انتهى الشاعر العراقي محمد مظلوم، من إنجاز كتابه النقدي الجديد “شعراء الثمانينات وأجيال الدولة العراقية” وكان هذا الكتاب الذي تأخر إصداره أكثر من مرة، هو المشروع المؤجل للشاعر العراقي الذي غادر العراق عام ،1991 إلى دمشق التي لا يزال مقيماً فيها.
وقال مظلوم “إن كتابي الذي سيصدر خلال معرض دمشق للكتاب الشهر المقبل عن دار التكوين، يعتمد على مزج روح الشهادة بنكهة البحث العلمي القائم على إخضاع المقولات الفكرية إلى اختبار على صعيد الواقع الثقافي، حيث ينطلق من فكرة لدى علماء الاجتماع وعلماء التاريخ حول تقسيمات الأجيال، على أساس ربط الزمن بتحولات اجتماعية مهمة، وليس ربط الأفراد والجماعات بالتقسيم العقدي المحض، كما قامت عليه فكرة الأجيال في تاريخ الشعر العراقي المعاصر، وبذلك فهو يقدم مقاربة خاصة في هذا السياق”.
وحول الوقائع التي يربط بها مظلوم ولادة الأجيال أضاف “حين نتحدث عن “جيل” فنحن نتحدثُ عن نشاط بشري نخبوي في سياق وجود دولة، ومجتمع، وطبقات، ومؤسسات مفترضة، إضافة إلى النخب والفعاليات، ليعبر هذا النشاط عن الوجود النوعي والهوياتي لتلك الكتل والجماعات والنخب بصيغ متعددة تسعى لترسيخ صورة مرحلة معينة في سياق حقبة من التاريخ”.
ويتابع “إذا جاز لنا أن نؤسس لثنائية النهضة / النكوص في تاريخ علاقة الدولة العراقية بالمجتمع لتطبيقها على حركة الأجيال الشعرية خلالها، فيمكن اعتبار مرحلة الخمسينات والستينات وصولاً إلى السبعينات مرحلة النهضة، حيث العلمانية السياسية والاجتماعية، ونمط صراع ليس فريد القسوة، وإن اتسم بشيء من العنف السياسي، في مقابل مسيرة اجتماعية معقولة وسط ما وصلت إليه الحالة في العقود اللاحقة.
فيما يمكن اعتبار عقود الثمانينات والتسعينات وصولاً إلى اكتمال القرن وبداية القرن الجديد، هي مرحلة الأزمة، حيث ازدهرت المنافي والمقابر على حد سواء، وصعدت الدكتاتورية، واشتعلت الحروب وتعددت الحصارات، ونشطت الحركات الأصولية وتراجعت العلمانية.
ولهذا فحين نتحدث عن “الأجيال” فإنما نعني بداية مرحلة ثقافية تبدأ ما بعد رحيل الحبوبي، ومنفى الكاظمي، بوصفهما آخر الرسائل القادمة مما اصطلح عليه “الفترة المظلمة” كالشعراء حيدر الحلي وعبد الباقي العمري وجعفر الحلي عبد الغفار الأخرس وسواهم.
أما على الصعيد السياسي، “فإننا نبدأ “بتجييل” الثقافة العراقية ابتداء منذ قيام الدولة العراقية في العام 1921 وننتهي عند نهاية النموذج القديم للدولة العراقية في العام 2003 بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وهي (حقبة) زمنية تامة من الناحيتين اللغوية والاصطلاحية، وحائزة على الشروط الزمنية والوقائعية ذات المبدأ والمآل”.
وحول الجيل الأساسي الذي يركز الشاعر محمد مظلوم على دراسة تشكلاته وتكويناته الأولى وتقصي إنجازاته الأدبية، يضيف “إن جيل الثمانيات وبخياره الفني البارز (قصيدة النثر) وبالسياق التاريخي الذي عاشه (الحرب العراقية الإيرانية، ومن ثم المنفى) منحه ممكنات إيجاد تحول في المستوى التعبيري للشعرية العراقية، خاصة أن السمات التكوينية العامة لأبناء هذا الجيل عموماً تؤكد أنهم مغامرون ومتنوعون وغير مرغوب فيهم ويتسمون بعلاقة تنازعية مع المؤسسات، ولديهم إحساس يتلخص في كونهم غير مشاركين في صناعة الحداثة / القديمة، لذلك كانوا يعانون من شدة وطأة تلك الحداثة عليهم، ما يدفعهم إلى ردات فعل، تتسم بأنها صفة جوهرية لنزعاتهم، فيندفعون بتأثير هذه النزعات إلى البحث عن حداثتهم هم أسوة بما حصل لمن سبقوهم، وهم يعملون لأجل ذلك كجماعة متضامنة أو ذات شراكة وهدف في المرحلة الأولى، وقد يلجأون إلى الانتقام أو الرفض النهلستي أو حتى الميل نحو نزعة التدمير الذاتي حين لا تتناسب الصورة الداخلية للمجموعة أو لفرد منها مع ما هو متاح ومتوفر من ظروف خارجية”.
وعلى هذا التوصيف العام لرصد أربعة أجيال في الثقافة العراقية خلال قرن والدخول إلى مرحلة الجيل الرابع (جيل الثمانينات) يصل الشاعر محمد مظلوم إلى تمثيل السمات الأساسية لشعراء هذا الجيل من خلال نماذج تطبيقية لعدد من شعرائه، كما يقدم شهادة متصلة عن واقع الحياة الثقافية في تلك المرحلة، من خلال معالم النشاط الثقافي غير الرسمي كالمقاهي والأندية العامة والمنتديات التي حاولت الخروج من الوصاية الرسمية، نحو إقامة نشاطات ثقافية تتسم بنوع من الاستقلالية عن طبيعة التوجيه الثقافي السائد خلال تلك الفترة.
الخليج
2007-07-09