"أنت شاعر إذن؟
كم يجدر بك، ما دمت كذلك
لا أن تقترب من زهرة اللوتس فحسب،
ولا أن تلمسها فحسب،
بل أن تخوض في وحلها وتشقى!" باخشان، الشاعر الهندي (مواليد1907)
جائزة اللوتس التي اقتربت من يدي محمود درويش محمولة بيدي أنديرا غاندي في 1970في المؤتمر الرابع للكتاب الأفريقيين الآسيويين، كانت تحمل تاريخ شقاء محمود درويش نفسه، وقد ظل وفياً لهذه الزهرة طوال مسيرة حياته النضالية والإبداعية، ظل يخوض في شقاء الوحل كي تتفتح زهرة اللوتس.
زهرة اللوتس ("النبق" بالعربية) من أنبل الرموز تعبيراً عن اكتمال الحياة الإنسانية في أبعادها كافة: زهرة تتفتح فوق مياه آسنة بجلال حسِّي لا تشوب جمالَه شائبة؛ إنها بهذا المعنى رمز الحياة الواعية، الحياة في سعيها الدائم إلى التفتح والاكتمال. والنصوص الهندية القديمة تجعل من زهرة اللوتس، في رحلة صعودها من قاع المستنقع (التراب) إلى السطح (الهواء)، مروراً بظلمة المياه (الماء)، وتفتُّحها أخيراً على ضياء الشمس (النار)، رمزاً للتفتح الروحي. زهرة اللوتس محترمة في الدين البوذي لأنها نشأت من الطين لكنها نظيفة وجميلة تمثل الأخلاق السامية.
في هذا المؤتمر، كانت أسرة الأدباء هي الأخرى تحمل مشروع تفتح زهرة لوتسها الخاصة، فقد كانت تخوض في وحل واقعها وفي مياهه الآسنة، كي تتيح لزهرتها أن تتفتح.
في هذا الحوار مع النقاد أحمد المناعي، نفتح ذاكرته على وقائع هذا المؤتمر الذي التقت فيه زهرة لوتس محمود درويش بزهرة لوتس أسرة الأدباء والكتاب.
* كيف تستعيد ذاكرتك تاريخ أول مشاركة لأعضاء من أسرة الأدباء في مؤتمر أدبي عالمي، وهو المؤتمر الرابع للكتاب الإفريقيين الآسيويين في نيودلهي17-20نوفمبر1970الذي كرم فيه محمود درويش بجائزة اللوتس؟
- إن العودة إلى الوراء مدة خمس وثلاثين سنة أمر شاق وعسير على الذاكرة. ما أتذكره إن الدعوة جاءت عن طريق الأستاذ الكبير إبراهيم العريض - رحمه الله – وهو الذي طلب من الصديق الشاعر علي خليفة إن ترشح أسرة الأدباء اثنين من أعضائها لحضور المؤتمر إلى جانبه، وهكذا تكون وفد البحرين من الأستاذ العريض رئيسا وعضوية كل من الشاعر على خليفة وأنا. وللتاريخ ووفاء للحقيقة وللعريض في آن، إن تلك اللفتة الطيبة منحت الأسرة الممثلة في مشاركتنا أنا وعلي فرصة مناسبة جدا للتعريف بحركتنا واثبات تواجدنا في المحافل الثقافية خارج البحرين، فهي المشاركة الأولى والأكبر في مسيرتنا الثقافية الوليدة. ولا شك أن أثرها كان كبيرا في إشعال حماسنا ودفعنا إلى النشاط الأدبي والعمل الثقافي في الساحة الأدبية على المستوى الفردي والجماعي. ومما يجدر ذكره في هذه المناسبة إننا عند تأسيس أسرة الأدباء والكتاب دعونا جميع الأدباء المعروفين آنذاك ممن سبقونا في الممارسة الأدبية والثقافية إلى الانضمام للأسرة ، وكان من ضمنهم أستاذنا الكبير إبراهيم العريض الذي عرضنا عليه أن يكون عضوا شرفيا فيها، ولكنه اعتذر بكل لباقة وأدب، مبديا دعمه لها أدبيا ومعنويا، وقد ثمنا له هذا الموقف وهذا التعامل الإنساني الرفيع. على العكس مما أبداه غيره ممن دعوناهم، فلم نجد منهم إلا الصد والتهجم والتحقير لنا ولنتاجنا وحركتنا الأدبية الناشئة. ومرة أخرى أؤكد تقديري الكبير للأستاذ العريض الذي ظل محبا للأدباء الشباب ، مشجعا لهم في مجالات الكتابة والإبداع ، ومتابعا لكل ما ينشر لهم من إنتاج، نائيا بنفسه عن الدخول في الصراعات الأدبية المحتدمة آنذاك، على الرغم من اختلاف بعضنا معه حول بعض القضايا والتوجهات المثارة على الساحة الأدبية المحلية طيلة السنوات الماضية حتى وفاته.
