برهان غليون أستاذ علم الاجتماعي السياسي، مدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون في باريس حائز على دكتوراه الدولة في العلوم الإنسانية، وأخرى في علم الاجتماع السياسي.
له العديد من المؤلفات بالعربية والفرنسية أهمها: <بيان من أجل الديموقراطية>، <المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات>، <الطليعة مجتمع النخبة>، <اغتيال العقل>، <الوعي الذاتي>، <ما بعد الخليج>، <نقد السياسة الدولة والدين>، <المحنة العربية>، <الدولة ضد الأمة>، <ثقافة العولمة>، مع سمير أمين <النظام السياسي في الإسلام>، مع سليم العوا، إضافة إلى العشرات من المؤلفات الجماعية والدراسات والتحليلات السياسية والاجتماعية المنشورة في المجلات والصحف اليومية.
نحاوره اليوم حول قضايا وهموم الشباب العربي الموضوع الأهم في مجتمع يشكّل الشباب فيه النسبة العظمى، ونبدأ أولاً بمحاولة تلخيص الواقع الراهن، دكتور غليون:
يعاني الشباب في العالم العربي وسوريا من عدد كبير من المشكلات منها البطالة وعدم المشاركة في صناعة القرار السياسي والميل نحو التطرف الديني أو العرقي أو الإيديولوجي، فما هو توصيفك للوضع الراهن؟
عندما نتحدّث عن الشباب في العالم العربي، فنحن نتحدث في الواقع عن أكثر من 60 بالمئة من الشعب لا عن فئة قليلة أو هامشية. ولذلك فإن مأساة الشباب العربي جزء أساسي من مأساة الشعوب العربية التي يتعامل جميعها ككم مهمل، وتفرض عليها الوصاية الفكرية والسياسية.
لكن، أكثر من ذلك، يشكل الشباب في جميع المجتمعات الخزان الكبير للمواهب والتجديدات و الإبداعات التي من دونها لا تقوم حياة اقتصادية ولا فكرية ولا سياسية. وعليهم تتوقف تغذية الدولة والاقتصاد والمؤسسات الاقتصادية والأحزاب والجمعيات بالأطر والكوادر الحية والنشيطة، لأنهم الأقدر على التضحية والبذل، والأسرع إلى الأخذ بالمعارف الجديدة، ومراجعة التجارب السابقة، وتقديم مقترحات للتجدد والتطور في جميع مجالات الحياة الاجتماعية. فإذا همش الشباب ومنعوا من التفكير والحركة، كما هو الحال في النظم البيروقراطية التسلطية التي تعيث فساداً في البلاد العربية، ومنها سوريا، وتمّ تعليبهم في منظمات خاضعة مباشرة لأوامر السلطة الأمنية، ضاع الأمل في أي تجديد أو نقد أو تغيير، وقضي على روح المبادرة الاجتماعية. وهو ما سعت ولا تزال تسعى إليه السلطة البعثية القائمة التي لا أمل لها بالاستمرار إلا بتعقيم المجتمع و<غربلته> وتحجيره وقتل روح الشبابية فيه.
فليس لسلطة الوصاية الأمنية والحزبية المفروضة على المجتمع من هدف، مع ما تعنيه وتتضمنه من حرمان الأفراد من ممارسة حقوقهم الطبيعية، في النفاذ إلى المعلومات وتمثل المعارف، والتعبير عن آرائهم ومواقفهم، وتنظيم شؤونهم بأنفسهم، سوى فرض الإذعان على شعب كامل، ومنعه من التطور الفكري والسياسي، حتى يبقى شعباً أسيراً وقاصراً، غير أهل لتحمل مسؤولياته وتسيير شؤونه بنفسه. وعلى هذا القصور تراهن النخب الحاكمة للحفاظ على الوضع القائم والمصالح الضيقة التي تمثلها. وفي سبيل ضمان استمراره ترفض تعديل القوانين الاستثنائية التي أمّنت لها الوصول إلى ما هي فيه، والتي تقوم على إلغاء الحريات والحقوق الأساسية وعلى حظر المشاركة وتحويل الجميع إلى أدوات في يد الآلة العسكرية والأمنية المسيطرة على جميع مقدرات البلاد.
