عشيّة اليوم العالمي ل"الشعر ضد الحرب"...
مختارات من 12 ألف قصيدة من العالم على الإنترنت
التقديم والترجمة: جمانة حداد
الشعر ضد الحرب؟ حسناً تفعلون أيها الشعراء.
حسناً تجمعون اثني عشر ألف قصيدة من أنحاء الأرض كلها لتصنعوا بها سوراً منيعاً من الغابات والأنهر والنبضات والنظرات يحمي ينابيع الكلمة وأحلام الشجر وشعب العراق.
حسناً تشنّون بالشعر حرباً على الحرب.
لكنْ، متى كان الشعر حربياً الا في جاهليات الشعوب؟
أعرف أنكم تتقدمون لا لتحاربوا بل لتقاتلوا بسيف دونكيشوتي طواحين الأجرام وتبددوا هواء مسموماًً يلوث نقاء الخيال.
أعرف أنكم لا تقدرون بالكلمات على إسقاط شعرة واحدة من رأس الطغاة والديكتاتوريين المتربعين على عروش استبدادهم في واشنطن وبغداد وسواهما.
ولكنْ حبذا لو تستيطعون أيها الشعراء. حبذا لو!
الشعر ضد الحرب؟ بلى، وحسناً.
فما دمتم سترفعون هذه القصائد إلى الكونغرس الاميركي، غداً، لمناسبة هذا الخامس من آذار الذي سيعلن يوماً عالمياً ل"الشعر ضد الحرب"، لعل كلماتكم تكون نجمة شبيهة بتلك التي قادت المجوس إلى بيت الإله الطفل، فتقود سيد البيت الأبيض إلى مزود السلام والأمل. لعل المعجزة تتحقق فيكفّر الشعر عن ذنوب التاريخ كلها، كأن يمشي جلجلة المسيح في فلسطين، وان يهرع إلى جبل لبنان ليرفع عنه إكليل الظلم والهوان، وان يذهب إلى أوطان العرب كلها، والى نواحي أفريقيا المضطهدة وجغرافيا العالم الثالث المعذب، والى كل ارض يعشش فيها الجوع والفقر والألم، أراضي الليل الهائل حيث لا يستطيع بياض ولا إله أن يمحو حلكة الموت. لعله بياضكم يستطيع أيها الشعراء!
سيكون على كلماتكم أيضا أن تيمم نواحي بابل ونينوى ونيسابور وبغداد وكربلاء لتدمل جروح ارض الطوفان.
سيكون عليها ان تعرّج ناحية قرية جيكور التي احتضنت بدر شاكر السيّاب، لتتعطر بالنشيج الطالع من هناك مع كل قمر ينز من قصائد شاعر المطر وأناشيده.
حبذا لو تستطيعون اذن أيها الشعراء!
حبذا لو تخترعون بكلماتكم يداً ممدودة تضع حداً لفراق بغداد عن دجلتها، وتنسج أجنحة لعصافيرها المشاعة، وتصنع فضاء لهذه النجوم التائهة في عيون أطفالها.
حبذا لو تصفعون بكف قصائدكم خد الديكتاتور المقيم في كل مكان، وتحفرون عميقا في صحراء العقل البشري الهمجي هذا، لعلكم تفجّرون فيها نبع الحب والأمل والحق.
حبذا لو تكتشفون حجر صوان في هذا البرد الكابوسي ليشعل نارا تقي أهل العراق وجع ليلهم الطويل، وتخيطون غيوما ترفع إرهاب شمس الوحشة عن بلاد الرافدين.
