في زمن الآلة وثقافة المعدن. والعزلة- بمفهومها الأعمق لـ"الخلوة"- ضرورية للشاعر للوقوف خارج الحشد وتأمل الحالة الإنسانية. هذا لا يعني بأي حال من الأحوال الانقطاع عن الحياة والقفز فوق الراهن والمعيوش والمرئي. يجب على الشاعر الخروج من دائرة السائد والمألوف، والبحث عن بؤر العتم في العالم المحيط به، وهذا يتأتى عبر المكوث طويلا على الحافة، بل والتحديق بها مليا، تلك الحافة النيتشوية التي تزيد المرء شعورا بالقلق الخلاق، والرغبة بالتجاوز والاختلاف. في نهاية المطاف، لا يملك الشاعر سوى عزلته الملكية بين الكلمات، يقلم أظافرها كلما استطالت، يشذب ويهذب وحشيتها قدر المستطاع في فعل خلاق يبدأ ولا ينتهي.
* الأدوات الفنية التي تستخدمها.. هل تحقق لك كل ما تريد أن تقوله؟
- وهل يمكن تحديد ما يريد الشاعر قوله في القصيدة؟ وهل استخدام الأدوات مرتبط إرادويا برسالة محددة يعرف الشاعر تماما كل شيفراتها ورموزها؟ لا أظن. الأداة الفنية مرهونة دائما بحالة تتلبس الشاعر على حين غرة، إذ هي لا تأتي من الخارج، أو تهبط عليه من السماء وتفرض لاحقا على النص بهدف تلوينه وتلميعه. ثمة علاقة عضوية جدلية بين الأداة والغاية. القصيدة كما أفهمها تسير وتنمو كتلة واحدة، شكلا ومضمونا، تتشكل على مهلها، نتيجة تناغم وتعايش الشكل مع المضمون، وهنا تولد ما يمكن أن أسميها البنية. لكل قصيدة بنيتها الخاصة بها. تارة يخفق الشاعر وتارة يصيب. ومن جهتي أترك للقارئ أمر البت في أمر كهذا. غالبا ما يشتكي الشعراء من بطش وقسوة اللغة، لأنها لاتلبي كل ما يريدون قوله. أعتقد أن الأمر متعلق بكيفية توظيف اللغة وجعلها لينة مطواعة تخدم أغراض الشاعر. يجب على الشاعر المبدع أن يعرف كيف يروض الكلمات، ليس بهدف تدجينها، بل من أجل الإبقاء على بربريتها وعنفوانها ما أمكن.
* محتوى شكل البناء الدرامي في بعض القصائد غير تقليدي: فيه عنصرا الصدمة والمفاجأة. هل تفكر بكتابة المسرح الشعري؟
- لقد حاولت في قصائدي استخدام أساليب وتقنيات لا تندرج تقليديا في سياق القول الشعري، فكنت أستعير من المسرح عناصر كالحوار والمنولوج، ومن الرواية اللحظات السردية التي يمكن أن تعزز النمو الدرامي للقصيدة، واستلهمت بعضا من عناصر القصة القصيرة جدا عبر التركيز على ومضات مفصلية خاطفة والتركيز على أصوات متعددة تتجلى في القصيدة على شكل شخوص يتحركون في الغالب كأشباح بين دفتي القصيدة. كل هذا حاولت توظيفه في نصوصي.
ربما كان هاجسي الأساسي هو الخروج من خطاب الرومانتيكية المغرق في ذاتيته والخروج بالقصيدة إلى البراني والمرئي والمحسوس. ربما كان مرض القصيدة الراهنة هو وقوعها في أسر الهذيان الشخصي للشاعر، فكان لا بد من محاولة استلهام عناصر جديدة، والاعتماد على عناصر الصدمة والمباغتة، وتوظيف الدراما توظيفا شعريا سليما يبقي على الرباط بين اللغة والعالم، النص والتجربة. ربما قمت يوما بكتابة المسرح الشعري، رغم أنني أعي تماما أن للمسرح منطقه الخاص ولغته الخاصة، وليس من السهل الدخول إلى هذا المعترك.
* كيف تفهم العولمة كمفهوم وكمبدأ؟
- هل لعب الأدب حقا دورا في تكريس خطاب العولمة والتمهيد لشيوع نماذج وأنساق معرفية "عالمية" اضمحلت على إثرها التعددية والكثرة وبات النص الأدبي مشروطا بمناخ حضاري "واحد" ينهل منه الجميع؟ وهل "العولمة" كظاهرة فكرية وسياسية وعلمية امتداد لخطاب الاستشراق الذي يسعى إلى تمثيل الآخر- البعيد، الغريب، الأجنبي، المثير، الخرافي، الخ- وفق منظومات ثابتة أزلية، راسخة في المخيال الغربي الجمعي وأدبياته؟
لا شك أن هذا المصطلح الجديد، رغم شيوع استخدامه في سياقات متعددة ومتناقضة، مازال يكتنفه الكثير من الغموض واللبس، خاصة عندما يتعلق الأمر بتجلياته في حقل الأدب. من البدهي القول الآن، وبعد الاستبصارات الفذة للناقد العربي إدوارد سعيد في حقل الدراسات الاستشراقية، إن المخيلة الأدبية الغربية حاولت تمثيل الشرق وفق تصورات تجريدية محضة لا تمت بصلة إلى واقع الحال، واقع الشرق وغناه الحضاري والروحي. وقد لعب الروائيون والشعراء بشكل خاص دورا مفصليا في خلق وتكريس قناعات راسخة في نصوصهم حول بلداننا "النائية" و"الغامضة". ويكفي أن نذكر أسماء أعلام كبار من أمثال هوجو، ديكنز، كيبلينغ، ملفيل، توين، كامو، غوته، دانتي، وغيرهم، ممن تناولوا الشرق في نصوصهم ورسموا صورا متناقضة عن "العربي" أو "الإسلام" أو "المشرق" حتى ندرك الدور الخطير الذي يلعبه النص الأدبي في خلق "حقائق" على الأرض، خاصة إذا كانت هذه الحقائق تعني الهيمنة، والقمع، وتبرير احتلال الآخر ونهب موارده وطاقاته. بعض هذه النصوص "البريئة" ساهمت إلى حد كبير في بلورة البرامج الكولونيالية لاحقا وخلقت طقسا ملائما لصناع القرار السياسي في التحضير لخططهم البعيدة المدى.
