حاورتها: نوّارة لحرش
تعتبر فاطمة ناعوت من أهم الأصوات الشعرية الحالية في مصر، لها حضور لافت على خارطة الشعر الحداثي المصري والعربي عموما، وهي أيضا إلى جانب الشعر ناقدة ومترجمة لها العديد من المجاميع الشعرية ومن المؤلفات التي قامت بترجمتها من الانكليزية إلى العربية ومن أهم إصداراتها الشعرية :" نقرة إصبع " 2001 ، " على بعد سنتمتر واحد من الأرض " 2002، " قطاع طولي في الذاكرة " 2003 ، " فوق كف امرأة " 2004 ، كما صدرت لها أنطولوجيا من مختارات الشعر الأمريكي والبريطاني ترجمتها إلى العربية بعنوان " مشجوج بفأس " عام 2005 ، " المشي بالمقلوب " مجموعة قصصية مترجمة عن الإنكليزية 2005 ، " جيوب مثقلة بالحجارة " عن فرجينيا وولف 2005 ، "الكتابة بالطباشير" 2006، كتاب ثقافي فكري قدّم له المفكر المصري الكبير محمود أمين العالم، وعلى وشك الصدور " قارورة صمغ " ديوانها الشعري الخامس والذي فاز مؤخرا بالجائزة الأولى في مسابقة الشعر العربي 2006 في هونج كونج في الندوة العربية والذي سيترجم إلى اللغة الصينية والإنكليزية ويطبع في هونج كونج .
هي عضو عامل باتحاد كتّاب مصر وعضو جمعية أديبات مصر وعضو جمعية شعراء العالم بأمريكا اللاتينية وعضو نشط في أكثر من إتحاد عربي وعالمي للشعر والشعراء.
في هذا اللقاء تتحدث الشاعرة فاطمة ناعوت عن الشعر والترجمة التي تستعيض عنها مؤقتا في حال تأخر الشعر في الحضور البهي . وعن الكتابة عموما وبعض إشكالات الثقافة في الوطن العربي .
الشاعر مهمتُه ضبطُ جمالياتِ الكون وإعادةُ ترتيبِ فوضاه أو فوضوة نظامه.
* النصر: " فوق كف امرأة"، ديوانك الرابع، هناك من وصفه بأنه ينشدُ الفرحَ المستحيل، فهل الفرح حالٌة مستحيلة حقا ؟
فاطمة ناعوت : صدّرت ديواني بمقولة كامو: "من العدل أن يأتيَ الفرحُ بين وقت وآخر على الأقل". وأردفتُ قائلةً في مستّهل صفحة الإهداء في الديوان: " في انتظار العدل إذن". وفي نهاية الديوان رددتُ على ذات المقولة التي أطلقها كامو بقولي: " من حدّثَك عن وجود عدل يا كامو؟". في علم المنطق تُوصف قضيةٌ ما بأنها صحيحةٌ إذا كانت مقدمتُها صحيحةً ونتيجتُها صحيحةً أو كان كلاهما خاطئًا. لو أشرقتِ الشمسُ من المغرب سأضعُ سفينةَ نوح في جيبي. هذه قضيةٌ صحيحة رغم عبثيتها، لأن طرفيها خاطئان. كذلك كامو، رهنَ الفرحَ بالعدل، وليس ثمة من عدلٍ في هذا الكون، وبالتالي لا فرح هناك.
* النصر: طبعا على الأقل الفرح يتحقق هنا كنص، كحالة إبداع، كديوان ذاهب باتجاه الغد وباتجاه الحلم؟ وباتجاه التجريب أيضا ؟
فاطمة ناعوت : ربما. لا شاعرَ أو كاتبَ بوسعه أن ينكرَ أن الكتابةَ تحقق له لونًا ما من الفرح. إنه رهانُنا الأخير على الوجود وعلى الحياة وعلى الحلم. الإنسانُ شقيٌّ، نعم، لكن من يمتلك ريشةً ليرسم، أو قلمًا ليكتب، أو نايًّا ليعزف، يمتلك من ثم قدرًا من الطاقة المقاومة للشقاء.
