رؤى - المحرر الثقافي:
منذ أكثر من عام، التقى مجموعة من الفنانين على حلم إقامة مهرجان ثقافي منوع يقدم عدداً من الأفكار، كان من بينها أننا قادرون تماماً كمثقفين على إنتاج الثقافة، ولا نحتاج لإذن من أحد لممارسة فعلنا الوجودي وهو الثقافة، ولن ننتظر أن يتصدّى أحد ما لدعم توجهنا الثقافي هذا، وكان من بينها أيضاً أن الثقافة باتت مجزأة تماماً وعبر المؤسسات الثقافية التي هي في أساس وجودها تشكل حالة دعم ثقافية تم تجزيء الثقافة بحيث أصبح لكل مؤسسة همها الخاص، فلم يعد ثمة متسع لتناقل الأفكار وتبادل الحوارات والخبرات والتوجهات فيما بين المثقفين كجسد واحد، ومن هذه الأفكار.. بدأ هؤلاء الفنانون يحاولون فتح آفاق لهم لإقامة مهرجانهم الثقافي.
اليوم، بل غداً بالتحديد سيشهد هؤلاء المثقفون تحقق حلمهم، حيث سيتم افتتاح مهرجان القافلة الثقافي الأول في صالة دار البارح للفنون، وسيكون المهرجان موزعاً على مدى خمسة أيام يبدأ اليوم الأول ٥١ يونيو بالتشكيل ثم تليه الموسيقى، وبعدها الفيديو ثم الشعر ثم المسرح، ونحن في رؤى نلتقي بالمنسق العام للمهرجان وأحد الحالمين بهذا المهرجان لنناقشه في فكرة المهرجان وما يريد أن يصل إليه:
الهوية الحقيقية هي للثقافة، بعمقها الفكري وبطرحها المتميز
حدثنا عن الفكرة التي يقوم عليها هذا المهرجان، وهل يمكن أن نعدّ استجماع عدد من الفعاليات مشروعاً؟
-حسناً.. يمكن أن نتحدث أولاً عن الشق الأول من سؤالك ومنه ننطلق إلى الشق الآخر، لأنني بالتأكيد لا أرى أن المشروع في ذاته هو استجماع عدد من الفعاليات، فكرة المشروع هي أعمق من تجميع عدد من الفعاليات، إنها محاولة لتقريب الفنون والفنانين الذين يزاولون هذه الفنون في البحرين من جهة، وتحريك الساحة الثقافية عبر طرح رؤى مغايرة ومختلفة أمامهم.
فكرتنا تقوم أساساً على التقاء عدد من الفنون كالمسرح والموسيقى والتشكيل والشعر والفيديو تحت مظلة واحدة، هي موعد ومكان هذا المهرجان، ومن خلال ملاحظتنا لوضع النشاط الثقافي في البحرين، سنلاحظ كيف أن هذه الأنشطة متفرقة، وكيف أن هذه الأنشطة لا تمتلك حلقة ربط فيما بينها، لا في النوع ولا في المكان الجغرافي ولا في الرؤية، من الممكن أن تقام في الليلة نفسها عدد من الفعاليات، بحيث ينقسم المثقف في تحديد أولوياته، أين يريد أن يذهب بالضبط، ولكن بالتأكيد الخيار الأخير سيكون لانتمائه المؤسساتي، لا لانتمائه الثقافي في تلك اللحظة فحسب، العملية معقدة بعض الشيء، هذا المثقف يذهب إلى المؤسسة ليس بهدف ارتباط ثقافي فعلي وحقيقي قائم على عمق ثقافي، ولكن الأمر بالنسبة له أصبح روتينياً بأن يذهب للمكان (أ) في موعد محدد، وحين تنقسم الخيارات لا يعود قادراً على تحديد أولوياته.
حسناً.. فإذاً يحاول المشروع من بين ما يحاول أن يطرح فكرة المكان أو المؤسسة في الثقافة، وعبر ضم عدد من الفنون في فعالية واحدة ومكان واحد يمكننا أن نشير إلى فكرة الهوية في المكان، ثم نضع نقطة على السطر، ونقول الهوية في الثقافة، ونضع نقطة أخرى على السطر، ثم نقول الهوية للثقافة كمشروع متكامل، كرؤية عامة، كاستراتيجية وأهداف وتخطيط، وليس للمؤسسة كمكان أو جغرافيا، أو حتى دلالات غير محددة »ثقافية أو تاريخية«، الهوية الحقيقية هي للثقافة، بعمقها الفكري وبطرحها المتميز.
أيضاً لو هبطنا قليلاً إلى المصالح المادية لهذه الفكرة، سنجد أن متلقي الفنون والثقافة في البحرين سيفاد أكثر من هذه الفكرة، حيث ستكون كافة الفعاليات متاحة له ومن الممكن أن يحضر في ليلة واحدة فعلاً ثقافياً يجمع بين التشكيل والموسيقى والمسرح مثلاً، كما أن المكان الذي سيجمع هذه الفعاليات وهو هنا »صالة دار البارح« - التي أود أن أشير إلى شكر صاحبتها والقائمة عليها هيفاء الجشي لما تقدمه للمشروع- هذا المكان سيتحول صالة فنون وغاليري إلى مركز ثقافي شامل، نحن هنا عبر هذا المشروع فعّلنا الفكرة، والمتلقي والمكان، وكل هذا يأتي عبر الفرد المنتج للثقافة.
ولذلك فأجل فكرتنا تقوم على جمع الفنون وتقديم مشروع كمنتج ثقافي، وتحويل الثقافة لصورة ملموسة أكثر، ولا يكتمل المشروع إلا بحضور أكثر من فعالية، ونحن نعتمد في هذا المشروع على الطاقة الحماسية لدى الشباب المشاركين في المشروع، وحماسهم لتقديم الأفضل، ولطرح حب المشاركة وتقديم الذات، عبر كل ذلك تتوضح فكرة التعامل مع الثقافة على أنها صناعة، أي تحويل الثقافة لمفهوم آخر قابل للتشكيل والتحوّر.
نريد أن نشجع المثقف ونقول له أنت قادر على الإنتاج الثقافي لأنك مبدع
ما هي أهدافكم من هذا المهرجان، وهل الساحة الثقافية في البحرين تحتاج فعلاً لهكذا مهرجان؟
- بالتأكيد الساحة الثقافية بحاجة ملحّة لهكذا مشاريع، من ينظر بعمق لهذه الساحة سيجد كم هي محتاجة لمثل هذه المشاريع المختلفة والمغايرة، وبحاجة أكثر لأفكار أكثر ومجموعات أخرى تقوم بمثل هذه المغامرات ومثل هذه المشاريع، أصبحت الفعاليات الثقافية روتينية تماماً، وتقام فقط بهدف إقامة فعاليات لا أكثر، ويحضرها المثقفون بهدف حضور الفعاليات لا أكثر، فالمسرحي يحضر للمسرح فقط، والكاتب يحضر للفعاليات الأدبية والتشكيلي والموسيقي، هذا المهرجان يخلط الأوراق، ويشير إلى أن الثقافة هي كل لا يمكن تجزيئه في الذهن، في هذا المهرجان نضع قبالة المتلقي هذه الفكرة، هل أنت مثقف أم »مسرحي، تشكيلي، موسيقي، شاعر، سينمائي« عبر هذا السؤال ننطلق لرؤية الساحة الثقافية، وعبر هذا السؤال سنجد كم أن الساحة تحتاج فعلاً إلى المشاريع التي تقربنا من بعضنا كمثقفين، من خلال عملنا الثقافي ونتاجنا الإبداعي.
أتمنى أن نرى في المستقبل مشاريع أخرى تقدّم أفكاراً لخلخلة السائد من خلال فعالياتها، أتمنى أن تقدم هذه المشروعات التي تقوم عليها مجموعات أخرى أفكاراً أكثر جرأة من مشروعنا، وأفضل في التنسيق وأهم في الطرح، هذا سيدفعنا بالتأكيد لتحسين هذه الجوانب في مشاريعنا القادمة، وهذا ما نحتاج إليه في مشاريعنا، عمل مستمر لهدف واحد هو الثقافة.
أهدافنا من هذا المهرجان واضحة، نريد أن نشجع المثقف على الإنتاج، نريد أن نقول له أنت قادر على الإنتاج الثقافي لأنك فنان، ولأنك مبدع، وليس لأنك تنتمي إلى تلك الجمعية أو هذه المؤسسة، أنت هو اللبنة الأولى في عملية الثقافة، نريد أن يتعرّف المبدعون على بعضهم عن طريق النتاج الثقافي لبعضهم، في هذا المشروع الذي استمر أكثر من عام تعرّفنا على كثير من الوجوه الثقافية، ومن خلال العمق الفني لتجاربهم، تبادلنا معهم الخبرات، وإن لم تتح لهم المشاركة في »عروض« المهرجان فهم مشاركون حقيقيون في المهرجان، الفنان المخرج محمد الصفار الذي عملنا معه لفترة طويلة ثم لم تشأ الظروف أن يستمر هذا التواصل في المهرجان، الفنانون أحمد الغانم وكريم عطية وحامد سيف الذين عملنا معهم بشكل دؤوب في الموسيقى وفي رسم خطوط المهرجان، ولم تشأ لهم الظروف أيضاً أن يشاركوا في المهرجان، كل هؤلاء شركاء في المهرجان، هذا هو الأمر الذي نريد تفعيله. من بين أهدافنا أيضاً أن يتم تعريف العالم بالثقافة البحرينية عبر فعل ثقافي خاص بالأفراد، لا يتعلّق بالمؤسسات وما يحدث فيها، ومن المهم أن ينتقل هذا المشروع إلى أماكن أخرى من العالم.
