قبل أيام، قرأنا قصائد مترجمة للشاعرة الإيرانية ليلى فرجامي بتوقيع الشاعر العراقي سليم هاشم، وهذه المرة الأولى التي نقرأ فيها لهذه الشاعرة المقيمة في الولايات المتحدة، وهي من دون مواربة، تبدو من القراءة الأولى امتدادًا لتجربة الشاعرة الراحلة فروغ فرخزاد.
نقرأ قصائد جميلة لليلى فرجامي في خضم الصراع على النووي الإيراني والحمى {الأحمدي نجادية} وتنامي صناعة الصواريخ والبوارج وإجراء والمناورات الحربية وتصدير الثورات والتطرف، يحاول القارئ أو المتابع الاطلاع على أمور أخرى تأتي من إيران، أمور قد يجدها أنصار الخميني غير محببة كالشعر والسينما والرسم، فمن يتابع لوحات الفنان أيمن المالكي يقول إنها أقوى قدرة على غزو العالم من الإيديولوجيات أو الخطب الخمينية، بل هي «القوة الناعمة» التي تدخل كل بيت في العالم من دون أن تكون مدعومة بأساطيل الدبابات أو الصواريخ. يقول أيمن المالكي في حديث له: «عندما أرسم، أشعر أني مغمض العينين تتحرك يدي بدافع وأمر مباشر من عقلي... فأنا أرى المنظر بعقلي أفضل ألف مرة من عيني». يوضح كثير من نقاد الفن، أن المالكي أفضل المجسدين على الإطلاق في رسوماته الغريبة التي تنطق بأبعاد حقيقية في منتهى الدقة والروعة.
أمّا سينما عباس كيروستامي التي بطعم الفاكهة، فيزداد الشغف بها حين نعلم أن السلطات الإيرانية منعت فيلمه الأخير «نسخة مطابقة» الفائز بجائزة أفضل ممثلة في الدورة الـ63 لمهرجان «كان» السينمائي الدولي التي اختتمت فاعلياتها في 23 من الشهر الجاري. بل إن السلطات نفسها سجنت السينمائي جعفر بناهي لمنعه من السفر إلى «كانّ».
نذكر أيضًا أن الثورة الإيرانية لم تصدّر منذ صعودها سوى أخبار التسلح والمشانق والإعدامات والقمع، التي غطت على حضارة جلال الدين الرومي وسعدي وحافظ الشيرازي، ولم تستطع أن تنتج شاعرًا مثل محمود درويش، بقدر ما سعت إلى إنتاج «حرس ثوري» وما شابه من ملالٍ وقادة يقلقون العالم والشعب الإيراني معًا.
تجربة فرجامي إشارة الى الواقع الإيراني الذي يشبه معظم الأنظمة التوتاليتارية العربية - الأميركية اللاتينية، فالشاعرة المولودة في طهران عام 1972، هاجرت مع عائلتها إلى الولايات المتحدة عام 1986 هربًا من جحيم الحرب العراقية - الإيرانية التي خاضها صدام حسين في مواجهة الموجة الخمينية وانتهت الى تمزيق البلدين شر تمزيق.
ليلى التي تعمل الآن عالمة نفس، كتبت أولى قصائدها في عمر السادسة عشرة، وغالبية نصوصها الشعرية ما زالت بلغتها الأم الفارسية. وقد حصلت على شهادة عليا في علم النفس وعاشت في جنوب كاليفورنيا الأميركية، وكانت قد نشرت ديونها الأول «سبعة بحار... قطرة ندى واحدة» في طهران عام 2000، ثم نشرت بعد ذلك «رسائل الاعتراف» و{اعترافات فتيات السوء» و{مأزق بوذا». ونشرت هذا العام ديوانًا بعنوان «ورد». فضلا عن ترجمتها أعمالاً شعرية فارسية كثيرة إلى الإنكليزية. وتمارس فرجامي علاج مرضى نفسيين في جنوب كاليفورنيا وتؤسس لبرامج نفسية متعلقة بالصدمات النفسية لدى الأطفال.