* النصر: قلتِ ذات يوم: " يتضّح أنني أميل للكتابة عن الإنسان ذاته". أليس من الواجب أن يكتب الشاعرُ عن الإنسان أولا وقبل كل شيء؟
فاطمة ناعوت : هذه جملة قيلت في سياقها الخاص. وربما هي مقولة بعض النقّاد الذين توفروا على تجربتي. بوجه عام أستطيع أن أقول إن الإنسان هو القاسم المشترك الذي تتمحوّر حوله كل تجارب المنجز البشريّ من فنون وآداب وسياسات وعلوم وحضارات. حتى بعدما تنحى ذلك الإنسانُ عن مركزية الكون كما ذهب الفلاسفة المحدثون ليندرج راضيًا مرضيًا في قائمة الموجودات كأحد خيوطها المتشعبة كما ذهب الخطابُ ما بعد الحداثي، أقول حتى بعد هذا التنحي الفلسفيّ عن سيادة الكون يظل الإنسانُ هو "الذات" التي ترى العالم و"الموضوع" الذي يدور حوله العالم. أما هذه المقولة التي أدرجتِها في سؤالك فربما كان المقصود منها أنني أميل لتأمل السؤال الإنسانيّ الأوسع من حدود الذات الضيقة. فأنا لا أكتب عن تجربة مرّت بي إلا بقدر تقاطعها مع "الآخر" الكبير. وهو الإنسان في كل مكان وزمان. أي ألتقطَ العامَ من الشخصي، والشخصيَّ من العام، لأنتقي من خبراتي الشخصية ما يكون بوسعه أن ينسحب على شريحة ما من الكتلة البشرية التي أمثّل أنا أحد خيوط نسيجها.
* النصر: برأيك هل للشعر وظيفة؟ وإن كانت له وظيفة ففيمَ تتمثل يا ترى؟
فاطمة ناعوت : للشعر وظائفُ جمّةٌ. بعضها موضوعيٌّ عام، وبعضها شخصانيٌّ خاص. ولما يلتقي العامُ والخاصُ في مساحة، تطلّ الحتميةُ و"الضرورة" برأسها. وربما هذا ما كان يقصده جان كوكتو بقوله: " للشعر ضرورة، آه لو أعرف لمَاذا!". أما الوظيفة الموضوعية العامة فهي إعادة ترتيب العالم والتحايل على ما يستجد فيه من عبثيات وقبح، وهذه الوظيفة لا يراهنُ الشاعرُ عليها بشكل كامل، سوى أنه يطمح إليها كون الشاعر مثقفًا عضويًّا منشغلا بتجميل الكون. الشاعر هو موظفٌ لدى الوجود بدرجة شاعر مهمتُه ضبطُ جمالياتِ الكون وإعادةُ ترتيبِ فوضاه أو فوضوة نظامه. وأما الوظيفة الشخصانية الخاصة، فتتجلى على مناح عدّة. بدءًا بكونها حالَ تمرّد من الشاعر ضد فوضى العالم في محاولة منه لخلق فوضى موازية حسب مفهومه الجماليّ الخاص وطريقة إنصاته للعالم. ولو لم يجن الشاعرُ أيًّا من تلك النجاحات فلن يعدم أن يعصم نفسه من الزلل. نعم. الشعرُ عاصمٌ للنفس من الاندراج في منظومة القبح. لذلك سترين أنني لن أصدّق شاعرًا يكتب قصيدةً جيدة بينما سلوكُه لا يشي بالشعر. فالشعر سلوكٌ وأسلوب حياة وطريق للروح وطريقة نظر إلى العالم، وليست كلمات فوق ورق.
* النصر: هناك إشكالية عدم المقروئية للنتاج الشعري، أين يكمن الخلل؟ هل في القارئ أم في الشاعر أم في الوضع الثقافي العربي عموما الذي يعيش ترديًّا على عدة مستويات؟
فاطمة ناعوت : القارئ مات يا نوّارة. القارئُ على إطلاقه. ثقافة الصورة والميديات البديلة والفضائيات أفرزت إنسانًا لم يعد يجد متعته وسلواه وغذاء روحه وعقله في الكتاب. لذلك رأسًا سأختار البديل الثالث الذي طرحتِه في سؤالك. إن هو إلا مناخٌ ثقافيّ آخذ في الانحدار والاندحار والانحسار لصالح ثقافة استهلاكية مسطّحة تعمل على تفريغ عقل الإنسان ومنعه من التفكير. ذاك أن المواطن العربي لو فكّر وتأمل برهةً سوف يقوم بثورة في اليوم التالي. لذلك يعمل حكّامنا على إعفائه من مهمة التفكير الشاقة المخرّبة عن طريق تقديم المتع السهلة المبذولة لتستنفد عقله وروحه، أو ما تبقى منهما.
