الحوار مع الروائية الأردنية سميحة خريس هو حالة كشف في الأدب النسوي عموما والأردني خصوصا، فقد كانت لها بصماتها في الرواية والقصة والسيناريو وبدأ تميزها بصورة أوضح في الرواية التي أصدرت منها (11) رواية.
من علم الاجتماع في جامعة القاهرة في ثمانينيات القرن الماضي اتجهت سميحة خريس صوب الأدب وبينهما وشائج كثيرة كانت الصحافة الثقافية منها.
أصدرت روايات عديدة وكانت لها الريادة في اكتشاف المجهول بدءا من «رحلتي» والمد وانتهاء بـ «شجرة الفهود» التي أهلتها للفوز بجائزة الدولة التشجيعية في الأردن عام 1997.
* واقع الرواية الأردنية وموقعها مقارنة مع الرواية العربية؟
- عندما تكون هناك تصنيفات إقليمية، فإني أتمنى أن لا يطال هذا التقسيم الأدب، ذلك إن الرواية تحمل جنسية لغتها إذا صح التعبير، أن نكتب باللغة العربية يعني أننا نكتب رواية عربية لا أردنية أو كويتية أو مصرية، ولكن يمكن أن نقبل بالتصنيف على أساس الرواية التي تكتب في الأردن، أو بأقلام أردنية، عندها يمكنني القول إنها رواية متقدمة في المشهد العربي، لعدة أسباب، أولاً إنها تمتح من تجربة الكتابة العربية والعالمية دون حواجز ولا أبوية ولا سلطة لرواد ومتقدمين، هذه المساحة الواسعة الحرة تعطي نتائج إيجابية، إذ يكتب الروائي الأردني متحرراً من التبعية، ويختار مدرسته في الكتابة والتعبير دون سلطة النقد أيضاً، ربما لأن النقد في الأردن لم يحقق تقدماً ملحوظاً إلا في تجارب محدودة، ويمكن رصد بروز الرواية المكتوبة في الأردن على الساحة العربية عبر المنتديات والمشاركات والمشاركة الفاعلة رغم غياب الدعاية والإعلان، وعدم وجود خطة إعلامية في ترويج الكاتب الأردني، وعدم وجود جهات تحوله إلى نجم، فهو وتحت كل حالات الإقصاء والمنافسة يثبت جدارة نابعة من أهمية العمل الذي يقدمه.
أدب المرأة... وقضاياها
* أدب المرأة في الأردن هل يتعامل مع قضايا المرأة المطلبية؟
- عموماً يبدو أن العالم يسوده اعتقاد أن هناك قضايا مطلبية لا بد للمرأة أن تتصدى له، وذلك في إطار توزيع الأدوار التاريخي، تماماً مثل بيت الزوجية، حيث العمل والتكسب من مهام الرجل، والطبخ ورعاية الأطفال من مهام المرأة، وإذا كان هناك كاتبات صدقن هذا التوزيع زمناً بحكم إلحاح قضايا المرأة، فإن هذا التفكير والارتباط الحتمي إلى انحسار، عربياً وأردنياً، بات من الملح للكاتبة العربية المثقفة أن تتناول القضايا المطلبية للإنسان، والمجتمع، كما تتصدى لأسئلة الوجود الكبرى، بل إن هناك تمردا على النمط، وكما كان النمط في إثارة قضايا المرأة هو الذي يدفع الكاتبات في مطلع القرن، فإن التمرد عليه هو قضيتهن اليوم، إنهن يرغبن في المشاركة في قضايا العالم، وفي اقتراح الحلول وقراءة الواقع على مساحة واسعة، ولا يحببن التقيد بكونهن إناثا، وليس في هذا استرجال، ولكن أنسنة في أعمق معانيها، ولا يعني هذا بأي حال من الأحوال تخليهن عن قضايا المرأة، ولكن وعي يجعلهن يدركن ارتباط قضاياهن بقضايا الحياة، ويلحظ أن منهج النظرة العامة يسود أكثر في الرواية، بينما مسألة ذات الانثى تنتشر في القصة القصيرة، وليس في هذا عجيب، إذ إن طبيعة كل فن تدفع في الاتجاه الذي يناسبه.
