فاضل العزاوي صوت متميز في الشعر العراقي، له حضور قوي على الخارطة الشعرية العربية، منذ الستينات سعى إلى كتابة نص مختلف، ونجح مع أقرانه في فتح آفاق جديدة للقصيدة بالنهل من الأدب العالمي، حيث انتقل الشعر عبرهم إلى عالم أرحب مستكملاً ما بدأه جيل الرواد، مثل بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي.
تجربة العزاوي بدأت منذ أكثر من أربعة عقود، ولم تقتصر على الشعر، فقد كتب الرواية والنقد وساهم في ترجمة بعض الأعمال من اللغتين الإنجليزية والألمانية. وفاضل العزاوي الذي ولد في كركوك وأكمل تعليمه الجامعي في بغداد وألمانيا، حيث يقيم منذ فترة طويلة صدرت له أعمال شعرية عديدة، وروايات منها: «مخلوقات فاضل العزاوي الجميلة» و«القلعة الخامسة» التي تحولت إلى فيلم بسورية و«الديناصور» و«رماد المدينة» و«كوميديا الأشباح» وأخيرا «الأسلاف»، وصدرت له مجموعة شعرية باللغة الألمانية وديوانان بالإنجليزية.
وبمناسبة صدور أعماله الشعرية الكاملة بمجلدين عن «دار الجمل» وصدور الطبعة الإنجليزية لروايته «آخر الملائكة» عن الجامعة الأميركية في القاهرة، والتحضير لإصدار طبعتها الشعبية في أميركا التقت «الشرق الأوسط» فاضل العزاوي في نيويورك، أثناء مشاركته في اللقاء الأدبي للكتاب العرب الأميركيين الذي عقد في ولاية ميشغان، وكان هذا الحوار:
* أكثر من 40 عاما وأنت تكتب الشعر، وها هي أعمالك الشعرية تصدر كاملة لتضم انجاز كل تلك الأعوام، فكيف تنظر إلى هذا العمر الشعري الطويل؟
ـ اعتبر كل ما كتبته جزءا من تاريخي الأدبي. المهم بالنسبة لي دائما هو القصيدة الجديدة التي لم أكتبها بعد. كل قصيدة كتبتها في الماضي هي جزء مني، لكن إغراء الوصول الى مدن جديدة يظل قائما ويشكل معنى الرحلة ذاتها. أقول بكل تواضع إنني حاولت أن أغامر بكل شيء من أجل الشعر، ولا أعرف حتى إن كنت قد أفلحت في ذلك. هذا الأمر يتعلق بالنقد الذي يجب أن يرتقي الى مستوى الشعر نفسه. إنه أمر تقيمي خارجي متروك للآخرين لا علاقة للشاعر به. حاولت دائما أن أكون مخلصا وحقيقيا في كل ما كتبته، بدون انتظار ربح او خسارة.
* إذا أردنا أن نمسك بالبدايات فكيف كانت تلك البدايات ولماذا الشعر بالتحديد رغم تنوع الكتابة لديك كالرواية والقصة والمقالة؟
ـ كتبت الشعر وأنا لا أزال في الابتدائية. كنت قد قرأت بعض القصائد المقررة في المدرسة وحاولت تقليدها. خلال المرحلة الابتدائية حفظت قصائد كثيرة من الشعر القديم وقبل ذلك كنت قد قرأت القرآن الكريم. قلت لنفسي حينذاك وأنا اقرأ تلك القصائد: «أستطيع أن أكتب ما يشبهها»، فحاولت تقليدها. كنت ألعب بالشعر، وأجد الكثير من المتعة في فعل ذلك.
بعد ذلك تعرفت على الشعر الحديث، وأنا في الرابعة عشرة، حيث كتبت قصائدي الأولى. أتذكر أنني نشرت في الخامسة عشرة أول قصيدة لي من الشعر الحر، كانت بعنوان «رماد العودة». وهي قصيدة طويلة أرسلتها إلى الشاعر اللبناني يوسف الخال الذي كان يشرف على القسم الثقافي في مجلة «المجلة» اللبنانية. فكانت مفاجأة كبيرة بالنسبة لي عندما وصلت المجلة إلى كركوك ووجدت قصيدتي منشورة على صفحتين، الى جانب قصائد شعراء بارزين. كل حياتي ارتبطت بالشعر منذ تلك الأيام. وأتابع بدأب، منذ نصف قرن، الحركة الشعرية العراقية والعربية والعالمية. وانتبهت في فترة مبكرة أيضا إلى أهمية الشعر الإنكليزي بصورة خاصة، مما جعلني أولي اهتماما خاصا لتطوير لغتي الإنكليزية، وهو ما قادني الى دراسة الأدب الإنكليزي في جامعة بغداد، بعد إنهاء دراستي الثانوية.
