ودعت الساحة الثقافية البارحة الشاعر محمد عواض الثبيتي (سيد البيد) بعد أن داهمته جلطة قلبية غيبته عن الساحة بعد 60 عاما قبل أن يصل إلى مستشفى الملك فيصل في مكة المكرمة.
وعلمت «عكاظ» أن الإسعافات الأولية والإنعاش الطبي لم تفلح في مقاومة الجلطة التي داهمت الثبيتي في منزله في وادي جليل ليودع الثبيتي الحياة بعد أن تعرض لجلطة سابقة قبل عامين قضى خلالها شهورا عدة في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في جدة ومدينة الأمير سلطان للخدمات الإنسانية في الرياض.
عكاظ- 15 يناير 2011
انتقل إلى رحمة الله الشاعر محمد الثبيتي بعد معاناة طويلة مع المرض، حيث توفي في ساعة مبكرة صباح اليوم في مدينته ومسقط رأسه مكة المكرمة. وأوضح ابن الراحل نزار لـ(الجزيرة) أن الفقيد سيوارى جثمانه في مقبرة المعلاة بمكة المكرمة بعد الصلاة عليه ظهراً في الحرم المكي اليوم السبت. ويعتبر الشاعر محمد الثبيتي من رموز الوطن ثقافياً وشعرياً وحصد العديد من الجوائز الثقافية، كحصوله على الجائزة الأولى في مسابقة الشعر التي نظمها مكتب رعاية الشباب في مكة سنة 1397هـ عن قصيدة (من وحي العاشر من رمضان)، وجائزة نادي جدة الثقافي عام 1991 عن ديوان (التضاريس)، وجائزة أفضل قصيدة في الدورة السابعة لمؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري عام 2000 م، عن قصيدة (موقف الرمال، موقف الجناس)، وجائزة ولقب (شاعر عكاظ) عام 2007م في حفل تدشين فعاليات مهرجان سوق عكاظ التاريخي الأول.
الفقيد ولد عام 1952م في منطقة الطائف. حصل على بكالوريوس في علم الاجتماع وعمل في وزارة التربية والتعليم. ومن أبرز أعماله الشعرية عاشقة الزمن الوردي، تهجيت حلما.. تهجيت وهما، بوابة الريح، التضاريس، موقف الرمال. أصدر النادي الأدبي في حائل مؤخراً أعماله الكاملة في مجلد واحد، يضم جميع إنتاجه الشعري.
الجزيرة- 15 يناير 2011
«ستموت النسور التي وشمت دمك الطفل يوماً
وأنت الذي في عروق الثرى... نخلة لا تموت...».
مقطع للشاعر السعودي محمد الثبيتي (1952 -2011)، وضع في مستهل الأخبار التي تناقلت رحيله ليل الجمعة الماضي، في خطوة لا مثيل لها من قبل، ونشرت في الصحافة الثقافية أو في مواقع الشبكة الإلكترونية.
لم يكد يخلو خبر أو مادة صحافية حول موته من مقاطع شعرية اشتهرت، مثل:
«أدر مهجة الصبح
صب لنا وطناً في الكؤوس...».
ورددها قراؤه ومحبوه طويلاً. هو الوحيد من بين شعراء الحداثة الذي تحفظ أجزاء من قصائده البديعة ويتلوها عشاق الشعر في كل مناسبة، إذ عرف كيف يشكّل الوجدان الشعري، ليس فقط للجيل الذي جاء بعده، إنما أعاد أيضاً صياغة وجدانات شعراء وكتّاب سبقوه، الأمر الذي يجعله شاعراً فريداً بحق، يحتاج المشهد الشعري في السعودية، بحسب النقاد، إلى زمن طويل لينجب واحداً في قامته.
ما إن أطل «التضاريس»، الثالث في دواوينه الشعرية، التي لم تتخط الخمسة، حتى أصبح حضوره راسخاً، شاعريته المتوهجة تمد تأثيرها مثل السحر إلى كل قارئ ومتلقٍّ وباحث وناقد. صدر ذلك الديوان الصغير في حجمه، الهائل لناحية فتوحاته الشعرية في العام 1986 بخط الشاعر الجميل، وتداوله الشعراء والمهتمون بشكل واسع، ومثّل علامة فارقة في الشعر السعودي، وأضحى مرآة صادقة لما وصلت إليه القصيدة الحداثية في السعودية، وأثرت لغته وأجواؤه الفريدة في تجارب شعرية مختلفة.
لم يؤثر الثبيتي في الأجيال اللاحقة له فحسب، إنما أثر أيضاً في جيله، ولم يسلم من ذلك التأثير حتى الشعراء الذين ينتمون إلى أجيال سبقته، من خلال تلك اللغة الفريدة، التي تمزج بين الأساطير والرموز ومفردات الصحراء، فلغة بتلك الطزاجة والجدة لم يسلم منها حتى كتاب السرد، إذ راحوا يبتكرون لغتهم على ذلك المنوال.
ولئن بدا ذلك التأثير لصاحب «تهجيت حلماً تهجيت وهماً» مسلَّماً به في المشهد الشعري، فإن الثبيتي نفسه لم يقدر على قول ذلك صراحة، «ليس من الصعب أن يكتشف الشاعر نفسه في الآخرين، كما يكتشفه الناقد أو القارئ العادي، ومن الصعب أن يطّلع على كل التجارب ويحكم عليها. إن أي تجربة تحتاج إلى فترة زمنية كافية، ليمكن الحكم عليها، ودراسة مدى تأثيرها في الآخرين»، يقول في واحدة من مقابلاته القليلة.
وعلى رغم الاهتمام النقدي الذي حظت به تجربته اللافتة، إلا أنه طالما عبر عن خيبة أمل من النقاد الذين لم يسعوا إلى درس التجربة الشعرية الحديثة بحياد وموضوعية، «لم تدون فترة القصيدة الحداثية في دراسات، لا من حيث تاريخيتها، ولا تداعياتها، ولا تجارب رموزها، ولا حتى تجارب من جاء بعد جيلنا، بخلاف الحركة الحداثية في بلدان عربية أخرى، فهناك مَن وثَّقها، وقدم عنها دراسات وبحوثاً متخصصة».
وإذا كان النقاد هم من يقدمون الشاعر أو الكاتب عادة، ويجعلون له أهمية ومكانة لدى القراء، فإن الثبيتي، ولعلها واحدة من مفارقاته العديدة، هو من عمل بنصوصه المميزة على تقديم نقاده، وعبر بهم إلى شريحة واسعة من المهتمين، وكرس بعضهم «نجوماً» في النقد.
قبل أن يتعرض الشاعر في عام 2009 إلى جلطة ستودي به لاحقاً إلى غيبوبة تامة، كان قد بدأ للتو يخرج من عزلة وانقطاع طويلين عن المعترك الأدبي وعن المشاركة في إحياء الأمسيات، عزلة دفعه إليها دفعاً ما واجه هو وشعراء الحداثة في منتصف الثمانينات والتسعينات الميلادية من القرن الماضي، من تيار متشدد في نظرته إلى الأدب الجديد، يصدر أحكاماً قاطعة، تكفيرية وإقصائية. مواجهة كانت من الشراسة والإقصاء وليّ عنق النصوص الأدبية لتلائم مرامي هذا التيار «المتربصة»، ما أجبره على الانسحاب، في ما يشبه العزلة القسرية.
