ولدت المصورة الفوتوغرافية شيرين نيشات في 26 مارس 1957 في مدينة قزوين الإيرانية. في عامها السابع عشر أرسلت إلى أمريكا لدراسة الفنون التشكيلية في جامعة بيركلي قرب سان فرانسيسكو. وبعد اندلاع الثورة الإسلامية في عام 1979 لم تتمكن شيرين من العودة إلى إيران، فانتقلت خلال الثمانينيات إلى نيويورك، وافتتحت غاليري للفنون في منطقة سوهو بمساعدة زوجها الكوري المولد الفنان يونغ بارك. في التسعينيات استطاعت شيرين نيشات أن تزور إيران عدة مرات. وفي عام 1993 قررت أن تعمل في مجال التصوير الفوتوغرافي والإخراج السينمائي وحازت على سمعة دولية واسعة، وعرضت أعمالها في متاحف أمريكيا والنمسا وأثينا وفينيسيا وسيدني وجوهانسبرغ. وحازت شيرين على الكثير من الجوائز منها الجائزة الأولى في بينالي فينسيا (1999) والجائزة الكبرى في بينالي وانغ جو (2000) وجائزة المركز الدولي للتصوير في نيويورك (2002) وجائزة من جامعة برلين (2003).
(الحوار التالي أجراه معها جون لي كاي ونشر في مجلة Heyoka)
* من الملاحظ على أعمالكِ انها تتضمن أبعاداً سياسية واجتماعية ونفسية وروحية، وعلى الأخص فيما يتصل بوجهة نظر المرأة المسلمة، هل عرضتِ أعمالكِ مؤخراً في إيران؟
هناك أكثر من مشكلة تواجهني في عرض أعمالي المثيرة للجدل في إيران، منها عدم وجود صالة عرض مناسبة، ولكن خلال فترة رئاسة السيد خاتمي جازف مدير متحف الفن المعاصر في إيران بعرض شريطين فيديو من أعمالي التي تعود إلى عامي 2004 -2005 ، كانت هذه هي الفرصة الوحيدة أمام الإيرانيين لمشاهدة أعمالي. ومنذ ذلك الوقت، ومع مجيء المتشددين إلى السلطة، ترفض أعمالي في إيران.
من المهم للمتفرج الأوروبي والإيراني أن يفهم بأن أعمالي، التي تطرح مسائل سياسية واجتماعية في إيران، ليس بالضرورة أن تكون أعمالاً "واقعية" أو "فعلية". وهناك عامل مهم آخر يجب أخذه بالحسبان هو أن المسائل المطروحة هي من منظور مواطنة إيرانية تعيش في الخارج، لذا فهي تحمل وجهة نظر الإنسان المنفيّ.
ان الثيمات التي أطرحها تعكس بحث الذات عن مسائل معينة أواجهها على المستوى الشخصي، على سبيل المثال، موقفي وتساؤلاتي تجاه القوى السياسية، أو الأحداث، مثل قيام الثورة الإسلامية في عام 1979 ، التي غيرت مسار حياتي وحياة الكثيرين من الإيرانيين. من الطبيعي أن هذا التوجه جعلني أبحث في مسائل الثقافة بمفهومها الأشمل، والتي أفرد لها كل اهتمامي.
لذا من الضروري لمن يريد أن يحلل أعمالي بشكل صحيح أن يأخذ دائماً في الحسبان المضمون الشخصي والاجتماعي اللذين يلتقيان بشكل متواز.
مهمتي أن أطرح الكثير من الأسئلة التي تقودني إلى المزيد من البحث، وفي أحيان كثيرة مواجهة وهدم كل أشكال المفاهيم التقليدية، بما في ذلك مفهوم " الاستشراق ".
كوني امرأة يجعلني أهتم أكثر بقضايا المرأة، فأنا أشعر بتعاطف أكبر تجاه أحوال النساء اللائي يعشن في مجتمعات تمارس القمع عليهن. كذلك لأنني أؤمن بأنه عن طريق تسليط الضوء على أوضاع المرأة في مجتمعات مثل إيران، يمكن أن نتعرف على مجمل البناء الإيديولوجي للنظام السياسي الذي يحكم هذه المجتمعات.
* أعمالك رائعة حقاً، وأتلمس فيها هذا التيار الصوفي والروحاني، ليس عبر استخدام النصوص الشعرية والدينية المدوّنة على الأيادي والوجوه وحسب، بل عبر اختيارك للموضوعات.. ما هو التأثير الديني و الصوفي والشعري على أعمالك؟
أعمالي هي مظهر متأصل لخلفيتي الثقافية ونشأتي في إيران، ورغم أني عشت سنوات طويلة في الغرب، إلا أنه من الواضح أن رؤيتي الجمالية ومشاعري العفوية تبقى غير غربية. عندي ميلٌ لرؤية العالم بعين مجردة من المنطق، ومفعمة بالعاطفة. كإيرانية نشأتُ بين روائع الأدب الفارسي مثل الصوفي جلال الدين الرومي، حافظ الشيرازي، عمر الخيام، والفردوسي .. على سبيل المثال لا الحصر. الإيرانيون ينجذبون إلى الشعر بوصفه فلسفة تعبّر عن قلقهم الوجودي، وأسلوباً لتجاوز الواقع، وتحمّل المحن السياسية التي افرزتها الدكتاتوريات المتعاقبة. وهذا ما يجعلني أمزج الثيمات السياسية المهمة باللغة الشعرية في صياغاتي الفنية. فالشعر فعلٌ كوني وخالد.
