نظم الملتقى الثقافي الذي يديره الروائي طالب الرفاعي حوارا مفتوحا للشاعر خليفة الوقيان بهدف تكريمه على عطائه في مجال الكلمة والقصيدة، حيث أكد الرفاعي في بداية الأمسية على الأهمية الثقافية والفكرية لخليفة الوقيان، لما قدمه من نتاج أدبي منوع ينهل من الشعر والكتابة التاريخية والتنوير، متوقفا عند محطات مضيئة من سيرته الذاتية، مستعرضا مجموعة من أعماله الأدبية.
بدوره بدأ خليفة الوقيان مشيرا إلى أن دور السلطة أكثر من سلبي تجاه التمدد الأصولي في الكويت، فهي مهادنة أو متحالفة، وفقا للظرف الذي تعيشه البلاد، معتبراً أن الفكر المتشدد ليس نتاجا محليا
وأكد الوقيان على أهمية تنظيم جلسات نقاشية يتم فيها تبادل الأفكار والرؤى، لاسيما أن «الشباب يمتلكون أساليب لا نمتلكها، ربما نكون نحن من الجيل الذي يعرف كل شيء عن شيء واحد، أما هم فيعرفون شيئا عن كل شيء». مدللا على ذلك بالحراك الشبابي الذي يحدث في الوطن العربي. وأضاف الوقيان: أن الوطن يتعرض منذ عقود لهجمة شرسة لتغيير هويتنا المستنيرة، مؤكدا أن هذه الهجمة إن نجحت في ما تسعى إليه فسنكون بلدا مختلفا وشعبا آخر. وطالب الجيل الجديد بالتصدي لهذه الهجمة والحفاظ على وجه الكويت المشرق المستنير، والوقوف في وجه الهجمة الظلامية التي تنتظر الكويت في مقبل الأيام، لأن طبيعة الكويت لم تكن تتلاءم مع دعوة الوهابيين، وربما تكون هذه الدعوة ملائمة في مكان آخر وقد هاجمها الكويتيون، وهذا الرفض كان ينبع من علماء الدين في الكويت، مستشهدا بمواقف بعض الشيوخ ومنهم مساعد العازمي الذي صرح بعدم ملاءمة الدعوة الوهابية للحياة الكويتية.
وحول موقف الكويتيين من الفنون، اعتبر الوقيان أن الكويتيين انسجموا كثيراً مع هذه الفنون، ولم يتلمسوا أي تعارض بين الدين والغناء والموسيقى والتشكيل والمسرح، مدللا على ذلك ببعض المواقف الموثقة تاريخيا، سواء في جهد حمد الرجيب في حفظ التراث الفني وتنظيم فعاليات غناء ورقص شعبي، أو معرض الفنان التشكيلي معجب الدوسري الذي باركه بعض شيوخ الدين آنذاك، كما أورد ملامح من المحاولات المسرحية عام 1924 حينما قدم عبدالعزيز الرشيد عرضاً ينبذ التطرف والتشدد، ويبرهن على ضرورة تدريس العلوم العصرية.
واستنكر الوقيان منع المفكرين والكتاب من دخول الكويت، قائلا: قرارات المنع، والإحجام عن دعوة بعض الكتاب والمفكرين، سواء من جهات حكومية أو مؤسسات خاصة، تعتبر خروجا من هذا المأزق، ومن رحم هذه الأجواء تشكل ردعا ذاتيا للناشرين فارضاً حدودا رقابية على بعض العناوين. وعن الوسطية في الكويت، ذكر أنها «مفهوم نسبي فما هو وسطي في منطقة بريدة ليس وسطياً في جدة، لكن الوسطية في الكويت ألا تكون إرهابياً، أي لا تقتل، وأما أن تحرم من كل شيء فهذا لا يؤثر على الوسطية.
ورقة من الإضاءات
وقرأ الشاعر علي الفيلكاوي في الجلسة ورقة فيها الكثير من الإضاءات حول مسيرة الوقيان، جاءت تحت عنوان «الشاعر خليفة الوقيان: لمحةٌ من خلال ما كتَبَ وبعض ما كُتبَ عنه»، ليقول: «كان لشاعرنا نصيبٌ وافرٌ من الاحتفاء والتكريم على المستوى الثقافيّ الرسميّ أو على مستوى المؤسسات والمنتديات الثقافية الأهليةِ، مما يعكسُ علوَّ مكانتِه، ودورَه المتميز، وقد حاز باقتدار جوائزَ عدّةٍ داخل الكويت وخارجها، نذكر منها، حصولَه على جائزة الدولة التقديرية لعام 2004، وتكريمَه في مدينة فلورنسا بوصفه شخصيةً كويتيةً مرموقةً في مجال الثقافة والآداب لعام 2011، فضلا عن حصوله على جائزة الشعر العربي في مهرجان الشارقة لعام 2012. ولعلنا نذكرُ مؤلفاتِه في مجال الشعر، وقد تمثّلتْ في أربعة دواوين شعرية توزعت على مساحة زمنية امتدتْ بين عامي 1980 – 1995، وهي على التوالي: «المُبحرون مع الرّياح، تحوّلات الأزمنة، الخروج من الدائرة، حصاد الريح»، وكان لنتاجه الثقافيّ بشكل عام، والأدبيِّ بشكل خاص، أثرٌ عميقٌ في مسار القصيدة الكويتية، ودورٌ طليعيٌّ في تطورها.
