كان عبد النبي المساوي بين المصورين الصحافيين الذي واظبوا على التقاط صور المهرجان العالمي للشِّعر بمدينة الدار البيضاء. عرفتُه قبل هذا التاريخ، فهو كان مصور جريدة الاتحاد الاشتراكي، عندما كنتُ أعمل بها، إلى جانب آخرين، من المتعاونين.
كان ذائب الحركة و التَّنَقُّل، بدراجته الموبيلت البُنّيَة، من مكان إلى آخر، وفق ما تفرضه طبيعة الأحداث، وما يطرأ من أمور تستدعي العين، لِتُؤكِّد الحدث، وتُثَبِّتَهُ. كان كل هذا يدخُل في عمله الوظيفي، كمصور صحافيّ، ما جعل الصور التي كان يلتقطها ترتبط بالحدث، وتخضع للمُباغَثَة، وللسرعة، والسبق الصحافي. ما يعني أن عبد النبي، كباقي المصورين الصحفيين، لا يختارون أوضاعَهُم، في الصورة الوظيفية، مثلما يرغبون، بقدر ما يحرصون على الاستجابة للطَّلَب، ولعامل الزمن.
سيعطي عبد النبي لعينه، بعض الوقت، لتكون حُرَّةً في اختياراتها، في طبيعة المنظورات التي ستحكم رؤيتَها، حين يكون خارج السياق الوظيفي. هذا ما جسَّده في معرضيه الفوتوغرافيين، الذين حاول فيهما أن يجمع بين ما تلتقطه العين، وهي تسرق بعض لحظات الشرود الوظيفي، وبين ما تذهب إليه قَصْداً، باعتبارها اختياراً، من خلال منظور وزاوية محددة.
في معرضه الثاني، ' خارج الإطار '، الذي اختار افتتاحَه، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، بإحدى قاعات المركب الثقافي بسيدي بليوط، لم يكن هناك موضوع محدد، بل ثمة سياق، هو ما دفع، في ظني، عبد النبي المساوي، لاختيار صورٍ، وليس موضوعاً، كما جرت العادة في عدد من معارض التصوير الفوتوغرافي، أي ما يشتغل عليه المصور، أو يكون الفكرة التي تُوَحِّدُ العرض. السياق، هو ' اليوم العالمي لحرية الصحافة '، وهو ' إطار ' المعرض، رغم أنَّ الصور، لم يكن لها، فعلاً، إطار، فهي عُرِضَت في واجهة مفتوحة على ' الكتابة '؛ هي عبارة عن كولاج لصفحاتٍ من الجرائد المغربية المكتوبة باللغتين، العربية والفرنسية.
في هذا الاختيار، أراد عبد النبي أن تكون الصورة، هذه المرة، هي موضوع ' القراءة '، وليست الصفحات المكتوبة، التي بقيت مجرد خلفية، وليست موضوعاً، كما جرت العادة، في قراءتنا للصُّحُف اليومية، أو الأسبوعية، فنحن نمر على الصورة، لنذهب رأساً إلى المقال، أو النص المكتوب.
الموضوع، بهذا المعنى، هو الصورة، في ذاتها. ليست هناك صحافة بما هو مكتوبٌ فقط، وهو ما نسميه بالصحافة المكتوبة، بل ثمة صحافة مُصَوَّرَة، لا يمكن تفاديها، وهي في صميم اليوم العالمي لحرية الصحافة، ما دام المصور الصحفي، هو الأكثر عرضةً للمواجهة والخطر، وهو ما تؤكده الصور التي فيها يظهر بعض المصورين، بما فيهم عبد النبي المساوي، وهم في مواجهات مباشرة مع البوليس، أو أداة السلطة في القمع والتسلُّط، وكبح حرية الكتابة، والرؤية، أو الصورة.
بقدر ما حرص عبد النبي على أن يكون للصورة الصحافية حضوراً في هذا المعرض، بما فيها بعض الصور التي اسْتَحْسَنَها المصور المعروف محمد مرادجي، وكان بيننا نقاش حول أهميتها، بقدر ما كان التوقيع الشخصي لعبد النبي، باعتباره فناناً، فقط، حاضرةً، وكانت أكثر إثارةً، سواء من حيث السيطرة والتحكم في عمق الحقل، حيث يكون موضوع الصورة واضحاً، أو حادّاً، وخارج عمق الحقل، بالتعبير التقني، وأيضاً من حيث درجة المسافة التي تبدو من خلال الصورة ذاتها بين المصور والموضوع.
فعبد النبي يُدْرِك، من موقعه كمصور ممارِسٍ، عارفٍ بخبايا التصوير الفوتوغرافي، أن الصورة تُنْجَز على مستوى العدسة، ما جعله، في توقيعاته الشخصية، وأعني بها الصور التي اختارها هو وذهب إليها، تكون أكثر تعبيراً عن رؤيته، وعن حريته التي هي حرية فنان، خرج من سياق التصوير الوظيفي، واستعمل العين، أو العدسة، بالأحرى، لأنها، في هذا الوضع، هي العين، ليدخلَ إلى سياق فنيّ، طالما غاب عن كثير من المصورين الصحفيين بالأسف.
ثمة نقلة في عمل عبد النبي المساوي، وثمة تفكير وتأمُل، ورغبة في وضع الصورة خارج إطار النص، أو جعلها تكون هي النص، وليست مجرد تكملة، أو إضافة. في هذا ما يجعل من معرض المساوي، نوعاً من إثارة الانتباه إلى أهمية الصورة الصحافية، وإلى أهمية ما تعبر عنه وتفضحه، وإلى ضرورة أن يكون القارئ، مُبْصِراً، لا أعمى يكتفي بقراءة السواد، أي ما هو مكتوب فقط، فالعين، لا بُدَّ أن تزاول نظرها، بما يجري حولها، لا بما هو مألوف، في مقابل ما هو منسيّ، أو لا ننتبه لأهميته، وهذا في ظنّي، أهم ما يذهب إليه هذا المعرض.
القدس العربي
2012-05-20