على أن الأمر الذي مثل له ذكرى أليمة، هو حرمانه في عام 1991 من جائزة نادي جدة الأدبي، إذ احتشد جمهور من المتشددين في تلك الفاعلية، التي أرادها النادي تكريماً لتجربة شعرية لافتة، واعتبرها أولئك المتشددون فرصة مواتية لقمع مساعي التحديث ورموزها. في ذلك المساء غادر الثبيتي من بوابة النادي الخلفية، حتى لا يطاوله أذى جسدي. خروجه بتلك الطريقة من المشهد الثقافي، بعد أن خرج عليه بتجربة شعرية متفردة، خيبت الكثير من الآمال، وأحبطت عدداً من المشاريع الشعرية الجديدة. ترك الشاعر جائزته، التي هو جدير بها وراءه، ليلوذ طوال سنوات بذاته وكتبه.
بقي الشاعر حتى آخر ديوان أصدره أو نص كتبه ونشره، متوهجاً في أوج شاعريته، فتكشف نصوص ديوانه الأخير، الذي صدر قبل أن تصيبه الجلطة بوقت قصير، عن فضاء شعري متماسك، وعن مراس وتمكن لافتين في صوغ جملة شعرية على مقدار كبير من المتانة، في تقصد واضح أن يأخذ هذا الاشتغال الجمالي هامشه الخاص به والواسع.
وسعت هذه التجربة إلى تقديم مقترحها، في بلورة هوية أصيلة للإنسان في الجزيرة العربية، من خلال الالتفات إلى ثقافته ومكوناتها، والانتباه إلى همومه وقضاياه، وإعادة إنتاجها في صوغ شعري جديد، يسمح بتخطي تجربة «التضاريس» التي اعتبرها البعض من الخصوصية والتفرد، إلى درجة سيصعب على الشاعر نفسه تجاوزها في سهولة.
ويشعر المثقفون على اختلافهم، وهم يرثون الراحل، بحسرة وألم شديدين، بسبب ما عاناه من إهمال في مرضه، إذ لم يتم تسفيره إلى الخارج لإنهاء معاناته المرضية، وأخرج مرات من المستشفى التي كانت تعالجه، فالشاعر محمد حبيبي أبدى عتبه على وزارة الثقافة «التي لم تستطع إسعاف مريض»، فيما قال الشاعر الكبير محمد العلي إنه من المؤسف «أن الكبار، أو المبدعين، لا نشعر بهم، وبفداحة صنيعنا معهم، إلا إذا توفوا»، مضيفاً أن الثبيتي «لم يلتفت إليه أحد، حتى في مرضه، حتى وهو مريض حورب، وأخرج من المستشفى، على رغم كونه رمزاً شعرياً عربياً، وليس محلياً فقط، بل هو رمز شعري عربي ككل؟». وتطرق إلى أن الراحل «حورب في حياته، لم يكن يملك شقة، ولم يكن يملك سيارة، ودائماً مدين، كما رحل وهو مدين وعائلته على كف الرياح، ألم يكن هذا حرباً؟ الثبيتي كان شمعة تم إطفاؤها».
وكتب الشاعر علي الدميني في موقعه الالكتروني أن صاحب «موقف الرمال» واحد من أعظم شعراء العربية على مر التاريخ، «وقد فقدناه وهو لم يزل في قمة عطائه وتألقه الإبداعي». ويشير إلى أن صاحب «عاشقة الزمن الوردي» حورب باكراً «منذ «مجزرة الحداثة» في عام 1987 وما بعدها، وحورب بعد ذلك، وانتهكت كرامته الإنسانية، بتواطؤ العديد من الجهات. ولعله واجه الحرب حتى في آخر ساعاته، ذلك أنه ومنذ إصابته «بالجلطة»، قام الإهمال بدور ذلك العدو المفترس، إذ ساهمت فيه الأطراف كافة التي تعاملت مع حالته».
الناقد مبارك الخالدي اعتبر رحيله فاجعاً، لأن صاحب «بوابة للريح» لم يحظَ «بالاهتمام الذي يستحقه كشاعر، وكقامة شعرية وطنية، محلياً، وعلى المستوى العربي أيضاً».
ويقول: «بقدر حزني على محمد، وبقدر حبي له، أقول إن من حق المواطن في هذا البلد الثري، البلد الذي وصل خيره إلى جميع أصقاع الأرض، أن يحظى برعاية لائقة».
وجدد هؤلاء المثقفون المطالبة بتكوين رابطة، أو اتحاد للكتاب، «يكون بمثابة التشكيل النقابي، يرعى شؤون الكتاب، ويطالب بحقوقهم، وتحسين أوضاعهم، إضافة إلى الأدوار الأخرى التي يمكن أن يقوم فيه
الخميس, 20 يناير 2011
لم يمت سيد البيد، مثلما لم يمت الشعر والشعراء منذ امرىء القيس حتى يومنا هذا وإلى أن يشاء الله.
لم يمت سيد البيد، مثلما لم يمت الشعر والشعراء منذ امرىء القيس حتى يومنا هذا وإلى أن يشاء الله، سيبقى محمد الثبيتي فاصلة تاريخية كبرى في تاريخ الشعر الحديث، ليس في المملكة وإنما في الوطن العربي والتاريخ العربي، كان موهوبا حقيقيا أخلص لموهبته فأخلصت له فأنتج ما خلد اسمه في سماء الشعر. و لربما أن هذا الذي خلده هو الذي أودى به، فالثبيتي كما أعرفه كان يتمتع بحساسية مفرطة تجاه كل أمر في الحياة مثله مثل أي شاعر عظيم، وقد بدا لي بعد إصابته بالجلطة منذ نحو عامين أنه تعرض لما لم يتمكن الشعر من التعبير عنه فحصل الانفجار الكبير داخل رأسه الذي اعتاد أن يتلقى الصدمات فيحيلها إلى قصائد، إلا هذه المرة التي لم يجد لها تعبيرا أقل من الانفجار.
رحم الله محمد الثبيتي فقد تعب حيا وتعب مريضا، وغادر دنيانا بعد أن عطرها بأريج الشعر، لم يكن مكثرا فيما كتب من شعر لكنه كان عملاقا في كل ما كتب، ولهذا سيبقى مالئ الدنيا وشاغل عشاق الشعر إلى الأبد. ذهب الثبيتي وبقي شعره وذكره ولهذا لابد من توجيه الشكر العميق لنادي حائل الأدبي الذي بادر إلى الاحتفاء به فور مرضه وأصدر مجموعته الكاملة، والشكر موصول لكل من فكر وبادر إلى تكريمه وفي المقدمة وزير الثقافة والإعلام الذي وعد بتكريمه، ونادي الرياض الأدبي الذي فعلا أقام حفلا للتكريم، وطالب رئيسه بجائزة باسم الثبيتي يتولى النادي تنظيمها وتنفيذها، والمؤمل أن تتولى وزارة الثقافة والإعلام هذه الجائزة وتدعمها ماديا ومعنويا، فهي ستكون حافزا لقراءة شعره وتحليله وتناقله بين الأجيال.
