كيف ينظر الآخر إلينا؟ إلى بلد من الضفة الجنوبية، ثقافته الإسلام؟ وهل ينظر إلينا أصلا؟ ما هي الحدود المعرفية والنفسية والتاريخية لهذه النظرة؟ أي عنف يسكنها ويشكلها؟ أهي ضيافة، لقاء بالآخر، تجربة للآخر أم إعادة إنتاج لنظرة جوهرانية تسكن وعي الغرب ولاوعيه؟ ولماذا علينا أن نفرق بين ما أسميه بالصورلوجية المجردة والصورولجية المعيشة؟ أي دور يلعبه السفر في كل لقاء بالآخر؟ أسئلة تطرح نفسها وتلح علينا حين قراءتنا للمتون الرحلية القديمة منها والمعاصرة، وخصوصا في سياق تاريخي وثقافي يحكمه الإعلام ووجباته السريعةـ إعلام يربط المجتمعات الإسلامية بأقانيم جامدة مغفلا الفروقات الكبيرة بين الدول الإسلامية وثقافاتها وإسلاماتها، وهي فروقات لا يمكن أن يمسك بها المستشرق أو الإعلامي أو الفيلسوف، بل لا يمكن أن يمسك بها سوى المسافر، الذي أدرك بأن المعرفة هبة اللقاء المحسوس بثقافة الآخرين وحيواتهم وليس التفكير، واللقاء يتضمن بالضرورة خروجا من الذات وخروجا عليها، وكتاب راينهارد كيفر الأخير عن المغرب والذي يحمل عنوان "حكايات مغربية" والذي نقله إلى العربية عالم السياسة الدكتور محمد خلوق وصدر عن دار مرسم المغربية، يندرج في سياق الكتابات الألمانية الإثنوشعرية المعاصرة التي اختارت اللقاء بالآخر وتجاوزت الأحكام المسبقة لجيل الرحالة الألمان القدامى وفي الآن نفسه البروبغندا المرضية والمعادية للإسلام في الغرب. فمن تارودانت إلى مراكش والصويرة وأكادير وطنجة، يلتقي كيفر في نفس شذري بالمغرب وطبيعته وناسه، شذرات يمتزج فيها الشعري بالتأمل، والقلق بالفرح والتاريخ بالحاضر والأسطورة بالواقع. ويبدع كيفر في وصف شخصيات من الحياة اليومية المغربية، وصفا دقيقا، يتقمص أقدارها ويتماهي مع مصائرها، كماسح الأحذية، وجامع القمامة وناذل المفهى، وبين الحين والآخر يعرج الكاتب على ألف ليلة وليلة أو الثوراة أو القرآن، وهو في ذلك لا يستدعي ثقافته أو يقحمها على النص، بل يفتح نصه المتحرك على الماضي أيضا وتهاويله وأساطيره، على نصوص وأقدار تسكن مدننا وتاريخنا ومخيالنا.