"داليا رياض" شاعرة عراقية، درست اللغتين العربية والإنجليزية، وعرفتْ قصائدُها الطريق إلى النشر بدءاً من العام 1993 . بعد ذلك بعامين حصلت على جائزة "حسب الشيخ جعفر" للشعراء الشباب.
عاشت داليا رياض حياتها في العراق، وحاليا تقيم في دمشق منذ العام 2004 . وإضافة إلى كتابة الشعر فإنها تعالج الترجمة من آن لآخر. هنا حوار معها:
* كيف جاءت بداياتك مع الشعر؟
كنت أكره الشعر. مثلما يكره أحدهم شخصا ثم يكتشف أنه في الحقيقة مغرم به. لكن كانت هناك علامات تؤشر على أنني كائنة تتفاعل مع العالم من خلال اللغة. لم أسأل الله أن أكون شاعرة ولم أكتب لأنني قررت ذلك. حصل كل هذا بلا قرارات ولا خطط.
بدأت النشر عام 92 أو 93 وأول ما نشر لي كان نص "المقعد والمقصلة”" في مجلة تعنى بأدب المرأة تصدر في لندن اسمها (الكاتبة).
* ما أهم المحطات أو المنعطفات التي أسهمت في تشكيل هويتك الثقافية؟
أعتقد أن الاختلاف في الطريقة التي ينتبه بها الإنسان للأشياء من حوله هي التي تشكل هويته الفردية، لا ما يمر به أو ما يقرأ. ومن المستحيل أن أحصي أو أشير إلى حادثة في الحياة أو انتباهة معينة بدأتْ معها مرحلةٌ ما من هويتي الثقافية.
الذي أعرفه هو أنني تعرضت لثقافات مختلفة وأحياناً متناقضة لذلك كنت منفتحة على الآخر منذ الطفولة. مثلاً أمي كردية وأبي عربي. درست في مدرسة للراهبات وكانت صديقة طفولتي من بنات الدير أي في طريقها لتصبح راهبة. ثم جاءت صديقة عمري من بيئة شيعية صميمة، ونشأت مع جدة واعية لا تؤمن بالخرافات والخزعبلات وكانت تحكي لي عن الحياة وكيف كانت في الماضي، عن والديها وجديها، ثم عن طفولة أمي وأخوالي وخالاتي وعن جيرانهم ويهود العراق وكم كانوا طيبين ويحبون بلدهم العراق، وعن طفولتي قبل أن أتذكرها وكل ما كان يحيط بذلك.
وكنت ممتنة لذلك لأني فكرت بأنه كانت لدي الفرصة لأطلع على تجارب أجيال متعاقبة على مهل ومن راوية حكيمة وذكية.
وبالتأكيد كان للكتب تأثيرها الضارب في العمق في تكوين شخصيتي وأفكاري إما في فتح أفق جديد على فكرة لم تخطر لي على بال، أو لتطمين روعي بأن الأفكار التي تبطنني والتي تبدو أكبر من حياتي اليومية قد مرت ببال أناس أقرأ كتبهم الآن.
* من الشعراء الذين كنت تقرأين لهم.. وبمن تأثرت؟
أنّا أخماتوفا، جاك بريفير، امرؤ القيس، بودلير، وهناك مغن وكاتب أغان بريطاني اسمه ديفيد غري أعتبر أغانيه من أجمل القصائد التي مررت بها، شعر الرحابنة، أبو نواس، ومظفر النواب.
وبالتأكيد هناك قصائد أحببتها وصارت صديقتي دون أن أحب نتاج شاعرها كله بالضرورة.
من هذه الأسماء تأثر أسلوبي بأنّا أخماتوفا. فقد أسرتني بساطتها.
منذ أن بدأت أكتب نصوصاً غير ناضجة، كان شعري معقداً وشديد الترميز، لم أكن في تلك المرحلة قد اطلعت بعد على مدارس الأدب والنقد ولم أكن قد سمعت بالرمزية أو السريالية. فقد كنت أكتب هكذا وحدي.
بالتأكيد كنت أريد أن أتواصل مع الآخر. وكان يعذبني ألا يُفهم ما أكتب. ولم أرد أيضاً أن أبيع عقلي لأشتري الرضا. أنّا أخماتوفا ساعدتني في فهم المعادلة؛ ألا أخون عقلي وفني وأن أصل إلى القارئ دون أن أضحي بالكثير.