موضحا أن الوقيان ينتمي إلى جيل الستينات، وفقا لتصنيف سليمان الشطي في كتابه المهم «الشعر في الكويت»، وأضاف: «ان المتتبعَ لنتاج الشاعر خليفة الوقيان يدرك أنه أمام شاعرٍ يمتلك رؤيةً واعية، تتقد بعاطفةٍ جارفة، وهنا يعتمل تضادٌّ ما بين العقلِ الذي يمثله الوعيُ، والعاطفةِ التي تمثل اللاوعيَّ، ومن هذين العنصرينِ الأساسين تقدح قصيدة ُالوقيان المحكَمةَ الإخراجِ، ضِمن أطرٍ منظمةٍ، وأبعادٍ واعيةٍ ذكية إلى جانب انطلاقةٍ حفلتْ بخفّةِ وعذوبةِ وحريّةِ الشعر، فكأنما قصائدُه شجرةٌ أبديّةُ الاخضرارِ ذات جذورٍ أصيلةٍ، وفروعٍ حديثةٍ
وأشار الفيلكاوي إلى كتاب نجمة إدريس «خليفة الوقيان في رحلة الحلم والهم» الذي شاهدنا فيه امتزاجا بين الإنسان والشاعر ضمن حلقةٍ محكَمةٍ من السرد والتحليل والنقد، كما توقفَ أمام كتاب أحمد بكري «خليفة الوقيان من الألف إلى الياء» لما احتوى من قراءاتٍ ذكيةٍ وعميقةٍ للدلالات الفكرية والنفسية والعاطفية التي تضمنتها نصوصُ الشاعر.
شهادات وكلمات
وتوالت الشهادات من الأدباء والكتاب، حيث أكدت الروائية ليلى العثمان أن أكثر ما يميز الوقيان إنسانيته، وتمسكه بمبادئه، كما أنه لم يمسك العصا من الوسط أبدا في حياته، وهو مع الحق دائما، وذكرت العثمان موقفه من سحب جائزة الدولة التشجيعية منها، بعد حصولها عليها، والذي تمثل في انسحابه من لجنة تحكيم الجائزة.
وقال الكاتب عبد العزيز السريع إن الوقيان شخص متميز في كل شيء، واصفا أخلاقه بأنها تشبه أخلاق الفرسان، وأنه قامة شعرية كبيرة، وأنه يتصدر الجيل الرابع من شعراء الكويت
وأشار سليمان الشطي إلى مشكلتين… الأولى فنية والثانية شخصية أو فكرية، يراهما في تعامله مع صديق عمره الوقيان، كاشفا أن المشكلة الأولى «الفنية»، تتمثل في أنه كلما قرأ له يجد أنه لا ينتهي، وكلما كتب عنه يكبح جماح قلمه بصعوبة، وذلك بفضل صفاء لغته وصحتها، مؤكدا أنه عندما تقرأ شعر الوقيان تجده بسيطا ولكنه مكتوب بطريقة غير عادية، وأن المشكلة الثانية «الشخصية أو الفكرية»، تتمثل في أن صداقته للوقيان امتدت لما يقارب 50 عاما، خلال هذه الفترة الطويلة لم ير الوقيان وهو غاضب منه، رغم جدله وخلافه معه في بعض المواقف، طارحا تساؤله: «كيف تصادق مثل هذه الشخصية، هل هي مشكلة أم هي حظ كبيرّ؟
علي العنزي أكد أن الوقيان صاحب نهضة أدبية متميزة، ويشعرك بالحنان الأبوي، كلما تحدثت معه، كما أنه شخصية عادلة ومنصفة.
وأشار الكاتب سليمان الخليفي إلى مسألة تعلمه علم العروض على يدي الوقيان بلغة مختصرة ومفيدة.
من أقوال الوقيان
* منع رقص الفتيات ضمن الأغنيات الشعبية أفرز نتائج سلبية ومناظر مخجلة، إذ فرضت زيادة جرعة التشدد في البلد محاولة سد الفراغ، لكن هذا التعويض كان مؤذياً جداً لأن فن الرقص الشعبي للفتيات وليس للرجال.
* تعريف الثقافة صعب وتعريف المثقف أصعب، لأن البدوي في الصحراء لديه ثقافة مرتبطة بمكانه وزمانه، لكن ربما كان المثقف من يحمل رؤية وليس من يقدم معلومات.
* يجب أن يدفع الفكر بالفكر، وليس بشيء آخر يبين تفاهته.
* المتشددون يمتلكون قدرة على ترهيب المعتدلين، لكن الساكت عن الحق شيطان أخرس.
*وسائل الإعلام ساهمت في تسويق الفكر المتشدد على نطاق أوسع.
* ثمة «وسطيون» في الكويت لكن يخشون الإرهاب الفكري الممارس ضدهم.
مع غياب المنهجية لمؤسسات الدولة حتما سيكون الحبل على الغارب.
* خيبات مجلس الأمة ساهمت في تقسيم المجتمع، وثمة أفكار دخيلة ساهمت في ذلك.
القدس العربي- February 10, 2015