نظّمت لجنة التصوير الضوئي بجمعية الثقافة الفنون بالدمام ـ بإشراف الفنان مصلح جميل ـ معرضا لأربعة من مبدعي الصورة تحت عنوان "فوتوغرافيا الدرجة صفر" في قاعة عبدالله الشيخ بمقر الجمعية، خلال الفترة (1 ـ 3 أكتوبر 2012).
بعددٍ محدود من الصور لضياء يوسف ومريم المساوي وعبدالله مشبب وخالد المرزوقي؛ ينأى عن إغراق العين في الكثرة بحسّها الاستهلاكي، والاستعراضي في الوقت نفسه. كأنما كل تجربة تعرض صورة مفردة شعاعيّة يلتمُّ فيها الهاجس الإبداعي ومحرّكاته الجماليّة المستمدة من الخبرة الشخصية والاهتمام الموجّه لبوصلة العمل بجامع "التاريخ" الحاضن لهذه التجارب، لكن بمفارقات تحكم ـ كل تجربة ـ تأتي من الرصيد الاجتماعي ومن خزانة التقنيات الحاملة والمعبّرة.
ضياء يوسف.. النظرةُ تتأرجح
.. فإنْ كانت الأنثى تمتلك الحضور عند ضياء ومريم، إلا أنّ المعالجة تختلف. الفنانة ضياء يوسف يتبدّى لديها الاشتغال من داخل الصورة؛ تحمل ضوءَها ومقاربتَها من ينبوعها الجوّاني حين تحكي عينُ الأنثى عن عوالمها بنظرة تخترق الحجاب وتضحي جسدا كاملاً في عراء اللحظة الإنسانية من سؤال الحب إلى سؤال المعتقد إلى سؤال المصير؛ حيث تتأرجح النظرة في مختلف الاتجاهات بمكنوز الانفعالات المحجوبة في صورة أخرى تضم المرأة إلى جوار الرجل لكنها ملفوفة بسواد تام؛ ظلٌّ أخرس يعتمُهُ الذّكَر في وجودٍ متشابك بالأيدي يبذر سؤال العاطفة أو التبعيّة. من هذا الظل تخرج النظرة وحدها تحرّر الداخل وتسكب انفعالاته.
مريم المساوي.. حديثُ الجديلة
الفنانة مريم المساوي تخرج بـ "حديث الجديلة" من الصورة ومن الإطار. الجديلة متحرّكة في الخارج؛ تحفّ بالإطار في حضورٍ ضاغط متوتر يأتي مرّة على الضد من الداخل في لوحة، ومرّة في تناغم. الجديلة الخارجيّة تنفتل في روع المشاهد مشنقةً تؤازرها في الداخل جديلة الاستتباع، فيما جديلة ثالثة تتزمّن بالبراءة واللعب. ملتقَى من توتّر التضاد في المعنى والتضاد بين الأسود والأبيض. كأنما هي قسمة جائرة يؤكّدها القفص الذي يحيط بالأنثى مغمورة بالسواد؛ سوداويّة محكومة بتاريخ وجغرافيا نافيين، تعمل تجربة مريم المساوي على التظهير بفائض الوجع تغزلُهُ جديلةٌ تقولُ مرارةَ الجمال واغتيالَ زمن البراءة.
عبدالله مشبب.. خيطُ الصورة وإبرةُ المخيّلة
الفنان عبدالله مشبّب لديه أيضا هاجس التاريخ، لكن ليس في وقائعة اليوميّة، بل في بدئيّته وأسطوريّته، حين آدم لم يزل مُقمّطاً بالطين يلزمُ حيرة الكهف ملتصقاً ملموما حول نواتِهِ البشريّة: الأرض.. ما يجذب عند عبدالله تكوين الصورة وبلاغتها؛ مشاهد مقدودة من قلب الدراما المسرحيّة؛ حيث الجسد بغطاء الطين شحنةٌ من الدهشة لا تتوقف عند المعنى بقدر ما تتقصّد حشْدَ الجمال في لوحةٍ تتملّك الإبهار، وفي الآونةِ ذاتها تسرّب محمولها بشرطَهِ الفنيّ. إنّ المخيّلة التي يتوفّر عليها عبدالله مشبّب فذّة ونادرة. الصورة الخام نسخة أوّليّة؛ مجرّد خيط لا يكتمل معناه ولا يبرز لونه ولا نسيجُهُ إلا بإبرة المخيّلة؛ تلمعُ عينُها بمصادفة الجوهر وبمصادقتِه.
خالد المرزوقي.. تحت وهجِ الحنين
الفنان خالد المرزوقي لم نرَ لوحاته معلّقة. هي مخزّنة على أسطوانة في جهاز "الرائي". تجلس مستعيداً طفولةً بعيدة عندما تأتي هدايا الحج، ومعها "العكّاسة" تستبطن صور المشاعر والمناسك والحجيج. لحظة غاربة منسيّة تُستعاد هنا في المعرض تحت وهج الحنين وليس تحت وهج الضوء الذي يتوجّه إليه "الرائي" لتوضيح الصور التي هي بالأصل تتبدّى في غلالة ضبابيّة. شيءٌ مُهشّم ذائب فيما يشبه البياض لا يقول الصورة. إنما ينطق بسَوْرةِ الحنين إلى اللحظات المشتهاة الهاربة. ربما، في طوايا هذا الاختيار وضع خالد المرزوقي حميميّةً ذاتيّةً وخاصّة لا تنكشف لأحد آخر ولا تظهر شعلتها إلا للشخص نفسِهِ. ومن هنا يكتسب العمل التجريبي الذي يقوم بها الفنان المرزوقي أهميّته التي تنبع من التأمل واستدراج الفكرة إلى معادلها الجمالي الذي يحقّق متعة الاستكشاف بصريّاً وإنسانيّاً.
"فوتوغرافيا الدرجة صفر" خطوة رائعة من لجنة التصوير الضوئي بجمعية الثقافة الفنون بالدمام. شكرا أيها الصديق ـ مصلح جميل ـ على هذا الإنجاز المصنوع بتدبّر وبإخلاص.