تعرفت منذ فترة مبكرة على أهم كتابات الشعراء العرب ومن ثم الأوروبيين سواء من خلال الترجمات او عن طريق اللغة الإنكليزية. يضاف إلى ذلك أن مدينة كركوك كانت تمتلك طابعا ثقافيا خاصا جدا بها، بفولكلورها الشعري والقصصي المتعدد والغني ثقافيا. كبرت داخل اللغة العربية وتراثها، مثلما استفدت من الشعر التركي الزاخر بالصور، وتعلمت الكثير من الشعر الإنكليزي، وفي فترة لاحقة من الشعر الألماني.
* يمكن القول إن لكل شاعر سلالة ينتمي إليها، كيف يمكننا التعرف على السلالة التي ينتمي إليها فاضل العزاوي؟
ـ رفضت دائما، فكرة تكرار صوت أحد ما بالذات، كنت أريد أن يكون لي ما هو خاص بي، مع احترامي الشديد للإبداع من أينما جاء. لم أحاول أن اسلك نهج شاعر معين، وحاولت التعلم من الكثيرين، وبالأدق من أفضل ما يملكونه ضمن رؤية نقدية لمنجزهم الشعري والفكري في الوقت ذاته. تعلمت منذ البداية أهمية أن أكون نفسي.
* الملاحظ في نصوصك التي كتبتها في نهاية الستينات وبداية السبعينات أثر شعراء جيل «البيتنكس» الأميركيين. هل الاطلاع على تجربة شعراء ذاك الجيل أحدث نوعا من القطيعة بين جيلك وجيل شعر الرواد في العراق؟
ـ لم تكن هناك أية قطيعة بين جيلي والجيلين اللذين سبقانا. فقد أعقب جيل الرواد وسبق جيل الستينات جيل وسطي من الشعراء مثل سعدي يوسف وصلاح نيازي ورشدي العامل ومحمود البريكان وغيرهم. لا اعتقد أن جيل الستينات حاول إحداث قطيعة مع الرواد. ولماذا يفعل ذلك؟ المسألة هي أن جيل الرواد كان قد بدأ شيئا جديدا وكانت تجربته ورؤيته وحتى معرفته بالحداثة وبالشعر، متركزة قبل كل شيء على الاهتمام بالوزن والقافية. ومن هنا كان موقفنا النقدي منه، وهو أمر طبيعي تماما. وبالتأكيد فإن ما أنجزوه كان عملا عظيما: كسر القالب التقليدي للقصيدة العربية والانتقال إلى الشكل الجديد في الكتابة.
* وماذا عن تأثير شعراء جيل «البيتنكس» الأميركي على شعرك؟
ـ أثار شعراء «البيتنكس» انتباهي في أواسط الستينات، حينما كنت أعمل مترجما في جريدة «المنار» العراقية. كانت تصلني المطبوعات الإنكليزية والأميركية. من خلال هذه القراءات تعرفت على حركة جيل البيتنكس وسعيت للحصول على كتبهم. لحسن الحظ كانت توجد في بغداد مكتبات عدة، تستورد أحدث الكتب الإنكليزية والأميركية، مما سهل علي الحصول على مؤلفات أبرز رموزها مثل غينسبرغ وجاك كيرواك وكورسو وفرلنغهيتي وبوروز. ما أثار اهتمامي بتجربة هؤلاء، هو روحهم الغاضبة على المجتمع غير العادل الذي كانوا يعيشون فيه. وكان هذا تقريبا هو نفس الشعور الذي يتملكنا نحن أيضا حينذاك في العراق تجاه الدكتاتوريات العسكرية. كان جيلا أثار مخيلتنا بدعوته إلى عالم جديد، حيث تمتلك فيه الوردة قيمة أعلى من البندقية. وفي الوقت ذاته كنت أملك الكثير من الملاحظات النقدية ضد الفكر الديماغوجي والأيديولوجي المغلق الذي كانت تبشر به الأحزاب السياسية وتقود الناس الى التهلكة من أجل شعارات فارغة، لا علاقة فعلية لها بحياة الناس. لذلك وقفت ضد القمع وسلطة الدولة الشمولية.
