الطيب الوحيشي (أو طيب لوحيشي كما تنطق في تونس) مخرج عربي/عالمي من تونس، تتركز علاقته بالعالم من واقع انتشار السينما العربية عالميا أو حول العالم، وتداول الأفلام الجادة الشارحة للقضايا والهموم الإنسانية العربية من واقع كتابي أخراجي عربي أكثر نضجا في التعامل والطرح والتداول، يمتلك وعيه الفكري والتقني في هذا، والوحيشي مستمر في الحلم ومحاولة تحويله لواقع ضمن الجهد الفردي والجماعي مع المتوازين معه في هذا الحلم/الواقع .
يتطلب بداية الحديث عن لوحيشي، للدخول في مشروعه، فهو مخرج تونسي يعيش في باريس، ويتنقل حول العالم في عمله الإخراجي، درس علوم السينما والآداب والاجتماع في باريس، ليمارس بعدها الإخراج عام 1972 في باكورة أفلامه القصيرة (قريتي قرية من بين القرى) ويفوز بجائزة الثالوث الذهبي لمهرجان قرطاج، ليواصل أفلامه القصيرة والتسجيلية مثل الخماس،الزيارة، زمن التعلم و قوة الضعفاء .
نال فيلمه الروائي الطويل (ظل الأرض) 15 جائزة مع مشاركة رئيسية في مهرجان كان السينمائي - أسبوع النقاد، وفاز فيلم (جزيرة الجد - كوريه) بجائزة لجنة التحكيم بالجزائر، وفيلمه (عرس القمر) بالجائزة الكبرى في مهرجان باري في ايطاليا، وقدم (مجنون ليلي) في المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية، كما فاز فيلمه (رقصة الريح) بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان الفيلم العربي بروتردام مؤخرا. اختير الوحيشي كمدير ومقيم لفعالية (مدخل الي الأفلام العربية) المقرر أقامته بقناة القصباء بالشارقة في سبتمبر من هذا العام، ليبعثر شغفه السينمائي بالفعاليات والورش المتنوعة، ويشارك بأربعة من أفلامه في هذا المهرجان العربي/العالمي بمشاركة الكثير من الأسماء الهامة في تاريخ وواقع السينما العربية مثل محمد شويخ من الجزائر وحسن بن جلون من المغرب ورنده شهال من لبنان، ضمن ورش عمل ونقاشات مفتوحة لكل تقنيات عالم السينما من فكر وتقنية، لتسجل ضمن الأحداث الثقافية السينمائية الهامة في الوطن العربي .
اختير الطيب لوحيشي مدير لمهرجان القاهرة السينمائي عام 2004 وقدم فيه فيلم (رقصة الريح) وهو فيلم يعتبره لوحيشي دخول في ذاكرة الصحراء،ذو تقاطعات روحية وصوفية ونفسية لمجمل ثقافة الصحراء المنتمية للإنسان العربي والعالمي السينمائي والأدبي، ويري لوحيشي الدخول الرؤيوي والفكري للموضوع خلق توازن لديه في نقص التقنية التصويرية عالية التكلفة والوجود، كما في هوليوود وغيرها من عمالقة الإنتاج السينمائي في العالم .
حاورنا لوحيشي في تجربة الإخراج من جوانبها العديدة، دون الدخول حول المشاريع المستقبلية كثيرا، للوصول
حول الواقع الحقيقي للفنان العربي السينمائي أمام المعوقات الفكرية والإنتاجية في العالم العربي .
* نتحدث قليلا وبداية عن الطيب لوحيشي، بما يريد قوله أو تبيانه عن الطيب لوحيشي، وسيرة شخصية، كما يراها ..