لقد تألم أصدقاء الثبيتي ومحبوه وكافة المثقفين لمرضه أولا، ثم لفقده ولكن ماذا بأيديهم أن يفعلوا، لقد تنقل بين عدة مستشفيات دون جدوى، فجسامة إصابته منذ بدايتها حالت دون جدوى أي جهد لاحق، وقد كنت طرفا في بعض محاولات الإنقاذ التي لم يكن لها قيمة تذكر.
لقد ذهب الثبيتي إلى بارئه وبقيت أسرته التي عانت ما عانته طيلة العامين الماضيين وهي بين اليأس والرجاء، ومع توالي دعوات تكريمه التي هو جدير بها وأكثر كقامة شعرية عظيمة فذة، فإن الأمل كبير في وجود من يلتفت لأسرته المكلومة المحتاجة لمن يساندها في مواجهة ظروف الحياة، ولعلني أضم رجائي إلى رجاء الزميل هاشم الجحدلي في ندائه الذي وجهه إلى الأمير عبد العزيز بن فهد الذي عرف عنه وقفاته الإنسانية الرائدة مع المرضى والمعوزين والأيتام، وأسرة الثبيتي جديرة بوقفة من وقفاتكم الإنسانية يا أمير الإحسان.
الوطن- 2011-01-19 4:48 AM
هكذا رحل الشاعر الصديق محمد الثبيتي.. بعد أن أنهكه المرض وأتعبته الحياة، بعد أن عاش مكسورا في مجتمع لا يقيم للمبدعين والخلاقين والمختلفين قيمة ولا معنى. هكذا ذهب إلى الموت بعد أن عاش حياة قصيرة بحزن كبير.. ومعاناة كبيرة وتجربة عميقة أنتجت وأخرجت هذه التجربة الشعرية الفريدة والاستثنائية في المشهد الشعري السعودي والعربي.. وتمثلت هذه التجربة من خلال حضور مفردات الصحراء والنخلة والبيد، وعبر تمثلات الفهم العميق لثقافة الجزيرة العربية.
لم يكن محمد الثبيتي شاعرا عابرا في لغة عابرة وسطحية وهشة ولم يكن شاعرا.. بالمعنى المتداول والمتناول.. ولكن ذلك الشاعر الرائي.. الذي يرى أبعد من مما يراه الآخرون، هو شاعر رائي بامتياز.. وهو مثله مثل الشعراء الذين تجد في قصائدهم ثنائية اللغة والنبوءة، وقد أحدث تحولا حقيقيا وجذريا في بنية وبناء القصيدة السعودية بوصفه كلاسيكيا وحداثيا في آن، وبصفته جاء من القصيدة الخليلية متكئا على أعمدتها ومتجاوزا لعمودية الخليل بن أحمد الفراهيدي مع رؤية متجاوزة ومتخطية. لقد أعطى للقصيدة الحديثة نكهة أخرى.. وطعما آخر.. وهو ما جعله محل الرضى عند الذين يرتهنون في ذائقتهم للكلاسيكية الشعرية وعند الحداثيين كان مغايرا لحداثة منفلتة.. وذاهبة في التجريب حد السطحية والتقليد. صداقتي به التي أعدها واعتبرها بين صداقة الشخص وصداقة النص.. هي صداقة تمتد لأكثر من عشرين عاما، حيث كنا في مطلع الثمانينيات الميلادية ذلك الجبل الذي حاول اجتراح لغة جديدة في القصيدة الشعرية السعودية وفي الإبداع عبر إيجاد خطاب شعري متأثر بتجربة الحداثة العربية.. لقد اشتركت معه في عدة أمسيات لعل أبرزها وأهمها تلك الأمسية التي أقامها نادي جدة الأدبي الثقافي في عام 1405هـ / 1985م مع الشاعرين الصديقين عبد الله الصيخان، ومحمد جبر الحربي، وهي الأمسية التي قال عنها الدكتور عبد الله الغذامي في كتابة «حكاية الحداثة»: «ليلة من ليالي الحداثة ليلاء.. تلك الأمسية تقابل الجميع مع الجميع والضد مع الضد، إذ حضر كل الحداثيين السعوديين وكل من هو محسوب على الحداثة من قريب أو بعيد».
جاء من الدمام والرياض ومن جيزان مثلما جاءوا من مكة المكرمة والطائف، جاء الشعراء والقصاصون مثلما جاء النقاد والصحافيون.. الكل جاء وفي مقابلهم جاء المعارضون وجاء الأكاديميون.. هكذا كتب الغذامي عن تلك الأمسية. ولقد اشتركت معه في أمسيات شعرية في مدينتي عمان وإربد، حين دعينا لمهرجان جرش 1984م مع الشاعر الراحل علي عمر آل عسيري بمشاركة شعراء عرب كبار، فيما اشتركت معه في إحياء أمسية شعرية في جزيرة فرسان بمشاركة شعراء آخرين.
أتذكره الآن وأتذكر سنوات الثمانينيات الميلادية بكل ضجيجها وصخبها.. وكل ذلك الحضور الذي ساهم في إعادة النظر في كتابة الشعر.. بوعي جديد ومغاير.. أتذكره وأتذكر مشاركاتنا في مهرجان المربد في العراق تلك الحروب التقليدية المضادة والآتية من فكر سائد وثقافة سائدة.. أتذكر الثبيتي.. الإنسان البسيط والعميق ذلك الذي أخلص للقصيدة فأخلصت له.. أتذكر المخلصين والعابرين في تجربة الحداثة السعودية.. وأتذكر جيلا كان يحاول أن يؤسس لفهم جديد للشعر في بلادنا.. في مجتمع ينبغي له أن تتوازى وتتلاقى فيه حداثة الشعر مع حداثة الفكر، وحداثة العقل مع حداثة الممارسة.
(1)
..أن يموت محمد الثبيتي فكأنك تتخيل أن تستيقظ ذات أرق فيصعقك مشهد اختفاء جبال السروات في الجنوب,أو جبلي أجا وسلمى الشماليين,أو جبال رضوى الممتدة غربا بمحاذاة البحر السحيق.أو كأنك تتخيل ألا قمر يضئ,ولا شمس تشرق,ولا نهر ينهمر يسقي القلوب الموجوعة بالظمأ !محمد الثبيتي صنو لتلك الظواهر الكونية الأبدية التي تمنحنا الجمال والألق والضياء والدفء والحياة..كيف لبدوي ظل يرعى نخلته السامقة في أنساغ روحه ستين عاما..
يظل بها ويستظل..يطيب لها ويتطيب منها وفيها..تميل له بالعذوق المثمرات,ويميل إليها بحبات الروح,ثم تموت فجأة..يالها من فجيعة يتلظى بوجعها بدوي عشق في العمر نخلة!وفجيعتنا بك يامحمد الثبيتي حقيقة مؤلمة كحقيقة موت النخيل والأنهار والأزهار والأطيار..
