الدار البيضاء (المغرب) - رفع الشاعر المغربي عبداللطيف اللعبي التحدّي في وجه عالم اليوم وإكراهاته، مقتنعا بأنه “لا يمكن لنا أن نقبل بهزيمة الفكر”، ولا أن نتخلى عن الحلم، أو أن نقبل بالاستسلام. كما دعا الكاتب والمناضل المغربي المبدعين والمفكرين العرب إلى خوض غمار التحدّي والمواجهة، من خلال الانتظام في حركية جديدة ودينامية قوية، بدلا من الاستسلام والهروب إلى الأمام. هذا، ولا يزال صاحب “مجنون الأمل” مصرّا على الحلم، متشبثا بالأمل، ذلك لأن التشاؤم غير مجد في ملة واعتقاد شاعر العناد والحلم عبداللطيف اللعبي.
شكل الشاعر المغربي عبداللطيف اللعبي على الدوام “ركنا أصيلا من ضميرنا الجماعي، وجزءا عميقا من ذاكرتنا الإبداعية الجميلة”، هكذا قدم الناقد المغربي شرف الدين ماجدولين عبداللطيف اللعبي، ضمن فقرة “ساعة مع كاتب”، في حلقتها الأولى، ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بمدينة الدار البيضاء المغربية، وهي الفقرة التي تستدعي شاعرا مغربيا آخر هو إدريس الملياني، ويختمها الشاعر السوري نوري الجراح في اليوم الأخير من المعرض، عشية الأحد المقبل، في قاعة حيفا، بفضاء المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء.
أحلام عنيدة
شرف الدين ماجدولين انطلق من حيث انتهينا، في أيامنا الراهنة، وهو يحاور الشاعر المغربي عبداللطيف اللعبي، متسائلا، بعد الذي جرى مؤخرا، وتحديدا في فرنسا، حيث يقيم اللعبي، عما إذا كان المجهود الذي بناه اللعبي والمثقفون الآخرون المقيمون في فرنسا، وفي أوروبا عموما، والقادمون من العالم العربي ومن أفريقيا والجنوب، سيذهب سدى، وأن الصورة التي بناها مثقفونا عنا نحن العرب والجنوبيين في الشمال قد أصبحت عرضة للانهيار، وأن قدرنا أن نبدأ من جديد، مرة أخرى؟
اللعبي صاحب “الغونكور”، وهي واحدة من أرقى الجوائز الأدبية في فرنسا، يقر أننا “نعيش، بالفعل، وضعية صعبة نحن بني البشر
يواجه اللعبي سؤال محاوره بسؤال في المقابل، مقتنعا بأن الصورة إذا كانت ستنهار في أعين المتتبع السطحي أو غيره، فهل ستنهار في أعين المثقفين والمبدعين؟ بالنسبة إلى اللعبي، يشدّد الكاتب على أنه لا يمكن أن يكون متفائلا في هذا الصدد تفاؤلا مطلقا ومنقطع النظير، غير أن التشاؤم لا جدوى منه إطلاقا.
ويقرّ اللعبي صاحب “الغونكور”، وهي واحدة من أرقى الجوائز الأدبية في فرنسا، أننا “نعيش، بالفعل، وضعية صعبة نحن بني البشر”، ذلك لأن هذه الوضعية لا تعني المغاربة أو العرب وحدهم، في رأيه، بقدر ما تعني كل الإنسانية. ونحن نعيش “وضعية عصيبة لها تأثير كبير على مخيلتنا وواقعنا”.
وسؤال اللعبي، هذه المرة، عن كيف سنواجه هذا الخطر المحدق بنا، وهل يمكن لنا أن نقبل بما تريد أن تفرضه علينا بعض الجهات من عنف ودمار وهمجية، أم أنه يفرض علينا تعبئة من طراز جديد، تعبئة “لا يمكن إلا أن تكون فكرية”، أو ما يسميها اللعبي “انتفاضة الوعي”، وانتفاضة الفكر، حيث “لا يجب أن نقبل بهزيمة الفكر أبدا، بل علينا أن نواصل التحدّي والمواجهة من خلال استراتيجيات وخيارات واجتهادات وإبداعات فكرية جديدة”.
وهل لا يزال اللعبي مصرّا على واحدة من خلاصاته الأثيرة في قراءة الواقع العربي الراهن، والتي يردّد فيها بأن “الربيع العربي لم يقل كلمته بعد”، أم أن أحلام التغيير قد تحوّلت إلى كوابيس للاستبداد من جديد؟ يسأل شرف الدين ماجدولين، مضيفا، وهو يخاطب اللعبي عمّا إذا كان لا يزال متفائلا؟ نعم، هو اللعبي كذلك، لا يزال يقبض على جمرة الأمل، يقينا منه أن التشاؤم غير مجد في ملته ولا في اعتقاده، متسائلا هذه المرة عما سنجنيه إذا كنا متشائمين، ذلك لأن “التشاؤم عديم الجدوى ولا ينفع في شيء على الإطلاق”.
والجواب عند اللعبي أنه “لا بدّ أن يظل الإنسان واقفا صامدا، مسلحا بأحلام عنيدة”، على حدّ استعارته، ذلك لأن الأحلام إنما ارتبطت بالإنسان على الدوام، من حلم الحرية إلى حلم العدالة والمساواة إلى حلم الكرامة.
الشاعر والمناضل المغربي يستحضر الكثير من الضربات التي تلقاها في مساره النضالي الزاخر، موضحا أنه لو توقف عندها وقرر الاستسلام، لكان لذلك انعكاس سلبي على الآخرين
ولا يمكن قتل هذه الأحلام فينا، لأنها هي التي تضمن إنسانيتنا واستمراريتها فينا. من هنا، يصرّ اللعبي على أنه “لا يمكن للمثقف أن يترك الحلم الإنساني معرضا للموت”، ولسان حاله يردّد بأنه “لا يمكن أن أغادر خندق الحلم. بل إن واجبي كشاعر ومثقف هو أن لا أتنازل عن الحلم مهما كانت الضربات قوية وموجعة”.
آفاق جديدة
عن المبادرات التي ما فتئ اللعبي يطلقها في الوسط الثقافي المغربي، ومن بينها نداءاته الشهيرة، لعل آخرها نداء “من أجل ميثاق وطني للثقافة”، والذي عمّمه على المثقفين المغاربة، وعن ضعف استجابة والتفاتة المثقفين لنداء الثقافة، يؤكد اللعبي أننا بتنا نفتقد إلى ذلك “الحس الجماعي”، وهو يعيب على المثقفين والمبدعين دخولهم في “عزلة قاتلة”، على حدّ وصفه، حيث ينفرد كل واحد بنفسه، ليشتغل بمفرده، بمعزل عن الآخرين. ويرى اللعبي أنه ربما كان محظوظا هو وجيله لأنهم عاشوا الثقافة والإبداع “على إيقاع التحرك الجماعي”.
واليوم، لم تعد هنالك مثل هذه الحركات الثقافية والفنية، مع أن “الحركات الجماعية هي التي تضمن التحوّل والتغيير والتجدّد بالنسبة إلى الثقافات والحضارات”، ذلك لأن “التحرّك الجماعي” في نظر اللعبي، هو القادر على “مساءلة الإنتاج الثقافي والقيم الجمالية السائدة”.
ومع أن كثيرا من المثقفين والمتتبعين والمراقبين المغاربة قد انشغلوا بالنداء الذي أطلقه اللعبي من أجل ميثاق وطني للثقافة، قبل سنوات، بينما وقّع عليه نحو 500 مثقف ومبدع مغربي، “لكن الحركية الجماعية التي كنت أنتظرها بصدد هذا النداء لم تحصل”، يعلق اللعبي، وإن كان ذلك لم يمنعه من “الاستمرار في الحلم”، إذ علينا أن نظل في مستوى اليقظة المستمرة”، بعبارات اللعبي وأحلامه العنيدة دائما.
إذا دخلت الرموز الثقافية لبلد ما في عزلة وصمت، فهذا سيؤثر على الأجيال الحالية والأجيال القادمة
ومقابل ذلك، يستحضر الشاعر والمناضل المغربي الكثير من الضربات التي تلقاها في مساره النضالي الزاخر، موضحا أنه لو توقف عندها، وانساق وراء موجة التشاؤم، وقرر الاستسلام، لكان لذلك انعكاس سلبي على الآخرين. من هنا، فقد أصبح الاستمرار في الحلم مسؤولية وواجبا تجاه الآخرين، ومن أجلهم أيضا. عن ذلك يقول اللعبي إنه “إذا ما دخلت الرموز الثقافية لبلد ما في عزلة وصمت، فهذا سيؤثر على الأجيال الحالية والأجيال القادمة”.
والخلاصة عند اللعبي هي أن المثقف والكاتب والمبدع، الذي ما زلنا في حاجة إليه اليوم، هو الذي يفكر ويبدع، على أساس أن تلك مسؤوليته اليومية، وواجبه، لأنه لا يقوم بممارسة أو نشاط إضافي أو شخصي. “الكتابة ليست ترفا أو مهنة، بل هي الحياة نفسها، وأنا أعيش لأكتب، وهذه الحرقة هي التي بتنا نفتقدها اليوم.
كما أننا لا نكتب من أجل الشهرة، ولا من أجل الربح، ولا من أجل موقع اجتماعي. نكتب لأن الكتابة حاجة ملحة. نكتب لكي نلتقي مع الآخرين في ما نكتب. الكتابة دعوة إلى اللقاء بالآخرين في ما نكتب.
أكتب للآخر لكي أتقاسم معه ما أشعر به. أن أتقاسم معه ما تمنحني الحياة إياه، وما أستطيع أن أمنحه لهذه الحياة”. بهذا يختم اللعبي، بينما هو لا يـزال مـصرّا على الآمـال العدـيدة والأحلام العـنيدة.
العرب- 19 -2- 41015