وبالتأكيد سنسعى جاهدين لكي ننقل القافلة إلى أمكنة أخرى وإلى فضاءات أخرى من العالم، وعبر كل هذا يمكننا التأسيس لنواة مشروع ثقافي مؤسس يكون هدفه هو المثقف وآليات تسويق المنتج الثقافي لهذا المثقف.
اخترنا أن نعتمد على بعضنا وأن نثق ببعضنا
تذكر أن المشروع يحاول أن يؤسس لفكرة أن الفرد هو المنتج للثقافة وليس المؤسسة، ولكن ألا يعد المشروع مناقضاً لهذه الفكرة، باعتباره يحاول أن يكون مؤسسة عبر تكوينه لفكرة المهرجان؟
- هو يشبه فكرة الشركات المؤقتة، والتي تقوم على أفراد وكل فرد لديه إنتاج معين يدخل به إلى هذه الشركة، وبعد انتهاء المشروع تنتهي الشركة، وانتهاء الشركة في مشروعنا تعني انتهاء المهرجان بعد تحقيق كافة أهدافه، ولكن يبقى الشركاء في حالة فعالية فيما بينهم، لأنهم أفراد أساساً وليسوا كتلا مؤسساتية، الفرد قيمة عليا بالنسبة لهذا المشروع، إنه هو المغذي للمؤسسة، هو الفاعل الحقيقي فيها، وإذا ما تم الالتفات له بصورة خاصة، يمكننا أن نقدم الفرد كمعني بالإنتاج الثقافي وكمقدم له.
ليس هناك تناقضاً، فالمؤسسة في هذا المشروع إن وجدت فستوجد من أجل الفرد المبدع أو المثقف، وليس من أجل هدف ما لهذه المؤسسة يعمل فيها الفرد من أجل إظهار المؤسسة وإبرازها، بل ما سيتم هو أن المؤسسة ستعمل على إبراز الفرد وإظهاره.
هذا التنوع في الأشكال الثقافية خلال المهرجان، من شعر لتشكيل لموسيقى لفيديو لمسرح.. كل هذا ألا يجعل الأمر عسيراً على تحقيق شروط الجودة في المنتج الثقافي الذي تريدون تقديمه، ألا يمكن أن تنفلت الجودة من المهرجان ككل عبر تقديم كل هذه الفروع من الفنون؟
- لا بد لكل تجربة من نواقص، وفي التجارب الأولى لا يمكن أن نتصوّر أنها ستكون منزهة عن هذه النواقص، بل أن النواقص نفسها مطلوبة من أجل أن نرى أخطاءنا ونرى مناطق الضعف فينا، لكي نستطيع أن نتفاداها في المرات القادمة، وهذه التجربة قابلة للفشل »الذي لا نتمناه« وللنجاح الذي نسعى ونخطط إليه، ولكن نحن على ثقة تامة في المشاركين في المهرجان، إنهم طاقات متميزة في مجالاتهم، ومن الممكن أن يقدموا المدهش والمغاير.
وفكرة التنوع فكرة أصيلة في هذا المهرجان، ولا يمكن التخلّي عنها بالرغم من صعوبتها، ولكن ما المتميز في أن تقدم السهل، نحن كمجموعة اخترنا أن نعتمد على بعضنا البعض، واخترنا أن نثق ببعضنا البعض، وذلك بعد شراكة حقيقية في الأفكار والرؤى، نحن نقدم منتجا ثقافيا متعددا، أي باقة ثقافية شاملة، ويجب أن ننجح في تقديم هذه الباقة ككل وبقدر معين من التميز والفرادة.
أين سيصل هذا المشروع.. ما هي خططكم القادمة للمهرجان خصوصاً وأنكم تذكرون أن هذا المهرجان هو الأول، أي أن ثمة نسخة قادمة من هذا المهرجان، ألن تكون شبيهة ومكررة؟
- بالتأكيد لا، التكرار هو قتل للمنتج الثقافي، من الممكن أن تكون ثمة ثوابت للمشروع يقوم عليها المشروع أساساً، ولكن بالتأكيد لا بد من التغيير والتنويع، نحن في حالة تأسيس حالياً، ونرى أكثر هذا المشروع ومحيط هذا المشروع، ماذا يمكن أن نقدّم في هذا المشروع، كيف يمكن أن ننجح في هذا المشروع. ولكن بحسب تصورنا لمستقبل هذا المشروع فإننا لا يمكن أن نعتمد على التكرار لنجاحه، بل نحن متفقون تماماً على أن التغيير هو سبيل إنجاح النسخ القادمة من المهرجان، سواء التغيير في الأشكال أو الأشخاص أو المحتوى، وكل هذا قابل للدراسة والتفكير ووضعه على محك الحوار.
الايام- 14 يونيو 2008