يبدو أن مدينة لاهاي العاصمة السياسية لهولندا، اكتشفت في الشاعر أدونيس كنزاً من المعرفة لم يسبق لمثقف عربي ان استطاع ان يقدمها لهذا البلد الذي يعيش على اراضيه الكثير من العرب والأجانب، تلك الطروحات التي تضيء الكثير من الغموض الذي يحيط بالعالم العربي والإسلامي هذه الأيام، خصوصاً ما يحدث في سوريا والعراق من قبل «الدولة الإسلامية» المتطرفة، داعش.
لم يكن أدونيس هو المبدع العربي الوحيد في هذا المهرجان «ليالي الشتاء» في دورته الحادية والعشرين، فقد كان هناك ايضاً الكاتب المصري المعروف علاء الأسواني والشاعر العراقي روضان الخالدي وأكثر من كاتب وشاعر من المغرب ممن يعيشون في هولندا إضافة إلى مبدعين من اوروبا. افتتح المهرجان بمقابلة مع أدونيس تحدث فيها عن محطات كثيرة في حياته، ثم قرأ نصاً طويلاً عن زوجته الناقدة خالدة سعيد يستعيد فيه معها ذكريات طويلة.
اما الكاتب المصري علاء الأسواني فتحدث ايضاً عن مسيرته الإبداعية وقرأ بعد الحوار الصحافي معه فصلاً من روايته الجديدة «نادي السيارات» التي ترجمت الى الهولندية. بعد انتهاء الافتتاح كان الجمهور على موعد مع توقيع الديوان الجديد لأدونيس «ما يتبقى» الذي ترجمه المستعرب كيس نايلاند وأسعد جابر الإكاديمي في جامعة لايدن، وسلمه النسخة الأولى من الديوان مسؤول الشؤون الثقافية في بلــدية لاهاي وقد صدر عن دار «ماس». ثم روايـــة عـــلاء الأسواني «نادي السيارات» التي ترجــع بنا الى مصر في الأربعينات ولحظـــة دخول السيارات الى مصر وهي ترجمـــت الى الهولندية على يد المترجمة دويكا بوبنخا وصدرت عن دار «خوس».
وكانت ورشة الكتابة الإبداعية التي يديرها الشاعر هاري سيفنبيرخن قد بدأت وقدم فيها عشرة من الشعراء الشباب، وبينهم ثلاث شاعرات عربيات، و قرأ كل منهم عدداً من النصوص التي تشي بمواهب غضة قد تترسخ في مقبل الأيام. ولا يخلو اي نشاط في هذا المهرجان من الموسيقى التي كانت حاضرة في كل مكان بقيادة دك فان درهارست.
أثناء الافتتاح ايضاً تم توزيع جوائز القلم الحر والاحتفاء بالكاتبة البريطانية من أصول صينية يونغ شانغ وروايتها «البجعات البرية» التي تتحدث عن مفهوم الحرية المفقودة في بلدها الصين حيث نالت الجائزة العالمية للقلم الحر، في حين وزعت الجوائز الهولندية المحلية على عدد من المبدعين. النشاطات الجانبية الكثيرة في حفلة الافتتاح توزعت على عدد من قاعات المسرح الكبيرة وتراوحت بين القراءات الشعرية والموسيقى.
في اليوم الثاني وفي محاولة من منظمي المهرجان النزول الى الشارع والاقتراب من بسطاء الناس الذين لا تتاح لهم فرصة متابعة النشاطات الثقافية في المدينة، أقيمت نشاطات في المسارح الصغيرة القريبة من الحارات التي تقطنها الجاليات الأجنبية الأفقر، لكن المنظمين نسوا ان يخفضوا أسعار تذاكر الدخول التي كانت باهظة بعض الشيء قياساً الى مداخيل سكان هذه المناطق.
كانت لأدونيس محاضرة وقراءة شعرية وحوار مع الحاضرين في منطقة سخلدرس فيك الأكثر ازدحاماً بالجاليات الأجنبية. في المحاضرة قدم أدونيس آراء عن الوضع في الشرق الأوسط أقل ما يقال عنها إنها جريئة وجديدة وتحتاج الى مراجعة من المهتمين بالشأن العربي الذي يتراجع بقوة قد تقود أوضاعه الشنيعة إلى كارثة لا يمكن ردها. من بين ما قاله أدونيس في هذه المحاضرة: «لا يوجد إسلام متطرّف، بل هناك مسلمون متطرّفون ومسلمون معتدلون... الإسلام يعيش في النص الثابت الذي لا يمكن تغييره».
وعن سؤال حول مستقبل سورية قال أدونيس إن مستقبل سورية مرتبط بمستقبل المنطقة ولا يمكن ان ننظر الى مستقبلها بمعزل عما يجري هناك، لأن المنطقة كلها مشتعلة، «داعش» في العراق ايضاً وفي الكثير من المناطق العربية ولا يمكن ان تستقر الأوضاع من دون ان تتخلص المنطقة برمتها من الإرهاب. من المضحك ان تكون اميركا طرفاً في النزاع او داعمة للحـــرية الفـــردية او حرية الشعوب، فهي لم تقـــدم مثالاً واحداً على ذلك لأنها تبحـــث عن مصالحها في كل مكان ولا يهمها ما يحــــدث فـــي العالم العربي والإسلامي ان لم تكن هي المتسببة في هذا الخراب الشامل.
في اليوم الأخير دعي الكثير من المبدعين ومن بلدان مختلفة إلى قراءة مقاطع من نصوصهم الأثيرة سواء في الشعر والرواية، من جديدهم وقديمهم وكانت حفلة الختام موسيقية بامتياز، إذ رقص الجميع متمنّين أن يكون المهرجان في سنته الجديدة والعالم أكثر أمناً واستقراراً.
الحياة- ٣٠ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٦