ترجمة: عبدالرحمن عفيف
يرفعن الأيدي في الرّيح
قبل أنْ تبدأ الحديقة تماما
مانحة نفسها للحسن،
تقف الفتيات فيها ويتزلزلن
مِن المعايشة المتردّدة،
ومن التوجّلاتِ الضيّقة يرفعن
الأيدي في الرّيح.
ويذهبن في أحذية خجلة،
كأنّما يضغطن الأثواب:
وهذه هي الملامح الأولى،
التي يقابلن بها بعاطفة
من الحفلات حلمهنّ...
...
فقيرة ورقيقة وعمياء
واحدة تغنّي:
كنت في غربةٍ بعيدة طفلة،
إلى أن سرقت نفسي:
فقيرة ورقيقة وعمياء-
من خفري؛
أنتظرُ خلف الغابة والرّيح
بالتأكيد منذ زمن طويل نفسي.
إنّني وحيدة وبعيدة عن البيت
وأتفكّر بهدوء: كيف هو مظهري؟-
----------------------
اسألوا أحدا ما، مَن أكون؟
... يا اللّه، إنّني شابّة و
إنّني شقراء
ولقد استطعتُ صلاةً
وأعبر أكيدا هباء محاطة بالشّمس
وغريبة بنفسي...
...
عند سفحِ الحديقةِ
الفتيات عند سفحِ الحديقةِ
ضحكن طويلا
وبغنائهنّ
مثلما بخطوٍات واسعة
أتعبن أنفسهنّ.
الفتيات عند السندياناتِ
يرتجفن: السّاعة تبدأ،
حيث لا يعرفن، لمن
كلّ الأشياء تكون.
...
نحن الآن بجعات
أنتنّ يا فتيات مثل القواربِ؛
إلى ضفاف الساعاتِ
أنتنّ معقودات،-
لهذا تبقين هكذا شاحبات:
بدون تفكّر،
تردن إهداء أنفسكنّ للرّياح:
حلمكنّ هو البركة.
أحيانا يأخذكنّ هواء الشاطىء
معه إلى أن تتوتّر السّلاسل
ووقتئذ تقعن في هواه:
يا أخوات، نحن الآن بجعات،
تسحب عند خصل الذّهبِ
محارة َالفتيات.
....
الغريب شاحبٌ
أنتنّ أيّتها الفتياتُ مثل الحدائق
لدى مساءِ في أبريل
الربيع على العديد من الرّحلات
لكن لا هدف في أيّ مكانٍ بعد
...
أنتنّ ملكات وثريّات.
وأكثر بالأغاني ثراء
من الأشجار المزهرة.
أليس كذلك، الغريب شاحبٌ؟
لكن أكثر، أكثر شحوبا
هي أحلامه المحبّذة،
إنّها مثل الورود في الحياض.
شعرتنّ بهذا على الفورِ:
ملكات أنتنّ وثريّات.
...
نشيب كلّنا في كدر
الآن هنّ بأنفسهنّ جميعا نساء.
أضعن أطفالا وأحلاما،
وولدن أطفالا
وولدن أطفالا،
وهنّ يعلمن: في هذه البوّابات
سوف نشيب كلّنا في كدر.
كلّ ما لهنّ لديه مساحة في المنزل.
فقط رنين العذراء له
عند قلبهنّ معنى،
ويخرجن منه متعبات.
حين تبدأ الطّرقات تنمو،
ويقدم باردا طقس من جهة كامباغنا
وهنّ كمثل أغنية عتيقة...
...
على طول الأزقّة
أذهبُ على طول الأزقّة
هنا الفتيات البنيّات يجلسن
ويتفرّجن ويتعجّبن
خلف مشيي.
إلى أن تبدأ واحدةٌ تغنّي
وكلّهنّ من صمتهنّ
ينحنين مبتسمات إلى الأسفل:
أيّتها الأخوات، علينا أن نظهر له
مَن نحن.
...
يكون مثل وجل
الفتيات يشاهدن: رحلة القواربِ
ترجع من بعيد إلى داخل المرفأ،
وينظرن حيّيات ومحتشدات بضيق.
كيف ثقيلا صار الماء الأبيض:
لأنّ هذا هو أسلوب المساء،
أن يكون مثل وجل.
وهكذا ليس ثمّة عودة
تأتي من البحرِ المرهقِ
السّفن سوداء وكبيرة وخاوية،
لا بيرق يطير في الأعلى
كأنّما أحدٌ ما غلبهم.
...
ضنى صبيّة شابّة
لم تصمت الموجة لكم أبدأ،
هكذا أنتنّ أيضا لستنّ هادئات قطّ
وتغنّين مثلها:
والذي يريده جوهركنّ عميقا في الدّاخل
يصير نغما.
