جسدت لوحات التفرغ الإبداعي للفنان الفوتوغرافي احمد السفاريني نقلة نوعية في تأكيد أهمية الصورة الفوتوغرافية، بوصفها فنا إبداعيا أصيلا يضاهي اللوحة التشكيلية، إن لم يتفوق عليها أحيانا، كما بدا ذلك في معرضه الذي تقيمه وزارة الثقافة (تزامن مع معرض الفنان التشكيلي محمد نصر الله، وهو أيضا نتاج التفرغ الإبداعي، وستكون له تغطية خاصة).
والسفاريني أول فوتوغرافي 'يتفرغ' لرصد جماليات المكان في الأردن طبيعة وحضارة وإنسانا، وهذا اعتراف رسمي بأهمية هذا الفن. المعرض الذي أقيم في غاليري مهنا الدرة بجبل اللويبدة في العاصمة الأردنية بحضور الفنان مهنا الدرة، وثلة من الفوتوغرافيين، والتشكيليين الأردنيين، ورئيس جمعية التصوير الأردنية، سقراط قاحوش، إلى جانب عدد من أعضائها، وجمهور من المهتمين وعشاق الفنون البصرية.تخلل افتتاح المعرض نقاش وجدل عن فنيات وتقنيات التصوير، واختلف بعضهم حول الزاوية التي التقطت منها عدسة السفاريني بعض الأماكن خصوصا تلك اللوحات التي نقلت جماليات رم وصخور البتراء، وفي مهارة رصد الظلال والضوء، وتوثيق اللحظة، لدرجة أن بعضهم احتكم للفنان الشهير زهراب، الذي احتار في توصيف زاوية اللقطات، مما دفعه لسؤال السفاريني عنها، الذي شرح تقنية الصورة، وزاويتها، مما جعلها تبدو وكأنها صورة مركبة.
ولأن عشق الضوء والمكان هو ديدن السفاريني، فقد تميز في نقل جماليات المكان الأردني، في المعرض الذي افتتحه مأمون التلهوني مدير المكتبة الوطنية، وجعل المشاهد يسافر مع عبق اللون، وعبقرية المكان، وغرابة التكوينات التشكيلية الطبيعية، في رحلة اصطحب فيها السفاريني عشاق المكان إلى وادي رم، البتراء، وادي الحسا، الموجب، ماعين، لواء الكورة، جرش، البحر الميت، وغيرها من الأماكن، راصدا زاويا جديدة، ربما لم يتمعن فيها زائر المكان العابر، وحتى المتأمل، ففاضت 'أمكنة السفاريني' بسحرها الناطق بفرادة المكان، والمؤشر على مهارته الفريدة، وقدرة عينه على التقاط الجمال والغريب، عبر ومضات فنية أقرب إلى التجريد، مازجا بين فضاءات الصحراء وزرقة السماء.
وكان السفاريني حاز على التفرغ الإبداعي للعام 2010، وهي أول مرة تخصص الجائزة لحقل التصوير. ومشروع التفرغ الإبداعي هو مشروع سنوي تقدمه وزارة الثقافة للمبدعين في المجالات المختلفة، 'وكونه يخصص لأول مرة لحقل التصوير الفوتوغرافي فهذا يعتبر شهادة اعتزاز وفخر لي' يقول السفاريني. ومشروعه بعنوان رصد جماليات المكان في الأردن وجاء هذا المشروع من باب توثيق الأردن طبيعة وحضارة وإنسانية من خلال صور تشكل قاعدة انطلاق لوضع ثقافة بصرية عن الأردن، وإظهار جوانبها الجمالية أمام دول العالم المختلفة.