إعلام غير دقيق
* واقع المرأة الأردنية والعربية بشكل عام، وهل المجتمعات العربية تؤمن بدور المرأة القيادي؟
- دائماً هناك صراخ حول امرأة مضطهدة، ودائماً هناك تغن بانجازات المرأة، وكلا الحالين إعلام لا يتوخى الدقة، قد يكون حالنا اليوم أفضل من أمهاتنا، ولكننا لم نصل إلى الطموح الذي نبغيه، في الأردن هناك إنجاز ملحوظ يمكن رصده عبر متابعة تعليم المرأة وتمكينها من الوظائف العليا، وعبر الكوتة النسائية الخاصة بالانتخابات، وعبر حرية اجتماعية يمكن رؤيتها على مدرجات الجامعات وفي الشوارع والنوادي، ولكن يظل المخفي عاملاً هاماً في تسيير الحياة، فقد يكون التمكين للمرأة استجابة لتوجه دولي، ورؤية مرتبطة بقائد أو مسؤول، وهذا خطر، فالتغيير المرجو لا بد أن ينبع من قناعة عامة وثقافة حقيقية، وقد يكون عمل المرأة وتعليمها مرتبطا بالحال الاقتصادي، وهذا واقع ولكنه لا يقود إلى تغيير فكر الإنسان، بقدر ما يولد قهراً لدى رجال المجتمع، وينعكس قهراً اجتماعياً وإنسانياً في البيوت المغلقة، وفي التشريعات المنقوصة، ربما كانت قضية المرأة بحاجة إلى دراسات جادة وواقعية لا ترتبط بإعلام موجه ولا توضع نتائجها مسبقاً.
الأدب وتنمية الطفل
* أدب الطفل ومدى مساهمته في تنمية قدرات الاطفال؟
- لا أعرف للطفل أدباً يساهم في تنمية قدراته، في الماضي كانت قصص الجدات والأمهات أقدر على تنمية قدرات الطفل وأفكاره وتوجهاته، أدب الأطفال اليوم يعاني من خلط معيب، حيث يكثر فيه المدعون والتربويون التقليديون العاطلون عن الخيال، ويتحول إلى توجيه وتأديب لا علاقة له بالفن والأدب، كما أن الطفل لا يجد من يساعده على فرز الأدب الجيد من المتواضع، ويتحول الطفل نفسه إلى زبون مغر للكتاب الذين ينهشون مصروفه المتواضع، أدب الطفل مفهوم دقيق لم يتبلور في الساحة العربية بعد، واختلط بالتجارة، وبصيد الزبائن، وأُفسد فيه الخيال، إلا من رحم ربي.
* كيف جسدت الطفولة برواياتك؟
- لم أفكر بهذه الناحية بتاتاً، أعني إني عندما أكتب لا يكون توجهي نحو رسم صورة للطفولة، ولكن نماذج الأشخاص الأطفال تأخذ صورتها وهيئتها من المجتمع الذي تبنيه الرواية، ربما كانت الرواية أصدق الأجناس الأدبية في عرض الهزات التي تعاني منها الطفولة، أتذكر أن معالجة روايتي «شجرة الفهود» في جزئها الثاني استندت إلى البطلة طفلة ورؤيتها لعالم السياسة المتغول، وقدمت رؤية بريئة لعالم ملوث، في روايات أخرى مثل «دفاتر الطوفان» كان الصغار عنواناً لمرحلة الحلم القابل للتحقق، وفي «نارة» شاهد على الخراب العام، بينما في «الرقص مع الشيطان»، كان الطفل حالة تنطبع عليها رزايا المجتمع ولكنها تحاول أن تحلق بعيداً، للطفولة مكان في كل رواية، لأن الكاتب عادة يكون واقعاً تحت خبرات الطفولة ويحاول أن يمزج بين ما تعلمه في كبره وما أدركه بفطرة سليمة في طفولته.
الحركة النقدية.. والأدب
* العلاقة بين النقد والرواية؟
-تلك علاقة متذبذبة، أعني رغم أن النقد عملية لاحقة تبدأ بعد الانتهاء من الكتابة، إلا إن النقاد يتوهمون أن لهم تأثيراً مباشراً فيما يكتب، كما أن الأدباء يدعون عدم وقوعهم تحت هذا التأثير، في يقيني أن العملية متبادلة ولكن بمقدار قليل جداً، خاصة أن القناعة بما يقدم من نقد ليست شاملة، كما أن رواج الكتب النقدية تعتريه العقبات، وأن النقد نفسه يتعرض لأقلام دخيلة في الإعلام والصحافة ويختلط فيه المتخصصون والهواة، وعن نفسي أتابع باحترام تجارب جيدة، وتحظى نصوصي باهتمام عام، لكني أتمكن من فرز الغث من السمين، وعند لحظة الكتابة يكون عقلي واعياً لكل الأفكار العامة المطروحة على الساحة دون أن أحاول وضع كتابتي في مختبر النقد الدقيق، لكني ولا شك وعبر المتابعة أُكوّن وجهة نظر حول الكتابة وأستفيد.