(2)
ياسيد البيد من بعدك يكون عرافا لصحرائنا,يستسقي رمالها»يصوغ من آلامها قدحا/ومن آمالها إبريقا»؟..من سواك يسامق نخيلنا ليكون وإياها صنوان»أحدهما تدعيه النياشين/والآخر تشتهيه البساتين»؟..من سواك أيها الشاعر الهائل يملك عصا القريتين..عصاك التي نعرفها..»ليكتب نافرة الحروف ببطن مكة/والأهلة حول وجهه مستهلة»؟..من أين لنا يامحمد برجل يعيش بيننا»لايلم نثار أجنحته أفق أو مدى»؟..من سواك أيها النبيل»يفتض أبكار النجوم»فتشع كواكب السماء غيرة ودهشة؟..من بعدك ياسيد القصيد ينشد»للنخل للكثبان للشيح الشمالي/للنفحات من ريح الصبا»؟..من بعدك يغني»للشمس/للجبل الحجازي والبحر التهامي»؟..من سواك ياسيد الكلمات يرقينا بالحروف»التي لاترى/والحروف التي تتناسل تحت الثرى/والحروف التي تباح ولا تستباح»؟..من غيرك أيها الفارس المثخن بالجراح العظيمة»يمخر لنا جانب الليل,حتى تتدلى عناقيده لقمر ناصع وغرام مباح»؟..من غيرك»يمخر صباح التيه منفردا يبحث عن لحن يرقص عرائس الجن التي لاتنام»؟؟
..من سواك أيها الرجل(الكبير)ينتصب بكبرياء على النطع»ليجري دمه نبعا من العشق في عروق العذارى»؟..من بعدك يامحمد الثيبتي «يدير لنا مهجة الصبح ممزوجة باللظى/ويقلب مواجعنا فوق جمر الغضا»؟..ثم يأتي بالربابة يموسق بها نداء الأشجار وتعب القرى؟..من سواك يا(الثبيتي)يأتي لنا بكاهن الحي»ليضرب لنا موعدا في الجزيرة/يسري بنا الليل في طور سيناء/يرتل علينا هزيعا من الليل والوطن المنتظر»؟..من بعدك أيها البصير المبصر يعيرنا مقلتيه لنرى..ويمنحنا حلمه لنضرب في الرمال تيها حتى نجد آثار أقدام السليك ومعن بن زائدة»؟..من غيرك أيها الجرئ المجترئ يسبق الخلق أبدا ليرد الماء,الذي يهبنا الخصب والحياة والجمال,بعد أن»استودعتك –وحدك- رمال الجزيرة بكارتها»؟..من غيرك أيها العاشق الخالص»يعل المطايا ويصب لنا وطنا في عيون الصبايا»؟...
..أبا يوسف..أجزم ألا أحد..ألا أحد!
(3)
..يامحمد عواض الثبيتي يخامرني صوتك الشجي الصاخب بالشعر فأكاد أصعق من وحشة السكون,وينتابني حديثك غزيرا خاشعا كالدعاء,فيعتور الأنفاس احتراقا يزيد الوعد نورا,ويتبددني وجع غامر أنأى به عن سعيد السريحي و عبدالله الصيخان ومحمد جبر وخالد قماش وحمد الفقيه وياسر الجهني,وكل الذين أحبوك وأجلوك وتوجوك سيدا للجراح العظيمة..
ياسيد البيد والقصيد,لازلت أتذكر تلك الليلة الطائفية الباردة التي أدفأها جمر أنفاسك,وأنا أشاركك المثول على منصة لاتليق إلا بك,وقلت وقتها عنك كلاما لم أقله لأحد,ولم أقله بعد,ثم ظللت أنصت إليك مليا وأنظر إليك مليا..حتى تعبت من وجع الجمال الماثل بالجوار..فالجمال(الجمال) يوجع يامحمد..!وجمالك حد الوجع!
(4)
..يامحمد الثبيتي..يارائحة الرمل المعفر بماء السماء,يانداء الروح للأجساد المنهكة..ياعشبة برية استمرأت الخوض في لعبة الوجود الفاتن..أشهد أنا لم ننصفك..أشهد أن موتك-بقدر الله- كارثة بفعل( فاعل) يدري ولايدري!وإلا ماذا يسمى موت الطيور عندما يغلق (الحراس )حدود الفضاء,ثم تكل تبحث عن شجر تلوذ به فلا تجد؟!وماذا يسمى موت عزيز قوم تحول مجلسه الفروسي الأبي بلحظة عابثة إلى منتدى شبابي(كوول) لإشاعة السخريات والكلام الرخيص؟!ماذا يسمى موت (شاعر حقيقي ) أخرجه النبيلون في ليلة تكريمه الساحلية من الأبواب الخلفية خوفا عليه من الذين يكرهون (التضاريس ) و (الرمال) و (النخيل)و(الجمال),ليذهبوا به بعيدا..بعيدا,ثم يكرموه في الظلام بعيدا عن عيون المدينة والناس! وهو الذي يستحق أن يتوج على قمة جبل في وضح النهار وأمام الذين يعرفون ولا يعرفون !.
(5)
هل تعلم يا محمد الثبيتي أن الدروب أضحت موحشة,وأن المدينة تسبح في هواء من(القار),ولاأحد!أتدري ياصاحبي «ويش اللي كبر ظلالك/ إنك هناك بعيد/ بعيد... ولحالك»! .أي نشيج هذا الذي يناديك من التراب إلى أعلى السماوات وأنت غياب الملكوت تهيم؟أم أية لغة اللحظة تحمل بعض سماتك..بعض جلالك؟
.. يا أبا يوسف رحلت للذي أرحم(منا) و (منهم) ..لأرحم الراحمين..لله العزيز الرحيم.
هل لي أن أرثيك أخيرا بأجمل الذي كنت تقول : « ستموت النسور التي وشمت دمك الطفل يوما/وأنت الذي في حلوق المصابيح أغنية لا تموت/ ستموت النسور التي وشمت دمك الطفل يوما / وأنت الذي في قلوب الصبايا هوى لا يموت / ستموت النسور التي وشمت دمك الطفل يوما / وأنت الذي في عروق الثرى نخلة لا تموت»..أنت نخلة لاتموت..نخلة لاتموت...رحمك الله
الدمام: ميرزا الخويلدي
فقدت الساحة الثقافية والشعرية في السعودية والعالم العربي أمس، شاعرا مرموقا من شعراء القصيدة الحديثة، الذي انحاز في شعره للإنسان، ولقيم الجمال، وكان واحدا من الشعراء الذين شكلوا تجربة الحداثة، لا سيما على مستوى (الإبداع الشعري)، وظل منذ الثمانينات حتى تهاوى جسده النحيف قبل نحو سنتين. شخصية على الرغم من سكونها تعيش وسط الأعاصير.
فقد رحل في ساعة مبكرة من صباح أمس السبت الشاعر الكبير محمد الثبيتي، الذي وافته المنية في مكة المكرمة، بعد صراع طويل مع الموت، منذ أصيب في مارس (آذار) 2009 بغيبوبة على أثر تعرضه لأزمة قلبية حادة.
حققت قصائد محمد الثبيتي حضورا كبيرا في المشهد الثقافي، وظل الأجيال يرددون أبياتها، ويترنمون بالصور الباذخة التي ترسمها، وكانت قصيدته (تغريبة القوافل والمطر)، القصيدة التي تستحضر أسطورة (تغريبة بني هلال) المشهورة، وكفاحها في البحث عن الماء، تمثل واحدة من إبداعات (سيد البيد)، التي كان مستهلها (أدرْ مُهج الصبحِ / صبَّ لنا وطنًا في الكؤوسْ).
كما تميزت قصيدته (موقف الرمال.. موقف الجناس)، وهي القصيدة التي فازت بجائزة أفضل قصيدة في الدورة السابعة لمؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري عام 2000، وفيها يقول (أمضي إلى المعنى / وامتصّ الرحيقَ من الحريقِ / فأرتوي).
أضاف الثبيتي دفعة جديدة للقصيدة الحديثة في الخليج، وليس في السعودية وحدها، لكنه أضاف لتيار الحداثة زخما هائلا، خاصة في حقبة الثمانينات التي شهدت تباينا بين التيارات الثقافية والفكرية، ويعد الشاعر الذي كتب قصائد (التضاريس)، و(تغريبة القوافل والمطر)، و(موقف الرمل.. موقف الجناس)، و(وضّاح)، و(بوابة الريح)، أحد أبرز الشعراء السعوديين الذين مثلوا حركة الحداثة، على الرغم من كونه مولودا من رحم القصيدة التقليدية، وظل ممزوجا بروح بدوية واضحة، وأسهم هذا الإرث المزدوج في عدم تخلي قصيدته عن الموسيقى والقافية، حتى عندما انتقل إلى كتابة قصيدة التفعيلة وبرز فيها.
ويعتبر الثبيتي أحد زعماء الحداثة الفعليين في إبداعه الشعري المتألق، وهو أحد رواد قصيدة التفعيلة ومن أبرز ناظميها على المستوى العربي، ومن القلائل الذين يتميزون بقوة الموهبة الشعرية الواضحة، ونضج القاموس الشعري، وتوظيف المفردة التراثية والبدوية باحتراف، وجمال اللفظ والموسيقى وغزارة المعاني والرمزية الصوفية.
كما يمتاز الثبيتي بحس أدبي شفاف، يجعله يتعامل مع الأشياء من حوله بلغة شاعر، كما يمتاز بتواضع جم، وربما هذا التواضع جعله يتعامل مع المواجهات التي وجد نفسه في حومتها بكثير من (الرضوخ)، مثلما اختار الانسحاب من معركته مع بعض القوى التي أصرت على حرمانه من جائزة نادي جدة الأدبي مطلع التسعينات، قبل أن يتم تقديره في نفس النادي بعد سنين، وهو كان في قلب العاصفة وداخل حمأة السجال بين الأطياف الثقافية، حيث اضطر - حسب قوله لـ«الشرق الأوسط» ذات لقاء - للمثول أمام ممثلين من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة المكرمة، لتفسير أشعاره، قبل أن يتم تحويله إلى المحكمة.
وقد ثار حول أشعاره لغط كبير، في فترة التجاذب بين التيارات الحداثية والمحافظة ليتوقف لفترة طويلة ويعود في المشهد الثقافي مؤخرا بقوة بـ«موقف الرمال»، متزامنا مع استعادة المشهد الثقافي لكثير من عافيته. وهو لم يكن سلبيا، فحين تعوزه الوسائل، وتعجزه السبل للتعبير عن رأيه، كان يلوذ بالشعر، وهو قال لنا في لقاء سابق إن «فترة الانكفاء والصمت هي التي أنتجت ديوان (موقف الرمال)».
نظم الثبيتي الشعر وعمره 16 عاما، وظل على تواصل مع الحركة الشعرية والثقافية على الرغم من فترات الانقطاع والعزلة.
وقد لد محمد عواض الثبيتي في عام 1952 في منطقة الطائف وحصل على بكالوريوس في علم الاجتماع وعمل في التعليم وصدرت له الدواوين: «عاشقة الزمن الوردي» 1982، «تهجيت حلما.. تهجيت وهما» 1984، «التضاريس» 1986، ومثلت قصائد الثبيتي وأهمها «التضاريس»، «تغريبة القوافل والمطر»، «موقف الرمال.. موقف الجناس»، «وضّاح»، و«بوابة الريح»، مشاهد حداثية متطورة، مشوبة أحيانا بنكهة اللغة البدوية، أو سمات الصحراء، ويفسر البعض نجاح قصائد الثبيتي بقدرتها على المزج العجيب بين لغة الإنشاد وجماليّه، والخيال الصوفي والاتكاء على استحضار أسطورة «انتظار المخلص».
حصل الثبيتي على الكثير من الجوائز، منها جائزة نادي جدة الثقافي عام 1991 عن ديوان «التضاريس»، وجائزة اللوتس في الإبداع عن الديوان نفسه، وجائزة أفضل قصيدة في الدورة السابعة لمؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري عام 2000، عن قصيدة «موقف الرمال.. موقف الجناس»، وجائزة ولقب «شاعر عكاظ» عام 2007 في حفل تدشين فعاليات مهرجان سوق عكاظ التاريخي الأول.
الشرق الأوسط
الإثنين, 17 يناير 2011
محمد الثبيتي. ... «الواحد المتعدد»في زمن «الكتل البلهاء»
رفع نادي الرياض الأدبي مساء السبت الماضي، خطاباً لوزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة، يتضمّن مطالبات مثقفين وشعراء وإعلاميين تتجاوز مرحلة القول والاحتفاء والرثاء في الشاعر محمد الثبيتي، الذي وافته المنية مساء الجمعة الماضي إلى مرحلة الفعل، وفي مقدمها تكريمه في معرض الرياض الدولي للكتاب في آذار (مارس) المقبل وعقد ندوة كبرى حول جهوده، وإعداد دراسات حول تجربته في مؤتمر المثقفين الثاني المقبل، وإصدار كتاب حول تجربته، وإطلاق جائزة تحمل اسمه، إضافة لتسمية قاعة في أحد مراكز الوزارة الثقافية باسمه ودعم أسرته، باعتباره واحداً من الشعراء السعوديين الذين أوصلوا الشعر السعودي إلى الخارج العربي، واستطاع بقدرته الشعرية اللافتة واستلهامه للتراث، أن يقدم صيغة شعرية فارقة.
جاء ذلك في ختام ليلة وفاء للشاعر الراحل، أقامها النادي مساء السبت، وتزامنت مع ليالي العزاء فيه في منزله بمكة، شارك فيها عدد كبير من الشعراء والنقاد والروائيين والإعلاميين، وألقوا قصائد رثاء، وركزّ معظمهم على ضرورة النظر في كيفية مساعدة أسرته مالياً في ظروفهم الصعبة.
وجاء الخطاب الموجه إلى وزير الثقافة (حصلت «الحياة» على نسخة منه) وفق رؤية اقترحها رئيس النادي الدكتور عبدالله الوشمي في بداية الليلة وجاء فيه: «نتقدم بداية لكم بالعزاء في فقيد الوطن والشعر الشاعر السعودي الكبير محمد الثبيتي، رحمه الله، وأسكنه فسيح جنانه، ولا يفوتنا أن نشيد بجهودكم إبان مرض الشاعر ومتابعتكم لأوضاعه، وهذا لا يستغرب عليكم، إذ تمتلكون الوعي الثقافي والنبل الأخلاقي، وأنتم قبل ذلك وبعده تمثلون الرجل الوطني المسؤول».
هذا ووصف الوشمي الراحل بأنه تجاوز، أن يكون رقماً كبيراً وقال: «أن يموت شاعر فكأنما يفتقد شيئاً من الأبجدية، وأن تنتج الأمة شاعراً وعبقرية مثل الثبيتي، فهي تحتاج لمدى طويل»، مضيفاً أنه لا يمكن الحديث عن المشهد الشعري إلا ويكون الثبيتي حاضراً، فهو صاحب المجموعة الشعرية الكاملة وليس القصيدة الواحدة وحسب. وأشار إلى أنها الليلة الرابعة التي يحتفي بها النادي بالثبيتي شاعراً وإبان مرضه وبعد رحيله حيث هي الليلة التي تعلو صورته المنصة وحده، بعد أن كان يشاركه آخرون أو يتحدثون عنه.
بعده قرأ الشاعر عبدالله الزيد قصيدتين للثبيتي هما «اختناق» و«الأعراب» قبل أن يختم بقصيدة رثاء فيه. وتحدث الدكتور سعد البازعي عن معرفته بالشاعر وبداية علاقته النقدية وقال: «إن الوطن الذي كتب فيه الثبيتي أفضل المطالع شغلني به، فأعجبني ووجدتني متأملاً في شعره منذ دواوينه الأولى: «عاشقة الزمن الوردي» و«تهجيت حلماً تهجيت وهماً»، واصفاً الديوانين بأنهما كانا «مدخلاً لكثير من النقاد لمعرفته». وركز الدكتور معجب الزهراني في كلمته الرثائية على أننا «خسرنا الثبيتي ليس بموته بل منذ أن تنكر له المجتمع العنيف الذي يحترم بعض المتطرفين، ولا يعامل أمثاله إلا بالرجم». وقال: «الثبيتي كسرت روحه منذ فترة طويلة. وازعم أنه الشاعر المعاصر الوحيد الذي ينافس محمود درويش لو توافر له محيط يدعمه، لا أن يهاجمه. فقد عاش في بيئة لا تحترم أحداً».
ووصفه الروائي أحمد الدويحي في مداخلة مؤثرة بـ«شاعر الوطن والأجيال»، قبل أن يتحدث عنه كإنسان، متطرقاً لعلاقته معه التي امتدت 30 عاماً وقال: «قد تمر عقود حتى نحظى بعبقرية مثله»، وأضاف: «ذاكرتي تختزن الكثير عنه. العمالقة لا يموتون». وأشار الدكتور صالح الغامدي للبعد الإنساني للثبيتي قبل أن ينتقل ليتحدث عن أن أهم ما يميز شعره وهو حضور التراث العربي وتصويره وإعادة إنتاجه، مقترحاً تكريمه في معرض الكتاب المقبل.
من جانبها، قالت الروائية ليلى الأحيدب إن «رحيل الشعراء موجع، إذ ينقطع وحي الحقيقة عن النزول، ويسكن بموتهم الحزن على الروح». وطالب الإعلامي عبدالرحمن العصيمي بضرورة الالتفات إلى وضع أسرته المالي بعد رحيله وقال: «ما يحتاجه منا الآن ليس تكريمه، بل تحسين أوضاع أسرته المعيشية، اذ كان يعول أسرة كبيرة».
وتطرق الشاعر حزام العتيبي إلى شاعرية الثبيتي وقال: «على رغم جزالة شعره وفنياته الحداثية، إلا أنه كان قريباً من الذوق العام ومن السائد»، مضيفاً: «يكفيه فخراً وتكريماً أنه سبب لمعرفة الآخرين في الخارج لنا ولشعرنا»، مشيراً إلى أن قصيدة «تغريبة القوافل والمطر» أهم مراحله الشعرية، «فقد جاء فيها بكل شيء»، قبل أن يلقي على الحضور مقاطع منها. كما طالب بضرورة إعطائه حقه ومساعدة أسرته في ظروفها. وشارك المخرج طلال عائل الذي يعد فيلماً وثائقياً عنه في الفعالية، متأسفاً على رحيله قبل أن يرى الفيلم النور. وألمح إلى أنه لمس الجانب الإنساني في الراحل من خلال اشتغاله في الفيلم، عبر لقائه به وببعض مجايليه. وشارك كاتب سيناريو الفيلم أحمد الهذلول بقصيدة رثاء. وطالب الإعلامي جبريل أبو دية بتكريمه في ملتقى المثقفين الثاني، وإطلاق قاعة ثقافية في مكة باسمه.
من جهته، قال إبراهيم الشتوي ان الراحل «جسّر العلاقة بين الحداثيين والذوق العام». وطالب ناصر العمرو بإقامة معرض كتاب في النادي يذهب ريعه لأسرته. وطالب الكاتب صالح المنصور بالتبرع بشراء منزل لأسرته، فيما ألقى الشاعر إبراهيم الوافي قصيدة رثاء، وقرأ الشاعر أحمد الغامدي قصيدتين كتبها أثناء مرضه وأخرى رثائية.
وختم الفنان التشكيلي فهد الربيق بالحديث حول العلاقة بين لوحاته وبين عدد من قصائد الثبيتي.
الرياض
في الوقت الذي كانت الأحداث السياسية في تونس تسيطر على جُلّ اهتمام المتابعة الإعلامية، تغيرت وجهة الاهتمام نحو الداخل سريعا حينما تلقى المشهد الثقافي عبر وسائل الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي، خبر وفاة الشاعر السعودي محمد الثبيتي في مكة المكرمة عن عمر يناهز 60 عاما بعد أزمة صحية وغيبوبة استمرت قرابة العامين على إثر تعرضه لجلطة في مارس من العام 2009، حيث تم نقله لتلقي الرعاية الطبية في وقت لاحق إلى المستشفى التخصصي في جدة، ثم إلى مدينة سلطان بن عبد العزيز للخدمات الإنسانية قبل أن يعود إلى مكة المكرمة. المستجد الصحي الذي عاشه الوسط الثقافي تفاصيله لحظة بلحظة، أعاد إلى الأذهان أن الثبيتي هو الحالة الخاصة في الشعر السعودي، فقد كان مميزا بجملته الشعرية التي تصنع طابعها وتكوينها المتفرد عبر أسلوب سهل ممتنع يتقاطع مع الرؤية العميقة التي لا تنعزل عن اشتراطات القصيدة الحديثة، ويتماس مع الفلسفة التي لا ينقصها الاشتغال الهادئ على بناء الفكرة وفتح مساحات الاكتشاف داخل الفضاء الفني للنص، ولربما كانت براعة الثبيتي في جزء منها مرتبطة بتصوره الشعري غير القابل للانضواء ضمن التصنيفات الافتراضية لمدارس واتجاهات القصيدة ضمن مرحلة وأخرى، وتماما كما نجح في خلق نسيج يتواءم على نحو لافت بين المشروع الجديد والحس التراثي، كان ناجحا في كتابة النص الذي يحتفي بالشكل البديعي والمضمون الرؤيوي في بيئة إيقاعية ولغوية لا يثقلها التكلف ولا تنزاح باتجاه الهاجس الجمالي المحض، لكنها تنحاز دائما إلى بناء القصيدة/ المرحلة - إن صحت تسميتها؛ ولهذا كان القارئ يعجب بنص الثبيتي، سواء فهم النص بوصفه المتعة الفنية أو الرؤية البصرية أو حتى باعتباره الحدث الثقافي الذي يمكن الاستدلال من خلاله على مستجدات حقبة أدبية كاملة. أدبيات قصائد محمد الثبيتي الشهيرة تظل أشبه بالثيمات التي ترسخت في الذاكرة الإبداعية المحلية، عبارة مثل ''أدر مهجة الصبح صب لنا وطنا في الكؤوس'' تتبادر بديهيا على اللسان والذاكرة، فضلا عن أن أعماله الشهيرة ''التضاريس'' و''تهجيت حلما'' و''بوابة الريح'' وغيرها مثلت في مجملها تجربة بنى عليها النقاد قراءتهم واستنتاجهم لمراحل تطور الحركة الشعرية السعودية، بل إن كثيرا منهم ذهب إلى أن الثبيتي هو النموذج الشعري الذي يمكن ربط اسمه بالمملكة، في حال تم ربط نزار بسورية ودرويش بفلسطين. وقد شهدت الفترة الأخيرة اهتماما لافتا بمشروع الثبيتي الأدبي، ولا سيما وهو المشروع الذي يتفق عليه الجميع، وقد شكل وضعه الصحي مدعاة لمزيد من اهتمام المشهد الثقافي بدءا من الوزير الدكتور عبد العزيز خوجة الذي ظل يتابع حالته، بجانب مختلف فئات المثقفين والمبدعين والأدباء والإعلاميين وغيرهم، طالبوا جميعا بإيجاد آلية تمنح الشخصيات الأدبية ذات الإسهام البارز ما تستحقه من رعاية على المستويات المعيشية والصحية والاجتماعية كافة.. كما شهدت هذه الفترة ارتفاعا ملحوظا في حجم الإقبال الكبيرة على قراءة المجموعة الكاملة لمحمد الثبيتي وديوانه الصوتي الصادرين على نادي حائل الأدبي، وهو ما وضعهما في مقدمة أكثر الكتب مبيعا في معرض الكتاب الماضي، في حين أصبح موضوعا لندوات ثقافية تكريمية سلطت الضوء على منجزه، وكذلك باتت قصيدته حاضرة حتى في الأعمال الفنية والأدبية المختلفة من مسرح وتشكيل وقصة.
ولد محمد عواض الثبيتي عام 1952 في منطقة الطائف، وحصل على بكالوريوس في علم الاجتماع، وعمل في التعليم. وبدأ نظم الشعر وعمره 16 عاما، وظل ممزوجا بروح بدوية؛ مما أكسب قصائده نكهة تبلورت في عدم تخلي قصيدته عن الموسيقى والقافية، حتى عندما انتقل إلى كتابة قصيدة التفعيلة. وظلّ على تواصل مع الحركة الشعرية والثقافية في الوقت الذي التي عاش فيه من يوصفون بشعراء حداثة الثمانينات فترة من الانعزال. حصل الثبيتي على عدد من الجوائز، منها جائزة نادي جدة الثقافي عام 1991 عن ديوان ''التضاريس''، وجائزة اللوتس في الإبداع عن الديوان نفسه، وجائزة أفضل قصيدة في الدورة السابعة لمؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري عام 2000، عن قصيدة ''موقف الرمال.. موقف الجناس''، وجائزة ولقب ''شاعر عكاظ'' عام 2007 في حفل تدشين فعاليات مهرجان سوق عكاظ التاريخي الأول، وقد قام نادي حائل الأدبي أخيرا بطباعة كامل أعماله الأدبية. المثقفون الذين كانوا يستعذبون تسميته بألقاب مستوحاة من نصوصه، ولعل أشهرها ''سيد البيد''، عبروا عن حالات تأثرهم العميق عبر عبارات مقتضبة جاءت مباشرة بعد لحظة تلقي الخبر فقال الشاعر عيد الخميسي عنه: ''لقد صنع تاريخا شعريا للجمال، للصحراء، للوطن، هو الشاعر الأنبل والأعف، الذي لم يكتب سوى القصيدة ولم يورث سوى الجمال''، وأضاف: ''الثبيتي صنع بصوته المتفرد تاريخا للقصيدة في الجزيرة العربية، دفع بشعراء، ونقاد وكتاب وحمى ثقافية إلى أقصى حدود الممكن...غنى غناءه الساطع ومضى''. صديقه الشاعر خالد قماش، الذي كان قريبا منه في مختلف فترات مرضه: ''عزاؤنا فيه كبير.. ومصابنا جلل؛ فهو فقيد الوطن والشعر والإنسان''، فيما علقت القاصة والروائية ليلى الأحيدب بقولها: ''رحم الله الثبيتي... سيظل خالدا بنهر الشعر الذي لا زال يجري وما خطه من نبوءات الرمل سيظل مغروسا في ضمائرنا''، وقال الكاتب المسرحي عبد العزيز السماعيل: ''من نعزي في هذا الفقيد .. وأي فقْدٍ سينالنا من غيابه؟.. لك الله يا محمد.. علوت بنا وأبهجتنا في حضورك وآلمتنا كثيرا كثيرا في غيابك.. لك الله ولنا حزنك الغريب''، فيما فضّل كثير من محبيه الاكتفاء بالدعاء له، في الوقت الذي لم يجدوا فيه تعبيرا مناسبا ينصف شعورهم حيال رحيله.
الاقتصادية
الدمام: حبيب محمود 2011-01-16 12:26 AM
أنا حصان عصيٌّ لا يطوعه بوح العناقيد أو عطر الهنيهات..!العلامة الفارقة في موقع محمد الثبيتي من القصيدة السعودية الحديثة هي جلوس الشاعر نفسه على كرسيين اثنين في وقت واحد، من دون أن يسقط بينهما، كما يعبّر المثل الفرنسي. والفقرة الزمنية التي أدّى فيها الثبيتي دوره في المشهد فرضت أن يكون شاعراً قادماً من الجذور، محملاً بهاجس حقيقي نحو امتداد التجربة الشعرية الحديثة. وبمساندة الموهبة والجدية تمكن محمد الثبيتي من أن يكون محمد الثبيتي، نفسه، دون أن يتورط في نزق يسلبه ملامحه. وهو في أعماله الثلاثة الأساسية "تهجيت حلماً .. تهجيت وهماً" و"التضاريس" و"سيد البيد" يقدم نفسه بدوياً رائعاً يغالب في المدينة شوق الرمال العالقة في عباءاته، وكأنه يريد أن يمد بجذوره إلى قريته الأرملة ـ حسب إيحاءاته ـ أو يعلن عن تزاوج متفرد بين التجربة الوجدانية والتجربة الفنية، لدى شاعر يتطلع إلى أفق جديد له خصوصيته..!
وهكذا أشير إليه على أنه شاعرٌ مولود من رحم القصيدة التقليدية، وأن تجربته الشعرية الحديثة ليست إلا تطوراً نوعياً حققه بتوازن واعٍ. وفي السياق التاريخي للقصيدة السعودية المتهمة بـ"الحداثة"؛ فإن موقع معلن وواضح بين جيل الهاربين من عمودية القصيدة ومن رومانسية الدلالة. وسمة الثبيتي الأهم هي أنه عاش في قرية ريفية، لكنه تمسك بوفائه للرمال، وافتتن بالبيادر.