ويشار أن المصور العالمي إريك السفاريني وثق تجربة السفاريني كنموذج يمثل التصوير الفوتوغرافي في الأردن في حقبتين زمنيتين عبر فيلم وثائقي، وكانت هناك جهة أمريكية تهتم بالبحث والتوثيق فيما يخص الفوتوغراف في الأردن، وبعد البحث المطول تم اختياره كنموذج يمثل التصوير في الأردن في حقبتين زمنيتين، أي عصر الكاميرا الفيلمية والتصوير الأسود والأبيض واستخدام الغرفة المظلمة وبالمقابل عصر الديجيتال والصورة الرقمية، حيث أنه يتقن العمل بالجهتين. والآن يتم التواصل مع هذه الجهة من خلال مصور يدعى إريك وهو مقيم بالأردن لفترة وجيزة لهذا الغرض ويقوم بعمل فيلم وثائقي عنه، يضم أرشيفه الخاص ولوحاته التشكيلية بالإضافة إلى توثيق الزرقاء كمكان.
كما أن السفاريني بصدد طباعة كتاب موسوعي عن الأردن يعتبر الأول من نوعه حيث يضم مئات من الصور الاحترافية الفنية عن الأردن بكل تفاصيله من صخور ورمال وطبيعة ووجوه وشوارع قديمة، لكن هناك مشكلة تقف عائقا أمامي في إنجاح وتوثيق هذا الكتاب، وهي عدم وجود الداعم المحلي وذلك للتكلفة الباهظة. حيث نريد لهذا الكتاب أن يرقى للمستوى العالمي من حيث الطباعة والجودة الفنية. وفي أرشيفه ما يقارب المائة ألف أو يزيد.
والفنان أحمد عمر السفاريني ولد في فلسطين عام 1946، وبدأ مشواره في التصوير الفوتوغرافي عام 1965، حيث تتلمذ على يد عم له في مدينة الزرقاء- الأردن، وقد كان عمه مصوراً محترفاً وفناناً تشكيلياً معروفاً بين الفنانين في تلك الفترة. وقد تعلم منه تصوير الوجوه (البورتريه)، وأعمال الرتوش والطباعة والتحميض والتكبير، كما كان له السبق في تسجيل نتائج في التصوير الملون حيث كان في بداياته آنذاك. أما بالنسبة للفن التشكيلي فقد تعلم منه تقنيات الرسم بالألوان الزيتية والمائية.
عمل السفاريني في مجالات متعددة من مجالات التصوير منها التصوير الجنائي، والتصوير الميكروسكوبي، والتصوير بالأشعة غير المنظورة كالأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية، وقد عمل مع أشهر المصورين في سورية ولبنان والإمارات العربية المتحدة.
تطورت أعماله حيث أنشأ السفاريني مؤسسة خاصة له عام 1977، وتحوي استوديوهات للتصوير ومختبرات للطباعة والتحميض. وقد اشتهرت مؤسسته بتصوير البورتريه وخصوصاً تصوير الأطفال وهو المجال الذي برع فيه واعتبر من رواده في المنطقة.
وبتأسيس الجمعية الأردنية للتصوير عام 1994، وبانتساب السفاريني إليها تعددت أساليبه وتنوعت أفكاره بتنوع المحتوى البصري وذلك لكثرة التنقلات والبحث الدائم عن كل ما هو جديد في الطبيعة الأردنية غير المكتشفة، بالإضافة إلى الخبرة في إقامة المعارض والتحكيم لمدة تقارب العشرين عاماً، في لجان التحكيم المحلية والدولية. كما أنه عضو هيئة إدارية لعدة دورات، وهو محاضر متفرغ في الجمعية.
إن عضوية السفاريني بالجمعية الأردنية للتصوير، واتحاد المصورين العرب، والجمعية الحرفية للتصوير في سورية، أتاحت له المشاركة في العديد من المعارض المحلية والعالمية، كما له عدد من المعارض الفردية. كما أنه حاصل على العديد من الجوائز وشهادات التقدير من أكثر من دولة. ويعتبر الفوتوغرافي السفاريني من أهم المحاضرين في ثقافة الصورة والتدريب على التصوير الفوتوغرافي، حيث التحق بعدد من الدورات وورشات العمل الهامة التي تعنى بالتصوير الفوتوغرافي في أوروبا.
القدس العربي
2011-09-07