ما هو تعريفك للمشاركة في صناعة القرار؟
من خصائص السياسية الحديثة، أنها لم تعد رهينة ملك ملهم، أو يدّعي الألوهية والإلهام، ولا حكراً على طائفة أو طبقة ارستقراطية أو طائفة اجتماعية، ترث وظيفة الأمر والحكم جيلاً عن جيل، كما كان الحال في المجتمعات الإقطاعية والارستقراطية. كما أن السياسة لم تعد في العصر الحديث قرارات مفروضة من قبل نخبة، مهما كانت سمّتها ومواهبها وكفاءاتها، على شعب يفتقر إلى السيادة ويعامل معاملة الأتباع أو الأقنان والعبيد. ولكنها أصبحت، في المفهوم الحديث، ثمرة مشاركة شعبية على مستوى الأفراد والجماعات معاً، بقدر ما حطّمت النظرية السياسية الحديثة مفهوم وصاية الطبقة الارستقراطية، وأعادت إلى الشعب كله حق السيادة. فالسيادة تعني أن الشعب هو مصدر السلطة، وأنه هو الذي يقرر، عبر انتخابات تعبر عن رأي الأغلبية واختيارها، في أمر القيادة التي ستدير شؤون البلاد لفترة محددة، وحسب قانون ودستور واضحين. وتعني السيادة أن القيادة السياسية لن تكون شرعية، ولن تحظى بدعم الرأي العام وتأييده، وبالتالي بخضوعه الطوعي للقوانين والقرارات وتطبيقه لها، إلا إذا كانت منبثقة من خيار شعبي معبر عنه بصورة واضحة من خلال انتخابات نزيهة وشفافة وتنافسية. وأن السياسات التي تطبقها هذه القيادة المنتخبة هي نفسها خاضعة باستمرار لموافقة الشعب ومراقبته. وأن أهل الحكم هم خدام للشعب وموظفون عنده، يسحب منهم الوكالة التي أعطاهم في أي وقت، إذا اعتبر أنهم لم يؤدوا المهمة أو لم يفوا بالالتزامات المرتبطة بمناصبهم. فالمشاركة في صناعة القرار أساس شرعية السلطة ومنطلق الشرعية ومبدؤها باحترام حق كل مواطن في التعبير عن رأيه في نوع القيادات السياسية التي ستتولى شؤون الدولة، وفي أسلوب ممارسة هذه القيادات للسلطة، سلباً أو إيجاباً، من خلال وسائل إعلام حرة ومستقلة، وحق كل جماعة مهنية أو اجتماعية في التظاهر والاحتجاج للدفاع عن مصالح جزئية، وحق الاستشارة والاستفتاء في جميع الأمور التي لا يقدّم الدستور ولا القانون تفصيلاً أو تفسيراً واضحاً لها. فالشعب، أي مجموعة المواطنين الذين يكونونه، هم المرجعية الأولى والأخيرة للسلطة. ولا يحق لحاكم أن يعمل بما يخالف رأي الشعب واختياراته كما تعكسها الانتخابات وتقرّرها الأكثرية العددية. وكل مخالفة لهذا الرأي هي مخالفة للدستور وخروج عن الشرعية وتهديد للوحدة الوطنية.
أساليب الإدارة المملوكية
كيف ترى الطريقة المناسبة لحل مشكلة عدم المشاركة في صناعة القرار السياسي، في العالم العربي؟
رفض الحاكم الاعتراف بحق الشعب في المشاركة في صناعة القرار عندنا ليس قضية جزئية. إنه الثمرة الطبيعية والحتمية لإلغاء السيادة الشعبية لمصلحة سيادة مفروضة بالقوة للأجهزة الأمنية المقنعة غالباً بنزعة أبوية، وأحياناً بدين عبادة الشخصية وتأليه الحاكم واعتبار كل ما يصدر عنه، من أفكار أو قرارات أو مواقف، خطوطاً حمراء لا يجوز اجتيازها، ومحرمات لا ينبغي التناقش فيها ولا التفكير في مضمونها ولا، من باب أولى التشكيك في صلاحها المنطقي أو السياسي. فالمطلوب تطبيقها كما لو كانت أوامر دينية ومقدرات إلهية. ولا يمكن حل مشكلة المشاركة السياسية إلا من خلال العودة إلى مفهوم السيادة الشعبية، التي تعني كما ذكرت أن الشعب هو مصدر السلطات، ولا شرعية لأي قرار ولا تصديق أياً من السياسات من دون استشارة الشعب، سواء أكانت الاستشارة عبر الانتخابات التشريعية التي تمكنه من انتخاب ممثليه في مجلس تشريعي يقر القوانين ويراقب تنفيذها، أو من خلال الاستفتاءات الخاصة، أو عبر الرأي العام المعبر عنه في الصحافة والإعلام الحر، أو من خلال التظاهرات المختلفة، المادية واللامادية، للرأي العام.
