اقترن اسم الشاعرة نجاة علي أخيراً، بأحداث ثلاثة: اختيارها ضمن أفضل الكتّاب الشباب العرب في «جائزة بيروت 39»، التي نُظّمت في العاصمة اللبنانية في إطار «بيروت عاصمة عالمية للكتاب»، مشاركتها في «الملتقى الثاني لقصيدة النثر» في القاهرة، صدور كتاب «المفارقة في قصص يوسف إدريس القصيرة» وديوان «مثل شفرة سكين».
حول هذه المحطات كان الحوار التالي مع نجاة علي، إحدى أبرز الشاعرات اللواتي أثبتن حضوراً مميزاً في قصيدة النثر.
*كيف تحدّدين «مثل شفرة سكين»؟
هو الثالث في قائمة إصداراتي الشعرية، يعكس تطوّري ووعيي لمفهوم الشعر ومفاهيم الكتابة عموماً، أتمنى أن يكون إضافة حقيقية الى كتابتي السابقة.
*لماذا اعتمدت في أسلوب التهكّم؟
لأنه يصلح ليكون استراتيجية خاصة لمشاهدة العالم، ويسمح لي بالوقوف على مسافة من الأشياء والعلاقات ورؤيتها بعمق ومن زوايا متعددة. أن تسخر من شيء فمعناه، ببساطة، أنك تحدث مسافة بينك وبينه.
من جهة أخرى، يشكّل هذا الأسلوب آلية دفاعية يستخدمها الكتّاب والشعراء في مواجهة الموت أو العجز، ووسيلة للانتقام من كل ما لا نستطيع هزيمته في الواقع، أولم يلجأ سقراط مثلاً إلى السخرية كسلاح ضد خصومه في جداله لينتقم منهم؟
*ما أكثر ما يشغلك أثناء الكتابة؟
هاجس الاهتمام باللغة والحرص على أن تكون بسيطة وعميقة في آن، علماً أن هذه المعادلة صعبة التحقيق.
*في دواوينك الثلاثة ثمة حضور طاغٍِ لشخصية الأب، لماذا؟
تمحور ديواني الأول «كائن خرافي غايته الثرثرة» حول «تيمة» الأب فيما ركّزت في الديوانين التاليين على العلاقات الأخرى، لا أنكر أن علاقتي بأبي كانت مركّبة وملتبسة، اكتشفت ذلك أثناء الكتابة عنه، لكن الأب الذي أتحدث عنه في قصائدي متعدد المستويات، فثمة الأب الحقيقي «الفعلي» الذي أحمل اسمه، الأب الرمزي الذي نختاره نحن بمحض إرادتنا أحياناً ويصبح قدراً مثل الأب الحقيقي أحياناً أخرى، وثمة الأب الذي يجسّد السلطة بتجلّياتها، وعليّ الاعتراف بنعمة الكتابة، فقد جعلتني أتسامح مع الماضي وقسوته.
*ما تعليقك على الجدل الذي أثير حول جائزة «بيروت 39»؟
إنه أمر طبيعي، لأن طبيعة المسابقة مختلفة عن المتعارف عليه في جوائزنا العربية، فهي تعتمد على ترشيح النقاد والكتاب أولاً للكاتب، ثم يخضع هذا الأخير لتصويت لجنة التحكيم، لذا هي الأجدر بالحديث عن اختياراتها، وإن كنت أرى الأسماء المصرية الفائزة أحد أفضل الاختيارات.
أنا سعيدة بفوزي وأعتبره بمثابة تقدير واعتراف حميم بكتابتي، خصوصاً أن التحكيم تم بنزاهة تامة وبعيداً عن المجاملات والعلاقات الشخصية.
*كيف تقيّمين مشاركتك في «الملتقى الثاني لقصيدة النثر» في القاهرة؟
أظنّ أن تنظيم مؤتمر شعري ناجح ليس سهلاً خصوصاً إذا كان حول قصيدة النثر، التي يعتبرها النقاد إشكالية، على رغم مرور عقود عليها. إذن، عندما تفكّر في طرح مؤتمر يخصّ هذه القصيدة لا بد من أن تسأل نفسك أولاً: ما هي الأسئلة التي يجب أن يطرحها مؤتمر كهذا؟ أقصد أن ينشغل القيّمون عليه بأهداف محددة ويعتمدون آليات مختلفة عن تلك التي تعتمدها لجنة الشعر مثلاً لابتكار سياق مختلف.
عندما دعاني أعضاء اللجنة التحضيرية لـ «ملتقى قصيدة النثر» للانضمام إليها، ترددت في البداية لضيق وقتي، فأنا موزّعة بين دراستي وعملي وكتابة المقالات للصحف العربية، إنما أوضحت لهم رؤيتي للملتقى وقدمت لهم مقترحات للمحاور النقدية والأسماء المهمة في الشعر والنقد.
للأسف انشغل بعضهم بصراعات وحروب لا معنى لها من وجهة نظري، وهو ما جعل المؤتمر يخفق في تحقيق أهدافه، على رغم توافر أسباب النجاح، لا سيما أن المثقفين دعموه مادياً ومعنوياً.
تحققّ أمران إيجابيان في هذا الملتقى: مطبوعاته وفوز ثلاثة من الشعراء الجدد بجائزة الملتقى وطباعة دواوينهم.
*ما أبرز الأسباب التي دفعتك إلى اختيار يوسف إدريس موضوع رسالة الماجستير؟
السبب الأول شخصي يتعلّق بالأثر الذي أحدثه في وعيي وأنا ما زلت طفلة، ولا أبالغ إن قلت إنه أحد الذين «جرّوني» إلى عالم الكتابة وأسئلتها التي لا تنتهي. ثم هو كاتب استثنائي، بكل المعايير، في تاريخ القصة العربية وأحد أبرز الكتّاب الذين أحدثوا ثورة في تاريخ القصة القصيرة المصرية والعربية، من ناحية خلخلة المفاهيم الجمالية، بالإضافة إلى أنه كاتب معاصر يتجاوز بكتابته حدود مصر إلى العالم الذي يحتفي يومياً بترجمة أعماله إلى اللغات المختلفة.
ثمة سبب آخر يرتبط بطبيعة موضوع البحث وهو «المفارقة»، وجدت أن السرد في قصص إدريس اعتمد بشكل رئيس على المفارقة وربما يرجع هذا، في ظنّي، إلى طبيعة الوعي للعالم الذي امتلكه هذا الكاتب ويشكّل مجموعة من المتناقضات المتصارعة.
الشاعرة في سطور
- نجاة علي شاعرة وباحثة مصرية من مواليد القاهرة، حازت شهادة الماجستير في الآداب بتقدير امتياز وكان عنوان رسالتها: «المفارقة في قصص يوسف إدريس القصيرة».
- تعدّ راهناً أطروحة دكتوراه بعنوان: «الراوي في روايات نجيب محفوظ»، تُرجمت قصائدها إلى الإنكليزية والفرنسية والألمانية والكردية.
- صدر لها ثلاثة دواوين: «كائن خرافي غايته الثرثرة» (2001)، «حائط مشقوق» (2005)، «مثل شفرة سكين» (2010)
- حازت جوائز عدة من بينها: جائزة طنجة للشعراء الشباب (المغرب- 2009)...
الجريدة
9 ابريل 2010