سهام بوهلال (المغربية المقيمة في باريس) متعددة المواهب والانشغالات، فهي باحثة جامعية، في حوزتها شهادة دوكتوراه، وهي أيضا شاعرة، وفي جعبتها دواوين شعرية، وهي كذلك مترجمة وفي جعبتها نصوص وكتب مترجمة إلى اللغة الفرنسية.
وهي أكثر من هذا تشتغل في صمت (صمت العالم والمتصوف) وتفضل الانزواء بعيدا عن الأضواء التي لا تصنع بالضرورة كاتبا جيدا.
تفتتح الشاعرة والباحثة المغربية ديوانها الجديد 2008 بإهدائه إلى الباحث العربي الكبير جمال الدين بنشيخ وإلى زوجته كلودين، وكان الراحل أيضا شاعرا وروائيا، ولكن الإهمال طال أعماله، لأن الوفاء شيء غريب عن أمة العرب...
وتجدر الإشارة لمن يشاء فعل شيء في حق الراحل وأعماله الريادية وإشرافه على تخريج أكاديميين عرب مرموقين يدرسون في أكاديميات عربية مختلفة، أن ينتبهوا لروايته عن ثورة الزنج (وردة سوداء بلا عطر)، التي لا تزال تنتظر ترجمتها إلى لغة الضاد، في الوقت الذي تترجم فيه كتبا ونصوصا تثير الغثيان.
الشاعرة سهام بوهلال، وهي تكتب باللغة الفرنسية، كانت من بين طلبة الراحل، وكانت تربطها علاقات متميزة مع الأستاذ الذي أشرف على أطروحتها الرائدة عن المُوشّى لأبي الطيب البغداي le Livre de Brocart والتي صدرت عن دار النشر الفرنسية غاليمارGallimard سنة 2004 وهي بادرة هامة في تقديم كنوز الثقافة العربية إلى القارئ الفرنسي والغربي، الذي يجهل الكثير ويكتفي في الغالب بالاكتفاء بالكليشيهات المثيرة للضحك حينا والرثاء أحيانا.
ولمسة الشاعر والباحث بنشيخ تكمن في أن صاحب كتاب "الشعرية العربية" ومترجم ألف ليلة وليلة بالفرنسية، مع زميله الباحث والمستعرب الفرنسي الكبير أندري ميكيل، أراد بالفعل لطلبته والباحثة سهام بوهلال أن تشارك في هذا العمل الحضاري الكبير، وتقدم الكنوز العربية إلى جمهور غير عربي.
ولأن جمال الدين بنشيخ أيضا كان شاعرا كما قلنا، فقد أحس بميول طالبته سهام لكتابة الشعر وتذوقه، فكان أن فعل المستحيل "مارس ضغوطا لطيفة" حتى تطبع الشاعرة ديوانها الأول: "قصائد زرقاء"، وقد صدر بالفعل عن دار تارابوست، سنة 2005، وتحكي لنا الشاعرة أن الراحل جمال بنشيخ ضغط عليها كثيرا حتى تخرج إلى الجمهور والقراء مجموعتها التي كانت تريدها حميمية وشخصية.
كان دور الباحث جمال الدين بنشيخ قويا أيضا في طباعة الترجمة الفرنسية لكتاب "الموشى"، وكان يعتبر العمل هاما ويستحق أن يطبع، والذين تتلمذوا على يدي بنشيخ يعرفون جديته وقسوته، وهي صرامة كانت تبتغي تخريج جيل من الباحثين قادر على البحث العلمي الحقيقي.
واكتفى الباحث باعترافه بأهمية العمل، أي ترجمة كتاب "الموشى" إلى الفرنسية و"قاوم" بعناد إلحاح الباحثة التي كانت تتمنى تقديما للكتاب من قلم بنشيخ.
كانت فلسفة جمال الدين بنشيخ تتلخص في أن الكتاب الجيد يُقدّم نفسه بنفسه، وبالتالي فعلى القارئ أن يرى جهود الباحثة فقط ولا يلتفت إلى تشويشات من تقديم أيِّ كان.
ولكن الباحثة والشاعرة تقول: "انتقمتُ لنفسي، لاحقا، حيث أن الشاعر جمال الدين بنشيخ صدّر مجموعتي الشعرية الأولى".
تعود الشاعرة (وهي أيضا مترجمة شعر إلى الفرنسية، وفي جعبتها كتب من بينها ترجمة دواوين لطه عدنان وعدنان ياسين) إذا إلى قول الشعر، وها هي تصدر ديوانها الثالث، بعد صدور ديوانها الثاني "أحلام ليلة بربرية (أمازيغية)" عن دار المنار سنة 2007، والديوان الجديد يحمل عنوان "جسد ضوء"، وهو أيضا صادر عن دار المنار الفرنسية الباريسية.
كل من قرأ نصوص سهام بوهلال الشعرية السابقة يلاحظ الإصرار على كتابة اليومي والشخصي، بل والحميمي، وهذه المرة لم تشُذَّ عن السابق، ويكفي أن نقرأ النص الأول من الديوان حتى نكتشف المسحة الخفيفة من الحزن التي تطبع أجواء الديوان، وأجواء الشاعرة.
ستون كفناً
تغطي جسدي
ستون حمامةً
تحمل روحي
عينٌ
تبصرُ دفني.
(المقطع الأول)
ما هي
هذه الجمرة
النائمة
في
رملي
الرمادي؟
(المقطع الثاني)
وفي هذا المقطع الثاني عشر، تتحدث عن المنفى، فالشاعرة تقيم في باريس منذ فترة طويلة.
أجنحةُ المنفى،
تنتفض في داخلي
مثل حمامات
تسمو نحو اللانهائي
طيرانُها المُعاوِد
يُعذّب دمي.
وفي المقطع 23 نقرأ:
أزهرت أشجار اللوز
يمر الزمن
دون إعارتها انتباها
رجال يهزونها
كي يسرقون فاكهتها
نساء متقوسات
يجمعنها في سلالهن
من الخيزران.
وكما قلنا في السابق فإن الكتابة عند سهام ترتبط بالذاتي، إلى درجة تقترب من الاعتراف والبوح. تقول في المقطع 37:
إذا أردتَ أن تكتب قصائدي
اغمس ريشتك
في قلبي
لأن كلماتها
لا تعرف مدادك.
الديوان كله، عبارة عن مقاطع شفّافة حزينة ولكنها بالغة العذوبة... هل هو نوع من تناقض، لا نعتقد ذلك، خصوصا وأن زمن القصائد العصماء، القصائد الملتزمة أو السياسية قد ولّى، أو أن هذا النوع من الشِّعر أصبح يقترب من الحملات الانتخابية ليس إلا...
أصابعك
تلتقطُ
كل تُويجيّة
واحدة، واحدة،
كي تضع
على جسدي
وردة.
إننا بالفعل نخرج بعد قراءة هذه القصائد بمتعة وانتشاء لا نظير له.. أي متعة الشّعر الحقيقية، إذ لا يمكن للقارئ أن يتوقف عن القراءة حتى ينتهي من الكتاب، في فترة من تاريخنا ممتلئة دما ودموعا...
العرب أونلاين