* الملاحظ في شعرك خصوصا في فترة الستينات وبداية السبعينات نبرة صوت عال وغاضب يصل أحيانا إلى حد الصراخ ، ولا زالت هذه النبرة موجودة رغم أنها أقل حدة الآن. لماذا هذه النبرة؟
ـ لأننا كنا ولا نزال نعيش في عالم غير عادل. وإذا ما كنا نريد أن نكون حديثين في رؤيتنا الفنية، فان الحداثة تقوم على نقد كل ما يسلب الإنسان إنسانيته. في تلك الفترة كان العالم يعيش مخاضا جديدا يبشر بالكثير: حركة جيل الستينات الأميركية والأوروبية، حركة الطلبة في مايو 1968 بفرنسا، وأيضا المظاهرات الهائلة التي كانت تعم العالم ضد الحرب الأميركية العدوانية في فيتنام وضد انتشار الأسلحة النووية، ربيع براغ ومحاولة منح الاشتراكية وجها إنسانيا. على المستوى العربي كانت هناك هزيمة حزيران والغضب الذي عم العالم العربي على الأنظمة التي قادتنا إلى تلك الهزيمة. من هنا كانت القصيدة مسعى للتعبير عن هذه الرؤية التغييرية، وعكس روح العصر الذي نعيش فيه.
* كيف تكتب القصيدة؟ هل لديك طقوس معينة؟ كيف تتشكل الجملة في القصيدة التي تكتبها؟
ـ لكل شاعر طريقته وأسراره الخاصة به في كتابة قصيدته، وربما احتفظ ببعض هذه الأسرار لنفسه (يضحك) غير أنني لست من النوع الذي يجلس كل يوم ليكتب القصيدة كواجب لا بد منه. ولا تنسى أنني لست شاعر مناجيات مجانية، حيث ترتبط القصيدة عندي دائما بفكرة شعرية ما تتطلب الكثير من التأمل. كما أنني أشتغل على القصيدة، وربما كتبتها مرات عدة قبل الوصول الى الشكل النهائي لها. أحيانا أكتب القصيدة بطريقة معينة ثم أغيرها إلى طريقة أخرى، وأحيانا اكتبها نثرا، ثم أكتبها موزونة، حيث يشكل اللعب الفني الذي تحدث عنه نيتشه ذات مرة جزءاً من العملية الإبداعية عندي.
* هل تكتب القصيدة على مرحلة واحدة أم على مراحل؟
ـ تختلف العملية من قصيدة إلى أخرى. ثمة قصائد اشتغل عليها لمدة سنة كاملة أو لشهور عدة. هناك قصائد وصلت إلى صيغتها النهائية بعد سنوات. ومع ذلك فان الأمر ليس هكذا دائما. فقد كتبت قصيدة «الصحراء» التي تشكل ديوانا كاملا في شهرين فقط. شعوري باكتمال القصيدة هو ما يحدد زمن كتابتها.
* تكتب الرواية أيضا وصدرت لك روايات عدة، فلماذا الرواية رغم غزارة إنتاجك الشعري؟
ـ على صعيد تجربتي الروحية الخاصة، أشعر أن هناك كما يقول بورخس «الصانع» قبل كل شيء، وهو الكاتب الذي يحاول أن يعكس رؤيته الخاصة به الى العالم، وهذا أمر يمكن أن يتخذ مختلف الأشكال. الكثير من أعظم كتاب وشعراء العالم كتبوا الشعر والرواية معا، مستفيدين من إمكانات الشعر والنثر في كل نصوصهم. عندما نشرت أول عمل لي «مخلوقات فاضل العزاوي الجميلة» وهو عمل يجمع بين الرواية والشعر والقصة القصيرة والمقالة كنت أريد دمج كل هذه الأجناس في نص جديد مختلف في شكله. هذا النص المبكر جدا في الأدب العربي، ظهر فيما بعد في الأدب الغربي أيضا وأطلق عليه اسم «النص المفتوح». هناك علاقة وثيقة بين الأجناس الأدبية، إذ تجد أحيانا ما هو شعري في الرواية كما تجد في القصيدة ما ينتمي إلى القص. المهم هو أن نعرف متى تنتهي الرواية ومتى يبدأ الشعر.
