صباح زوين شاعرة لبنانية، أصدرت 9 مجموعات شعرية منها: «البيت المائل والوقت والجدران» و«ما زال الوقت ضائعاً» و«كما لو أن خللاً أو في خلل المكان» و«في محاولة مني» وهي الى مجموعاتها عملت في الترجمة عبر اللغات الست التي تتقنها، وآخر أعمالها اللافتة أنطولوجيا عمدت فيها الى اختيارات شعرية لبنانية لشعراء نثريين وتفعيليين، واجتهدت الى عمل مؤثر. يجدر بالذكر ان زوين عملت طويلا في الصحافة المكتوبة في القسم الثقافي في جريدة النهار. مع صباح زوين وجديدها الصادر في اسبانيا ـ برشلونة وعنه كان هذا الحوار.
*جديدك أنطولوجيا عن الشعر العربي المعاصر بالاسبانية. أسألك كيف تستقيم أنطولوجيا مع إغفال أسماء شعرية مؤثرة في الساحة الثقافية اللبنانية؟ كيف تحددين الأسماء لعملك، والى أي مدى تلعب ذائقتك الخاصة كشاعرة في اختيار الأسماء؟
} إذا كنت تقصدين أنسي الحاج تحديداً، ويوسف الخال فهذا ما لامني عليه الكثيرون. لكن لا تنسي أني ذكرت أنسي الحاج ويوسف الخال في مقدمتي في هذه الأنطولوجيا الاسبانية. في هذه المقدمة، عندما تكلمت على شوقي أبي شقرا، شاعراً مؤسساً ورائداً في تلك الحقبة من أواخر الخمسينيات، وبداية الستينيات لم أُغفل الاثنين المذكورين أعلاه. لذا، أعتقد أن هذه الأنطولوجيا أو هذا العمل، ما زالت مستقيمة، ثم لماذا يعتقد القارئ أن أي أنطولوجيا تنقص «قيمتها» إذا غاب عنها ـ ولم يغب في أي حال ـ اسم أو اسمان من المؤسسين. فكل الأسماء فيها «الخير والبركة» ولكن شعراء جيدون وآخرون جيدون جداً، ولو لم يكن الأمر كذلك، لما أتعبت نفسي في الترجمة من العربية الى الاسبانية. وأقول لكِ إثباتا لرأيي ولمذاقي، إن صاحب دار النشر في إسبانيا والمشرف لغويا على العمل، وهذا أمر بديهي في أوروبا، لا يُطبع أي كتاب دون تصحيح وتدقيق، وهو أحب كثيرا القصائد المدرجة في هذا العمل، مقترحاً مع ذلك، نشر بعضها في مجلة محلية أدبية في برشلونة، وحتى مراجعة الكتاب عبر تناوله في الصحف.
تسألينني عما استندت إليه ذائقتي في الاختيارات. أقول لكِ ـ وهذا ما تعلمينه طبعا ـ ان كل أنطولوجيا في العالم أجمع، ترتكز أولا وآخرا، على المذاق الشخصي، لكن طبعا تجدر الاشارة هنا، الى ان هذا المذاق ليس مزاجيا إطلاقا، إنما انطلق من واقع ثقافي وشعري حاضر جدا في حياتنا اليومية، وفي أذهاننا. قد تعترضين على بعض الأسماء، وهي قليلة جدا، التي أدرجتها في عملي، لكن أؤكد لكِ في النهاية، أن لكل شاعر محبيه من أصغرهم الى أكبرهم.
إضــافة الى ذلك، أشير الى أني قسّمت العمل الى أجيال، بدءا من نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، وصولا الى الـ .2007 هـــذا يعني أني ضممت في العمل شعراء نشروا حتى اليـــوم ثلاثة عشر كتابا وآخرين لم ينـــشروا حتى الآن ســـوى كتاب واحد أو كتابين، كونهم بدأوا للتـــو. أمر آخر، تجدر الإشارة اليه وهو أني ضممت أيضا شعراء قصيدة التفعيلة واعتبرتهم حديثين بقدر ما هم حديثون، وشعراء قصيدة النثر. وطبــعا، في مقدمتي شرحت هـــذا الدمج بين الأشـــكال الشــعرية ولم أترك هذه المسألة دون تفسير.
ترجمة الشعر
*هل صادفتك صعوبة في بعض النصوص، على الصعيد اللغوي مثلا أثناء ترجمتك للعمل، وباختصار كيف جرت الترجمة بشكلها النهائي؟
} لا شك في أني أحيانا كثيرة، في أثناء اشتغالي على قصيدة ما، كنت أصطدم بمطبات على صعيد نقل صورة أو تعبير شعري الى لغة غريبة. هنا، كنت أتعثر مثلا ببعض التراكيب الشعرية أو المفردات، وكنت أحاول عندها تدويرها والاقتراب منها قدر المستطاع، اذ، في أماكن كثيرة في القصيدة، لا تجدين المعادل الحقيقي للكلمة الأصلية.