الشعر ضد الحرب؟ بلى، وحسنا. ولكن، متى كان على الشعر ان يحارب، نسأل؟ متى كان على الشعر ان يحكي، وبالكاد نسمع الشعر ونراه في خفوت القلب؟ متى كان عليه ان يكون كفاحيا فيرفع صوته ويمتشق سيف عنفوانه وينزل إلى الشوارع ليقف في وجه السلاطين والطغاة؟
الشعر ضد الحرب؟ بلى. رغم ان أسلحته ليست غير صوته الخفيض وبروقه وأقماره ومتاهاته ووجدانه الأرقّ من أفكار الربيع وعزائه الاعمق زرقة من مياه الدموع.
الشعر ضد الحرب؟ بلى، رغم كل ذلك، بل من اجل ذلك كله، فإذا كان لا بد من شهادة، وإذا كان لا بد من أعجوبة، فلنجرّب هذا الترياق القوي، المخصب، المربح، الذي يُسمى الشعر.
***
في هذا الخضم الهائل من القصائد والأسماء المتجاورة في مواقع المشروع على شبكة الانترنت، في برج بابل هذا المشيد من كل لسان وأمة، بدءا من أميركا وفرنسا وأسبانيا وألمانيا وكندا وإنكلترا وصولا إلى الهند وإثيوبيا ويوغوسلافيا وروسيا واليابان وسواها من البلدان، سنقرأ الكثير من قمح الشعر، ولكن الكثير من الزؤام أيضا. فالقائمون على تنفيذ المشروع لم يكن همهم الانتباه إلى النوعية قدر التفاتهم إلى شمولية هذا الموقف المقاوم السلمي. ورغم تفاوت قيمة القصائد في ما سوف يشكل اكبر ديوان حول موضوع واحد في التاريخ الأدبي، الا ان أهمية فكرة "الشعر ضد الحرب" أنها تندرج في باب الاعتراض النبيل على ما يُرتكب من بشاعة في العراق، وأهميتها الاستثنائية في كونها تنتمي إلى عالم الإيمان بقوة الشعر كباعث ومخلّص، أو على الأقل ك"فضّاح" و"ديّان". آي ان الذين يرفضون الحرب يقاتلون بلحم الكلمات الصادق الحي، لحم القلوب والوجدان والخيال، على أمل ان يوقفوا بهذه زحف جيش كلي القدرة وان يصدوا إرهاب الطائرات المغيرة وان يسحقوا وحش الكره الدموي البغيض.
كثيرة المواقع الالكترونية التي دعت شعراء العالم إلى إرسال قصائدهم ضد الحرب على العراق، نذكر منها www.poetsagainstthewar.com و www.nthposition.com و www.ukpoetsagainstwar.com ومنها ومن مواقع أخرى انتقينا هذه القصائد. وكثر الشعراء الذين لبوا الدعوة وكتبوا وشاركوا واعترضوا، على ان تكون ذروة المشروع ذكرنا تقديم المجموعة الشعرية الهائلة إلى الكونغرس الاميركي غدا وإعلان الخامس من آذار يوما عالميا للشعر ضد الحرب. وفي المواقع المختلفة لهذه الحملة الشاملة التي ساهمت شبكة الانترنت في تنظيمها و"عولمتها"، يتجاوز شعراء بارزون ومكرّسون أمثال سام هاميل وريتا دوف وستانلي كونيتز (الولايات المتحدة) وشون اوبريان وادريان ميتشل (بريطانيا) واوغيت برتران (كندا) ودانيال لودوك (فرنسا) ورانجيت هوسكوت (الهند) ومحمود درويش... الى اسماء شبه مجهولة وأشخاص يكتبون ربما قصيدتهم الأولى. وجدير بالذكر ان عددا كبيرا من المثقفين المعروفين، شعراء ومسرحيين وروائيين وناشرين، من أمثال بول اوستر وآرثر ميلر وتود سويفت ومارك رودمان ومارلين هاكر ساهموا في الإعداد لهذا الحدث وشاركوا في مراحله. وفي الخامس من آذار أيضا تُعقد حلقات قراءة شعرية ومناقشات ومؤتمرات صحافية حول هذا الموضوع في واشنطن ومدن أخرى في سائر أنحاء العالم. ويكشف ذلك مدى الحاجة التي يستشعرها الكون وشعوبه الى ما يحرر اللعبة السياسية بين الدول من معايير القوة والعنف والسلاح النووي والمال والأنانيات وكل أنواع الجشع.
