قال الشاعر الكوري 'كيم كيدونغ': 'إن مدينة غرناطة قصيدة كبرى'، ويؤكّد هذا الشاعر وسواه من الشعراء في الماضي والحاضر أنّ غرناطة هي مدينة الشعر والأدب والإبداع بدون منازع، كل ركن من أركانها يبدو وكأنّه عالم سحري رومانتيكي حالم، حافل بالأساطير والخيال.
يفوح بعطر الشعر، وعبق التاريخ ،فقد كانت هناك دائما صلة وثقى بين هذه المدينة وبين الشعر، وقصر الحمراء ،وجنّة العريف، وفيدريكوغارسيا لوركا من العلامات البارزة التي تؤكد هذه الحقيقة ناهيك عن ماضي المدينة الزاهر إبّان الوجود العربي بها، حيث إزدهرت مختلف أنواع العلوم والمعارف، وفنون القول والإبداع وفي مقدمتها الشعر والموسيقى، وها هي ذي جدران الحمراء تقف شامخة شاهدة على ذلك، إنّها تحفل بالعديد من القصائد الشعرية الرقيقة، لابن زمرك، وابن الجيّاب، ولسان الدين ابن الخطيب وسواهم من الشعراء الأندلسيين المجيدين، الذين نقشت أشعارهم على جدران هذه المعلمة الحضارية والعمرانية الرائعة ،كما كانت تعلق قديما قصائد أصحاب المعلّقات أو المذهّبات على الكعبة، وقصائد شعرائنا الأندلسيين ما زالت موجودة إلى يومنا هذا ماثلة أمامنا وأمام الفيض الهائل والكبيرمن الزوّار الذين يتقاطرون على 'الحمراء' كل يوم من كل صوب وحدب، من مختلف أصقاع العالم.
صولجان الشعر
بناء على هذه البدهيّات على ما يبدو، إنطلقت فعاليات المهرجان الدّولي التاسع للشعر لمدينة غرناطة، بمشاركة العديد من الشعراء من مختلف بلدان العالم .ويعتبرهذا المهرجان من أهم التظاهرات الأدبية والشعرية التي تنظم في إسبانيا منذ تسع سنوات خلت، وهكذا مع مطلع كل فصل ربيع يحجّ الى مدينة غرناطة ما ينيف على عشرة آلاف من عشّاق الكلمة ومحبّي الشعرللاستماع والاستمتاع بما جادت به قرائح الشعراء من مختلف أنحاء المعمورة، ويقول المنظمون إنّ هذا الأمرغير مألوف أو معروف في أوربا ،وبالتالي تتحوّل غرناطة، أو بالأحرى تعود غرناطة لحمل صولجان الشعر من جديد كما كانت عليه إبّان عهودها الماضية المشرقة لتصبح عاصمة للإبداع الشعري في العالم في هذه التواريخ.
وخلال دوراته الثمانية السابقة إحتضن هذا المهرجان الشعري الهام العديد من الكتّاب المرموقين والأصوات الشعرية العالمية المعروفة مثل 'ديريك والكوت'، و'ماريو بارغاس يوسا'، و'وول سوينكا'و'هيرتا مولير' من الحاصلين على جائزة نوبل في الآداب، فضلا عمّا ينيف عن مائتي شاعر أو مشارك حضروا خلال هذه المدّة هذا المهرجان الكبيرالذي تنظّمه كل عام مدينة فيدريكوغارسيا لوركا. وفي نفس المكان الذى اغتيل فيه هذا الشاعر، وكذا في منزله تنظم قراءات شعرية، كما تقدّم عروض موسيقية خلال أيّام هذا المهرجان تكريما له ولشعره وعبقريته، ألم يكن هاجس الموت في شعره قويّا زخما؟ أليس هو القائل:
أصوات الموت دقّت
بالقرب من الوادي الكبير
أصوات قديمة طوّقت
صوت القرنفل الرجولي
ثلاث دقات دموية أصابته
ومات على جنب
الحمراء ديوان شعري
هذه التظاهرات الشعرية تنظم كذلك في قصر الحمراء الذي يعتبره المنظمون بمثابة 'أحد أعظم الدواوين الشعرية التى لم تكتب على ورق أو قرطاس، بل إنّها دواوين مشيّدة على بروج وصروح ذات رونق بهيج التي لم يبن نظير لها في العالم أجمع حتى اليوم'، فضلا عن إقامة هذه التظاهرات في أماكن ومعالم أخرى تاريخية وأثريّة في هذه المدينة العريقة العربية الملامح والروح.
يشرف على تنظيم هذا المهرجان الشاعران الإسبانيان فيرناندو فالفيردي، ودانييل رودريغيس ويحظى بدعم العديد من الجهات الاسبانية الرسمية، والمؤسسات العمومية والخاصة.
من الشعراء المشاركين في هذه الدورة يسطع في البداية إسم الشاعرالسوري الكبير علي أحمد سعيد إسبر (أدونيس) الذى عهد إليه شرف افتتاح الدورة الحالية لهذا المهرجان الشعري بصفة رسمية حيث سيتّم تقديم بعض قصائده المترجمة الى اللغة الاسبانية وستقوم بقراءتها الشاعرة الاسبانية راكيل لانسيروس التي ولدت في مدينة قادس، مسقط رأس الشاعر الاسباني الذائع الصيت رفائيل ألبرتي . وسبق أن شارك في هذا المهرجان قبل إنطلاقه (24 أبريل المنصرم) الروائي الأسباني والقاص المشهور 'أرتورو بيريث ريبيرتي' الذي حقق أكبر وأعلى المبيعات لأعماله الإبداعية في اسبانيا في المدة الأخيرة، ويعدّ الشاعر أدونيس الى جانب الروائي الاسباني ريفيرتي، والكاتبة الاسبانية المعروفة' ألمودينا غرانديس' من أبرز الشخصيات التي تشارك في هذه التظاهرة الثقافية الكبرى.
عكاظ الأندلس
ومن الشعراء المشاركين في هذا اللقاء من أمريكا اللاتينية، الشاعران إدواردو لانغاغني، وماريو بوخوركيس من المكسيك، وخورخي غالان (الحائز على جائزتي أدونايس وأنطونيو ماتشادو)، وروكسانا مينديس من السلفادور، وإليانا مالدونادو، وبييداد بونيت، وفيديريكو دياس غرانادوس من كولومبيا، (الحائزة على جائزة بيت الشعر الامريكي)، والشاعر خابييرأوكيندو من الإكوادور، وكارلوس ألداسابال من الأرجنتين . كما يشارك في هذا المهرجان ألبرتو بيرتوني، وإيدين توسي من إيطاليا، ومارك ستراند من الولايات المتحدة الأمريكية (الحائز على جائزة بوليتسروالذي يعتبر من أهم الأصوات الشعرية الناطقة باللغة الإنجليزية في الوقت الراهن)، وعليّ كالدرون من المكسيك، ويشارك في هذا اللقاء الشعري الدولي من المغرب الشاعران المهدي أخريف ومزوار الإدريسي، بالاضافة الى شعراء ينتمون لبلدان عدة، هذا فضلا عن مشاركة العديد من الشعراء الاسبان كذلك.
وقد فاز بجائزة 'الحمراء' للشّعر التي تنظّم لأوّل مرّة هذا العام على هامش هذا المهرجان خلال هذه الدورة الشاعرماريو بوخوركيس من المكسيك ،والشاعرة روكسانا مينديس من السلفادور.كما فازت بجائزة فيديريكو غارسيا لوركا الشعرية لهذه الدورة الشاعرة الكوبية فينا غارسيا ماروس، كما ستقام عدّة تظاهرات ثقافية موازية في بعض مدن ومناطق ومنتجعات ساحلية سياحية قريبة من غرناطة، في مقدّمتها مدينة المونييكر(المنكّب) المعروفة بالنزول الشهير لصقر قريش بها ' عبد الرحمن الداخل'( 731-789 م) هو وصحبه لأوّل مرّة عندما وصل لهذا الثغر بالذات في شبه الجزيرة الإيبيرية عام 755م فارّا من بطش العبّاسيين.
وستنظم على هامش هذا اللقاء كذلك موائد مستديرة حول العديد من القضايا التي لها صلة بالابداع الشعري والنقد والأدب تحت عنوان: 'الشعر الاسباني اليوم' ،فضلا عن مائدة مستديرة أخرى حول موضوع: 'شعر الشباب الاسباني المعاصر'، وتقديم عدّة كتب ودواوين شعرية.
وتجدر الإشارة في ختام هذه العجالة، أنّه لم توجّه الدعوة لايّ شاعر من شعراء الأندلس في عهدها الزاهر ،وكأنّي بابن سهل الإشبيلي الأندلسي مشاركا أو معاتبا، يشرئبّ بعنقه من على أكمة الحمراء ويطلّ على المشاركين من الشعراء والنقّاد في هذا 'العكاظ' الأندلسي ولسان حاله يقول:
كيف خلاص القلب من شاعر
رقت معانيه عن النقد
يصغر نثر الدرّ من نثره
ونظمه جلّ عن العقد
وشعره الطائل في حسنه
طال على النابغة الجعدي
القدس العربي
2012-05-09