* ما طبيعة مشاركتكم في المؤتمر؟
- شارك الأستاذ العريض بفاعلية كبيرة، حيث ألقى كلمة كانت بمثابة محاضرة مركزة بعنوان (مصير الإنسان إزاء التقدم التكنولوجي الحديث)، تناولت ما جرى من تطور حثيث للتقدم التكنولوجي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، موضحا دوره الايجابي في خدمة البشرية، ومشيرا إلى آثاره السلبية على المجتمع البشري بعد الانحراف به من قبل الدول الصناعية الكبرى إلى إنتاج أسلحة دمار شامل،التي قد تعرض البشرية لنكبات ومآس لا تحمد عقباها،وكأن العريض يهجس بحسه الشفاف إلى ما آلت إليه الأمور في الوقت الحاضر من دمار وخراب. وناشد فيها زعماء العالم الذين يلوحون بهذا النوع من الأسلحة ويفاخرون بتصنيعها ، أن يتحملوا مسؤولياتهم وان يوقفوا هذا الخطر الداهم الذي أصبح مقلقا ومرعبا لجميع البشر. وأشاد بالدور الفاعل الذي يبذله بعض الزعماء في قارتي آسيا وأفريقيا في مكافحة الممارسات العدوانية التي تمارسها تلك الدول على الشعوب المستضعفة، وخص منهم بالاسم: غاندي، ونهرو، وهوشي منه، وجمال عبد الناصر. كما شارك العريض في لجنة الصياغة.أما أنا وعلي فشاركنا في اللجان الفرعية الأخرى للمؤتمر.
* كيف تلقيتم الكلمة التي ألقاها الأستاذ العريض؟ وما الملاحظة التي أبديتها على كلمته؟ وهل كانت مثار خلاف بينك وبينه؟
- الملاحظة لم تكن تتعلق بصميم الكلمة فالعريض قدم محاضرة ممتازة في مضمونها وأسلوبها، وألقاها بكل ثقة وتمكن، وبلغة إنجليزية رفيعة المستوى، جذبت أنظار الجميع، حتى إن المؤتمرين اسندوا إليه فيما بعد تلاوة توصيات المؤتمر. وبقدر فرحتي بالاستحسان الذي لقيه أستاذنا الكبير – رحمه الله – إلا إنني أخذت عليه عدم الإشارة ولو بكلمات قليلة إلى البلد الذي جاء ممثلا بإسمه، فكان حريا به أن يعرف بالبحرين موقعا وتاريخا وثقافة . وفي الوقت الذي يجهل فيه الكثيرون من المشاركين في المؤتمر ما هي البحرين وأين تقع على خريطة العالم، كان العريض علما معروفا لدى الجميع عربا وغير عرب... أبديت للعريض ملاحظتي هذه عندما زرته في غرفته بالفندق، فلم يتقبلها وفوجئ بصراحتي وانفعالي في النقاش، وأنهى كلامه قائلا لي: يا بني هذا دوركم انتم الشباب. وخرجت من غرفته مهموما مما حصل بيني وبين أستاذنا الكبير، وتوجهت إلى غرفتي حيث لازمتها ورحت أفكر في قوله الأخير. وسرعان ما أخذت المسالة على محمل الجد و التحدي، وشرعت في الحال مساء ذلك اليوم ساهرا حتى الفجر في كتابة نبذة تعريفية عن تاريخ الحركة الأدبية الجديدة في البحرين معتمدا على ذاكرتي ومستعينا ببعض النصوص والأفكار التي كنت أدونها واحتفظ بها في ملف أحمله معي دائما في رحلاتي الأدبية، تحسبا لمثل هذه المواقف التي تتطلب مني أن أكون جاهزا للكتابة أو الحديث عن الأدب في البحرين. وفي الصباح كان الموضوع جاهزا فاطلعت الأخ علي خليفة عليه فأبدى ارتياحه، ورأينا أن نطبع منه نسخا نوزعها على بعض وفود المؤتمر. وذهبت مسرعا إلى سكرتارية المؤتمر، فاستقبلني الروائي المعروف ادوار الخراط – إن لم تخني الذاكرة - الذي كان يعمل مترجما فوريا في المؤتمر فساعدني على طباعة عدة نسخ من المقالة بالاستانسل، قمت بتوزيعها في الحال على بعض المشاركين عربا وأجانب، وأرسلت نسخة منها بعد عودتنا من مقر المؤتمر إلى غرفة العريض. وما هي إلا دقائق حتى يرن جرس التلفون في غرفتي، وإذا بصوت الأستاذ يقول لي بكل هدوء: أريد أن أراك يا بني الآن. ذهبت إليه دون إبطاء وأنا اعرف ماذا يريد أن يقول لي. وحال دخولي غرفته بادرني بالقول: لماذا تفعل بي هكذا يا ولدي؟ وتعمدت الجهل بالأمر قائلا: ماذا فعلت يا أستاذي؟ رد قائلا لماذا تجاهلتني وتجاهلت دوري في الحركة الأدبية في مقالتك هذه؟ قلت: لم أفعل هذا متعمدا إنما وجدت أن من الأفضل أن انطلق في الكتابة من بداية الحركة الأدبية الجديدة وان الحديث عنك وعن الحركة الأدبية السابقة يتطلب مني معلومات لا تتوافر حاليا في حوزتي، وربما يدفعني -إذا ما فعلت ذلك- أن أطرح آراء نقدية قد لا ترضى عنها، خاصة وأنني كنت أكتب منفعلا بعد خروجي من غرفتك، وأشكرك على تحديك لي. وبالطبع لم يقتنع أستاذي الكبير بردي، وحيال مخاطبته الهادئة الودودة شعرت لحظتها بغلظتي في التعامل معه، فبادلته بالاعتذار قائلا له: أنت محفور في ذاكرة البحرين وتاريخها ولا يستطيع احد لا أنا ولا غيري أن يمحوها أو يمسها بسوء. بعدها، توثقت علاقتي بالأستاذ الكبير واستمرت مبنية على التقدير والاحترام المتبادل حتى وفاته. وسيأتي اليوم الذي أسطر فيه ذكرياتي ومشاكساتي الأدبية الطريفة معه التي لا يعرفها إلا القليلون.
وبعد عودتنا إلى البحرين قامت الأسرة بطباعة النبذة التعريفية في كتيب، بعد أن أضيفت إليها مقدمة ومعلومات أكثر، وتم التوسع في عرض النصوص وتحليلها. ولعب هذا الكتيب الإعلامي دورا جيدا في التعريف بالحركة الأدبية الجديدة وأدبائها، وبخاصة في السنوات الأولى من تأسيس أسرة الأدباء. غير أن هذه المقالة فيما بعد صارت عبئا وعائقا لممارستي النقدية، فما أن أكتب رأيا نقديا يحتوي ملاحظات سلبية على أي نتاج أو حول أي قضية تخص الحركة الأدبية الجديدة أو أحد أدبائها، حتى ينبري لي من يعيرني بأنني كنت أمدح نتاج هذا الأديب في تلك المقالة والآن غيرت رأيي وتحولت إلى ذمه، ومتجاهلين الطبيعة الإعلامية لتلك الآراء الواردة فيها، ومتعمدين أحيانا الإساءة لي حين لا يجدون لديهم المبررات والحجج النقدية الكافية والموضوعية للرد على آرائي. ولكن مثل هذه الإساءات لم تترك أي أثر سلبي في نفسي، ولم تؤثر أبدا على طبيعة علاقتي الأخوية بزملائي المنتقدين. والحق أننا كنا جميعا أدباء وكتاب تلك المرحلة، مهما علت أصواتنا ، وتراشقنا بالكلمات القاسية إلا أننا كنا نترفع من أن ندع لخلافاتنا في وجهات النظر أن تمس علاقاتنا الأخوية بسوء، وحافظنا طيلة السنوات الماضية على هذه الروح الطيبة حتى في أصعب الظروف التي مرت بها الحركة الأدبية.
لقد عانى زملائي من الأدباء والشعراء البارزين اليوم صنوف القهر والعذاب والسجن في تلك الفترة، وقدموا التضحيات من أجل الإبقاء على شعلة الأدب مشتعلة ومضيئة في الساحة الأدبية في البحرين، وأشعر اليوم بالفخر والاعتزاز كوني واحدا من الذين رافقوهم منذ البداية في مسيرتهم الإبداعية.