هناك روايات تتطلب بسبب موضوعها تقنية معينة مثل روايتي «القلعة الخامسة». وهي تجربة كان يجب أن أسجلها ضمن الشروط المألوفة للرواية بمعناها الأشمل. ومع ذلك فإن فكرة القلعة الخامسة هي فكرة شعرية في الأساس عن البطل الذي يدخل السجن ويظل يتكرر، حيث البداية هي النهاية، والنهاية هي البداية. رواية تقوم على فكرة الدائرة واستمراريتها كتعبير عن دائرية القمع الذي لا ينتهي.
أما رواية «آخر الملائكة» فتكاد تكون كلها نصا شعريا، برؤاها ورموزها وحركة أبطالها وجنونهم. أعتقد أن أعظم قصيدة كتبت في القرن العشرين هي رواية «يولسيس» لجيمس جويس. ثمة فارق دائما بين الكتاب الذين يعتبرون الرواية مجرد «حكي» والروائي الحقيقي الذي هو شاعر في آن، كما في أعمال فوكنر وكافكا وماركيز وهمنغواي مثلا.
* في رواية «آخر الملائكة» تبدو متأثرا بالواقعية السحرية، وتقترب من أدب أميركا اللاتينية. إلى أي حد تجد هذا الأمر صحيحا؟
ـ أستفيد من خبرة كل الحركات الأدبية الماضية والجديدة، ولا أعتقد أن رواية «آخر الملائكة» تنتمي إلى تيار معين مثل الواقعية السحرية بقدر ما تنتمي إلى التراث الشعبي العربي الذي نجده مثلا في «ألف ليلة وليلة» والتراث الشفاهي العربي الذي يعكس الوعي الجمعي، وهو ما انتبه اليه كاتب كبير مثل كولن ولسون، صاحب كتاب «اللامنتمي» الشهير حينما رأى في مقالة له أن طريقة كتابة «آخر الملائكة» ترتكز على إعادة صياغة التراث الشعبي العربي بطريقة عصرية.
مصطلح «الواقعية السحرية» عام وفضفاض، تختلط فيه الكثير من المدارس والاتجاهات وهو في رأيي ينتمي إلى تيار السينما الإيطالية «الواقعية الجديدة» أكثر مما ينتمي إلى الأدب. إذا قرأنا كافكا، وهو قد سبق غارسيا ماركيز الذي يعترف بفضله عليه بعقود، سنلاحظ في أعماله هذا البعد الفانتازي او الخيالي للواقع. وهو عنصر موجود في أعمال عدد كبير من كتاب العالم. في الأوديسة مثلا لهوميروس، يتحول البحارة إلى قطيع خنازير، فضلا عن الكثير من التحولات الموجودة في النص. ما أريد التأكيد عليه هو أن المنظور السحري الى العالم موجود وقائم منذ زمن طويل في قلب الأدب. ماركيز نفسه يعترف أيضا بأنه استفاد أساسا من التراث العربي، وبالذات من حكايات «ألف ليلة وليلة».
* أعرف أنك بعيد وقريب من العراق في نفس الوقت، ولكن بحكم الدور الذي لعبته في الثقافة العراقية المعاصرة، كيف تنظر إلى المشهد الثقافي في العراق الآن؟
ـ من الصعوبة الحديث عن مشهد ثقافي في العراق الآن. فالناس هناك تكافح من أجل أن تظل على قيد الحياة، في ظل الاحتلال المدمر والقتل اليومي والطائفية والفكر الظلامي والسرقات واللصوص الدوليين والمحليين، لا يمكن بناء أي ثقافة او حتى الحديث عنها، لأن الثقافة تبنى حينما تكون هناك مؤسسات حرة تضمن حرية الرأي والفكر والسلام الاجتماعي، وقبل كل شيء حينما تكون ثمة ظروف تجعل المجتمع حيا وحرا وقادرا على الإبداع .
