أعلنت الأكاديمية السويدية، ظهر أمس عن فوز الكاتب الفرنسى باتريك موديانو، بجائزة نوبل للآداب لعام 2014. وباتريك موديانو، هو أهم كاتب فرنسى منذ بداية التسعينيات حتى الآن، وُلد عام 1945 ونشر روايته الأولى «ميدان النجم» وهو فى الثالثة والعشرين، وحصلت رواياته على أهم الجوائز الأدبية فى فرنسا وخارجها، منها الجائزة الأدبية الفرنسية، وجائزة المكتبات بفرنسا، وجائزة جونكور فى فرنسا، وجائزة الدولة النمساوية للأدب الأوربى عام 2012م، وجائزة روجينى نيمييه، ويتميز «موديانو» عن الروائيين الفرنسيين، بعلاقته الوطيدة مع باريس إذ يتخذ من فضاءاتها مسرحًا لأعماله كما أن له رواية عن المعارض المغربى «المهدى بن بركة» بعنوان عشب الليالى.
ونشر «موديانو» خلال السنوات الأربعين الماضية قرابة عشرين رواية منها «سيرك يمر، محلب الربيع، بعيداً عن النسيان، مجهولون، الجوهرة الصغيرة، حادث مرير، مسألة نسب، وفى مقهى الشباب» وغيرها من الروايات. وقد سبق وترجمت أربعة من روايته للعربية، فى مصر، إذ نشرت دار ميريت، طبعة عربية لرواية «مجهولات»، ونشرت روايات الهلال، روايته «شارع الحوانيت المعتمة»، ودار ضفاف أصدرت طبعة عربية من رواية «الأفق»، وصدرت طبعة أخرى مترجمة للعربية من رواية «مقهى الشباب الضائع» عن الدار العربية للعلوم.
وقدم «موديانو» فى رواية «مجهولات» ترجمة رنا حايك، ثلاث لوحات نسائية، لثلاث فتيات تائهات فى خضم هذا الواقع، يعانين الإهمال وصقيع الوحدة، والضياع فى غربة واسعة داخل النفس وخارجها، يمضين حياتهن فى «توهان»، وافتقاد لكل معنى الألفة، والائتلاف العاطفى الإنسانى، نساء متوحدات، متوحشات يعشن فى انغلاق نفسى بعيد عن أى تواصل، ويصعب اختراقهن وملامستهن والوصول إلى قرارهن، لا يعرفن معنى لوجودهن ولا معنى للوجود برمته، وليس لديهن أى تفسير، أو تساؤل لمعنى الحياة، وكيف يقتنصن العيش فيها، لا يعرفن ماذا يردن، وما هى غاياتهن منها.
وفى روايته «شارع الحوانيت المعتمة» ترجمة محمد عبد المنعم جلال، تتضح سمات أدب «موديانو» الذي سماه النقاد بالموديانية، فهو يبحث دائمًا عن الجذور فى أعماله، ويضع العديد من الأسماء الغريبة الكثيرة التى لا معنى لها. بطل العمل يدعى «تال» ويعانى من فقدان الذاكرة، وامرأته دينيز اختفت بعد أن فقدت ذاكرتها هى أيضا، ويبحث البطل عن نفسه من خلال السفر إلى عدة بلدان يتعرف فيها على أشخاص آخرين وتزداد أحداث الرواية اشتباكا بهم. وتنتهى الرواية عندما يصل البطل إلى روما ويعرف هويته الحقيقية لكن «موديانو» لا يبلغنا بهذا الاسم ولا بهويته كأن المؤلف قد أنهكته رحلة البحث مثلما فعل بطله.
أما روايتة الثالثة المترجمة للعربية، «الأفق»، والتى ترجمها، توفيق سخان، حرص فيها على تناول العديد من الموضوعات المؤثرة حيث كتب من وحى عذاباته الشخصية، إذ بدأت قصة بطل الرواية باحثًا عن وطن، وانتهى به المطاف باحثًا عن الحب، إلا أن الحب أجهض بفعل عوامل الزمن والحروب ومطاردة السلطان. وقدم «موديانو» فى «مقهى الشباب الضائع» ترجمة محمد المزذيوى، نموذجًا لهذه العلاقة بينه وبين المكان، وهنا تختط بالماضى صور عبر شخوص متنوعة وحكايات تنضح بالشجن الإنسانى، وانطلاقا من مقهى «كوندى» نسج رؤية تكونها التفاصيل والمشاهد المتقاطعة عبر ذلك المقهى، بسرد الذكريات وتقاطعاتها، فى محاولة من بعض الشخوص لفهم معنى «العـوْد الأبدى» كما تسعى هذه الرواية إلى أن تجعل من استبطان حب اللحظات الهنية، الحيوية، وسيلة لمقاومة المحـْو الذى يبذره الزمان فى الذكريات والأماكن والعواطف.
فاز الروائي الفرنسي باتريك موديانو، بجائزة نوبل للآداب لعام 2014، يوم أمس، محدثا صدمة لا سيما في الأوساط الأنغلوفونية، التي لا تعرف جيدا الأديب الفائز؛ حيث كان كثيرون يتطلعون إلى فوز أحد الأميركيَين؛ «فيليب روث» أو «توماس بينشون»، وأعلنت لجنة الجائزة، في استوكهولم، أن موديانو استحق الجائزة بفضل «تمكنه من فن الذاكرة وإنتاجه أعمالا تعالج المصائر البشرية العصية على الفهم، وكشف العوالم الخفية للاحتلال».
وقال بيتر إنجلند، الأمين العام للأكاديمية السويدية، الذي يبدو أنه لم يفلح في الاتصال تلفونيا بالكاتب لإبلاغه بخبر فوزه، بشكل شخصي، إن «موديانو «كتب روايات تعد أصداء إحداها للأخرى، تتكرر فيها مواضيع الهوية وفقدان الأمل»، وقال إنجلند للصحافيين: «يمكننا القول إنه مارسيل بروست عصرنا».
وجرى إبلاغ ناشر موديانو، في دار «نشر غاليمار» في باريس، بخبر الفوز، التي اتصلت بدورها بالكاتب لتأتي إجابته مختصرة ومتواضعة؛ إذ اكتفى بالقول: «هذا أمر غريب». وموديانو البالغ الـ69 من العمر، تدور غالبية أعماله حول حقبة الأربعينات من القرن الماضي، وأحداث الحرب العالمية الثانية بأبعادها الاجتماعية وتأثيراتها العبثية والفوضوية، وما تبعها من ضياع وجنوح وألم، ويعد أحد أهم الكتاب الذين سجلوا تفاصيل المعاناة الحياتية في فترة الاحتلال النازي لفرنسا، وربما أن هذا الكاتب الشغوف بتسجيل معاناة الناس في واحدة من أكثر الحروب التي عرفتها البشرية في العصر الحديث وحشية لا يأتي فوزه عبثيا في السنة التي يجري فيها الاحتفال بالذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى في كل أوروبا.
واستطاع باتريك موديانو أن يحصد أصوات لجنة جائزة نوبل للآداب التي سمعت الكثير من الأصوات، أمس، وهي تتحدث عن غموض مقاييسها، بعد أن تفوق على منافسيه: الكاتب الكيني نغوغي واثينغو، والكاتب الياباني هاروكي موراكامي، والمحققة الصحافية البيلاروسية المؤلفة سفيتلانا أليكسيفيتش، والشاعر أدونيس.
ويأتي هذا التتويج العالمي للأديب الفرنسي من جانب جائزة نوبل، هذه السنة، بعد 6 أعوام من فوز مواطنه جان ماري غوستاف لوكليزيو بها، وليسجل الفوز رقم 15 لبلاده بنوبل في مجال الأدب.