أنا من مواليد الجنوب التونسي، أخرجت عدة أفلام قصيرة ومتوسطة منذ السبعينيات، أولها (قريتي فرية من بين القرى) والخماس وزمن التعلم والبعض منها صورتها في أفريقيا جدنوب الصحراء، وأخرها أوبرا بروسينا التي قدمت في قطر، أما أفلامي الطويلة فبدأتها عام 1982 في (ظل الأرض)، بعدها صورت فيلم مع جازمان أمريكي أسود باسم (جزيرة الجد كوريه) في السنغال المعروفة بتاريخها المظلم حول العبودية، والفيلم روائي مفعم بموسيقي الجاز والموسيقي المحلية، بعدها أخرجت (مجنون ليلي) عن كتاب (ليلي يا عقل لي) لأندريه ميكيل وكتاب الأصفهاني بالطبع، دخل المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية عام 1989، بعدها عملت علي (عرش القمر) وهو فيلم روائي، وأخيرا (رقصة الريح) من أنتاجي وإخراجي، وحصل علي جائزة لجنة التحكيم في مهرجان الفيلم العربي بروتردام العام الماضي ومجموعة جوائز أخري في المغرب، والفيلم عبارة عن وقفة تأمل كيف نواصل الحلم والتصور ونصمد ككل المبدعين، وقد اخترت المخرج الجزائري وصديقي محمد شويخ كممثل أول، لتعميم الفائدة والتنوع في أعمالي، والفيلم سيرة أبداعية، درست الاجتماع في باريس ولا زلت أتعلم من الحياة والسفر واللقاء .
* عرفنا السينما المصرية واللبنانية، وكانت السينما الأسيوية والكندية والسويسرية وسينما المغرب العربي مغيبة، ولاتملك حضورها في ذوق المشاهد العربي، لذا نود لو حدثتنا عن سينما المغرب العربي كشواهد وتجارب ورجال، لوقوعك وتجربتك ضمن إطارها الأبداعي ؟
السينما المصرية غزتنا جميعا حالها الأداب والموسيقي ،، كما لم تفتح المجال لغيرها ولكن لم تنجح * أمام الانفتاح اليوم ، وإنما تقوقعت مع احترامي لتجربتها ورجالها وصناعتها، والتقوقع هو ما أبقاها في حالتها المؤلمة الموجودة اليوم، ومست هذه الوضعية التجارب السينمائية العربية الأخرى، كونها لم تجد سوق مفتوحة تحقق فيه هذا الأنف تاج وتقدم فيه هذه التجارب ضمن خطة تبادل يمكن أن تحقق فيها الكثير، خاصية السينما المغربية أنها حاولت أن تتفتح علي بلدان المغرب والمشرق العربي وللأسف كان هذا الانفتاح مقصور علي المهرجانات السينمائية ونوادي السينما والنخبة، رغم أنها أفلام أعطت تصورات مخرجين ذوو رؤيا وهم قليلون وتمحورت لقاءاتهم بين باريس ولندن وبروكسل وأمستردام وغيرها من الدول الأوروبية، وسينما المغرب العربي ثرية بأفاق وتنوع شخصيات مخرجيها ورؤاهم المتشبعة بروح بلدانها، وقد كانت التجربة الجزائرية سباقة زمن الثورة الزراعية ومواضيع الحرب، التي أخذت جل أفلامهم مثل الأخضر حامينا وفيلمه (سنوات الجمر العشر) و (رياح والأوراس) ومحمد الشويخ الآن، والأمين مرباح والطلبي ومرزاق علواش والراشدي، وهناك أسيا الجبار وهي كاتبة ومخرجة، ومن رواد تونس عمر الخليفي وفيلمه الأول (فجر) ومهرجان قرطاج وحركة نوادي السينما والتي أنا منها ومحمود بن محمود والناصر خمير ومفيدة الدلالسي والنوري بو زيد وسلمي بكار والعديد من المخرجين كلا بأسلوبه ومدرسته الإخراجية، قدموا الكثير من التجارب كانت سباقة في تطورها وأسلوبها المتمكن تقنيا وفكريا، وقد تركزت كل الأفلام والتجارب في تونس العاصمة، ودون مجاملة للحكومة التي ساعدت وخلقت حضور للسينما التونسية في عدة مهرجانات فهي تحتاج أن تشارك أكثر في هذا الدعم والمشاركة .
تجربة أخري هامة هي السينما المغربية وما تمتلكه من دعم متوافر وصناعة جيدة مع السيد سهيل بن بركة المسير لمصلحة السينما والسيد نور الدين صايل فالأول مخرج والثاني من خريجي نوادي السينما وكلاهم مخلص ومتفاعل مع حركة السينما ولديهم هذا العام ما يقارب 14 فيلما متنوع، كرم اثنان منهم في مهرجان كان هذه السنة في قسم جديد بعنوان (سينما العالم) وسوف تكرم تونس السنة القادمة، كما لا ننسي موريتانيا ولديهم عبد الرحمن سيساكو من مالي ومحمد هندو غميد وهو مخرج معروف ويواصل الإنتاج من سنوات، كما وجدت حركة نقدية سينمائية جيدة خرجت من نوادي السينما ونضالاتها الفكرية .
