اسمه الحقيقي زاريه يالدزجيان. من مواليد 1924 في اسطنبول. بعد إنهاء تعليمه المدرسي في عام 1942 التحق بكلية الطب لكنه لم يتابع دراسته، إذ تركها بعد ثلاث سنوات، وعمل بعد ذلك موظفاً في بعض المحال وفي الأعمال التجارية الحرّة. من دواوينه الشعرية العديدة: "المدينة الكبيرة"، اسطنبول، 1960، "السماء الطيبة"، اسطنبول، 1971، "الأرض الخضراء"، باريس، 1976، "ربيعان بحجرة واحدة"، اسطنبول، 1989، "صليب حجري بلا صليب وبلا حجر"، يريفان، 1998، "القصيدة الموجودة تحت الكلمات"، يريفان، 2004. حرّر زاهراد مجلاّت أدبية عدة، وحصل على العديد من الجوائز الأدبية العالمية، أما أعماله فترجمت إلى 27 لغة. توفي في بداية 2007 في اسطنبول. قصائده قصيرة على الأغلب، لكنه يستطيع فيها أن يفتح عالماً واسعاً من الروح الإنسانية. صوّر حياة الفقراء والبسطاء، وأصبح بطله كيكو رمزاً للرجل البائس والمعذّب. كتب في مواضيع شتّى لم يتطرّق إليها أحد من قبله، كقصيدته عن البرغوث والبعوض والمرأة التي تنظِّف العدس وبائع الحنفيّات.
صفر
واحد ضرب واحد يساوي واحداً
واحد ضرب كيكو يساوي صفراً
اثنان ضرب واحد يساوي اثنين
اثنان ضرب كيكو يساوي صفراً
عشرة ضرب واحد يساوي عشرة
عشرة ضرب كيكو يساوي صفراً
مئة ضرب واحد يساوي مئة
مئة ضرب كيكو يساوي نحن.
الحارة
كل البيوت تشبه بعضها بعضاً
كل أهالي البيوت يشبهون بعضهم بعضاً
لا تنظروا إلى كيكو بعيون غريبة
إنه في حارته يكنّى "مسيو كيكو"
إن تكلّمت عن الحارة فهي لا تشبه الحارة
وإن تكلّمت عن البيت فهو لا يشبه البيت
وإن تكلّمت عن كيكو فهو لا يشبه "المسيو"
إنه لعالم غريب
الحارة ليس فيها إلا بائع خردوات واحد
ولا تملك إلا خمسة أو ستة أنوال
وإن تحدّثت عن سكانها
فهم يملكون بيتاً ولا يملكون ملاذاً
ولديهم عمل بسيط يسترزقون منه نوعاً ما
فلا تنظروا إلى كيكو بعيون غريبة
إنه لا يملك سوى لقب "المسيو".
شارع أحمد أفندي
يخاف كيكو المرور من شارع أحمد أفندي،
إن شارع أحمد أفندي مظلم
وثمة أناس يتبادلون القبل في الظلام.
يخاف كيكو المرور من شارع أحمد أفندي،
حتى لا يتذكّر أنه وحيد.
حساب البعوض
حينما تزوج كيكو
فكّر في أن البعوض الموجود في غرفته
إن جاء نصفه إليه
فالنصف الآخر سيذهب إلى زوجته
فيُنصف عددها
لكن البعوض تكاثر - فالفصل كان خريفاً
والآن... عدد البعوض هو هو
فوق ذلك كلّه ثمّة زوجة هناك.
الفرق
وضع كيكو نظارة على عينيه
فرأى كل ما يقع عليه نظره أزرق اللون
السماء زرقاء والبحار زرقاء
وعينا حبيبته زرقاوان.
رأى كل ما يقع عليه نظره أزرق اللون
نظر كيكو حوله والنظارة على عينيه
وكأن البحار كانت زرقاء دائماً
وكأن السماء كانت زرقاء من قبل
وهو لا يصدّق كل هذا ويدّعي انه يشاهدها
للمرة الأولى.
- نظر كيكو حوله والنظارة على عينيه
وضع كيكو نظارة على عينيه
وهو الآن يرى الأزرق أزرق.
التراب
أكل كيكو من الأرض
وشرب منها
فامتلأ داخله بوحلٍ
ومستنقع
ولأنه كان نبيل الأصل
حوّل الوحل تراباً شفّافاً
ثم زرعه قمحاً كي تأكلوا خبزاً
وعندما شبعتم
زرع أزهاراً كي تحلموا
أنتم أكلتم الخبز - وكيكو... اكتفى بالحلم.
عن التراب
كان كيكو يحب التراب كثيراً
وكنجمة تهوي من السماء
كان يريد أن ينام مع التراب حضناً بحضن
يريد أن يعانق التراب والانبهار به
ويوم مات وصل إلى غايته.
لكنني لا أعلم لماذا تبكي النجوم؟
ويبكي الجسر؟
لم يكن لكيكو أصدقاء سواهما في حياته.