* أنت حاصلة على ليسانس آداب قسم اللغة العربية.. وبكالوريوس لغات قسم اللغة الإنجليزية.. ما الذي دفعك لدخول عالم الشعر؟
المرات القليلة التي عرَّفت نفسي إلى الآخرين بأنني شاعرة كانت على الحدود بين سوريا والأردن لمجرد أنني اكتشفت أن هذا يسهل إجراءات سفري كعراقية، كي أقلِّص فترة الانتظار من ساعتين إلى ساعة.
الشعر ليس وثني السرِّي، ولا أحس بحاجة لاسترضائه. نحن أصدقاء وتحكم علاقتي به نِدِّية جميلة لا بد منها في أي علاقة. فأنا لا أكتب من أجل الوجود الإعلامي رغم أنه جميل أن يكون الكاتب موجوداً إعلامياً. لكن ليس بي رغبة لأن أكتب لمجرد أن أكتب أو لأني (شاعرة)، أكتب فقط عندما تلح عليّ القصيدة. أخاف أن أكتب أشياء تشبه أشياء كتبتها من قبل. سأكره نفسي إن فعلت. لذلك لا أجبر الشعر على المجيء والعيش معي طوال الوقت. هو له كامل الحرية كي يأتي لنتكلم كأصدقاء وإذا طال غيابه فلن أتوسل به ليزورني، ولن أفقد هويتي أمام ذاتي إذا توقفت يوماً عن الكتابة. الشعر جزء مني وهو ليس كل كياني.
* برأيك هل المرأة الشاعرة قادرة على المنافسة والاستمرارية أم أن قصيدتها سرعان ما تندثر؟
المرأة تواجه ضغوطات وعراقيل في ما يخص النشر والحضور الثقافي ربما. فهي تريد أن تكون ما هي عليه لكنها مجبرة طوال الوقت أن تثبت نفسها ككاتبة أو أن المرأة تكتب مثل الرجل.
لكن أتمنى أن تتلاشى هذه المشكلة بسرعة، وهي في طريقها إلى الاختفاء. يمكن للكاتبات الشابات الآن أن يتلافين الكثير من المعوقات لأن هناك قنوات جديدة للنشر مثل الإنترنت، وليس عليهن أن يشتتن طاقاتهن في محاولة إثبات ملايين الأشياء بدل أن يكتبن وحسب.
وإذا اندثر نتاجهن في الماضي فالسبب أن ما كان يرى النور كان جزءا يسيرا مما كن يكتبن، ثم إن هموم المرأة في السابق كانت وفي أحيان كثيرة تنطلق من مشكلة حصرية وهي صراعها مع الرجل الذي هو زميلها في الحياة كل يوم، تطمئنه من خلال ما تكتب أنها لن تأكله مثلاً إذا أعطاها الحرية، ولن تصبح عملاقاً يغمره بالظل، وأنها ستظل فاضلة مثلاً.
أعتقد أن المرأة الكاتبة الآن أكثر ثقة بنفسها وهي فخورة بحريتها ولا تريد أن تقدم اعتذاراً لأحد بأنها موجودة بقوة على الساحة. أما من يدخلها في نقاشات عن حرية المرأة والتقاليد.. فهي ليست مضطرة إلى إكمال الحوار الذي دام قروناً الآن. على هذا الرجل أن يعترف أن هذا الخوف من انطلاق المرأة هو مشكلته في الحقيقة وليست مشكلتها. وهي ليست مضطرة أن توقف حياتها لتناقشه. إذ عليها أن تقوم لأن قصيدة تلح عليها الآن وهي ليست مسؤولة في هذه اللحظة عن طمأنته بأن كل شيء على ما يرام في عالمه.
* ماذا أعطاكِ الشعر وماذا قدمتِ له؟
يمكن أن أقول إن الشعر هو المعادل الموضوعي لمثلي، لافتتاني بالحياة وغضبي منها في الوقت نفسه.
أحياناُ أتفرج على ما يفعل الشعر، لا أفهم كيف يستطيع أن يجمع شعوراً بنظرية علمية، بمشهد حياتي وكساحر يؤلف بينهم جميعاً في بوتقة لغوية غير مقولبة ومن ثم يخلق منها كياناً جديداً لا يشبه خاماته.
أخذ مني ما يسمى بحياة يومية طبيعية. عندما يكون في طريقه إليّ، يزج بي في أقاصي الغربة عن الناس. لا أعود قادرة على الكلام، ينام جسمي طوال اليوم وأحس أن دماغي صار يعمل كالطيار الآلي دون قيادة مني. أبدو حزينة لمن حولي وكسولة، ثم تُنقط قصيدة عسيرة أو تجرفني أكثر من قصيدة في يوم واحد بعد صمت يدوم شهوراً بلا كتابة.
الخليج
05/09/2006
إقرأ أيضاً: