كان انطلاق الملتقي الاول لقصيدة النثر في الخامس عشر من مارس الماضي ايذانا بتدشين حقبة جديدة في علاقة المثقف بالسلطة. تلك العلاقة التي شهدت التباسا كبيرا بعد ان تعاظم دور الدولة الشمولية، وتعاظم في اطارها دور المثقف التابع والتبريري، الذي انحسرت مهمته في تسويغ خطابها في الوعي العام.
كان الملتقي صدمة حقيقية لسلطة المحافظين الذين أسرفوا علينا وعلي أنفسهم في تقديسهم الفائض للماضي، واستخدام عصاته الغليظة في تأديب من يصنفونهم في عداد المارقين.
وقد كنا نطمع – حقا – في استعادة القيمة الإبداعية، باعتبارها القيمة الجوهرية التي يدافع عنها الشاعر الحق،عبر الدفاع عن التطور كقيمة مجتمعية كبري في سلم الحاجات الانسانية. فلا شئ يمكنه أن يبقي طوطميا مادمنا قد سلمنا بحتمية الصراع التاريخي كواحد من قوانين الوجود.
وربما بسبب سطوة هذا الماضي، يبدو الشاعر الجديد هو الحفيد الأتعس حظا، فالميراث الذي يكلله بالتقاليد المزرية قشيب ويكتظ بالإغراءات، لكنه في وجهه الاخر، قيد عنكبوتي يجره كفريسة الي فخاخ أكثر نعومة.
يضاف الي ذلك ميراثنا كأحفاد
تعساء لعصور العقل الحديث، الذي تشكك في كل شيئ، ووزع الحروب علي خارطة أوسع من طاقة الحدوس الانسانية علي التصور، كما وزع الموت علي البشر بشكل يدفعنا الي البحث – بسخرية مرة – عن العدالة في توزيع تلك الالام، والبحث في نظائرها الشعرية نقصد نظائرها في التسامي وابتكار الخلود لتلك الارواح التي أزهقها الطوطم الذي يراد لنا عبادته.
لقد ظل الشعر العربي بمنأي عن حقائق نافذة ودقيقة. فصليله أعلي من رهافة أذنه وصوته المجلجل كان أغنية لفارس قديم يقاتل عبر البلاغة ويستدين حياته من سلافتها.
لقد ظل الشاعر فينا سادرا في الكلام في كل الاوقات التي كان عليه فيها أن يكون مستمعا فحسب. لذلك فان مايريده لنا الأسلاف يبدو مخجلا بحق، اذا ماتصورناهم يتناسلون من خبز الماضي ؛ هذا الماضي الذي تعفن حتي صار خميرة لعفن يتوالد عبر الاف السنين . فدعونا نصدق أن الشعراء يقتلهم ماضيهم، عندما يشيدون فيه قصورا يألفون هواءها، ويرفضون أن يتنفسوا غيره ؛ ان قصورهم هذه تتحول الي مقابر حقيقية وان بقيت أثرا دالا لأحفادهم ؛ هؤلاء الذين يعانون لكي يكتشفوا صنعة من أجل المستقبل، لاتكون، بالضرورة، ضد الماضي ، نقصد صنعة تستهدف الأحياء، الذين يحاذون الواقع، لكنهم لايعرفون شيئا عن بلاغة شعرائه.
اننا مدفوعون حقا لإلقاء مزيد من النار علي أغراض الشعر ولبوسها الكهنوتية، وعلينا التأكد من أن لحظة الحياد ستكون لحظة الضعف الحقيقية. واذا كان لزاما علينا أن نحترم ربة الشعر ؛ فعلينا ألا نخاف شياطينه، بل علينا أن نزدري هؤلاء الذين يلبسون لبوس الأخيار ويتحدثون الينا دائما كواعظين باسم الماضي.
* * *
وهاهو الملتقي الأول يتشكل جنينا مكتمل الملامح، بعد أن كان حلما فائضا . وكان اعتقادنا أن الحلم حق يولد مع الصرخة الاولي، لكن المناخ العام الذي أنتج أرتالا من الشمولية والفساد، أنتج – في الوقت نفسه – بذرة شيطانية ستحاول دائما أن تكون بذرة الفناء لملتقي الحالمين الذين يأملون في شعر يكتبه الناس جميعا، شعريسعي لأن يكون رفيقا للحرية، وميثاقا جديدا من مواثيق العدالة.
ويبدو أن نجاح الملتقي الاول والتفاف المثقفين المصريين والعرب حوله، نقله – في نظر البعض - من كونه عملا أخلاقيا نبيلا وساميا، الي كعكة تتصارع علي قنصها الضباع. لذلك لم تخل سجالات الملتقي الأول من مثل هذه الأوشاب سواء علي مستوي عمل اللجنة التحضيرية أو علي مستوي الضغوط القاسية للمؤسسة ومن يتبعون خطاها.