ولد باتريك موديانو في 30 يوليو (تموز) عام 1945 على مشارف نهاية الحرب العالمية الثانية وانتهاء الاحتلال النازي لفرنسا، وذلك في بولوني بيلانكور، في ضاحية غربي باريس، لوالدين حطا في البلاد، كل آت من وجهته، والده ألبير موديانو، إيطالي من أصول يهودية، سافر وارتحل تكرارا، وأمه ممثلة من أصول بلجيكية هي لويزا كولبن. لقاء ألبير ولويزا، وولادة ولديهما باتريك ورودي، لم تجعل حياتهما أكثر هدوءا واستقرارا. أب بقيت سيرته غامضة، وغيابه أكبر من حضوره، وأم في تجوال دائم بحثا عن فرصتها الفنية في العمل، وباتريك ما بين الجدة، والمربيات، وصديقات الوالدة، والمدارس الداخلية، نشأ مفتقدا العاطفة والحضن العائلي. وفاة أخيه رودي في العاشرة من عمره، كانت مفصلا عاطفيا قاسيا، ولقاءاته المتفرقة مع والده الذي عاش فترات من التخفي، زادته إحساسا بالغبن أكثر مما منحته الطمأنينة ليقرر أن يقطع علاقته كليا به وهو في الـ16 من العمر، ولا يعرف شيئا عنه بعد ذلك، سوى أنه توفي، دون أن يعلم بمكان دفنه.
من هذه السيرة المضطربة المجنونة، نهل أدب موديانو فيما يزيد على 30 كتابا، امتلأت مؤلفاته بقصص الباحثين عن أنفسهم وهوياتهم، اللاهثين وراء الأمكنة، والحب الضائع، واللحظات المفقودة، والأحبة الذين تاهوا ولم نعد نجدهم، من هذه الحياة العاصفة استوحى عشرات القصص الممتلئة بتفاصيل عمر شخصيات قلبتها الأحداث العصية، وعصفت بها الحروب والتنقلات المفاجئة، ووضعتها أمام تحديات جسام. بقي موديانو يبحث عن والده والحب الضائع الذي فقده، منذ كتاباته الأولى. في عمر الـ22 كانت له روايتان، وكانت الفاتحة مع «ساحة النجمة» عام 1968، ثم «دائرة الليل» عام 1969K وكرت سبحة الروايات، له: «شوارع الحزام»، و«المنزل الحزين»، و«شارع الحواديت المعتمة»، و«مستودع الذكريات»، و«أيام الأحد»، و«سيرك يمر»، و«بعيدا عن النسيان»، و«دورا بروريه»، و«مجهولون»، و«الجوهرة الصغيرة»، و«حادث مرير»، و«مقهى الشباب».
خصوصية هذا الأديب، الذي لم يستنفد رغم كل ما كتب، تكمن في تلك المرحلة المفصلية من حياة فرنسا؛ حيث أحداثه وأبطاله يتحركون في باريس، العاصمة الفرنسية، شوارعها، وحاناتها، وحدائقها، ومواصلاتها، هي الأماكن الأثيرة التي يدور في حلقتها.
لا شيء يعلو على صوت الذاكرة عند باتريك موديانو، فهي المحبرة، وهي قطع البزل التي يلتقطها ليجمع حكاياته، ويخرج قصصا أخرى تتفرع ومواضيع تتشعب، «أجمل ما في الكتابة هي اللحظات التي تسبقها»؛ يقول موديانو، الأديب الذي تغوص كتاباته في التاريخ والسوسيولوجيا والتحليل النفسي.
هو أيضا ذلك التحري الذي يذهب باحثا عن التفاصيل في مواقعها الحقيقية، وعند أبطالها الفعليين، إنه ذلك الباحث عن المعنى في خضم الفوضى، ثمة حس بوليسي في رواياته، رغم أنه لم يكتب القصة البوليسية الصرفة، «ما منعني من ذلك رغم حبي له (يقول موديانو) هو أنني أرغب في أن أترك في روايتي فسحة للحلم وللسرد السيال، لكن من يتابع أعمالي، يرى مواضيع تتناولها الرواية البوليسية، مثل: الاختفاء، عطب الذاكرة، الماضي الملغز». ويتضح أكثر هذا العشق لملاحقة التفاصيل الغامضة، وجريه وراء القبض على حياة لم يعشها حين يقول: «طفولتي كانت جزءا من رواية بوليسية».
يعاود موديانو بعد كتابة نصه قراءته تكرارا، ويستعمل وهو يصف هذا الفعل عبارة لا تخلو من دلالة عن طريقته في التعامل مع رواياته، فهو لا يقول: إنه «ينقح نصه» أو «يحذف» أو «يعدل»، وإنما يقول: «أقوم بعمليات جراحية في جسد النص».
كتب موديانو للأطفال وسيناريوهات للأفلام، وكان أحد أعضاء لجنة تحكيم «مهرجان كان» السينمائي عام 2000، وأتى تتويجه من لجنة نوبل بعد 11 جائزة سبقتها، لعل أهمها: «جائزة غونكور» عام 1978، و«الجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية» عام 1972، و«الجائزة الأدبية للأمير بيار في موناكو» 1984، و«جائزة المكتبات» في فرنسا عام 1976، و«جائزة الدولة النمساوية للأدب الأوروبي» عام 2011، و«جائزة مارغريت دوراس» عام 2011، وكذلك جائزة روجيه نيمييه عن روايته الأولى «ساحة النجمة» عند صدورها.
وهكذا تعود الجائزة هذه السنة إلى القارة الأوروبية بعد أن حصدتها العام الماضي الكاتبة الكندية آليس مونرو. وقد احتفى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بالخبر، مهنئا باتريك موديانو بالقول: «إنه سخر مؤلفاته لاكتشاف التباسات الذاكرة وتعقيدات الهوية».
وقال رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس: «إنه من دون أدنى شك أحد أعظم المؤلفين في السنوات الأخيرة وأوائل القرن الواحد والعشرين. هذه الجائزة استحقها عن جدارة كاتب يتحلى بالحصافة مثل أعماله الرائعة».
لموديانو 4 روايات مترجمة إلى العربية: «مجهولات» ترجمة رنا حايك، (دار ميريت)، و«شارع الحوانيت» ترجمة محمد عبد المنعم جلال، نشرتها (الهلال)، ورواية «الأفق» ترجمة توفيق سخان، وصدرت عن (ضفاف واختلاف)، و«مقهى الشباب الضائع» ترجمها الزميل محمد المزديوي، وصدرت عن «الدار العربية للعلوم».
هنأ الرئيس فرنسوا هولاند مواطنه باتريك موديانو بمناسبة فوزه، أمس، بجائزة «نوبل» في الآداب، واصفا أعماله بأنها تستكشف دقة الذاكرة. وعندما اتصل بالكاتب ناشره أنطوان غاليمار ليزف إليه النبأ، رد موديانو بأنه سعيد جدا، لكنه عدّ الأمر «غريبا».
غاليمار، سليل دار النشر الباريسية العريقة ومديرها العام، قال إنه اتصل بموديانو لتهنئته، وقد رد بالتواضع المعهود عنه، بأنه يستغرب حصوله على الجائزة. وأضاف غاليمار أن المفاجأة كانت عميقة، وأن دار النشر تعيش يوما مدهشا.
ومنحت الأكاديمية السويدية، أمس (الخميس)، جائزتها الأرفع من نوعها إلى موديانو، ليكون الفرنسي الـ15 الذي ينال هذا التكريم. وقالت الأكاديمية في بيانها إن موديانو كرم بفضل «فن الذاكرة الذي عالج من خلاله المصائر الإنسانية الأكثر استعصاء على الفهم». وأضاف السكرتير الدائم للأكاديمية بيتر أنغلوند للتلفزيون الحكومي السويدي أن عالم باتريك موديانو «عالم رائع، وكتبه تتحاور فيما بينها». كما ينظر إلى أعماله على أنها ساحة ثابتة للأحداث، لا يقع فيها أي تفصيل من باب المصادفة.
ويبلغ الكاتب الفرنسي الحائز على نوبل في الآداب للعام الحالي، 69 عاما. وتدور أعماله الأدبية حول باريس خلال الحرب العالمية الثانية، مع وصف لتداعياتها المأسوية على مصائر الأشخاص العاديين. كما يمتاز أسلوبه بالوضوح والبساطة، الأمر الذي جعل منه أديبا تصل كتبه إلى عامة الناس، وفي الوقت ذاته تنال القبول في الأوساط الأدبية.
وقال أنغلوند إن «كتب موديانو تتحدث كثيرا عن البحث؛ البحث عن الأشخاص المفقودين والهاربين، وأولئك الذين يختفون، وأولئك المحرومين من أوراق ثبوتية، وأصحاب الهويات المسروقة، وأبطال رواياته يكبرون بين عالمين، بين الظلام والنور، وبين الحياة في المجتمع والمصير الذي يحلمون به». وأضاف أن نصوصه ترسم صورا حية لباريس بدقة تحاكي الأعمال الوثائقية.
وقد نشر روايته الأولى سنة 1967، عندما كان في الـ22 من العمر، تحت عنوان «ساحة النجمة». وفي سنة 1972، نال جائزة الرواية الكبرى من الأكاديمية الفرنسية عن روايته «جادات الحزام»، وجائزة غونكور سنة 1978 عن «شارع المتاجر المعتمة»، فضلا عن الجائزة الوطنية الكبرى لمجمل أعماله سنة 1996. وله سيناريوهات كثيرة، ومحاولة أدبية مع الممثلة كاترين دونوف عن شقيقتها التي ماتت في سن مبكرة، وكلمات لأغانٍ فرنسية. وفي عام 2000 كان ضمن لجنة تحكيم مهرجان «كان» السينمائي. وقد تُرجمت رواياته إلى 36 لغة.
‹›
ترحيب فرنسي وألماني وهولندي بنيل باموق جائزة نوبل للآداب هل تمنح نوبل للآداب إلى كاتب غير روائي أو شاعر؟ ادونيس يبرز مجددا في زوبعة التكهنات حول جائزة نوبل للآداب منح جائزة نوبل للآداب للبريطانية دوريس ليسينغ عن معظم... دوريس ليسينغ لن تتسلم جائزة نوبل للآداب في ستوكهولم لأسباب... حائز نوبل للآداب هارولد بينتر لن يتوجه الى ستوكهولم لتسلم... الأوساط الثقافية ترشح أدباء من مختلف بقاع الأرض لجائزة نوبل... بينتر يشعر انه منح جائزة نوبل للآداب 2005 بسبب معارضته... في 2012.. جائزة نوبل للآداب تحط رحالها في الصين ورحيل... "جائزة نوبل للآداب": نالها ماركيز ووجه النقد اللاذع لسجلها... النرويجيون يرشحون بونو للفوز بجائزة نوبل للسلام فلسطينية تفوز بجائزة نوبل لرعاية الأطفال المعاقين دوريس ليسينج: الفوز بجائزة نوبل كارثة فادحة التركي أورهان باموك يفوز بنوبل للآداب باحثا عن الروح... أهتيساري الفائز بجائزة نوبل: من كوسوفو الى فلسطين صحافية أبلغت دوريس ليسينج بنبأ فوزها بجائزة نوبل ارنست همنجواي فاز بجائزة نوبل بفضل رواية (العجوز والبحر) إسماعيل كاداريه يفوز بالجائزة الإسبانية "أمير أستورياس... ستوكهولم - فاز الروائي الفرنسي باتريك موديانو بجائزة نوبل للآداب التي منحتها الأكاديمية السويدية أمس الخميس ليكون الفرنسي الخامس عشر الذي يكرم بهذه الجائزة.
وقالت الاكاديمية السويدية في بيان إن موديانو كرم بفضل "فن الذاكرة الذي عالج من خلاله المصائر الانسانية الأكثر عصيانا على الفهم".