ونحن نعيش اليوم صراعاً مريراً بين نمطين من الشرعية المرتبطة بمفهوم السيادة هذا. نمط يلغي سيادة الشعب كلياً، ويرفض استشارته بأي شكل كان، ويفرض الوصاية عليه، بذريعة أنه جاهل و أمي، أو خاضع لتأثير القوى الظلامية، أو غير مدرك لتعقيدات السياسة الدولية، ونمط آخر يسعى إلى انتزاع السيادة للشعب، ويعتبر الحكم باسم الثورة أو الانقلاب أو السيطرة العسكرية أو تفوق القوة، أو باسم الملك أو الرئيس الملهم والأب القائد، اغتصاباً للسلطة، ويرفض تكريسه كأمر واقع وحقيقة نهائية. ومصير المشاركة مرتبط بحسم هذا الصراع لمصلحة أنصار السيادة الشعبية. وفي الحالة الثانية ليس هناك شك في أن البديل هو العودة إلى ثقافة القرون الوسطى السياسية وأساليب الإدارة المملوكية للمجتمعات. أي ضبط المجتمعات بالقوة العسكرية والعنف لحساب نخبة ارستقراطية تملك البلاد والعباد ولا تسأل عما تفعل ولا تقبل بوضع سياستها واختياراتها السياسية أمام أي مساءلة أو مناقشة أو اعتراض.
ما هي آليات بناء وتطوير المشاركة في صناعة القرار السياسي العربي؟
المشاركة لا تحتاج فقط إلى نظام سياسي يعترف بالسيادة الشعبية ويوفر شروط ممارستها والتعبير الحقيقي عنها فحسب، وإنما تحتاج كذلك إلى وجود أفراد مواطنين يعرفون حقوقهم وواجباتهم وقادرين على تحمل مسؤولياتهم في قيادة الدولة أو في المشاركة في بلورة القرارات السياسية. أي إلى رجال واعين، متضامنين وأحرار معاً. فالوعي بالمصالح العامة والتضامن للدفاع عنها وحمايتها من سيطرة شبكات المصالح الخاصة والدفاع عن الحرية والتمسك بقيمها، أي رفض الإمّعية والتبعية والتسليم للآخرين، هي من الشروط الأساسية لممارسة المسؤولية. ومن لا وعي له بالمصلحة العمومية ولا قدرة له على التعاون مع غيره أو النظر فيما وراء مصالحه الأنانية، ومن لا يشعر بالحرية أو لا يعتبر نفسه حراً وسيداً، لا يقبل تحمّل المسؤولية ولا يعرف مضمونها ومعناها. وبالعكس بقدر ما تدفع التربية السائدة في مجتمع من المجتمعات الأفراد إلى تعلم حمل المسؤولية وتدربهم على إدارة شؤونهم بأنفسهم، وعلى مناقشة الأمور بصورة عقلانية، تؤهلهم للمشاركة في الشؤون العمومية وتشجعهم على رفض الاستقالة الأدبية والسياسية.
وبالمقابل لا تهدف سياسات النظم الاستبدادية، القائمة على تخويف الناس وإرهابهم ومنعهم من التفكير أو العمل في السياسي، سوى إلى ردعهم عن الاهتمام بالشأن العام، ودفعهم إلى الاستقالة السياسية والأخلاقية، بحيث لا يعود هناك فرد يهتم بما يحصل للفرد الآخر، ولا يفكر إلا بضمان بقائه وحفظ مصالحه الشخصية. وهو ما تعيشه قطاعات أساسية من شبابنا اليوم، وما يجعل الحياة الاجتماعية والعمومية تبدو في نظرهم صحراء قاحلة، لا ترضي العقل ولا الضمير، ولا تفتح أي نافذة للأمل في المستقبل. وليس من المستغرب في هذه الحالة أن ينزع العديد من الشباب إلى الهرب من هذا الموقف العدمي أخلاقيا وسياسيا نحو الحلول المتطرفة، الدينية أو المادية الاستهلاكية. فينقسمون، كما هو ملاحظ الآن، بين متدينين من دون تسامح في أي شأن، ومتغربين من دون أي دين أي عدميين من دون أي مبدأ أو مثال.