*الى أي مدى الترجمة هنا، يجدر بها أن تكون أمينة وحرفية؟
} إنه سؤال جيد وفي عبّرت مكانه، وهذا موضوع أثرته مراراً في أكثر من مداخلة لي أو محاضرة، حيث دائما عن هذه الإشكالية في ترجمة الشعر. ورأيي في هذا الصدد، أن على المترجم أن يبقى أمينا الى حد كبير في نقل الصورة والمشاعر وإلا بدأ هذا المترجم في اختراع نص آخر. ولكن هنا ملاحظة جداً مهمة، وهي أن لا تقودنا هذه الأمانة الى النقل الببغائي غير الإبداعي، والحرفي الى حد تشويه اللغة المنقول النص الشعري إليها.
من هنا، أستطيع القول إن ترجمتي هي أمينة الى حد كبير مع احترام متطلبات اللغة الاسبانية.
*هل شرحتِ لي ما معنى متطلبات لغة أجنبية، سواء اسبانية أو سواها، وهل تفترق كبنيان لغوي عن مثيلتها العربية؟
} قبل كل شيء، أذكر ما نعلمه جميعاً، أن لكل لغة منطقها. على هذا الأساس، كان عليّ أن أشتغل النص. إضافة الى أنه لا يكفينا أن نعرف جيداً العربية لكن علينا أيضا أن نتقن اللغة التي ننقل اليها في تفاصيلها وروحها وأسرارها، فبعض التعابير والصور التي كانت مقبولة جدا، بل طبيعية في العربية، كانت اللغة الاسبانية تراها غير مقبولة. من هنا، كان عليّ أن أنحرف بعض الشيء، لكن دون المس بروحية النص الأصلية.
*أسألك هذا الأمر، لأنني كلما قرأت ترجمة لأحدهم بسام حجار ـ تحديدا ـ كأنني أقرأ نصه الخاص على الترجمة، وأعرضها فوراً من دون الرجوع إلى اسم المترجم؟ هل فعلتِ ذلك؟
} إنه سؤال حساس جدا، وأجيبكِ بكل تأكيد أني أوافقك الرأي، وهذا ما يحدث معي، وقد يحدث مع مترجمين آخرين، بكل بساطة، وهو أمر بديهي أعتقد، مع كل قصيدة كنت أشعر أني أضع شيئا من ذاتي الشعرية، أو من لمستي الخاصة.
بالمناسبة، لأنكِ قد أتيتِ على ذكر بسّام حجار، أحب أن أقول إنه من الشعراء الذين أحترمهم جداً، وأحبهم جداً لهذا الصمت والتواضع الحقيقيين، ولم يتسن لي أن أعرفه شخصيا «وليس شعرياً» إذ بهذا المعنى أعرفه جيدا ومنذ زمن بعيد، سوى في رحلتنا الى برلين قبل أشهر.
عودة الى جوابنا، في معظم القصائد كنت أحاول قدر الإمكان، وهو عمل جبّار بالمناسبة، أن أضع مسافة ذهنية بيني وبين القصيدة التي أشتغل عليها، كي لا أتحمس وأبدأ بالتسلل إليها عن غير وعي، من خلال لغتي الخاصة.
في هذا الصدد، أؤكد لكِ أني حافظت كثيرا على خصوصية كل شاعر على حدة. لا بل كنت أتمتع كثيرا أيضا بالتنقل المستمر من شاعر الى شاعر، إذ كل واحد منهم كان يُدخلني الى عالمه الخاص الجميل.
هل يقرأنا الغرب
*لقد تكبدتِ، بعملك هذا مشاقّ على ما تقولين.
أسألكِ بصراحة عن جدوى ترجمة أعمال عربية الى لغات مختلفة، وعن جدوى الترجمة بشكل عام، وهل يقرأنا الغرب أو نُثير اهتمامه سوى بالمعنى الذي يريده هو؟ أي بحسب فكرته النمطية عنّا؟
} بداية، أقول لكِ، إن الغرب في مجمل تظاهراته الثقافية المتعلقة بما أدرج على تسميته «التبادل الثقافي» بين الشرق والغرب، كل هذا يدخل ضمن تمويل خاص وجانبي وعلى حدة، لمشاريع يريدها الغرب على هامش حياته الثقافية والحـــياتية التي تعنيه. بمعنى آخر، كل الترجمات التي نـــراها اليـــوم في الغرب، عن العربية الى لغات شـــتى هـــي جمــيلة جداً بالنسبة لنا، لكنها غير أساسية بالنسبة لهم. من هنا، أدخل الى الكلام عن الأنطولوجيا التي أنجزت. لا شك في أن الناشر أحب العمل واهتم بتوزيع الكتاب، وأعجــبته قصائد كثــيرة فيه، لكن هذا لا يعني أننا أصبحنا في صلب اهتــمام القارئ الغربي. وليــس هذا انطباعي الخاص فحســب، بل هو واقع لمسته من عدة مستشرقين إسبان وفرنسيين وألمان بشكل خاص.
لذا قلت في البداية، إن اهتمامهم بنا هو اهتمام متعاطف، لكنه ثانوي وجانبي أو هامشي. لديهم ميزانية خاصة لتحريك هذا المشروع الغربي أصلا في التحاور الغربي ـ الشرقي، فيأتي المستشرق ويستعمل هذه الميزانية فقط على هذا الأساس. لكن مهما يكن، نصّر على الترجمة لعلّنا شيئا فشيئا ندخل عميقا في أذهان القراء الأجانب.