لذا سنقف بدورنا مع هذه التظاهرة الفريدة من نوعها، رغم إيماننا بأن القتلة سيستمرون في قتلهم، ورغم خوفنا من ان تقع المبادرة في فخ الشكلانية والفولكلور.
سنقف معها رغم كل شيء، وسنقول إننا جنود في هذه الحرب المضادة المستحيلة، العزاء الا من جبروت الكلمة، في مواجهة إرادة العنف وشهوة القتل والاستيلاء والإلغاء.
سنقف معها لأننا نريد ان ننتظر أملا ينجو هذه المرة من الغرق على زورق قصيدة،
عساها بارقة الشعر تكون الضوء على ارض العتمة هذه،
عساها نجمته تكون النجمة الأولى في سماء خوفنا ويأسنا.
في هذه المجموعة المختارة من جهات الأرض، ثمة صرخة واحدة اذن: لا للحرب. وإذ نقدمها عشية إعلان اليوم العالمي ل"الشعر ضد الحرب"، فلكي نمنع ضمير الكون من ان يغفو هذا المساء. لعله إذا تأرّق قليلا تنزل عليه صاعقة الإلهام ويعرف بحواس القصيدة وغرائزها ورؤاها ان لا أفضل من نجمة الشعر ليدل على طريق الفجر.
جرّب العالم أسلحة كثيرة من شأنها ان تهلك البشرية كلها في رمشة عين.
لعل العالم اذا جرّب هذه الصرخات، اذا جرب الشعر، يستيقظ غدا ومن فمه تنبجس معجزة السلام.
***
لوحة لعلي طالب.
أغنية سلام
آهٍ أيتها الحرب!
حتّام تدقين أبواب مدينتي؟
ليتني أصبح صوتاً صارخاً
لأُخرس صدى قبضتيك الثقيلتين!
أريده أعلى صوتي
من هدير طائراتك المقاتلة
فوق مدينة تكافح
أريده أعمق
من أنين الموت
في حنجرة هذي الأرض الوقحة.
لستُ رجل ملاحم
لأنفخ في بوق زعمائك الباطلين...
بل رجل كلمات أنا
وشاعر سلام
فدعيني استعيد القيثارة
التي سرقتها من شعوبي
لكي أغني جروحهم النازفة.
دعيني أكتب أغنية سلام
تطغى على ملاحمك الزائفة.
***
الآن وقد كتبتُ قصيدة
ضد الحرب في العراق
أو في أي مكان آخر
علماً أنها واقعة لا محالة
بات في وسعي ان اغسل يديّ من دم هذا الصدّيق
أن أتمدد مطمئناً
وأن أشعر بالرضا
بات في وسع الحرب ان تندلع
بعدما أرحت ضميري
وإذا سألني يوما ابني الذي لم يولد بعد:
ماذا فعلت لكي توقف تلك المجزرة يا أبي؟
سأجيب: "أنا؟ لقد كتبت قصيدة ضد الحرب!"
***
أمّاه،
أهذه الهدية
التي أهديتنيها
يوم ولدت؟
لم أنعم ببهجة خطواتي الأولى
أو بفتنة الدمى الملونة
ولا بمداعبة العشب المندّى
لقدمي الحافيتين.
لم أطرب لنقيق الضفادع
في البرك الطافحة
ولا قطفت الحب والقبلات
بين سياجات أيار.
أمّاه،
أهذه هديتك؟
أتكون كمامة لأختنق
ومزقاً في أحشائي
تتدفق منه الحياة
إلى أفواه الآخرين الشرهة؟
***
يتنزه الديكتاتور جذلاً في غابة قتلاه
وينعب كالغراب المنتشي بين الجثث.