* النصر: إذن كيف ترين مستقبل الشعر كشاعرة، وكباحثة وكمترجمة؟
فاطمة ناعوت : الشعرُ باقٍ بقاء فنِّ العمارة والتشكيل والنحت والموسيقى. باق بقاء الإنسان. لأنه ضرورةٌ كما أسلفنا.
* النصر: كيف تنظرين للحركة الشعرية النسوية في الوطن العربي، وهل هناك تجارب شدت إنتباهك وإعجابك؟
فاطمة ناعوت : الحركة الشعرية النسوية معقولة في ظل انحسار دور المرأة العربية في النشاط الثقافي بوجه عام. أقصد انحسار دورها عما هو مفترض وطبيعي وليس عما قبل. ربما نشاط المرأة في مجال الحقوقيات والسياسة أفضل منه في مجال الثقافة والأدب. مع تسليمي بوجود أقلام نسائية شديدة الرقي في مجمل فنون الكتابة في المشرق والمغرب العربيين على السواء.
* النصر: ماذا تعرفين عن الأدب الجزائري والشعر الجزائري كيف تجدينه كمختصة وكمتذوقة؟
فاطمة ناعوت : لا أنفي أن ثمة جُدُرًا غير مبررة تعزل التواصلَ الأدبيّ بين المشرق والمغرب بوجه عام وبين الجزائر وسائر الدول العربية بشكل خاص. لا أدري لماذا لا تصلُنا، نحن المشرقيين، أصواتُ الأدباء الجزائريين. هل الخلل في الإعلام؟ أم في كسل الأدباء في التواصل؟ أم في خيوط العزل الثقافي التي نسجتها الجزائر حول نفسها على نحو غير مفهوم. فالشاهدُ أن الجزائر لا تميل كثيرا إلى عقد مؤتمرات وندوات أدبية يتم فيها مثل هذا التبادل الثقافي الذي نشهده بين الدول العربية الأخرى. ولعلّك تذكرين واقعة إلغاء مشاركة شعراء عرب في ندوة جزائرية عقدت قريبًا وكنتُ أحد الذين تمت دعوتهم إليها! حتى بعد وجود معجزة الإنترنت مازالت خيوط التواصل الجزائري-العربي هشّة. اللهم فيما عدا بعض الجهود الفردية بين الأدباء. على أن أكثر ما يصلنا من أدب المغربيين بوجه عام هو ترجماتهم سيما عن الفرنسية. كلُّ هذا لا ينفي إطلاعي على بعض الكتابات الجزائرية الشابة المبشرّة والجميلة.
* النصر: ما مشروعك الشعري القادم؟ وهل يمكن أن تكون الكتابة مشروعًا مستقبليًّا مضمونَ النجاح أو مضمون الإبداع؟
فاطمة ناعوت : سألتِ وأجبتِ. الشعرُ لا يُخطط له لكنه يُنتظر. مثله مثل المخلِّص الذي ينتظره المتعبون. على أنني، بعد صدور كتابي النظريّ الثقافي "الكتابة بالطباشير، وإلى جوار انتظاري صدور ديواني الخامس "قارورة صمغ" عن دار "ميريت" بدراسة معمقّة للناقد أ.د. محمد حافظ دياب، لدى العديد من المهام التي أتوفّر عليها هذه الآونة. منها مثلا كتاب نقديّ بعنوان "المُغني والحَكّاء" ويضم معظم المقالات النقدية التي كتبتُها عن بعض الدواوين الشعرية والروايات والمجموعات القصصية، وكتاب آخر بعنوان "هؤلاء"، وهو بورتريهات شخصية لبعض شخصيات تركوا بصماتهم في حياتي أو في الحياة العامة، مثل فيروز، جابر عصفور، نجيب محفوظ، أنيس منصور، نزيه أبو عفش، قاسم حداد، ابن رشد، جمال عبد الناصر وغيرهم. هذا طبعا عدا مشروعي الممتد في ترجمة بعض أعمال فرجينيا وولف.