* كيف تصفين الحركة النقدية الأردنية والعربية ومدى مواكبتها للعمل الأدبي؟
- كما أسلفت الحركة النقدية تتعرض للاجتياح من قبل أشخاص غير متخصصين، الكتاب الصحفيون يقبلون عليها رغم تواضع تجاربهم، فيسمون ما يكتبون عرض كتاب أو تقديم كتاب، ولكنهم يسمحون لأنفسهم بالتقييم تحت ذريعة إبداء الرأي والانطباع عن العمل، وقد يتخيل البعض أن هذا نقد، كونه أقدر على ترويج كتاب أو إقصاء آخر، بينما للنقد منهجه العصي على الفهم السطحي، فهو علم له قواعده وقوانينه، ونعرف أن هناك نقاداً محترمين، لكننا نعرف تبعية النظريات النقدية إلى التحليلات والاقتراحات الغربية، مما يجعلنا نسأل عن جدوى تطبيق النظرية الغربية على النص العربي الذي تختلف شروطه كما أن المراحل التي قطعها تاريخياً مختلفة، والعصف الذي أنتجه مغاير تماماً، على كل حال لا يمكن الركون إلى وسائل ثابتة عندما يتعلق الأمر بالإبداع، إنه العالم الأكثر تغيراً وعصفاً، كما أنه مرتبط بأمر الذائقة على نحو أوسع من ارتباطه بقوانين مؤسسة، مما يجعل مهمة النقد عسيرة، ويمكن الكتابة من تكسير القوالب المقترحة والشائعة.
* هل هناك تواصل بين الأدباء على مستوى الوطن العربي؟
- هناك نوع من التواصل يتم عبر المؤتمرات والندوات، أنا شخصياً عقدت صداقات وصار لي معارف وقراء في مدن عربية كثيرة، ونشرت تجربتي في أوساط كثيرة عبر تلك المؤتمرات، ولكن هذا الأمر يظل محدوداً في فئة واحدة، ولا يلقى نجاحاً جماهيرياً، إذ لا بد من النشر والتوزيع لتكون العملية متكاملة، كما لاحظت أن تلك التجربة تجعلك تلتقي بالأدباء لا من حيث قيمتهم الإبداعية، ولكن من حيث توافقك الإنساني والشخصي معهم، وهذا منطقي وإنساني، لكنه لا يفيد كثيراً في الإطلاع على التجربة الفنية وتقييمها والحوار معها، عدا عن عدم إمكانية قيام ظاهرة أدب له صفات أو توجه عام بين أدباء العالم العربي، نظل مثل الجزر المعزولة عن بعضنا البعض.
* الجامعة العربية.. وتواصل الأدباء
عن تواصل الأدباء العرب فيما بينهم ودور الجامعة العربية في تعزيز هذا الأمر.. تقول الراوية سميحة خريس: لا يمكن القول إن جامعة الدول العربية قادرة على مثل هذا التواصل، حتى عندما تقوم ببعض النشاط القليل والمتباعد، مثل المؤتمرات التي تدعو إليها الكتاب، فإنها تكمل ما هو حاصل حقاً، وكان بإمكان الجامعة الإفادة من تقارب الكتاب والأدباء لخلق مناخ صحي بين الدول العربية. للأسف لا نشعر بمثل هذا التوجه، وليس هناك من يمتلك مثل تلك الرؤية التنويرية في جهاز الجامعة العربية، لأن الأدباء مبعدون عن الحياة السياسية ولا تأثير لهم، وهم قادرون على التواصل دون وساطة الجامعة، لكن دور الجامعة يجب أن يكون أكبر من مجرد خلق فرص التواصل، ربما بخلق تنمية ثقافية حقيقية، ودعم المؤسسات والجهات الثقافية التي تتعطل برامجها لأسباب مادية أو بسبب ممارسات خنق الحريات الرائجة في العالم العربي
اوان
1 فبراير 2010