ماذا عن دور المشاركة في بناء المجتمع السليم؟
ما ذكرته عن وجود الفرد المواطن القادر على تحمل المسؤولية، يضع مسؤولية كبيرة على النخب المثقفة والسياسية الديموقراطية في بناء المجتمع السليم. فالسياسة مسؤولة إلى حد كبير عما يعيشه المجتمع السوري من مآزق ومآسي اليوم، بما في ذلك عن تخليد نمط الاستبداد ودفع المجتمع إلى الاستقالة من الشأن العام والانطواء على المصالح الخاصة الجزئية، وهو شرط سيطرة النخب الحاكمة بالقوة وحدها. لكن السياسة لا توجد من دون الثقافة أو خارج بيئة ثقافية معينة. وبقدر ما ربحت السلطة القائمة معركة الثقافة، أي قتلت حس الحرية والاستقلال والسيادة والضمير الجمعي عند الفرد، وجعلته ينظر بالفعل إلى نفسه وكأنه فأر صغير عاجز ومشلول أمام القوة القاهرة، فقد ضمنت سيطرة المواقف السلبية، والانسحاب من الشأن العمومي، وأمنت تجديد نظام الاستبداد. وبالعكس بقدر ما يستعيد الفرد شعوره الإنساني واحترامه لنفسه وإدراكه لقدرته على تمييز الحق والباطل وتحمل المسؤولية الفردية والجمعية تتطور مواقفه الايجابية تجاه نفسه والمجتمع، ولا يبقى هناك أي أمل أو أساس لاستمرار حكم الاستعباد والقهر والإرهاب القائم.
تغيير المناهج
هل تعتقد أن تغيير المناهج التعليمية سيساعد في رفع سوية المشاركة الفعالة في صناعة القرار السياسي؟
نعم بالتأكيد. لكن من سيغير هذه المناهج؟ وهل تسمح السلطة الاستبدادية التي عملت المستحيل من أجل تجويف الوعي والضمير، وتفريغ البرامج من كل ما يساعد على نمو الفكر النقدي والحس الجماعي بالمسؤولية، بإعادة النظر في هذه البرامج في الاتجاه المطلوب؟ يبدو لي أن الأمر يتوقف في المرحلة الراهنة، على الشجاعة والتضحية ونكران الذات عند الشباب لفرض علاقة أخرى غير علاقة الاستتباع والخنوع و الإمّعية، داخل المدرسة والحزب والدولة. بعد ذلك، بالتأكيد، لا يمكن أن نتحدّث عن تربية ديموقراطية، أي عن تعليم الأجيال والشعوب عموماً مفهوم الحق والواجب والمسؤولية، من دون إصلاح تعليمي وتربوي واسع. كما أننا لا ينبغي أن ننسى الجهد المطلوب لتغيير سلوك الأفراد داخل الأسرة وفي الشارع وعلى مستوى العلاقات بين الجنسين أيضاً، وزرع قيم جديدة قائمة على الاحترام والمساواة والتضامن، وهي قيم تكاد تضيع كلياً اليوم في سياق تحريم الاهتمام بالشأن العام وتوجيه الناس نحو التنافس والتناحر على مراكمة المنافع والثروات والمصالح الفردية الأنانية.
ماذا عن تنشيط دور مؤسسات المجتمع المدني؟
كل ما ذكرته يتعلّق بنشاط مؤسسات المجتمع المدني. فالأفراد لا يوجدون خارج المجتمع المدني، سواء أتجسّد هذا المجتمع في الأسرة أو المصنع أو المدرسة أو الجمعية أو المنتدى الفكري أو الحقوقي أو الحي أو القرية أو المدينة. لكن التجربة الماضية بيّنت أن تنشيط مؤسسات المجتمع المدني مرتبط هو نفسه بشروط العمل السياسي. ففي نظام يعتبر أن توقيع بيان يشكل بحد ذاته عملاً سياسياً عدوانياً يستحقّ صاحبه الحبس، وربما الأشغال الشاقة مدى الحياة، من الصعب بناء مؤسسات مجتمع مدني نشيطة وفاعلة. فهي ستبقى محاصرة لا محالة من قبل الأجهزة نفسها التي تحاصر الفرد في المدرسة والمعمل والدائرة الرسمية والمؤسسة الخاصة، بل في الطريق.