* النصر: تشتغلين كثيرا على الترجمة، ماذا أضافت لك ولمخيلتك الشعرية؟ ماذا يمكن أن تقولي عموما عن تجربتك في هذا المجال؟
فاطمة ناعوت : الشعرُ مصدرُ ثراء وإثراءٍ في كل حال. حالُ قراءته وحالُ كتابته وحالُ ترجمته. ولذلك كانت تجربتي في ترجمة أنطولوجيا " مشجوج بفأس" تجربة مفيدة. إذ تضم معظم القصائد التي قرأتها وجعلتني أتمنى أن أكون كاتبتَها. والحال أن ترجمة قطعة أدبية ما هو لون مُعمَّقٌ من القراءة والنقد لها. ومن هنا كانت أهمية الترجمة. سيما إذا تعلّق الأمر بعملاقة مثل فرجينيا وولف. ذاك أن مشارفة عوالمها ثم التوغل فيها هو لون من السباحة بعمق 50 فرسخ تحت الماء، بكل ما يكتنف ذلك من صعوبات ومتع ومغامرات: من مقاومة ضغط عمود الماء فوق رئتيك وتعرَضك لباراكودا أو قرش ثائر، هذا في مقابل ما ستلاقينه من اكتشاف كنوزٍ وعوالمَ لا يمكنك أن تريها فوق الأرض. مع كل هذا فأكرر أنني لست مترجمةً لكنني أتحيّز للنص الذي يلفتني فأترجمه.
* النصر: الترجمة هي فن الخيانة الجميل إن صح القول، هل توافقينني على هذا ؟
فاطمة ناعوت : قيل خيانةٌ، وقيل خطيئةٌ وقيل لصوصيةٌ وغيرها من النعوت. شبهها ويليس بارنستون، الشاعرُ الأمريكي والمترجم الشهير وأستاذ الأدب المقارَن في جامعة إنديانا، بخطيئة حواء الجسور في تذوٌق شجرة المعرفة. لكنني أميل إلى تشبيهها بخطيئة برومثيوس النبيلة حين سرق شعلةَ النار من السماء، متحديًّا زيوس رب الأرباب الذي أعلن أن النور/المعرفة مُلك للآلهة وحدهم ولا يجوز للبشر التمتع بها. فما كان من برومثيوس المغامر إلا أن اغتصبَ من الشمس شعاعاً ومنحه لأهل الأرض، ثم نال عقابه الأبدي الأشهر، إلى آخر الأسطورة الإغريقية. وكي تكون الخطيئةُ حقيقيةً وموغلةً، أميل إلى جعلها جريمةً كاملة غير منقوصة. ذاك أنني أنفر من الترجمات الحَرْفية التي تحوّل القصيدةَ إلى بيان أو وثيقة أفكار. هذا قتلٌ للنص وللشاعر المنقول عنه وللمترجم الناقل مع سبق الإصرار والترصّد. وقتلٌ لفكرة الجمال أيضًا. أسمحُ لنفسي بممارسة شيء من "اللصوصية النبيلة" حال ترجمة القصائد حتى تخرج القصيدةُ قصيدةً. لصوصية محسوبة ولا شك، بحيث لا تُضيف ولا تُنقص من النص الأصل. أو لنقلْ إنها محاولة تصيّد اللحظة الشعرية التي اعتمرتِ الشاعرَ وأرهصتْ للقصيدة. إذ من المعروف أن القصيدةَ تفقدُ جزءًا من طاقتها الشعرية واللغوية حال عبورها من لسان إلى لسان. حيث انتقالها من معجم إلى آخر ومن ميزان صرفيّ ولغويّ وحضاريّ وثقافيّ ومعرفيّ إلى آخر، يسلبها شيئا من المخزون الشعريّ والطاقة المكتنزة في نسيجها. والمترجم الحصيف، برأيي، هو من يقلّص حجم الطاقة المهدَرة قدر إمكانه. ولذلك لا يترجم الشعرَ إلا شاعرٌ ممتاز.
* النصر: هل تترجمين أولا للذين أثروا فيك أو تركوا سماءهم الجمالية عالقة في الذهن والوجدان أم على أي أساس تختارين ترجماتك؟
فاطمة ناعوت : اختيارُ المرءِ جزءٌ من عقله، كما قال أبو هلال العسكري. ولذلك فاختياراتي للترجمة ليس منطلقُها أسماءُ الكتّاب بقدر ما هي اختياراتُ نصوصٍ تقترب من شكل رؤيتي للعالم.
