معز ماجد، شاعر تونسي في العقد الرابع من عمره، على عكس والده الشاعر جعفر ماجد الذي توفي عام 2009، اختار الكتابة باللغة الفرنسية، وقد أصدر إلى حدّ الآن 5 مجموعات شعرية آخرها صدرت السنة الماضية عن دار “فاتا مورغانا” بباريس بعنوان “أناشيد من الضفة الأخرى”، وفي هذه المجموعة بدا متأثرا بالنّفس الملحمي الذي تميّز به كلّ من الشاعرين الفرنسييّن بول كلوديل، وسان جون بيرس. “العرب” التقت بمعز ماجد لتتحدّث إليه حول تجربته الشعرية وعن المشهد الثقافي في تونس وعن عديد المحاور الأخرى، فكان هذا الحوار.
نشر معز ماجد قصائده في البعض من المجلات بفرنسا وتونس. وهو يرأس جمعية ثقافية تعنى بالشعر. وقد نظّمت هذه الجمعية ملتقيين شعريين خلال العام الماضي، وهذا العام. وقد حضر الملتقيين شعراء تونسيّون وعرب، ومن حوض البحر الأبيض المتوسط. ويعمل معز ماجد راهنا على بعث بيت للشعر في مدينة القيروان، مسقط رأس والده، كما ينشط معز ماجد في مجال آخر غير الشعر. فبعد سنوات أمضاها في الدراسة بفرنسا، عاد ليصبح متخصّصا في إدارة المؤسسات.
جلباب الأب
في بداية حديثي إليه يقول معز ماجد متحدثا عن العلاقة بينه وبين والده: “من الصعب عليّ فصل الجانب الثقافي عن علاقتي بوالدي. فقد عشنا قرابة ربع قرن تحت نفس السّقف. وقد مرّت علاقتي بمحطات مختلفة.
ولعله اكتشف موهبتي الشعرية مبكرا ذلك أنه سنة 1996 كان يحثني على قراءة الكتب باللغتين. وهو ما لم يكن يفعله مع بقية إخوتي. وبفضله قرأت لكبار الكتاب والشعراء العرب والأجانب. وكنت مطالبا بتقديم ملخصات لجميع الكتب التي أقرؤها. وكان ذلك يزعجني كثيرا غير أنني اكتشفت في ما بعد أنه فعل بي خيرا”.
ويضيف ماجد قائلا: “وعندما بدأت أقرض الشعر شجعني على ذلك. وكان يطلب مني أن أقرأ قصائدي باللغة الفرنسية على الشاعر عبدالعزيز قاسم الذي يكتب باللغتين العربية والفرنسيّة”.
ويرى معز ماجد أن والده كان بالفعل شاعرا كلاسيكيا. وكان يدافع عن مواقف رجعية في مجال الثقافة. كما أنه انحاز إلى الكلاسيكيين في الجدل الذي دار بينهم وبين المحدثين في الستينات من القرن الماضي. غير أنه تغيّر كثيرا في ما بعد. وكان يقول بأن تحرر القصيدة من الأوزان الخليلية أكسبها نضارة وجعلها أقرب إلى الواقع وإلى الحياة بصفة عامة. وربما لهذا السبب كتب قصائد قريبة من الشعر الحر. لكنه ظل حتى النهاية رافضا لقصيدة النثر.
يقول معز ماجد: “إن سفري إلى فرنسا للدراسة حرّرني من سلطة الأب، وجعلني أختار الكتابة بلغة موليير. وعندما عدتُ من فرنسا، أصبحت أتعامل مع والدي كصديق، ومعه كنت أخوض نقاشات حامية حول الشعر، وحول الثقافة بشكل عام.
وعندما توفي والدي كتبت أرثيه بقصيدة بالفرنسية قلت فيها: “وهكذا رحلت إذن!/ أعرف.. هذا أمر يتوقّف عليك وحدك، فربما كان بإمكانك أن تعيش سنوات أخرى/ ويمهلك الوقت لكي ترى قمر (ابنة الشاعر) تكبر، وتنظر إلى جمالها في المرآة، وترتّب تسريحة شعرها، وتصبح عاشقة!”.
وفي مقطع آخر أقول: “آه يا أبت!/ لماذا تنتزع قبعتك المستديرة من عتبة نافذتي؟/ تينُ رفاهيّتي أصبح له خلفة مذاق الملح/ وحلمي الأندلسي لا يزال جاثما على تلك الهضاب الجرداء!”.
الشعر لغة
وعن اختياره للغة الفرنسيّة، يقول معز ماجد: “أعتقد أن مسألة لغة التعبير أصبحت ملغاة بالنسبة إليّ، وغير جديرة بالاهتمام في المجال الخاص بالشعر. فالشعر حسب رأيي الخاص هو لغة في حدّ ذاته.
وليس مهمّا أن نكتبه بالعربية أو بالفرنسية أو باليونانية، فالمهم أن نصل إلى النشوة المبتغاة! لكن عليّ أن أشير إلى أن اختياري للغة الفرنسية لم يكن عن وعي. فالقصائد التي كتبتها في سنوات المراهقة كانت باللغة العربية. ثم لأسباب لم يكن باستطاعتي تحديدها بعدُ شرعت في الكتابة باللغة الفرنسية”.
ويؤكد ماجد على أن السنوات التي أمضاها طالبا في باريس، سمحت له بأن ينحت لنفسه شخصية خاصة به. ورغم المصاعب التي واجهها، تمكن من أن يحقّق نجاحات في مجال العمل والدراسة، وخوّلت له تعميق ثقافته في العديد من المجالات الإبداعية.
كما أنه سافر إلى العديد من البلدان مكتشفا أسرار مدن كبيرة وأسطورية مثل فينيسيا وروما ونيويورك وبرشلونة وغيرها. وخلال هذه الفترة لم يكتب كثيرا، غير أنه اكتسب تجارب في الحياة انعكست في ما بعد على القصائد التي كتبها في فترة النضج، متيحة له توسيع أفقه الشعري.
معارك مدمرة
ويعتقد معز ماجد أن المشهد الشعري التونسي يتميّز بكثرة الشعراء، لكنه يخلو من الانتقاء في مجال النشر. وأغلب الشعراء التونسيين يصدرون مجموعاتهم على حسابهم الخاص. من هنا ندرك سبب هذا الكم الهائل من الشعر الرديء. مع ذلك هناك شعراء فرضوا أنفسهم تونسيا وعربيا، وهم قلة.
يقول معز ماجد في هذا السياق: “الشعر الجيد دائما ما يكون نادرا. والأمر السلبي الآخر هو أن الشعراء التونسيين لا يركزون في جدلهم على مسائل متصلة بالشعر وجمالياته، وإنما هم يبددون طاقاتهم في معارك مدمرة حول مسائل تافهة غالب الأحيان”.
ويرى ماجد أن الأحداث التي عاشتها تونس خلال الأعوام الماضية لم تفرز أعمالا مهمة على المستوى الإبداعي. لذا لا بد من الانتظار لكي يتمكن المبدعون من استيعاب ما حدث. لكنه يعتقد أن هناك أعمالا مسرحية وأفلاما سينمائية نجحت في تقديم صورة للأحداث بشكل فني مقبول، كما أن الفنون التشكيلية تشهد تطورا ملحوظا.
العرب- 2014\06\09