وقال السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية بيتر انغلوند للتلفزيون الحكومي السويدي ان عالم باتريك موديانو "عالم رائع، وكتبه تتحاور في ما بينها".
وينظر إلى أعماله على أنها ساحة ثابتة للأحداث، لا يقع فيها أي تفصيل من باب المصادفة.
ويبلغ الكاتب الفرنسي المكرم 69 عاما، وهو ركز نتاجه الأدبي على مدينة باريس خلال الحرب العالمية الثانية، مع وصف لتداعيات أحداث مأساوية على مصائر أشخاص عاديين. ويمتاز أسلوبه بالوضوح والبساطة، وقد جعل ذلك منه أديبا في متناول الجمهور العام كما في الأوساط الأدبية.
وقال انغلوند ان "كتبه تتحدث كثيرا عن البحث، البحث عن الاشخاص المفقودين والهاربين، واولئك الذين يختفون، واولئك المحرومين من اوراق ثبوتية، واصحاب الهويات المسروقة". فأبطال روايات موديانو هم غالبا من الاشخاص الباحثين عن هوياتهم، يكبرون بين عالمين، بين الظلام والنور، وبين الحياة في المجتمع والمصير الذي يحلمون به.
وترسم نصوصه صورا حية لباريس بدقة تحاكي الاعمال الوثائقية.
وهو نشر روايته الأولى سنة 1967 عندما كان في الثانية والعشرين من العمر تحت عنوان "لا بلاس دو ليتوال" (ساحة النجمة). وفي سنة 1972 نال جائزة الرواية الكبرى من الأكاديمية الفرنسية عن روايته "لي بوليفار دو سانتور" (جادات الحزام) وجائزة غونكور سنة 1978 عن "رو دي بوتيك أوبسكور" (شارع المتاجر المعتمة)، فضلا عن الجائزة الوطنية الكبرى لمجمل أعماله سنة 1996.
وكتب سيناريوهات عدة، ومحاولة ادبية مع الممثلة كاترين دونوف عن شقيقتها التي ماتت في سن مبكرة، وكلمات لأغان فرنسية عدة.
وفي العام 2000 كان ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائي.
وترجمت روايات باتريك موديانو إلى 36 لغة.
وبالحصول على الجائزة، يخلف موديانو الروائية الكندية الكاتبة باللغة الانجليزية اليس مونرو التي حازت على الجائزة نفسها العام 2013.
وكان آخر فرنسي يفوز بالجائزة قبل موديانو هو جان ماري لو كليزيو، وهو فاز بها في العام 2008.
وعلى مدى تاريخ منح الجائزة، كرم 27 أديبا باللغة الانجليزية في مقابل 14 اديبا باللغة الفرنسية ومثلهم باللغة الالمانية.
وكان اسم باتريك موديانو متداولا في الاوساط الثقافية العالمية منذ سنوات كمرشح لنيل نوبل. ومن المقرر ان يستلم الجائزة في حفل يقام في ستوكهولم في العاشر من كانون الاول (ديسمبر).
ويقدم مبلغ قدره ثمانية ملايين كرونة (حوالي 878 ألف يورو) للفائز بهذه الجائزة. وكشف بيتر إنغلوند لمحطة التلفزيون الرسمية في السويد "اس في تي" أنه تعذر الاتصال بصاحب اللقب قبل الإعلان عن فوزه بالجائزة.
وخلال السنوات الخمس عشرة الاخيرة فاز بجائزة نوبل للاداب التي منحتها الاكاديمية السويدية امس للروائي الفرنسي باتريك موديانو؛ باتريك موديانو (فرنسا) في العام 2014، واليس مونرو (كندا) 2013، ومويان (الصين) في العام 2012، وتوماس ترانسترومر (السويد) في العام 2011، وماريو فارغاس يوسا (البيرو) في العام 2010، وهيرتا مولر (المانيا)، 2009، وجان ماري غوستاف لو كليزيو (فرنسا) العام 2008، ودوريس ليسينغ (بريطانيا) في العام 2007، واورهان باموك (تركيا) العام 2006، وهارولد بنتر (بريطانيا) 2005، الفريدي يلينيك (النمسا) 2004، وجون ماكسويل كوتزي (جنوب افريقيا)2003، وايمري كرتيس (المجر) 2002، في.اس. نايبول (بريطانيا)2001، وغاو سينجيان (فرنسا) العام 2000.
