كما كان حدثا لدى صدوره في العربية، فإن ديوان الشعر العربي الذي انتخبه أدونيس سيكون حدثاً ايضا لدى صدوره بالفرنسية، سيكون (Le Diwan de la poesie Arabe classique) من ترجمة حورية عبد الواجد وأدونيس وتقديم أدونيس أول عمل من نوعه بالفرنسية، الديوان صدر عن سلسلة غاليما المشهورة poesie وهي تقريباً بلياد الشعر في فرنسا، سيكون لدى القارئ الفرنسي أو العربي بالفرنسية حديقة وربما متحف حقيقي للشعر العربي القديم في حقباته الجاهلية والأموية والعباسية وما بعد العباسية، سيتذوق هذا القارئ أو سيجني جواهر أو لآلئ من شعر امرئ القيس وطرفة بن العبد وزهير بن ابي سلمى وأوس بن حجر والاعشى الكبير والخنساء وتميم ابن مقبل وابو ذؤيب الهذلي ابن ارطاء وهدية بن الخشرم وليلى الأخيلية وجميل بثينة وعبيد الله بن قيس الرقيات والأخطل ومسكين الدارمي ووضاح اليمن، وعمر بن ابي ربيعة وعدي بن الرقاع العاملي وكثير عزه والفرزدق وجرير والاعرجي ومزاحم العقيلي والوليد بن يزيد ويزيد بن الطرية وعروة بن الورد وأم حكيم وحماد عجرد وبشار بن برد والسيد الحميري وابو الشمقمق وأبو نواس والعباس بن الأحنف، ومسلم بن الوليد وابو العتاهية وابو تمام الطائي وعلي بن الجهم والحسين بن الضحاك وابن الرومي والبحتري وابن المعتز وابو بكر الصنوبري والمتنبي وابو فراس الحمداني وكشاجم والسري الرفاء وتميم بن المعز وبن لنكك والشريف الرضي وابن بابك ومهيار الديلمي وابو العلاء المعري وابن زيدون والطغرائي وابن الخياط وابن حمدس وابن خفاجه الأندلسي وصفي الدين الحلي. سيكون للقارئ بالفرنسية أن يتأمل تحفاً صغيرة لكن منتخبة بعناية ويتألق معظمها ويشع بشاعرية لماحة، أتيح للشعر الياباني والصيني القديمين أن يعرضا جمالاتهما الاخاذة ولن يكون حظ الشعر العربي القديم أقل ولا جماله أدنى. سيتاح للقارئ بالفرنسية أن يتأمل كنزاً شعرياً ضخماً وعريقاً وسيضعه في محله من التراث العالمي.
مثلما هي عادة أدونيس الذي لا يرضى بأن يعيد نشر مؤلف بدون أن يعيد النظر فيه، فإن ديوان الشعر العربي تعرض بالتأكيد الى إعادة نظر ومراجعة. لنقل إن الديوان الفرنسي هو منتخب المنتخب، فهنا انتقاء من بين المنتقى أصلاً. هكذا لا يفضل في الديوان الفرنسي سوى نوادر ودرر. وقد يكون الديوان الفرنسي مناسبة لتدخل أدونيسي من نوع آخر، فالأرجح أن التجربة والزمن دخلا في ذائقة أدونيس التي ازدادت صقلاً واختماراً. وإذا كان ديوان الشعر العربي قد حمل في منتخبه عين أدونيس ونظريته في الشعر، فإن الديوان الفرنسي يحمل ما أضاف العمر والاختيار الى هذه العين من حدة ورهافة. هكذا نجد شاعراً كأبي تمام طالما كان قطبا في النظرة الأدونيسية للتجديد الشعري يحظى بـ4 صفحات، وهو رقم ليس قليلاً في انطولوجيا شعرية شاملة، وقد يكون كبيراً بالنسبة للصفحتين اللتين أفردتا لبشار بن برد ومكانه في حركة التجديد ريادي وأساسي، لم ينل الشريف الرضي سوى صفحة، فيما لم يفرد أدونيس لمهيار الذي تقمص اسمه في مجموعته الشهيرة »أغاني مهيار الدمشقي« سوى صفحة وقليل من صفحة ثانية. أما الشاعران اللذان حظيا بحصة الأسد فهما المتنبي (12 صفحة) والمعري (10) صفحات. قد يكون هذا الانتخاب مراجعة نظرية للرؤية الأدونيسية يثقل فيها من حساب الفكر على حساب اللعب الفني، فينحاز الى المعري على حساب أبي تمام.
رغم كل هذه الزمرة الكبيرة من الشعراء يهمل أدونيس شعراء، لعله وجدهم هذه المرة غير أكفاء. لعل ضيق المجال اضطره الى إهمالهم. نراه يثبت أم حكيم من شعراء الخوارج ويهمل عمران بن حطان وقطري بن الفجاءة على سبيل المثال. أما الشاعر الذي لا نفهم كيف أهمله أدونيس المنحاز على نحو مبرر الى طرفة بن العبد (9 صفحات) فهو النابغة الذبياني وهو الشاعر الذي اعتبره طه حسين مع طرفة بن العبد الوحيدين الأصيلين في جاهليتهما.
لكنها رؤية أدونيس، رؤية شاعر كبير وقارئ كبير وعلاّمة في التراث، وإذا كان ديوان الشعر العربي لدى صدوره أثار ردوداً شتى من بينها ما ينكر على الشاعر اكتفاءه بالبيت والبيتين وبالصورة الواحدة من النص مما يذهب باستقلاله وتمامه ومما يجعل الشعر مستوى واحداً عاما بلا خصوصيات ولا اختلاف ولا أسماء. فإن الديوان الفرنسي لن يعاني من هذا النقد. الشعراء في معظمهم مغمورون بالنسبة للقارئ الفرنسي الذي لن يعير بالا للأسماء لكن سينشغل أكثر بتذوق الجمالات واللمحات بصرف النظر عن مؤلفيها.
السفير
15 ديسمبر 2008