مات كيكو
نام تحت السماء طويلاً
فلينَم إذاً تحت التراب قليلاً
الراحة الأبديّة لأحذيته.
لحية "بابا نويل"
إن لحية "بابا نويل" بيضاء
كالطحين
قل يا "بابا نويل"
هل يُصنع خبزٌ من لحيتك؟
المطر
لن تستطيعي التسلل إلى النفق
يا قطرات المطر البائسة
ولن تستطيعي الدخول إلى بيوت أغنياء الحرب
لأن سقوف بيوتهم الفخمة لا تسرب قطرات المطر
أنا وأمثالي نحبكِ
لأنّكِ تجلبين الخير
فيرخص سعر الخبز
لكنني نعسان
فلا تهطلي على مخدّتي رجاء.
البرغوث
استيقظتُ صباحاً
وإذ ببرغوث صغير في سريري
امتصّ دمي حتى الصباح
فانتفخ كطبل وتخدَّر
أيها البرغوث
أيها البرغوث الصغير
لماذا كان عليك أن تمتصّ من دمي كل هذا المقدار؟
لامستُ البرغوث بأصبعي بهدوء
فانفجر بسكون من دون أن يُصدِر أي صوت
ذلك البرغوث الصغير
مات في سريري منفجراً في الصباح الباكر
أيها البرغوث
أيها البرغوث الغافل
لماذا كان عليك أن تنتفخ هكذا؟
في حين كان في إمكانك الآن، أيها البرغوث الصغير،
أن تقفز وتمرح مع بقية البراغيث
وأن تتعرّف إلى فضة الغبار وذهب الأرض
وتروي كل ذلك في ما بينك
أيها البرغوث
أيها البرغوث القليل الخبرة
لماذا امتصصت من دمي كل هذا المقدار؟
كان في إمكانك أن تتأمّل السماء الزرقاء
وتستمع إلى الأغاني الجميلة للرياح
أو تمارس الحب تحت الشموس
وتقفز وتمرح بحماسة آتية من اللذة
أيها البرغوث،
أيها البرغوث الفتى
لماذا كان عليك أن تتصدّع هكذا؟
جئتَ – وقلتَ: - إنه دم شاعر
فامتصصت وامتصصت طوال الليل
هل ثملت؟ قل لي أيها البرغوث
هل ظهرت لك أحلامي أيضاً مع دمي؟
أيها البرغوث
أيها البرغوث الشاعر
لماذا كان يجب أن تثمل إلى هذه الدرجة؟
كان في مقدورك الآن أن تغفو بكسل
في الشَعر الحريري لقطّ أصفر
وأنت متمدّد على مخمل السجاد
منتظراً الأيام الجميلة المقبلة
أيها البرغوث
أيها البرغوث الراحل قبل الأوان
لماذا كان عليك أن تستعجل هكذا؟
الآن، سأستيقظ في صباح يوم ما
ولن يكون ذلك البرغوث الصغير في سريري
سأتذكره بنوع من الحنين
وسأتأمّل
أيها البرغوث المسكين
لماذا كان عليك أن تموت هكذا؟
البعوض
عندما سقطت أشعة الشمس على المستنقعات
ولد البعوض
كان خصره نحيفاً - وجناحاه رقيقين - حتى إنهم حينما سألوه عن ذلك
قال: أنا لست بعوضاً - أنا حورية
بعد ذلك كان يطير يومياً بحماسة وهو يغنّي أغنيته المعهودة
في حين كانت عيناه متجهتين للشموس وجناحاه للريح
كأن كل شيء - الأشجار والناس – كانوا في عيد
فتعرّف إلى اللذة
نظر إلى كل شيء بلهفة وبلا مبالاة - ودهش دائماً
وأقلقه شيء واحد فقط
ففي يوم ما، عندما لدغ إنساناً وحيداً
- إنساناً شاعراً
- في ذلك اليوم تعرّف البعوض إلى الحزن.
المرأة التي تنظّف العدس
حبة عدس- حبة عدس- حبات عدس- حبة عدس- حجرة- حبة عدس- حبة عدس- حجرة
حبة عدس خضراء- حبة عدس سوداء- حبة خضراء- حبة سوداء- حجرة- حبة عدس خضراء
حبة عدس إلى جانب حبة عدس- حجرة إلى جانب حبة عدس -وفجأة كلمة - كلمة إلى جانب حبة عدس
ومن ثمًّ كلمات - حبة عدس - كلمة - كلمة إلى جانب كلمة - ومن ثمَّ كلام
وكلمة إلى جانب كلمة وكلام مجنون- وأغنية مرّ عليها الزمان-حلم قديم
ومن ثمّ حياة- وحياة أخرى- حياة إلى جانب حياة- حبة عدس-حياة
حياة سهلة- حياة صعبة- لماذا هي سهلة- لماذا هي صعبة
لكنها حياة إلى جانب حياة- حياة- ومن ثمَّ كلمة- ومن ثمَّ حبة عدس
حبة عدس خضراء- حبة سوداء- حبة خضراء - حبة سوداء -ألم - أغنية خضراء
حبة عدس خضراء - حبة سوداء - حجرة - حبة عدس- حجرة-حجرة- حبة عدس.