من عساه أعطاه السيف؟
يقدّم الديكتاتور الكريم الحياة لضيوفه
على طبق من الموت.
من عساه سلّمه المصائر؟
يتربع الديكتاتور المطمئن على عرش الغباء الأرعن
ويعيد اختراع أيام الخلق السبعة
من عساه نصّبه إلهاً؟
***
في مكان ما في البعيد
تستجمع عاصفة هوجاء قواها
قبل ان تطلق وحوش حقدها وثأرها
علينا جميعا
كفّارة عن ذنب لا يعرف احدٌ كنهه.
تصخب مياه البحر
وتحمل الريح نذير الدمار
أما النباتات والأشجار
فتنتظر وصول العاصفة
في مثولها الصامت الهادئ المطمئن.
هي تعرف بالطبع
أنّ العواصف والفيضانات تمضي
ولا تنال من الشرارة
التي تشعل جوهر العالم.
هي تعرف
ان الحياة أزهرت من جديد
بعد طوفان نوح.
***
لو أني مثلك
لكنتَ قطعتني
بسيفك المصلت على عنقي
مثلما تُقطع دجاجة ولدت حرة
ولم تنعم بحريتها هذه.
لو أنكَ أنا
لكنت حييتك
ببشارات وعطايا
بغابة زهور في يد
وحمامة بيضاء في اليد الأخرى
لكي تدعني أعيش في سلام
لكي ترفع سيفك عني.
***
لنرد بها على من يسحقنا
على من يغتصبنا
على من يجرفنا الى بحر مآسٍ مشتركة
ويدفننا
نحن وآخرين
تحت عجزنا العنيد عن الحياة.
قصيدة ضد الحرب
بلا تخفٍّ
بلا هرب
قصيدة محلقة
بلا إحجام
***
سوف نكون جالسين
أمام التلفزيون
أولادنا
يلعبون في هدوء في الطبقة العلوية
والهرة غافية
بين معلبات اليخنة والبندورة...
فجأة ستصبح الغرفة
بيضاء
وستزهر حدائق كبرى
في دواخلنا...
***
من نعزي حين يموت الأطفال
في أحضان أمهاتهم؟
من نؤاسي حين نضيء شمعة
في أرض مشى عليها إنسان ذات مرة؟
كيف نملأ الفراغ
كيف نردم المساحات الخالية
التي تولد
كلّما أشعلنا ناراً لنعتّم الأرض؟
تحت أي ظلال نرقد
حين يدهمنا النعاس
بعد أن يدمروا عالمنا
في حرب باسم السلام؟
***
تلمّسوا خد الأرض في رقة
لن يصعب عليكم ذلك
انحنوا فوقها قليلاً
كأطفال لم يولدوا بعد.
تلمّسوا خد الأرض في رقة
في بساطة الصغار افعلوا ذلك
كلما عبرتم إحدى الدروب
على كوكب الهجس هذا.
طفولتكم ليست بعيدة
ها نجومها تبرق في سمائكم
أنقذوا بها عالمنا
العنوا قنابل الموت قبل فوات الأوان!
***
ريبيكا براونرت
(ألمانيا)
... ولفايق حسّان.
حدثوني عن نهاية الشعر
عن الفيض المتدفق لشهوات السلطة
التي تودون لو نتقاسمها معكم
بعد ان نؤجل تعاطفنا الى الغد.
حدثوني عن قراراتكم المختلفة
عن المثل العليا
التي ينبغي سحقها واستبدالها
عن الحرية العلى المحك
عن السلام والكرامة والشجاعة غير الضرورية
حدثوني عن خوفكم من الرأي العام
عن خوفكم من نبع الكلمات
حدثوني
عن خوفكم من الشعر.