* هل ساهمت التكنولوجيا الحديثة، برأيك، في تكريس ظاهرة ما يسمى "الغزو الثقافي"؟
- ثمة ظاهرة في الغرب الآن تلعب فيها مذاهب ما بعد الحداثة دورا مماثلا في "غزو" الثقافات الأخرى ووشمها بطابعها، خاصة أن الإعلام بات السلاح الأمضى في تمثيل الواقع ونقل صوره المختلفة وفق ضرورات المصلحة والنفوذ. علينا أن لا ننسى أن عصر الحاسوب والإنترنت أتاح المجال لظهور ما يمكن تسميته القارئ الكوزموبوليتي القادر على الاطلاع على أكثر من ثقافة وقراءة أكثر من مشهد ثقافي وحضاري مهما اتسعت المسافة وبسرعة فائقة. وبتنا، حقا، بحاجة إلى إعادة تعريف لمفاهيم من مثل "المكان"، و "الزمان" و ما تعنيه بدقة ثوابت من مثل "الثقاقة القومية" و"الهوية" و غيرها من بدهيات معرفية تتعرض للخلخلة والانزياح في كل لحظة.
لا أعتقد أن الأدب العظيم يختلف في مقوماته الجمالية والفنية والتعبيرية من ثقافة إلى أخرى. إذ إن انفتاح الآداب على بعضها بعضا عبر الترجمة وغيرها من قنوات إبداعية خلقت خريطة أممية جعلت الكاتب الحديث يتناول العالم وقضاياه الكبرى وكأنه يكتب عن أكثر الهموم خصوصية ومحلية. غير أن سوء الفهم الكبير لمفهوم "العولمة" أو "الغزو الثقافي" في الأدب ولد ظاهرة "غير إبداعية" تتجلى في عقدة النقص الرهيبة التي يشعرها الكاتب المحلي تجاه الثقافات الوافدة وآدابها. لقد اختلط المعيار التكنولوجي والسياسي مثلا بالمعيار الجمالي الصرف، وبات الكاتب المحلي يحلم بعبور الحدود القومية- وبشتى الوسائل- من أجل أن يضمن "عالمية" مشتهاة.
* كيف تقيم علاقة الكاتب العربي بالنص الغربي، باعتبارك مترجما ومختصا بالأدب الأميركي؟
- صار الغرب مقياسا مقدسا لدى بعض المثقفين، وبتنا نعيش حالة استلاب مزمنة في حوارنا مع الآخر المتطور والمهيمن، عسكريا وعلميا على الأقل. ربما صرنا نشهد تشكل خطاب مستقل، "عالمي" الصبغة والتوجه، له شيفراته الخاصة ومرتكزاته القوية. خطاب العولمة هذا أفرز قاموسا من المصطلحات والمفاهيم نتداولها في نصوصنا النقدية والإبداعية دون إخضاعها نفسها لعملية تمحيص وتحليل وسبر بشكل يتوافق مع خصوصيتنا اللغوية والثقافية.
لقد استطاع كاتب مثل ماركيز أن يتخطى تخوم المحليه عبر تجذره في السياق الفكري والحضاري لثقافة أميركا اللاتينية وأساطيرها ورموزها. وهذه حالة صحية للحوار الفعال والمثمر بين الثقافات. غير أن علاقة الاستلاب مع الآخر الغربي ظلت قائمة لدى الكثير من المثقفين، تجلت بشكل واضح في تبني مقولات فكر ما بعد الحداثة وتطبيقها بشكل اعتباطي على ظواهر فنية وأدبية لها طعمها الخاص ونسقها المعرفي المختلف. حالة الانبهار بالنص الحداثي الغربي أفرزت نصا زئبقيا غائما لا علاقة له بشرطه التاريخي، وصار المعيار اللغوي قاسما مشتركا بين تجارب متباينة في الشكل والمضمون. يمكن القول باختصار إن ولادة نص أدبي هلامي يدعي الهروب من كل معنى، بحجة الإخلاص للحظة الكونية، أدت إلى تسويق قارئ مدرب ومروض تتحكم فيه شيفرات التأويل الوافدة وتلغي لديه رهافة الذائقة وخصوصية التلقي
الرأي
جمعة 27 كانون ثاني 2006م