2000
تبيّن لنا أن
اليوم
بعد منتصف الليل
ستمرّ حياتنا بالأصفار
سنبدأ بثلاثة أصفار
وفي السنة المقبلة
سيبقى اثنان فقط
وعلينا أن ننتظر مرور
مئة وأحد عشر عاماً
كي نتخلّص من الأصفار
ومع ذلك فأنتم لا تنتظرون كل هذا الوقت
أطفئوا الأنوار في منتصف الليل
- وإن أضأتموها ثانيةً
فستجدون أنفسكم بين الأصفار
إن شجرة الميلاد
و"البابا نويل"
وجيرانكم
وكذلك أنتم ونحن
سنعتقد أن تلك الأصفار
هي أنوار
- أو سنتمنّى أن تكون كذلك -
تبيّن لنا أننا
سنعيش بالأمنيات
ثانية.
عيد الميلاد
اليوم، إذا رأيتم مصادفة
في الشارع أو في الباص
أو على السماء - وعلى ما بعد السماء
خمساً وثلاثين شمعة مضيئة
فتذكَّروا زاهراد.
اتركوا أعمالكم وأشغالكم جانباً
وانسوا أحزانكم وأحقادكم لحظة
وانظروا إلى حديقة الشموع الملتهبة تلك
وتأمّلوا
أنه في يوم من الأيّام ستهبّ ريح مجنونة
وستنطفئ كل هذه الشموع
وتتلاشى في الفضاء
حيث لا يعيش هناك لا شمعة ولا أنتم ولا زاهراد
تأمّلوا ذلك لحظة
ومن ثمّ
عودوا إلى همومكم ثانيةً
وأنا أعود إلى شموعي.
الحلم
بدايةً تُقسِّم الناس فريقين:
الرجال والنساء -
فتُلقي الرجال
وتُبقي النساء فقط.
وتُقسّم النساء أيضاً فريقين:
الشابات والعجائز
و... تُلقي بالعجائز
تختار الباقيات - الجميلات والقبيحات
وتحتفظ باللواتي
لسن قبيحات
وتختار أجمل الجميلات
فماذا تفعل؟ - تقف زوجتك أمامك،
المرأة التي تزوجتها منذ سنين وسنين.
شجرة الخوخ التي لا تحمل ثماراً
عندما لم تحمل شجرة الخوخ ثماراً في الربيع
- خجلت
نظرت إلى أوراقها
وأغصانها الجرداء بحزن
وبكت
وأولاد الحارة - سارقو الفواكه -
لم يرموها بأيّ حجر
بل نظروا إليها باحتقار
ومرّوا
وحيدة ومهملة هكذا
نظرت شجرة الخوخ
من ورائهم بحنين
وبكت
أسياد الحارة وسيداتها
لم يلمحوا
شجرة الخوخ البائسة
التي بكت
مهملة - مذنبة هكذا
قطة سوداء فقط - قطة عاشقة للظل
نظرت إليها طويلاً
بعينيها الصفراوين الشبيهتين بالشمس
واستقرت تحتها
وولدت أربع قطط صغيرة في ظلها
تقوم الآن شجرة الخوخ
بمدّ ظلالها الرطبة بحنان
كي لا تحترق القطط الصغيرة الوليدة
بأشعة الشمس الحارقة.
الحنفيَّات
أنا صاحب متجر - وها أنا جالس أبيع الحنفيّات
فيأتي الناس وينتقون منها الواحدة تلو الأخرى
بعضهم يختار حنفيّة صفراء - كي تسيل الشمس عندما يفتحونها
وبعضهم يختار حنفيّة بيضاء - كي يسيل الأمل كبياض الثلج
بعضهم يريد حنفيّة للنور - وبعضهم للحبّ - والكثيرون
يريدون حنفيّة للصبر والضمير والحريّة
وأنا أتظاهر بأنّي أبحث عنها وأعطيهم واحدة - بحسب حظّهم
وأقول لهم: إنها أفضل حنفية - انتقيتها لكم
وعندما يذهبون إلى بيوتهم
ويفتحون الحنفيّات
إن سال الماء مصادفة
فرحوا بلا حدود
وقالوا: ها هي مياه الشمس الذهبية
ها هي مياه الأمل والنور والحب
إنها مياه الصبر والضمير أو الحريّة
وغسلوا بها وجوههم وقلوبهم
إنهم ينحنون على الحنفيّة - ويشربون منها بنهم
وأنا صاحب المتجر - سأبيع الكثير من الحنفيّات.
الرخصة
ليقل ما يشاء
- شريطة
أن لا يقول شيئاً رديئاً -
ليتكلّم كيفما يشاء
- شريطة أن لا يقول شيئاً -
وإن أراد فليسكت
- شريطة أن لا يفكِّر
زاهراد ترجمة مهران ميناسيان
النهار الثقافي
20 يونيو 2010