* كيف كان لقاؤك مع محمود درويش؟
- جاء محمود درويش إلى المؤتمر تصحبه شهرة واسعة، واستقبل بحفاوة كبيرة من قبل المؤتمرين، كونه شاعرا آخذا نجمه في الصعود ومناضلا سياسيا عرف بمواقفه الجريئة تجاه المحتل الإسرائيلي. وقد حضر إلى المؤتمر – على ما اعتقد – من موسكو حيث كان في بعثة دراسية آنذاك، وبصحبته زميله الشاعر الفلسطيني المعروف معين بسيسو. وكان اتحاد الكتاب الافرواسيويين قد منحوا جائزة لوتس لعدد من كتاب وأدباء آسيا وأفريقيا وكان من ضمنهم محمود درويش، على ما قدموه من إبداع شعري أو روائي أو أدبي، وعلى نضالهم من أجل تحرير شعوبهم، وعلى مواقفهم الفكرية الجريئة في مجال الدفاع عن المظلومين والمستضعفين،ودعوهم لتسلم جوائزهم في هذا المؤتمر. و قد تسلم محمود درويش جائزته من السيدة انديرا غاندي، وألقى كلمة تحدث فيها عن معاناته ونضال شعبه المرير ضد العدو الإسرائيلي الذي يحتل أرضه منذ العام 1948.
وأعجبت بكلمته مضمونا وأسلوبا، ووجدت أن نثر محمود درويش لا يقل روعة عن شعره. التقيته عدة مرات خلال فسحات المؤتمر، ودارت بيننا أحاديث كثيرة لا أتذكر تفاصيلها اليوم، ما أتذكره هو أنني أمطرته بالأسئلة والاستفسارات عن طبيعة عيشه هو والشعب الفلسطيني تحت ذلك الحصار والقهر الجائرين اللذين يتلقاهما من العدو الإسرائيلي، وعن معنويات الفلسطينيين داخل الأرض المحتلة، فلم يزد على ما نسمعه من أخبار إلا من حيث التفاصيل والتعبير عن روح المقاومة والصمود والتحدي التي كان يعبر عنها محمود درويش أحسن تعبير، ولمست من حديثه أيضا وما استشفيته من كلمته في المؤتمر إن معاناته داخل الأرض المحتلة أصبحت لا تطاق وتكاد تشل ممارسته الشعرية والنضالية على حد سواء. لذا بدر لي أن استفسر عن رأيه في الأخبار التي راجت حول عدم عودته إلى فلسطين. ولا أتذكر بماذا أجابني على وجه الدقة إن كان نفيا أو إيجابا وقد تكون إجابة حائرة بينهما. المهم انه بعد بضعة أشهر أعلن قراره في القاهرة بعدم العودة إلى الأرض المحتلة، وأحدث بذلك ضجة إعلامية كبيرة انقسم فيها الأدباء والمثقفون بين مؤيد ومنتقد للقرار. غير أن محمود كان قد حسم أمره مقتنعا بأن وجوده في الخارج سيتيح له الانطلاق والحرية في التعبير والعمل بشكل أفضل مما لو بقي في الداخل تحت الحصار الشديد الذي صار خانقا له ولموهبته الشعرية.
أقول بعد هذه السنوات الطويلة التي قضاها محمود في أتون مسؤولياته النضالية خارج الأرض المحتلة، التي حمل عبئها بكل إخلاص وجدية من أجل القضية الفلسطينية، وحافظ خلالها على موهبته الشعرية التي أفرزت شعرا متميزا بالجودة والرؤى الإبداعية والأسلوب الرصين الذي يتصف بالعمق والبساطة في آن، أقول لقد صدق محمود وعده وأصاب في قراره ذاك، ولا أحد يتصور ماذا سيكون حاله لو بقى تحت ذلك الجحيم اليومي الذي عاشه منذ نشأته الأولى حتى خروجه في ذلك اليوم المشهود.
* هل مثل لقاؤكم بمحمود درويش دعما لحركتكم الأدبية الجديدة ولمواقفها النضالية؟
- لم يكن لقاؤنا بمحمود درويش وحده الذي مثل لنا دعما معنويا لحركتنا الأدبية الجديدة، وحفزنا على مواصلة مسيرتنا الثقافية، بل أن تعرفنا عن قرب بأدباء كثر ومناضلين عج بهم المؤتمر من جنوب أفريقيا وانغولا وفيتنام والهند وروسيا وأوروبا الشرقية وغيرها من الدول التي كانت اغلبها تخوض حروب التحرير من الاستعمار أو الدكتاتوريات المتسلطة ،أيضا كان لهم الأثر الكبير في رفع معنوياتنا وتعزيز ثقتنا بأنفسنا . لقد أعطانا هذا المؤتمر دفعة قوية وحافزا كبيرا أشعل فينا حماس العمل من أجل إنجاح حركتنا الأدبية الجديدة. وأنت إذا ما راجعت أدبيات أعضاء أسرة الأدباء ونتاجهم وصراعاتهم الفكرية التي دارت فيما بينهم في العقدين السبعيني والثمانيني من القرن الماضي ستلمس إلى أي حد كنا مندفعين غير مباليين بالأخطار والمضايقات التي كانت تتربص بنا وتسعى إلى إحباطنا. كانت تلك السنوات وبخاصة السنوات الأولى منها التي يمكن أن نطلق عليها سنوات التضحية والنضال مشعة حيوية وعنفوانا بالوهج الأدبي و النشاط الفني... أتمنى من كل قلبي أن تعود تلك الأيام بصورة أزهى وأجمل.