* النصر : "الطريقة الأحسن للقاء المؤلف هي ترجمته "على رأي الشاعر إيف بنفوا فهل ترجمتك لبعض المؤلفين جعلتك تلتقين بهم بطريقة أحسن ؟
فاطمة ناعوت : لا شك في هذا. فكما ورد في معرض حوارنا أن الترجمة هي لونٌ عميقٌ من القراءة والمقاربة النقدية. لأن عليك حال التصدي لترجمة قطعة أدبية أن تشّرحيها وتخترقي نسيجها ونسغها الأعمق كي تشارفي لحظة الانصهار التي تلبسّت الشاعر لحظة الكتابة. بالتأكيد هي لون حميم من اللقاء بالشاعر. زمان، وأنا بعد صغيرة جدا، أذكر أن أول رواية قرأتُها كانت "أحدب نوتردام"، وقتها كنت أشعر بحال عجائبية: هل أنا الآن أتجول داخل دماغ واحد اسمه فيكتور هيجو؟ هذه دماغه وعقله: هنا خزانته وهنا رف كتب وهنا شرفة وهنا صندوق تبغه وهذه علبة من خشب الجوز يخبئ فيها أسراره. وبالمثل حين أترجم فرجينيا وولف أكاد أسمع صوتها. أحيانا توقظني من النوم ساخرة لتقول لي، لا يا أستاذة، لم أكن أقصد أن أتكلم عن النافذة وقتها، بل عن الشجرة أمام النافذة، أنتِ أخطأتِ تأويل ضمير الغائب! وفي أحيان أخرى تربت على كتفي وتقول لي: برافو يا بنت، أنتِ لقطتِ الدلالة!.
* النصر: قلت سابقا بخصوص الأعمال التي قمت بترجمتها : "اخترتُ القصائد التي تتفق ورؤاي في الوجود." هل للقارئ أن يعرف بعضا من هذه الرؤى؟
فاطمة ناعوت : هي القصائد التي تجعلني أهتف بحنقٍ غابطٍ لشاعرها: تبًّا لك، كيف سبقتني إلى هذا، لماذا كتبتَ ما أخفقتُ أنا في كتابته؟ حسنًا سأترجم القصيدة كي أتجاور معها. لا أترجم إلا القصيدة التي تمنيت كتابتها. وهنا بالضرورة ستكون القصيدة التي تتفق ورؤاي للعالم. العالم الذي تمنيتُ أن يكون. عالم جميل وعادل وبشر يجيدون الحب.
* النصر: أيضا قلت :الترجمة بالنسبة إليّ هي لون من العلاج أستعيض به أحيانا عن أدوية الاكتئاب." ألهذه الدرجة تجدين راحتك وألقك النفسي في الترجمة؟ أين هو الشعر أو الكتابة من هكذا حالات؟ أين موقع الشعر من إعراب الحالة؟
فاطمة ناعوت : لا شيء يعادل الشعرَ موضوعيا أو جماليًّا. هذه جملة مستلّة من سياقها. فقد قلت: حال تأخر الشعر أستعيض بالترجمة عنه مؤقتا. لأن الشعر يأتي إليك ولا تذهبين إليه، بينما الترجمة قرارُ. فلو تأخر الشعر، أذهب إلى ترجمته، انتظارًا له.
* النصر: ماذا عن كتاب فرجينيا وولف؟حدثينا عنه كيف نشأت فكرته؟
فاطمة ناعوت : نشأت فكرته حين كنت أقرأ موسوعة "The World Masterpieces التي تجمع أجمل القطع الأدبية العالمية. قرأت هناك نوفيللا An Un-written Novel لفرجينيا وولف. فاندهشت لندرة ما تُرجم للعربية من هذه العبقرية الأدبية الحقيقية. سواء من إبداعها أو من كتابات نقدية عربية عنها. فقمت بترجمة النوفيللا وعمل دراسة طويلة عنها مستعينةً بعدة مراجع مما كتبه عنها النقاد الغربيون. ثم ترجمت حوارا افتراضيًّا مُتخيّلا معها. وقدمّ لهذا الكتاب الناقد الكبير د. ماهر شفيق فريد وصدر عن المجلس الأعلى للثقافة بمصر-المشروع القومي للترجمة. وقد لاقى هذا الكتاب صدى طيبًّا جدا حيث كتب عنه كثيرٌ من النقاد والأدباء في الوطن العربي.
* النصر: هل من إضافة، كلمة، كف آخر فوقه ما تشتهين.
فاطمة ناعوت : لا أوفيكِ شكرًا. وشعرًا.
جريدة النصر الجزائرية في 17 أكتوبر 2006