يعتبر البعض أن المشاركة لا تكون إلا بوجود فكر داخل هذا المجتمع يضغط للخروج بشكل من أشكال التعبير؟ ويعتبر البعض الآخر أن السلطة هي المسؤولة عن انقطاع المشاركة، فمن المسؤول برأيك عن توفير القنوات الشرعية للتعبير عن الرأي؟
السلطة هي المسؤولة الأولى عن غياب المشاركة السياسية، لأنها تحرم الناس علناً منها عندما تكون استبدادية أو تتلاعب بإراداتهم واختياراتهم أو في أفضل الحالات تعجز عن توفير شروط ممارستها. وهي تخلق في بلادنا أجهزة قمعية كلية القدرة والجبروت ومتحررة من أي محاسبة قانونية، من أجل ردع الأفراد وقتل روح المسؤولية الجماعية فيهم ومنعهم حتى من المطالبة بالمشاركة أو الحديث فيها. إن أكبر ما يعاقب عليه القانون، قانون الاستبداد، في مجتمعنا، هو التضامن بين الأفراد وسعيهم لممارسة حقوقهم السياسية، بل والمدنية البسيطة، بينما يعيش المجرمون وناهبو المال العام حياة وديعة لا يخشون فيها شيئاً. لكن بعد ذكر هذا ينبغي القول أيضاً أننا جميعاً مسؤولون، بقدر ما قبلنا هذه السلطة ولم نعمل على تذكيرها بحقوقنا وفرض قواعد ومعايير السياسة الحديثة عليها. أي بقدر ما قبلنا أن نكون أقناناً، ودفعنا أصحاب السلطة الغاشمة المفروضة بالقوة علينا إلى أن يتحوّلوا إلى أسياد إقطاعيين قساة ومتجردين من كل قيمة أو معيار.
ذكرت في حديثك عن هروب الشباب باتجاه التطرف، كيف ترى الحل للتخلص من هذه الظاهرة بكل أشكالها وأطيافها الدينية والعشائرية والإيديولوجية؟
أراه في توفير شروط الحياة الكريمة للجميع. وهو ما يعني الاعتراف بالناس، بصرف النظر عن أصلهم وعقائدهم ومرتبتهم الاجتماعية، واحترام حقوقهم وآرائهم، وعدم التعامل معهم كما لو كانوا أدوات أو دمى تتلاعب بها أجهزة لا يهمها سوى حماية أصحاب المصالح والحاكمين. كما يعني حداً أدنى من المعيشة المادية والمساواة والعدالة الاجتماعية والقضاء السليم، وبالتالي الحدّ من فحش الإثراء غير المشروع، والتفاوت الصارخ في المداخيل، ومن تذليل القضاء للمتنفذين وحرمان الشعب أو أغلبيته من أي حماية في مواجهة العسف والاحتيال والاضطهاد و الإذلال والتنكيل في كل صوره وأشكاله. إن إتاحة الفرصة كي يكون الإنسان إنساناً، ووقف التعامل معه كما لو كان عبداً مأموراً، أي وقف القهر والظلم والتسيير ب<الرومونت كنترول> وكسر احترام الناس لأنفسهم، هو الطريق إلى التخلّص من التطرف والاحتماء بالعصبية العشائرية التي يلجأ إليها بعض الأفراد للتعويض عما يعانونه من احتقار وتهميش وإنكار لوجودهم وهويتهم، ومن ظلم وعدم اعتبار.
أخيراً وصفة مختصرة كحل لمشكلات الشباب العربي والسوري؟
الكفّ عن التطلع إلى حلول مثالية ورخيصة، سواء عن طريق الهجرة إلى الخارج أو عن طريق الهرب من الواقع والانطواء الجماعي والفردي على الذات، والنظر إلى الأمام وإلى ما هو موجود وقائم، وأعني به البلد، بلدكم. هذا هو مستقبلكم. لا تتركوه يُنتزع منكم، ولا تسمحوا لزمر ضئيلة من الفاسدين وأصحاب الضمائر الميتة، والمتاجرين بالقومية والوطنية الرخيصة، والمجرمين والمحتالين، أن يسرقوه منكم، ويمنعوه عنكم، أنتم أصحابه الحقيقيون. فهو مستقبلكم وملاذكم وآخرتكم. وهو مفتوح الذراعين لكم، ينتظر أن تخلصوه من محنته وتنزلوه عن صليبه حتى يصبح بلدكم، بل وطنكم. أنقذوه ينقذكم. وليس لكم عنه أي بديل.
السفير
2006/07/14