أيام قليلة فَصَلَت بين ولادة أحدث نصوص باتريك موديانو، وهو الرقم الثامن بعد العشرين في رصيده، وبين الإعلان ان صاحبه قنَصَ "نوبل" الآداب 2014، بقرار من الأكاديمية الأسوجية. أيام يسيرة في المعيار الكرونولوجي، تكفّلت تكريس نسق من التمارين الأدبية التي دفعت بنا قراءً، إلى استدعاء الأنا الصغيرة والأخرى الكبيرة. نصوص صارت من طريقها الأنا هي النحن أيضا، في وسط أطياف تائهة، وفي كنف حياة تراءى أنها لا تخصّ أصحابها حتى.
فرَغ الفرنسي باتريك موديانو للتو من إصدار نص يسأل عما يبقى في المحصلة من الحياة الفردية سمّاه "لكي لا تضيع في الحي"، وحيث يستبقي التفاصيل المادية التي تختصر المعيش ولا تعنيه. وها إنه يؤكّد لنا مجددا عبر فوز جرى إعلانه إعلاميا قبل إعلانه الرسمي، أن ليس هناك أبهى من أن يحارب المرءُ النسيانَ بترياق الكتابة، وأن لا وجود لطموح أرفع من أن يتمّ البحث في وهم التدوين التأليفي، عن الشفاء من حالنا الوجودية.
جمال سردي خالص
في مؤلّف موديانو الحديث أحد عشر فصلا من الجمال السرديّ الخالص، من دماثة إنسانية رفيعة تطفو كأنها رغوة بحريّة. والحال ان الكاتب مهّد لنصه الوليد مُستبقيا ستندال فاستعار منه كلاما أتى كخلاصة لتجربته الآتية. في استمهال موديانو مواطنه الكاتب ستندال في قوله "لا يسعني أن أمنح الواقع للحوادث، ذلك اني لا أقدَِمُ سوى طيفها"، إجهار واضح بالإنتماء إلى السلالة الفكرية عينها. بل إن إختفاء موديانو خلف عباءة ستندال جعله يتقرّب عفويا من القامات الأدبية الرفيعة، وجعله يُبرهن انه وعلى شاكلة مواطنه، راغب في صوغ التاريخ، عبر التسلّل من كوة الأدب.
في المطبوعات الفرنسية المُتخصصة شاع استخدام صفة "موديانيسك" بالفرنسية المستقاة من شهرة موديانو، للدلالة على نمطه التأليفي الخاص، وها هو في "لكي ان لا تضيع في الحي"، يجيء بالدليل على أسلوب يقترض شيئا من السحر والإنسيابية إلى جانب قدرة غير مكرورة على الإفصاح عن الطارىء والملحّ والخطير والداهم على نحو يستدعي البساطة الخداعة
إحتلال داهم
وإذا كان نصه الأخير يبدأ من الهباء تقريبا، من لسعة حشرة تتراءى تافهة على ما يكتب، لا تلبث الأمور أن تصير أشدّ وطأة، تماما مثل تلك الأسرار العائلية التي تخصّ موديانو وحده وباتت بفضل معجزة الكتابة وعلى مرّ العناوين، تخصّ القراء جميعا. هناك عند موديانو، وإلى الحديث الشخصي، واقع الاحتلال الداهم، ولا شكّ في أن الكاتب وحده يعرف كيف يمزج بين الأقصوصة الذاتية وتلك العامة، فتصير الأولى دعوة للثانية والثانية دعوة للأولى أيضا. ألم يكتب موديانو "في كل مرة أنجزتُ هذه اللائحة واستدعيت الجميع في هذه الثكنة الفارغة، لا يلبث رأسي أن دار وضاقت أنفاسي. ناس غريبو الأطوار. حقبة غريبة الأطوار أيضا هائمة بين الكَلبِ والذئب. يلتقي والديّ في هذه الآونة بين هؤلاء الناس الذين يشبهوهم. فراشتان ضائعتان وفاقدتان للوعي في وسط مدينة محرومة من النظرة"؟
في حكايته الأدبية يغدو دور البنوة أساسيا بل السبيل الأنجع من أجل التطرق إلى الذاكرة الجماعية، في موازاة الإرتقاء بالإحتلال النازي لفرنسا ليصير ثيمة الثيمات، كما في رواياته الثلاث الأولى "ساحة النجمة" (1968) و"جولة المساء" (1969) و"الطرق السريعة" (1972). فأين نبحث إذا عن جذر الأدب عند موديانو؟ الأصحّ أن نقول ان تجربته تستند إلى روايات كثيرة هي واحدة على السواء، تحوم بين زوايا صورة الوالد ناهيك بمحله في التاريخ.