لا نعرف كثيرًا عن تجربة فرجامي في إيران، لكن الراجح أنها مثل زميلاتها اللواتي تعرضن للقمع كالشاعرة البارزة والناشطة سيميين بهبهاني التي مُنعت من مغادرة مطار طهران الى باريس لحضور حفلة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، ذلك بعد الانتخابات الرئاسية وما تلاها من احتجاجات. كذلك سحبت السلطات الإيرانية أعمال الشاعرة فروغ فرخزاد من معرض طهران للكتاب. يُذكر أن الأخيرة تركت أثرًا عميقًا في الشعر الفارسي (إلى جانب نيما يوشيج وسهراب سبهري وأحمد شاملو) وانتشرت نبرة شعرها وسط مجايليها ومن أتوا من بعدها. وما زالت لمساتها المبدعة، في الأفكار وأشكال القول، تبرز في كتابات الشعراء الإيرانيين الجدد، لا سيما النساء.
تنتمي فرجامي أيضًا إلى جيل الشعراء الشبان الذين تأثروا بتجربة فروغ فرخزاد الشعرية وتمردها وحساسيتها الشعرية الفائقة. ونشرت نصوصها الشعرية في مجلات أدبية كثيرة مثل سيمورغ، بخارى، باران، ماكس، كيلك، غابيل، جوهران وكارنامه.
الشعر
يقول سليم هاشم في تقديمه قصائد الشاعرة الإيرانية: «شعر ليلى فرجامي في كثير منه محاولة لتحدي الحكمة الإيرانية التقليدية، وسعت فرجامي إلى أن تحوِّل قصائدها إلى ملصقات جامعة ضخمة عن البؤس الإنساني في عالم الشرق، واعتمدت إدخال عذابات الإنسان الشرقي إلى عقل القارئ بقوة، عبر الكثير من المقترحات الشعرية من أجل إيصال الفهم الخانق لمعنى الحياة، فدائمًا هناك دموع تذرف في القصيدة، ولهاث إنساني ممزوج بمأساة يومية، ثمة عذاب يرافق القارئ وسط هذه الأجواء الشعرية التي تتحدى الذائقة العامة الإيرانية، لم تتوقف فرجامي عن إدانة الحروب العبثية، لم تتوقف عن رثاء الطفولات الضائعة، عن تقريع الموت الذي تؤنسنه فرجامي بجرأة، لم تتوقف عن عرض بذاءة العالم المعاصر، عن الحصار الذي يلف روح الإنسان الشرقي. وهذا ما جاهدت فرجامي من أجله، من أجل إيجاد فرصة للاعتذار من الروح الإنسانية المعذَّبة في الشرق. القصائد التي ننشرها هنا مختارات من مراحل شعرية عدة لفرجامي نأمل أن تقدم صورة عن شعرها حتى وإن كانت هذه الصورة إجمالية فالهدف منها في النهاية الإشارة إلى تجربة شعرية تشكل امتدادًا للشعر الإيراني المعاصر».
قصيدة
رسائل اعتراف
لا يزال المطر يهطل.
ولم يصل أبي إلى الآن
لقد اعتاد المجيء متأخرًا
وأمي لم تزل تمعن في هذه الفكرة:
هل صعود السلم ونزوله لا يذيب الشحم؟
والدتي تطيل التفكير.
أنا فتاة سيئة
دفعت حياتي داخل بئر
بخيط سري
لإخراج العشاق واحدًا بعد الآخر
أحددهم كما يوسف النبي.
فتاة سيئة أنا
لتحولي إلى حوت يونس
أو روح عيسى
أو عصا موسى
أو ماء قيصر الخالد
ويد عابثة تفلق القمر نصفين.
اللعنة!
تمنيت لو لم أُظهر المعجزات!
وهل يحتاج النمل إلى التجوال
كي يؤمن بالضوء والصوت والهواء؟
أنا فتاة سيئة
لم تصبح سندريلا أبدًا
(ما هذا الإرباك)!
ولم أفقد فردة حذائي الكرستالي
جنب قصر الأمير الثري
أنا فتاة سيئة بلا شك
لأن الفتيات الشريرات
يركضن خلف خيول القمر الفضية
حافيات فوق أسلاك شائكة من دون أن يطلقن تنهيدة واحدة
لأن الفتيات السيئات
يعرفن طبيعة المرايا
ويطهّرن مفاقس الزئبق
خلال أنفاسهن
حتى إفشاء الزجاج
الزجاج الرقيق
مثل الناس فالجميع يتناثر
حين تنظر في عيونهم
(وحتى آلهتهم تتناثر
حين تنظر في عيونها
وتنهار ساقطة إلى الأرض:
فقانون الإدراك الكوني
يحدد بالعواصف دائمًا).
الجريدة
13 يونيو 2010