اجتمعت، في الرباط، لجنة تحكيم جائزة الأركانة العالميّة للشعر، التي يَمنحُها سنويّاً بيت الشعر في المغرب، بشراكة مع مؤسّسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير وبتعاوُن مع وزارة الثقافة. تكوّنت اللجنة من الشاعر رشيد المومني (رئيساً)، والإخوة: الناقد عبد الرحمن طنكول، الشاعر حسن نجمي، الشاعر نجيب خداري، الشاعر محمد بودويك، الناقد خالد بلقاسم، والشاعر محمد أهروبا.
وقد آلت جائزة الأركانة العالميّة للشعر للعام 2015، في دورتها العاشرة، إلى الشاعر الألماني فولكر براون Volker Braun الذي ظلّ وفياً على مدى نصف قرن لجوهر الشعر، بكتابةِ قصيدةٍ مُتفاعلة مع زَمنها، مُنتصرَة للأمل، تبثّ شعاعه، بحثاً عن التوازن داخل عالم مُهتزّ.
يكتبُ الشاعر فولكر براون قصيدةً تنعتِقُ من أشكال التقليد من دون أن تتنكّرَ لروح التراث الشعريّ أو تنجرّ وراء حداثة مبتورة.
فولكر براون يتأمّلُ قضايا الإنسان والمجتمع والعالم، انطلاقاً مِنْ رُؤية شعريّة وفلسفيّة ثاقبة تتجدّدُ باستمرار. وهو ما أمّن له الإسهام في إثراء الشعر الألمانيّ والأوربيّ والإنسانيّ بتجربة عميقة تجمعُ بين حيويّة الوعي النقديّ ورهافة الحسّ الشعريّ، الذي يغتذي لديه بخبرةٍ أدبيّة مكينة، أهّلتْه للكتابة في أكثر من جنس أدبيّ.
وُلد فولكر براون في السابع من مايو 1939 في دْريسْدَن، ماتَ والدُهُ في الأيام الأخيرة من الحرب العالميّة الثانية، فعاشَ طفولة يَتيمة إلى جانب إخوته الأربعة ووالدته في مدينة دمّرَتها قواتُ التحالف.
درسَ الفلسفة في جامعة كارل ماركس في لايْبْتْسيغْ بين 1960 و1964، وانتقل بعد تخرّجه في عام 1965 إلى برلين الشرقية، وفي نفس العام صدرَ له ديوانه الأوّل "استفزاز لي"، وعمل بدعوة من هيلينه فايْغِلْ، زوجة برتولْدْ بريشت، في مسرح "برلينرْ أونْسومبلْ"، أحدِ أكثر المسارح شهرةً في برلين، ثمّ عملَ لاحقاً، بين 1972 و1977، في مسرح "دويْتْشسْ" تياترْ" قبْل أن يعود إلى "برلينرْ أونْسومبلْ" حيث عملَ كاتباً مسرحيّاً بين 1977 و1990.
أعمال فولكر براون الشعريّة والمسرحيّة والنثريّة، التي صدَرت قبْل وحدةِ الألمانيتيْن، كانت تعكسُ وعياً ثقافيّاً وسياسيّاً عميقاً، غير أنّها كانت تُثيرُ، في الوقت نفسه، حفيظة الشيوعيّين وأصحاب القرار السياسيّ في ألمانيا الشرقيّة؛ لأنّها كانت تنتقدُ الاشتراكية الواقعيّة وتناقضات الدولة، وتدعو إلى الإصلاح ومُراجعة الذات، وترفضُ الإذعان لواقعٍ سياسيّ هشّ تُمْليه أجهزةُ الدولة المُستبدّة.
لمْ يكن فولكر براون يُدافعُ عن آرائه ومواقفه، وهو يتوارَى عن الواقع، وإنّما كان مُثقفاً فاعلاً يُؤمنُ بقوّة الإبداع والاختلاف في مُجابهةِ اليأس وغواية الأفكار الجاهزة، فانضمّ إلى نادي القلم الدولي PEN في عام 1970، وإلى رئاسة اتّحاد الكُتّاب في عام 1983، وإلى أكاديمية الفنون في عام 1983.
حازَ فولكر براون قبل سقوط جدار برلين جوائزَ كثيرة؛ منها "جائزة هاينريش هايْنه" في عام 1971، و"جائزة هاينريشْ مانْ" في عام 1980، و"الجائزة الوطنيّة" في عام 1988، وهي أعلى جائزة تمنحُها ألمانيا الشرقيّة، على الرغم من أنّه كان مُراقَباً من جهاز مُخابَراتها.
لقيت أعمال فولكر براون، التي صدَرت بَعد الوحدة الألمانية في عام 1990 وتُرجمت إلى لغاتٍ عديدة، ترحيباً كبيراً من القرّاء والنقاد، فحازَ "جائزة ذاكرة شيللر" في عام 1992، و"جائزة النقد" في عام 1996 قبْل أن تُتوِّجَهُ الأكاديمية الألمانيّة للّغة والشعر في عام 2000 ب "جائزة بوشنر"، وهي أهمّ جائزة أدبيّة في ألمانيا على الإطلاق.