*لم تنجح أو لنقل لم تنتشر السينما المغربية أو سينما المغرب العربي وتخلق جماهيرها، كيف تبرر هذا من جانب الموضوع أو التجربة أو ضعف التناول والإنتاج مع إطراءك للتجربة في سؤال سابق؟
أحترم السينما المصرية وتجربتها وعلي رأسها الأخ والمخرج الكبير يوسف شاهين والمرحوم شادي عبد السلام وعاطف الطيب والأخ الكبير صلاح أبو سيف ولديهم محمد خان وخيري بشارة ورأفت الميهي، والفنان الجميل خالد الحجر وهي أسماء جيدة ولامعة لا تكفي لإنقاذ السينما المصرية التي أخذتها سينما المقاولات، ويسعدني أن تكتسح السينما المصرية العالم كله ولكن بقاعدة، وواقع أقوله دون كذب لا توجد سوق ولا اهتمام بتوسيع ونشر الفيلم العربي، ولا أعلم إن كان هذا قرار سياسي أو جهل أو غباء أو عدم احترام لما يسمي بالثقافة العربية، ونحن كأفراد نعمل بقوة وتواصل لا من أجل أن ترضي عنا قناة أوروبية يمكن أن تقتنع بوجود حضارة وسينما، وأذكر مستشرق فرنسي قال ذات يوم أن العرب قادرين علي صنع المشربيات، بل لدينا قناعة بقوة تجربتنا لا من أجل الفوز بل لتقديم تجربتنا المفتقرة للسوق الذي احتكرته السينما الأمريكية والقليل الأخر للسينما الفرنسية والانجليزية، فلم يبقي لدينا غير المهرجانات وبعض القنوات مثل أوربت وأي أر تي والنيل التي تشتري أعمالنا بثمن زهيد ولكن لا يهم، والمهرجانات النافذة الوحيدة الموصلة أعمالنا للعالم لتقييمها والحكم عليها بالرفض أو القبول، وكنت سعيدا بفكرة حكومة الشارقة لعرض أفلام عربية علي مدار العام وورش عمل، ونأمل في وجود جمهور متواجد من كافة المناطق وهو مشروع تحت التنفيذ يبدأ العمل فيه شهر سبتمبر من هذا العام كما نأمل من المهرجان تخريج الإبداعات الفردية وتحفيزها من قواقعها للعمل .
* كيف تفسر وتوضح قاعدتك أو انطلاقتك الفكرية في معالجة وكتابة سيناريو مواضيع أفلامك ؟
كمخرج لدي فكرة ورؤيا أحاول توصيلها في كل عمل أقوم به قصير أو طويل ولست في عجلة، ولدي مشاريع مستقبلية مثل (مرايا الشمس) حول القضية العربية، وطرد الفلسطينيون من بيروت، كافحوا خروجه الأخوة وأبناء العم، ومشاريع أخري لم تري النور، بودي التصوير في أفريقيا السوداء وأوروبا والخليج العربي ...كل مشروع يمكن أن يأخذ 3 سنوات حتى خروجه، كما لدي نصوص كثيرة لأسماء هامة مثل كتاب محمود طرشونه ونيكول أمريل كاتبة (أهل مزار) وسيلفان ترديل الكندي صاحب (رياح المطر)، وما أقصده أن التقنية موجودة والأفكار كذلك، ما ينقصنا هو السوق والتوزيع.
أحلام كثيرة تعيش في أبداع العربي يحاربها الأخوة وأبناء العم (كما يقول لوحيشي) نتساءل متى تنتهي حروب الرفاق بعضهم البعض، وتنتهي قرون التجاهل والرفض والاستخفاف بقدرة المبدع العربي، وقدرته الدخول عالم الإبداع العالمي مع توافر أسماء كثيرة موجودة علي بعض من سماواته وفي أفلاكه و ختاما تحية لكل من يغرس بذرة يسقيها من وقته وحلمه وحياته .