وخفر الجمالِ أنشأ فيكنّ
اللّحن؟
لأجل مَن أيقظه ضنى صبيّة شابّة؟
الأغاني جاءت، كما الشوق جاء،
وسوف تنقضي ببطء مع
العريس...
...
دموعهنّ الصبيّة
حين المجدلات الشقراوات
يمضين في ألق بلاد الغروبِ:
إنهنّ كلّهنّ ملكات
ويفكّرن ويبدأن
تتويجهنّ الخاصّ.
لأنّ النّور الذي يعشن فيه،
هو منح رحمة كبير-
ويأتي من الباطنِ،
والقشّ، الذي يخصلنه،
شرب من دموعهنّ الصبيّة-
وصار ذهبا وثقيلا.
...
تُرى، مَن يكون عريسنا
الأخوات الشقراوات يضفرن فرحات
في المشي جدائل من القشّ الذّهبيّ،
إلى أنْ تبدأ الأرض أمامهنّ
في الازهرارِ كالذّهبِ
حينها يقلنْ لأنفسهنّ: مكانٌ عجيب
وقعنا فيه.
يصير المساء على الأزهارِ ثقيلا،
الأخوات يقفن في حياء
ولايحرّكن أيديهنّ
ويصغين طويلا ويبتسمن بخواء،-
وكلّ واحدةٍ تتشوّق: تُرى، مَن
يكون عريسنا...
...
إنّهنّ انكسرن
الفتيات يغنّين:
الوقت الذي تحدّثت عنه الأمّهات،
لم يجد إلى غرف نومنا،
وفي الدّاخل ظلّ كلّ شيء أملس وواضحا.
يقلن لنا، إنّهنّ انكسرن
في سنة مطارَدةٍ بالعاصفة.
لا نعرف ماهي العاصفة؟
نعيشُ دائما عميقا في البرجِ
ونسمع أحيانا فقط من بعيد
الغابات في الخارج تهتزّ؛
وذات مرّة بقي نجمٌ غريب
عندنا واقفا.
وحين نكون عندئذ في الحديقةِ،
هكذا نرتجف، لتبدأ العاصفة،
وننتظرُ يوما تلو يومٍ-
ولكن لا ريح في أيّ مكان،
تقدر أن تطوينا.
...
الفتيات المضيئات
لا تدرك بعد شئيا من خريف الرّوض،
فيه تمشي الفتيات المضيئات ضاحكات؛
فقط أحيانا يقبّلك مثل تذكارٍ بعيدٍ، لطيفٍ
هواء العنبِ،-
يصغين، وواحدةٌ بانشراح تغنّي
أغنية مؤلمة عن اللّقاء ثانية.
في هواء خفيض تتمايل الغصون،
مثلما حين يلوّح أحدهم الوداع- عند الدّربِ
تقف الورود في الأفكارِ؛
يشاهدن صيفهنّ يمرض،
وأياديه تنحني
بهدوء من أدائه النّاضج.
...
صار حزرا وحديثا
الفتيات يغنّين:
ضحكنا طويلا في الضياءِ،
وكلّ واحدةٍ جلبت لأخرى قرنفلا وعشبا فوّاحا
باحتفال كأنّما لعروسِ-
وصار حزرا وحديثا.
بعدئذٍ رصّعت السكينة نفسها بالنّجوم
باسم اللّيل ببطءٍ.
عندها كنّا كأنّما استيقظنا من كلّ شيءٍ
وجدّ بعيدين من بعضنا البعضِ.
تعلّمنا الشّوق الذي يحزن
كمثل أغنية...
...
والله يبدأ
ويتابعن:
نحن لنا أخوات.
لكنّها مساءات، حيث نقشعّر بردا
ونضيّع بعضنا البعض،
وكلّ واحدة تودّ
أن تهمس للصديقاتها: الآن تخافين.
الأمّهات لا يقلن لنا، أين نحن،
ويتركننا وحيدات تماما،-
حيث تنتهي المخاوف والله يبدأ
ربّما نكون...
....
ينسدل الفستان
كلّ الطّرق تذهب
الآن إلى الباطن في الذّهبِ:
البنات أمام الأبوابِ
أردن هذا بهذا الشّكلِ.
لا يقلن الوادع القديم،
ولكنّه هو: يرحلن بعيدا،
مثلما يمسكن ببعضهنّ البعضِ بتميّز
هكذا بخفّة وبحريّة
وفي طيّات أخرى
ينسدل الفستان
على القامات المنيرات.
فياريغّيو
22.5.1898
القصائد مختارة من مجوعة ريلكه المبكّرة- احتفالا بنفسي- المنشورة سنة 1900
العنوان الأساسيّ والعناوين الفرعيّة: من وضع المترجم.