* أعمالك الفنية تذكرنا بالمتصوّف عنايت خان وفلسفته حول "موسيقى الحياة" ، هل تتبعين فلسفة معينة في حياتكِ؟
أنا لا أتبع أية فلسفة معينة، واعتقد ان أعمالي الفنية تعبر عن قلقي الوجودي الشخصي، وهي وسيلتي لطرح الأسئلة حول الكون الذي نعيش فيه. وهذا الهدف الفلسفي هو الذي يقودني إلى خلق شخصيات معينة أو قصص سوداوية أو غامضة. لقد أدركتُ مؤخراً أن بطلات موضوعاتي هن إما حزينات أو مجنونات أو منبوذات أو آثمات. وليس بوسعهن أبداً أن ينسجمن مع المجتمع، مثلما الدراويش الذين يعيشون في شوارع إيران ولكنهم لا ينتمون إلى أي مكان.
في شبابي كنت أنجذبُ إلى الإسلام والإيمان بالله، وأؤدي الفروض يومياً، وإن كنت لا أفهم معاني بعض الكلمات العربية التي أتلوها كل يوم. الدين، يمنحني الأمان العاطفي والنفسي والطمأنينة.
أتذكر حين وصلت إلى الولايات المتحدة اجتاحني شعور غامر بالفقد والعزلة التي لم أتعاف منها أبداً.
* أتلمس أيضاً في كثير من أعمالك المبكرة ذلك الشعور المهيب بالفقد والموت، والعنف أيضاً، كاستخدام البندقية مثلاً.. انها أشبه بثيمات متكررة في أعمالك؟
أرى كل شيء من منظور الثنائية المتناقضة: الحياة/الموت، الخير/الشر، الجمال/العنف. ولا يمكن لطرف أن يوجد دون وجود نقيضه. على سبيل المثال، في مجموعة الصور الفوتوغرافية المسماة "نساء الله " ، نواجه بتهديد النساء اللائي يعانقن البنادق، ومع ذلك نتلمس وجود خضوع إيروتيكي وجنسي مريع في أجساد النساء وفي نظراتهن المحدّقة.
في شريط الفيديو " الممر " نواجه بمشهد طقسي للدفن، حيث مجموعة من الرجال يرتدون قمصاناً سوداء يعبرون صحراء قاحلة ليسلموا جثة لمجموعة من النساء المتشحات بالسواد. ونرى فتاة شابة جميلة ترتدي زياً ملوّناً تقف خارج الدائرة وتراقب الجنازة.
وجود الفتاة الشابة، واندلاع الحريق الذي يحاصر الجنازة، هي رموز لمفهوم التجديد، والبعث، والنهضة، والانبعاث الروحي.
* لقد خلقتِ مناخاً إيروتيكاً بارعاً تجسد في الإيماءات، الضوء، الظلال، والعيون الممغنطة لبعض النساء الجميلات في صورك الفوتوغرافية، قد تكون ناتجة عن بحثك في التابو، في الإخفاء والكشف؟
من المثير للسخرية أن المرأة تصبح مرغوبة أكثر إذا ما غطت جسدها، والفضل في هذا يعود إلى ثقافة المجتمعات القمعية التي تتحكم في حياة المرأة الجنسية، وتسهم في بروز مفاهيم الإغواء والإيروتيكية.
* بمن تأثرت من الفنانين أو المصورين الفوتوغرافيين؟
أنا معجبة بالعديد من الفنانين وأتتبع أعمالهم عن قرب، ولكنني لست متأثرة بأحد منهم. أجد نفسي أكثر تأثراً بمخرجي الأفلام الذين يدمجون ببراعة فائقة الصور البصرية في أفلامهم، كأندريه تاركوفسكي وكار-واي ونغ.
* كيف كان معرضك الأخير " زرين " الذي أقيم في غاليري غلادستون؟
يعد معرض " زرين " أسلوبياً وشكلياً تحدياً حقيقياً بالنسبة إليّ، ويمثل نقلة نوعية في أعمالي، حيث أصبحت أكثر سينمائية وسردية. والأهم من ذلك أن " زرين " هي شخصية مستمدة من الفيلم، ولم يسبق لي أن جربت ذلك من قبل، فشخصياتي كانت إما مفردة أو في وسط حشد، حيث تعامل بصفتها رمزاً، ودون هوية محددة. ولكن سيناريو "زرين " كان يعالج موضوعاً نفسياً، وكان عليّ أن أنقل إلى المشاهد عن معاناة امرأة من التابو الاجتماعي والجنسي دون استخدام أية كلمة. لقد كنت محظوظة في العمل مع ممثلات ممتازات، وتعلمت الكثير في كيفية اتساع مفرداتي البصرية بأسلوب سردي.
* ما هو عملك التالي؟
أنا مشغولة الآن بإخراج فيلمي الروائي الأول. أكملت للتو كتابة سيناريو رواية كتبتها شاهرنوش بارسيبور بعنوان " نساء بلا رجال". هذه الرواية معروفة جداً ومثيرة للجدل، ومنعت من النشر في إيران منذ التسعينيات. وتدور أحداث الفيلم في عام 1953 بعد الانقلاب الذي دبرته وكالة المخابرات المركزية في إيران.