بعد صمت سنواتٍ ثلاث عن إصدار الشعر، (أصدرت خلالها ترجمات عن الإنجليزية لثلاث روايات، وأنطولوجيا شعرية)، وبعد ديوانها الأخير "اسمي ليس صعبًا" دار "الدار" 2009، تستأنفُ الشاعرةُ المصرية فاطمة ناعوت مشوارها الشعريّ، عبر ديوانها السابع (صانع الفرح)، الذي صدر مؤخرًا، مع معرض القاهرة الدولي للكتاب 2012، عن دار "ميريت" للنشر والتوزيع بالقاهرة.
تواصلُ الشاعرةُ حواراتها مع الأمكنة بما تحمله من تواريخ وذكريات ودلالات، كما في قصائد: البحر الميت، بيتي طابور خامس، قرطبة، نوافذ الدار، المرسم، مطار مدريد، نصف سرير، المسرح المفتوح، خارج باب طفولتي، بحر الشمال، شارعنا القديم، شباك أمي، في بيتكم القديم. كما تحاور الأشياء والجوامد بوصفها شواهدَ على البشر والأحداث، كما في قصائد: ساعة الحائط، مذياع أمي، صندوق اللعب، عصفور، زهر أيلول، أرجوحة خشب، عروس الجيشا، مسامير. وفي قصائد أخرى تساجل الشاعرةُ الزمنَ وتشاكسه وتلاعبه لعبته كما في قصائد: نهاية النوتة، عند الصبح، التحولات، لقاء أخير، بالأمس، وردة بلاستيك، بعد الخامسة والخمسين بقليل، قبل أن أسقي النبات نهارًا، البجعة، يوم الساعات العشر، إوزتان. كما تتجلى تأملاتها الوجودية في الحياة والحب في قصائد أخرى كثيرة، مثل: الخلاسية، أنا ماء، حدثني الغصنُ فقال، شيء يشبه الملح، آدم، المهاجر، رغم أنف حبيبي، وثن، موت الوردة، من أجل هذا انهدم العرس، يوم موت غاندي، غلالة بيضاء شفيفة، أنت أخطائي، وغيرها من القصائد. تُهدي الشاعرةُ قصائدها إلى "كل الأشرار في العالم"، قائلة: "كونوا كالزهور صانعي فرح، ولا تكونوا كأبطال الحكايا، سارقي فرح."
من أجواء الديوان، قولها: "حين نُسلِّمُ الأرضَ إلي الله/ سيكون علينا أن نُعيدَ الكونَ سيرته الأولى:
نزرعُ الغاباتِ التي أحرقناها/ وننفخُ من أرواحِنا/ في الهياكل/ التي نزعنا الروحَ منها/ نُعيدُ للطير أمانَه/ وزقزقتَه التي تعلّمَ أن يُسكتَها/ كلمّا مررنا جوار شجرة/ نُعيدُ الصحراءَ/ صحراءَ/ والمروجَ فراديسَ/ وندرّبُ أنفسَنا/ أن نسيرَ فوق الرمال/ دون أن تدهسَ أقدامُنا الطولى/ أسرابَ النمل الطيبة/ سيكونُ علينا/ أن نفكِّكَ نهرَ قرطبةَ/ ثم نعيدُ الكاتدرائيةَ مسجدًا/ والمسجدَ/ كنيسةً رومانيةً/ سيقفُ ابنُ رشد بين الهيكل والمحراب ليقول:/ الحقُّ لا يضادُّ الحقَّ!/ ثم نقف أمام الله في صف طويل
لنشهدَ/ كيف نحن جعلنا الحقَّ/ يُضادُّ الحقّ."
يتألف الديوان من حوالي 65 قصيدة، ويقع في 166 صفحة. وتظهر على الغلاف لوحة لطفل وطفلة في ملابس شتوية ثقيلة مما تستخدم في السير على الجليد، لكن سيماء الفرح تتبدى على الطفلة التي ترفع ذراعيها نحو السماء، وإن اختفت ملامح الطفلين. ونعرف من ترويسة الكتاب ان لوحة الغلاف من رسم ابن الشاعرة "عمر"، المتوّحد.
يحتلُّ (صانع الفرح) الرقم 18 بين إصدارات ناعوت التي تتنوع بين الترجمات والنقد والشعر والمقالات. ويُذكر أنها قدمت مؤخرًا للمكتبة العربية "الوصمة البشرية"، الرواية الأشهر للأمريكي "فيليب روث" في ثوبها العربي.