ورغبة في الحفاظ علي بنيان الملتقي اضطرت اللجنة الي قبول العديد من الخيارات الناتئة والغليظة بما في ذلك الشائعات المكذوبة بانقسام اللجنة التحضيرية، بما صحب ذلك من اتهامات غير أخلاقية لأعضاء اللجنة علي صفحات بعض الصحف وفي طول وعرض المواقع الألكترونية.
وكان توسيع رئة اللجنة التحضيرية للملتقي الثاني مطلبا أساسيا، لاسيما وأن الأسماء المرشحة للمشاركة من بين الراسخين في الحركة الشعرية والنقدية، فضلا عن الاجماع الذي يحوزونه علي مستوي الاداء الرفيع المتسم بدرجة عالية من الأخلاقية. فقد أصبحت اللجنة بعد تشكيلها الجديد تضم كل من الشعراء والكتاب : ابراهيم داود، حسن خضر، شريف رزق، فارس خضر، فتحي عبدالله، عاطف عبد العزيز، علي منصور، غادة نبيل، محمد هاشم، محمود قرني، لينا الطيبي، نجاة علي، وهشام قشطة.
ويسعد اللجنة التحضيرية للملتقي بهيئتها الجديدة أن تعلن انطلاق أعمال الإعداد للملتقي الثاني لقصيدة النثر ؛ الذي ستنطلق فعالياته في مارس القادم وتستضيفه اللجنة الثقافية بنقابة الصحفيين برئاسة الأستاذ علاء ثابت مقرر اللجنة، مؤكدين السير في الطريق نفسها نحو مشروعنا من أجل الشعر والثقافة، فلن تسطيع قوة، أيا كانت، أن تعطل مسيرتنا، لأننا نسعي دائما لأن يكون عملنا تعزيزا لمنظومة القيم الرفيعة التي يدافع عنها الشعر منذ كان هسهسات في كهفوف المخلوقات الأولي، مع التأكيد علي أن الشعر ومؤتمراته ليسا حكرا علينا أو علي غيرنا، فالساحة مفتوحة لكل من يريد خدمة الشعر بصدق تقتضيه طبيعة الأشياء، وسوف نكون أول المؤازرين لكل نشاط يمتلك شرط الوجود الأخلاقي والموضوعي.
* * *
ستنطلق أعمال الملتقي الثاني لقصيدة النثر تحت عنوان مازال قيد المداولات هو " قصيدة النثر والتعددية الثقافية " .وعلي مافي هذا العنوان من فوائض دلالية الا أننا نعتقد أنه بالامكان القبض علي الكثير من القضايا الجوهرية التي تعتمل في اطاره، بما لقصيدة النثر من رصيد مهم داخل أفكار ومداولات مابعد الحداثة، وكذلك بما لها من علاقة تحليلية وسردية تحتاج الي اعادة طرح أسئلة كثيرة حول مفهوم النص الانساني وكيف تتحقق له شروط الذيوع في اطار أفكارنا حول الهويات المجروحة، وثقافة الأقليات والهوامش المهملة، التي أقصاها النص الزاعق الذي قاد الدولة القومية الي الهلاك.
وسوف يتشكل ملتقانا القادم بالأساس حول تنمية الأفكار التي حققت درجة من الايجابية والتفاعل في الدورة المنصرمة، فالي جانب المشاركة العربية التي ستشمل أجيالا ومناطق مختلفة، ستكون هناك مشاركة عالمية فعالة وثمة اتفاق يجري التفاوض بشأنه حول دعوة شاعرايرلندا الحاصل علي جائزة نوبل "شيموس هيني" وكذلك سيقدم الملتقي مختارات من قصيدة النثر الأيرلندية، ومن المتوقع مشاركة خمسة من الشعراء الأيرلنديين بمشاركة من المركز الثقافي الأيرلندي في دبلن. كذلك سيشهد الملتقي تقديما لائقا لتجربة جيل السبعينيات في مصر والعالم العربي، بما لهذا الجيل من تأثير وفاعلية في مقابل الأستهلاك النقدي العاجز عن تقديم التجربة بالشكل اللائق.
كما ستكون هناك جائزة للديوان الأول ستعلن اللجنة عن تفاصيلها في القريب العاجل، كما سيقدم الملتقي عددا من الفعاليات المشتركة مع جامعتي عين شمس والقاهرة، بالإضافة الي اعداد عمل شعري مسرحي سوف يقدم علي أحد مسارح القاهرة.
وفي النهاية لم يتبق لنا سوي توجيه الشكر الغامر لكل المثقفين والشعراء العرب والمصريين الذين ازروا الملتقي وتابعوا أعماله، ولازلنا ننتظر منهم الكثير من الدعم والمساندة، فلولا حضورهم وتأييدهم لملتقانا الأول لما كنا هنا الان.
أعضاء اللجنة التحضيرية :
ابراهيم داود، حسن خضر، شريف رزق، فارس خضر، فتحي عبدالله، عاطف عبد العزيز، علي منصور، غادة نبيل، محمد هاشم، محمود قرني، لينا الطيبي، نجاة علي، هشام قشطة.