***
هوّن عليك
كثر نحن الذين هنا
من ترف منازلنا
ودفء ملابسنا
نفكر فيك محتضراً هناك
في مستشفى بارد ومعتم
فنرتجف ونرتعش
وعبثاً نرفع حرارة الغرفة
عبثاً نرتدي المزيد من الثياب:
يدك الباردة
تتشبث بأرواحنا
تشبثها بالحياة.
أما أولئك الذين يقتلونك
فلا يخترقهم صقيع
لأن أرواحهم أشد برودة من الموت.
هوّن عليك
لا أسلحة لدي
لأدافع عنك
إنما لدي كلمات
بضع كلمات فقط
أرددها
في سرية الدهاليز المنيعة
داخل وحدتي.
***
لبتموهم الأرض
وأعطيتموهم السلام
في الموت.
***
ارتدى سترته الحربية
على طريقة إرول فْلِن
وتوجّه بلغة منمّقة
الى قومه والأصدقاء والجيران.
ما همّ إن تلعثم؟
سيصفّقون له في أي حال.
ما همّ إن كانت كلماته مبهمة
وعطاياه كلها حروباً؟
ما همّ إن كانت المعركة التي يشنّها
غير تلك التي ينشدون؟
إن كان يروي ظمأ رجال النفط
وهم يحلمون بالسوبر ماركات؟
المهم أنهم ذهبوا معاً الى الحرب
كلٌّ يغنّي على ليلاه
حاشدين قوى بلدانهم
ليجعلوا الحق... باطلاً.
***
لا يسعنا أن نتبادل الخير؟
لمَ يكون ذلك مستحيلاً؟
القلوب الخاوية
لا تتسع الا للألم.
تذكّر ذلك أيها الرجل ذو الروح العمياء.
أوقف الحرب!
فمع دموع الأطفال
يقطر الأمل ويذوي
لأن جوهر الحياة
في مآقي عيونهم.
***
مع الأبواق تنفخ في أرض الخراب
لحن السواد
قذائف الفولاذ الفارغة تتهاوى
وتشيع السواد
لا يتعالى من الناس صراخ،
سواد فقط.
السواد في السماء
السواد على الأرض
هل ينبغي لنا ان نموت
لكي نربح حربا أخرى؟
إنها حرب الرجال العميان
الراكضين الى هاوية الحلكة
حيث الحب هيكل عظمي ابيض
فوق جسد الحرب الأسود.
***
... ولجواد سليم.
حين يغفو العالم
أتألم لمآل أشباهي
لقصص حبهم المشلّعة
في خضم أعمالهم
أتألم لأقدامهم العالقة
في مستنقعات القانون
لحقائبهم
التي تجوب العالم
أتألم لرواد الوحدة هؤلاء
لهربهم الى السواد
في اصفرار التاريخ
لهؤلاء الصدئين الذين يثرثرون
في بياض الأيام
أتألم لسلطان أيديهم الوقحة
حين يجري كل شيء
كما لو أن شيئاً لم يكن
أتألم، بلى، أتألم
حين يطارد الليل أبناءه القذرين
المتلفّعين بأحشاء المدن
لموائدهم الخالية من أي معنى
بلى أتألم للإبر التي يحقنون بها شرايينهم
لمواسم قطاف أذرعهم المثقوبة
لعيّنات برامج التبرّع
للقطع النقدية الصغيرة.
حين أغضب
أتألم بلى أتألم
حين تُقرع النواقيس
في جسد الكنائس الأجوف
أتألم أيضا، بلى أتألم، لغياباتكم
وأتألم لرغباتي
حين يدفعني المطر
الى هاويات جسدي
المصلوب على أجسادكم
أتألم لصمتكم
للفواصل الطويلة بين كلماتكم
لصمتكم الذي كلهاثٍ رابض
على عتبة روحي
لروحي الطافحة بتلك النار المعذّبة
التي ترافق الكائن
حين يوشك كل شيء
أن يقع في العدم.