* في الأعوام العشرة الأخيرة ترجمت لك دواوين شعرية وروايات الى اللغات الأخرى وخاصة الى الإنكليزية وصرت تشارك في الكثير من المهرجانات الأدبية الدولية وتدعى إلى قراءات شعرية مع كبار شعراء العالم، فهل لهذه التجربة أثر على حياتك الإبداعية؟
ـ وجودي خارج العراق لمدة 30 عاما أعطاني شعورا جديدا بعلاقتي الثقافية سواء مع العراق أو العالم العربي أو مع العالم. لقد منحتني تجربة الخارج الإحساس بأنني أنتمي الى العالم كله، بقدر ما أنتمي الى وطني وأمتي. صار العالم كله المسرح الذي أتحرك عليه، ربما كدفاع عن النفس ضد العزل القسري الذي فرضته الدكتاتورية على شاعر وكاتب مثلي. هذا الوضع استمر عقودا من الزمن وهو لا يزال مستمرا مع الأسف في ظل امتهان الكرامة الوطنية وحتى الكرامة الشخصية للناس. ومع ذلك حملت العراق دائما على كتفي. فقد رفضت مثلا تلبية الدعوة التي وجهت لي لحضور معرض فرانكفورت للكتاب الذي خصص للثقافة العربية لأنهم لم يدعوا من العراق سوى خمسة أشخاص وأنا واحد منهم مقابل عشرات الكتاب المدعوين من مصر ولبنان وسورية والمغرب وغيرها. قلت لهم: لا يمكن اختصار الإبداع العراقي بخمسة كتاب فحسب.
* اشترت الآن، واحدة من أكبر دور النشر في العالم وهي «سيمون أند شاستر»، حقوق نشر الطبعة الشعبية للترجمة الإنكليزية لروايتك «آخر الملائكة» التي صدرت مؤخرا عن الجامعة الأميركية في القاهرة/ نيويورك، كما وقعت الدار عقدا معك لنشر رواية «القلعة الخامسة» التي ترجمها الى الإنكليزية وليم هاتشنس الذي سبق له أن ترجم ثلاثية نجيب محفوظ. كل هذا يأتي بعد صدور ديوانين لك باللغة الإنكليزية في نيويورك، فضلا عن العشرات من الأنطولوجيات والمجلات الأدبية الأميركية والإنكليزية والعالمية التي تنشر قصائدك وأعمالك النثرية الأخرى. كيف تقيم هذه الإنطلاقة؟
ـ أمر سار بالطبع، بعد نصف قرن من العمل الشعري والأدبي الشاق. بعد صدور ديواني «في كل بئر يوسف يبكي» باللغة الإنكليزية وديوان آخر باللغة الألمانية بعنوان «في حفلة سحرية» ونشر قصائدي في الكثير من الأنطولوجيات والمجلات العالمية بمختلف اللغات، وخاصة في مجلة «بانيبال»، وظهور العديد من الدراسات عني وعن أعمالي من قبل نقاد وشعراء معروفين، قررت دار نشر «بوا ايديشن» في نيويورك المختصة بنشر الشعر إصدار ديوان لي يتضمن مختارات من جميع دواويني، فقام بالترجمة الصديق الشاعر خالد المطاوع، وصدر الديوان بعنوان «صانع المعجزات». بعدها نشر لي فصل من رواية «آخر الملائكة» فأشاد به العديد من النقاد وحقق أعلى القراءات (2000 كل شهر) طيلة ما يقرب من عامين في واحد من أهم المواقع الأدبية الالكترونية في أميركا، مما جعل الجامعة الأميركية تقرر نشر الرواية كاملة. وبعد شراء حقوق نشر الرواية من قبل واحدة من أكبر دور النشر في العالم، قررت الجامعة الأميركية نشر رواية أخرى لي وهي «القلعة الخامسة» المنشورة أساسا قبل خمسة وثلاثين عاما، فضلا عن رغبتها الآن في نشر أعمالي الروائية الأخرى.
طوال ثلاثين عاما ظل الوطن مقفلا أمامي، لا لذنب ارتكبته وانما لدفاعي عن حرية الإبداع وحدها. ولا يزال ثمة من يقايض حتى الآن على هذا الحق الطبيعي للكاتب. فإذا ما رفضت أن تكون أداة في مشروعهم القائم على الجهل، فلن تجد سوى الشتائم من أنصاف الكتبة المستعدين لتدنيس كل شيء. لحسن الحظ أننا نعيش في عالم مفتوح لا يمكن لأحد إغلاقه في وجوهنا بعد الآن.
الشرق الأوسط
27 يونيو 2007