في النصوص إذا برهان على تمزّق تاريخي أصابت سليلي الحرب العالمية الثانية، أكانوا من المولودين خلالها أو من المولودين في أعقابها. وموديانو أحدهم. ذلك انه إبن جيل الأربعينات من القرن العشرين وهو بادر إلى الكتابة في موازاة الإحتجاجات الطالبية الفرنسية في 1968، لينال بعد عقد امتياز "غونكور" بفضل "شارع المتاجر المعتمة". نص تتحرك في نواته شخصيّة بإسم غي رولان، رجل مصاب بفقد الذاكرة. أما "الطُرق السريعة" حيث راوٍ يبحث عن والده أيضا وأيضا، وحيث إقترض أساليب الروايات البوليسية ليمنح السرد نبرة التحقيق، فأتته بجائزة "الأكاديمية الفرنسية الكبرى" في حين وضَعَتنا إزاء ما يمكن أن نسمّيه "جدول أعمال الحياة".
بروست هذا العصر
حين نال الفرنسي جان ماري غوستاف لوكليزيو جائزة "نوبل الآداب" في 2007 ساد الظنّ ان إسم موديانو سقط تلقائيّا من السباق إلى الإمتياز الأرفع. كذّبت "الأكاديمية" التكهنات ومنحت صوتها لحامل نص محبوك تتخلّله الصور الرقيقة. وصفَتهُ اللجنة المُكرِّمة بـ "بروست عصرنا" من حيث انتمائه إلى فن الذاكرة، علما انه كتب أيضا للسينما كمِثل سيناريو أنجزه بالإشتراك مع المخرج لوي مال حيث مراهق في فرنسا، في 1944، تستحوذ عليه فكرة البطولة ولا يلبث أن يغرق في رمال التعامل مع العدو.
جعل موديانو باريس الأسطورية مطرحَ نصه التخييلي "مقهى الشباب الضائع"، فقام بإعداد المائدة لضيوف غائبين. كتبَ "اليوم أيضا يصلُ إلى مسامعي في الليل صوت يناديني بإسمي. صوت أجش. صوت يتلكأ قليلا في لفظ بعض الحروف غير اني أتعرف إليه مباشرة: انه صوت لوكي. أستدير غير اني لا أرى أحدا".
لا يفارق هاجس الهوية موديانو تأليفيا، بينما بنى سيرته الأدبية على ثلاث كذبات: الإسم أولا وهو جان وليس باتريك ومكان الولادة ثانيا وهو بولون بيانكور وليس باريس، وعام الولادة ثالثا وهو 1945 وليس 1947. عمَد الكاتب إلى تزوير المُستندات الشخصية ليتسنّى له التنزه ليلا في باريس من دون أن تتعرض له الشرطة. هكذا هي أحلام الكُتّاب: بسيطة وهامشية وساذجة قليلا، أو ربما قلنا كثيرا.
المصدر: "النهار"