الكتابة عن الكتابة هو موضوع رواية الروائي فهد العتيق الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. وعنوانها (كائن مؤجل) ولغز صغير يمكننا حله بسهولة لنكتشف أننا (كائنات) لا أكثر. أن تكون منا كائنات مؤجلة فهذا شأننا. وما ننجزه نحن بوعينا بأنفسنا (ككائنات) سيظل يشير إلينا. لم تتوسل لغة (فهد العتيق) تلك البنايات الرخامية الضخمة والكوزموبوليتية. والتخطيطات المسبقة. فإن ما يحدث بالضبط إن هنالك من كتبوا الرواية لمجرد أنهم (أرادوا) ذلك! وآخرين قالوا إن ( روايتي - يمكننا جمع الضمير المتصل لكيْ نعمم الحالة ـ أذهلت القراء، ومن قال إنه وضع نفسه في مقدمة الروائيين العرب) ولا اعتراض على شيء من هذا. الذي نعترض عليه أن كثيرين لم يعطوا (كائن مؤجل) حقها. ربما بسبب صغر حجمها؟ ربما بسبب أن (فهد العتيق) نفسه هو إنسان صغير بحسابات حضورهم الإعلامي ,! بقدر ما هو محيط بأدواته ككاتب.
لغته في القصة القصيرة وفي المقالة بها عذوبة تأتيها من حيث لا تعرف.
هل لأنه إبن القرية البسيط الذي جاء الى عالم إحدى أكبر المدن في العالم فلما كاد يضيع فيها جعل يغني أناشيده الخاصة؟!
لم يختلق فهد أية مبررات وإسقاطات لتبرير كتابة رواية. من أراد كتابة الرواية فإن عليه أن يكون كاتبا نموذجيا، متمكنا من لغته، هائما بشخوصه، مغني الرصيف وإذعان صغير(وهذا بعض عناوين كتب فهد العتيق) الشاب الذي لم يدع أن (الحروب) في الخليج ولا مظاهرات (بنات الذوات) من أجل قيادة السيارات. ولا ما يدعيه هؤلاء بظروف (المنطقة) هي ما دعاه لكتابة رواية. انه حتى الصفحة 54 لم يبح بسره. ولكنه قال في الصفحة التي تليها أنه يريد أن يكتب (كتابة أخرى)! ثم قال (كتابة مفتوحة) وهنا أجدني أفتح قوسين. فما معنى (كتابة مفتوحة)؟ هل هنالك كتابة مغلقة؟ لا تنغلق إلا الشعوذات ورموز السحرة. أما الطرقات فمفتوحة دوما. كان يقصد وهذا ظني، أن يقول : كفى عبثا بالكتابة! لا تحتمل هذه الغزالة أكثر مما بها من جراح. اقتربت في لحظة زمنية (لا تتكرر) من الواقع بكل أحافيره، بالخطى التي نسجت عليه ، فاقتربت منه وسأءلها. وكان الواقع يتغير ثقافيا وبالطبع على الصعد الأخرى : الإجتماعية، والسياسية، والثقافية الإبداعية، والنظرية، حورب هذا الإندغام بين الأقلام الجديدة والناس عبر رموز الفكر الثقافي المدرسي، ومنهم (دكتور ضليع في علم الإجتماع) ومن ضمنهم كانت تقف (الصحوة) وكانت الصحوة تفتش في معاني كلمات مثل : حداثي، ليبرالي، علماني، شيوعي، الركيكون كانوا يضيفون أيضا : الأدب الرمزي الخليع! والمدرسة (البرناسية) وهي مدرسة الفن للفن. مع أن هكذا قضايا كانت محسومة في العالم العربي على الأقل منذ التحقت به الكتابةالمحلية منذ أكثر من خمسين عاما!
لا أبحث عن رموز ولا عن دلالات وأنا أكتب منهمرا عن هذه الرواية الصغيرة الجميلة (كائن مؤجل). لست فقط ضد هذه الممارسات. وإنما لأنني لا أكتب عن كتابة إلا وهي قد أخذت بلبي. وإلا فما قيمة ما أكتب؟ أن أقول له (إن وردا قد ورد بالضم في حين وجب نصبه كونه مبتدأ إن؟) لا أظنني بصدد ذلك. لقد وجدت! في هذه الرواية حيرة الكاتب السعودي الحقيقية بين كتابة ما يريد وما يرى! وبين كتابة تراد له من قبل قوى عظمى ثقافية. لا أستطيع وصفها حتى بالوصاية. فهي أسوأ منها. خارطة دماغ الكاتب مكونة من بقع أساسية وأخرى بالطبع تشبه ظلا لها. السفرات المسروقة الى (البصرة) البيرة (فريدة) السفر الى الكويت لشراء (جنوط) لسيارة صديق المجموعة بعد أن وزعوا أوراقا خجلى طالبوا فيها بحريات صغيرة. سرعان ما تلاشى العمل الجماعي؟ لا. ليس الأمر كذلك لا يعني ماكتبوه سوى خذلان كائنات مؤجلة هي الأخرى بانتظار (شيء يشبه الكيان). والحقيقةالموضوعية التي يتفاداها نقاد رسميون ويعتبرون (مفتين ثقافيين في البلد) أنه كيان قام على بشر سابقين، وأن الآخرين ليسوا امتدادهم بالضرورة.
يحكي فهد العتيق ببساطته الإعتيادية التي يعرفه بها كل أصدقاءه، تلك اللغة التي بها لكنة (الغريب) والرياض مباهج يوم كان صغيرا، اما اليوم فهو يقول (إن الشباب في البلد يركضون وراء مشاريع تجارية غير مجدية، ومغتصبون اقتصاديا، أو ينساقون لوطأة الفراغ ألى سلطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأنا أشدد على تسميتها ب(سلطة هيئة... لخ) فلأنني أرى أنْ لاحدود لصلاحياتها. وأن الإبداع الذي ينسجه (فهد العتيق) هو في أدراجهم المظلمة الآن. مثلما كان ديوان (التضاريس) للشاعر الكبير (محمد الثبيتي) لدى (مقام) الهيئة، ذاهبا آيبا للرياض، يفسر للفقهاء لغة القرآن! حتى عرف الراحل فيصل بن فهد وسحب الديوان منهم وقال إنه مسئول عن انجازات شباب المملكة واخفاقاتهم .
انني مدين للصديق الطفل حقا، المبهر البراءة، الطاهر كصلاة، فهد العتيق بقراءة عميقة وثقيلة على رأي الموسيقيين.