* هل كنتم على إطلاع ومتابعة مستمرة لما أنتجه محمود درويش من شعر آنذاك؟
- نعم بالتأكيد كنت متابعا جيدا لما ينشر، وقد نشر آنذاك ما يقرب من سبع أو ثماني مجموعات منها (حبيبتي تنهض من نومها) والكثير من مجموعاته الشعرية طبعتها دار العودة. صدرت له بعد ذلك مجموعات عديدة، وما زلت أتابع ما يكتب من شعر أو نثر، وما يجرى معه من حوارات أو لقاءات على صفحات الجرائد والمجلات وشاشات التلفزيون، حتى آخر مجموعة شعرية له ( كزهر اللوز أو ابعد) عن دار الريس عام 2005. التي أعيد طبعها للمرة الثانية هذا العام.
* هل التقيتم بأدباء آخرين غير محمود درويش؟
- المؤتمر حضره حشد كبير من الأدباء والمفكرين البارزين من بلدان آسيا وأفريقيا، وكانت وفود البلاد العربية تضم أيضاً أبرز الأدباء من مفكرين وشعراء وروائيين، منهم محمد فوزي ويوسف إدريس ويوسف السباعي من مصر، ومعين بسيسو من فلسطين وسليمان الأحمد من سوريا، وليد معمري من الجزائر، وسهيل إدريس من لبنان.. وآخرين لا أتذكر أسماءهم جميعاً الآن.. ولكن اللافت في هذا الحضور أننا الأدباء الوحيدون من دول الخليج، ووفدنا كان كبيرا نسبياً، فأغلب الدول مثلت بأديب أو اثنين بينما نحن ثلاثة.. واللافت أيضا أننا (أنا وعلي) كنا أدباء ناشئين بين جمع من عمالقة الفكر والأدب. مؤتمر لم تتكرر نوعيته ولا حجمه بالنسبة لنا.
تعرفنا على الكثيرين والتقينا بالعديد منهم.. ودعني أقول لك حادثة لم أنسها.. كنت كلما أمر قاصداً قاعة المؤتمر لحضور الاجتماعات أرى القصاص الكبير يوسف إدريس جالساً في المقهى يشرب قهوته سارحاً في خيالاته، اقتحمت خلوته ذات مرة وتبادلت معه الحديث عن أدبه وعن القصة العربية عموما، ولا أتذكر شيئاً من ذلك الآن، ولكني عندما سألته: أراك دائم الجلوس في المقهى غير مهتم بحضور جلسات المؤتمر ومتابعة نشاطاته؟ رد علي مبتسماً: يا عزيزي ماذا أستفيد من ذلك.. وواصل كلامه قائلاً، فائدة المؤتمرات الوحيدة هي التعارف بين الحاضرين واكتشاف تفاصيل الحياة خارج جلساته وأروقته، أما ما يدور داخله فلا يعني لي كثيراً!! واندهشت حينها لهذه النظرة المحبطة.. وعللت ذلك بأنه قاص يبحث عن الهدوء والتأمل كي يكتب قصصه، وأن ما يقوله غير صائب.. غير أني بعد أن حضرت الكثير من المؤتمرات وخبرت العديد منها، سواء أكانت أدبية أو تربوية، طوال أكثر من خمس وثلاثين سنة، أجدني أتفق مع المرحوم الكاتب المبدع يوسف إدريس في نظرته تلك، وخاصة ما يعقد منها في الدول العربية.
* ماذا تقول لمحمود درويش بذاكرتك الحافلة هذه، وهو يحل علينا ضيفا وشاعرا لأول مرة؟
- أقول له: لقد انتظرناك طويلا .. راجيين أن يتحقق حلمنا بلقائك هذه المرة .. تحل علينا شاعرا فذا، و مناضلا كبيرا، وضيفا عزيزا.
عن مدونة علي الديري.