أتألم لما ينكأ
قلوب أقراني
كصوتٍ يعلو
ليقول
إني أتألم.
***
لم أذهب قط الى القدس
لكن شيرلي حدّثتني عن القنابل.
لا إله لي
لكني رأيت الأطفال يصلّون من أجل أن يتوقّف القصف.
لآلهة متعددين يصلّون
أما الأخبار فهي هي على الدوام
تتكرّر مثل عادة سيئة
مثل التبغ الرديء
مثل المجاملات الاجتماعية.
لفرط ما رأى الأطفال موتاً
لم يبق الموتُ يعني لهم شيئاً
صفوفاً صفوفاً ينتظرون الخبز
وينتظرون المياه
رأيناها عيونهم ألوف المرّات
أقماراً سوداء تعكس الفراغ.
قريباً سوف يتكلم الرئيس
سوف يتحدّث عن القنابل
عن الحرية وعن أسلوب عيشنا
لكني سأطفئ جهاز التلفزيون.
هكذا أفعل دائماً
لأني لا أحتمل
رؤية النصب التذكارية
في عينيه.
***
... ولجواد سليم.
على غرار ذاك الذي يقتل طفلاً
ثم يسلخ جلده
ويطحن عظامه
ويحرق مفاصله
ويُطعم أحشاءه للكلاب
ثم يدعو بكل فخر
أهله والأقرباء والجيران
إلى اجتماع عام
ويروي لهم بتعابير دقيقة
تفاصيل عمله الوحشي هذا
ويطلب اخيراً من المجموعة
جمع أشلاء الطفل من جديد...
فيكرام بابو يسأل:
هل أنتَ هكذا؟
***
... وحليمة محمد علي.
مثلما تموت بعض الكلمات
قبل أن تُلفظ
مثلما يفيض نهرٌ
جارفاً السدود والجسور
مثل صمتٍ يقتل
وصخبٍ يغتصب
مثل كل ما يقتلع
كل ما يطيح
كل ما يعطب
هكذا تتقدّم الحرب مع الليل
مع السخام الذي تغطّي به الأرض
وحين تنسحب في هجمة متأخرة
يكون كل شيء قد أمسى سواداً
كمثل حبرٍ
متّسخٍ
يحجب الزمان.
***
أنابيب النفط
هي الآن شرايين العالم.
أحياناً يحرقها جشع السلطة
فتروح تتسّع بقعة النفط
لتغطي بحار الدماء
وأوطان الأطفال
وأجساد الناس المشوّهة.
لم تكن يوماً أسباب بهذا السواد
على هذا القدر من الوضوح.
***
أين أسئلتكم؟
مزّقوا هذا السكون البليد
بمخالبها الجامحة!
لتكن كل كلمة تنطقون بها
سكّيناً يشقّ بعنف
أوتار سماء الصمت،
هذا الصمت المستبد الطاغية!
أين أسئلتكم؟
دعوا براكين الكلمات تنفجر
صمتٌ كهذا
قد يصيب الأطفال بالصمم.
***
الحرب هي الحل الأخير
يقول النبي فو
مقلّماً أظافره
بينما يحصي البنادق.
لكن العظاءة المتمدّدة على الصخرة تحت الشمس
لا يعوزها قناع
لندوبها.
أستطيع أن أحوّل نفسي الى ما أشاء
يقول النبي فو
أن أكون حيواناً زاحفاً أو نسراً
ثعلباً أو كلب صيد
سمكة قرشٍ أو إنسانا.
لكن العظاءة الأبيّة لا تتحرك
بل تواجه اللهب
ولا تحترق
تعيش فيها وتخمدها
ولا تحترق.
ومثلها جميع أولئك الذين يحملون النار في أرواحهم
مثلها سوف يولدون كاملين
من رماد الأنبياء
أو الرؤساء
الكذَبَة.
المصدر -النهار- الثلاثاء 4 آذار 2003