في "تهجيت حلماً"، تحديداً، ثمة تزاوج بينه وبين المباشرة منطق رومانسي، على صعيد الشكل والمضمون.. اللغة والصورة.. التعبير والعاطفة.. الموسيقى والتشكيل الجمالي..
يبدو هذا المنطق أكثر إلحاحاً في قصيدة "صفحة من أوراق بدوي" التي تقدم دلالات متقابلة في تعابير ذلك البدوي الرافض أضواء المدينة، متعلقاً ببقايا رمال الصحراء.. الدلالات المتقابلة تجسد صراع البدوي والمدينة، وتفرض جماليات الحياة الشحيحة في الصحراء على الجماليات الأخرى إمعاناً في البداوة:
هذا بعيري على الأبواب منتصبٌ
لم تعش عينيه أضواء المطاراتِ
وتلك في هاجس الصحراء أغنيتي
تهدهد العشق في مرعى شويهاتي
أتيت أركض والصحراء تتبعني
وأحرف الرمل تجري بين خطواتي
يا أنت لو تسكبين البدر في كبدي
أو تشعلين دماء البحر في ذاتي
فلن تزيلي بقايا الرمل عن كتفي
ولا عبير الخزامى من عباءاتي
هذا الرفض لا يحدد المدينة.
إنه يلفظ الطبيعة بكل جمالياتها، ليستبقي، فقط، الصحراء وواحاتها العطشى وإبلها وشويهاتها.
والقيمة، هنا، تكمن في التحدي! فالبدوي يرفض كل أشكال الحضارة؛ صارخاً:
أنا حصان عصيٌّ لا يطوعه
بوح العناقيد أو عطر الهنيهات
دلالة المفردة البدوية تمتدُّ بتداعياتها، هنا، من «المفازة» إلى «المدينة»، والكلمة الأخيرة دلالة مقابلة لـ«صمت المسافات» و«الأمد السرمدي» و «الامتطاء» و «وجه الفراغ». وكلها مفردات إيحائية تتشيأ في السياق اللغوي بواسطة توظيف الفعل المضارع «تمتد.. يعبر.. يفجأ.. يمتطي.. يتألق.. تنشق» في تجسيد الحقيقة الخاصة/ الرؤية.
وتقنياً، يحسب للثبيتي في نصه (الذي سبقت كتابته نصوصاً قبله وهذا مكمن غرابة) أنه تجاوز مرحلة التعامل مع الدلالة البدوية باعتبارها «كلمة» إلى مرحلة التعامل معها بوصفها امتداداً رأسياً للجملة الشعرية. وفي الصورة السابقة نبصر بالجملة وهي تقتات من داخلها بجزئياتها للانتهاء إلى خلق حساسية ممتنعة عن المكاشفة.
ولأن المضمون الشعري هو المصدر الأهم، في هذا النص، فإن محمد الثبيتي لم يحتفل بمفردته الحنينية ذات الاحتفال بالصورة الشعرية، فهو افتتح النص قائلاً:
في انتظار المساء الخرافي
ترسو مراكبنا البابلية
خفاقة الأشرعه
وريح محملة بالضجيج
تدير نجوم المجرة حول
ضفاف الخليج
وتعبث بالصوت والماء والأمتعه
ولا شيء، في هذا المقطع، يشير إلى البداوة أو يومئ إلى لغة الصحراء، غير كلمة «ريح» الخديجة في دلالتها البدوية. إن الصورة، هنا، تشكلت بفعلٍ مثقل بسوداوية المضمون الذي لم يكن يحتاج إلا إلى أي صورة قاتمة تفتض بكارة المشهد. بصرف النظر عن أي عبارة ذات خصوصية في مضمونها البيئي.
وفي "التضاريس" يعيد قراءة المشهد الجمالي في لغة البدوي، ويستعير من مفرداتها المرهفة ذلك الإحساس البدائي، ويوظفه توظيفاً فنياً بارعاً في خلق حالة جمالية لها ما يبررها: تشكيلاً ووجداناً. و يحاول الشاعر الثبيتي ـ بإحساسه الفني الخاص ـ الأخذ بمفردات اللغة الشعرية الغنائية إلى أفق رمزي من الممكن مواجهته مواجهة والتعامل مع علاقاته.
ومن (ترتيلة البدء) بوصفها القصيدة التي تفتض بكارة المجموعة المتمردة؛ تتصارخ المفردات البدوية الحنينية في مدار الصورة الرمزية:
جئت عرافاً لهذا الرمل
أستقصي احتمالات السواد
جئت أبتاع أساطيرَ
ووقتاً ورماد
ولكن سرعان ما ينعطف المشهد اللغوي المتكيء على مداليل بيئة الصحراء (عراف/ الرمل/ أستقصي/ رماد) إلى مشهد يفيد من رصيد لغوي مختلف؛ فيتحول الإحساس اللفظي البدوي إلى رؤية جمالية بإحساسها لا بمفرداتها الصريحة:
بين عينيّ وبين السبت طقس ومدينة
خدر ينساب من ثدي السفينة
هذه أولى القراءات وهذا ورق التين يبوح
قل هو الرعد يعري جسد الموت
ويستثني تضاريس الخصوبه
قل: هي النار العجيبه
تستوي خلف المدار الحر تنيناً جميلاً
وبكاره
نخلة حبلى،
مخاضاً للحجاره.
المشهد الجمالي يعتمد على المفردة الثقافية (القادمة من ثقافة الشاعر وليس ذاكرته). وهذا التوظيف هو الذي يضع لغة محمد الثبيتي في مجموعته (التضاريس) في موقع التناظر مع لغته في مجموعته الأولى (تهجيت حلماً.. تهجيت وهماً). وقد يصب ذلك في صالح النظرة إلى شخصية محمد الثبيتي الفنية المتماسكة بخصائصها الأسلوبية ومضامينها المتمردة.
غير أنها ـ خاصة إذا ما ربطت بسياق قصيدة التفعيلة ـ لا تصب في صالحه، فالتناظر واضح حد التشابه، ومهما كانت المفردة البدوية ذات خصوصية عند محمد الثبيتي، كمفردة صريحة وكإيحاء، فإن الإشكالية الأكثر لذة ـ وخطورة ـ هي أن محمد الثبيتي هو محمد الثبيتي في شعره.
الوطن السعودية
تاريخ النشر: الثلاثاء 18 يناير 2011
مات بهدوء، الشاعر محمد الثبيتي (1952-2011) أحد رواد الشعر والحداثة في السعودية، صارع المرض طويلاً قبل أن يسلم روحه إلى بارئها. استطاع خلال رحلته الشعرية أن يكون قاعدة جماهيرية ونخبوية في آنٍ واحد. لكن رحيله جاء في ظرف لم يعد الشعر فيه مقروءاً بعد أن صارت الرواية ديواناً للمجتمعات، أدخل عنوةً في صراع مع جيلٍ من الإسلاميين في الثمانينيات، لكنه صراع أنتج وأثمر فكتب خلال عزلته ديوانه الشهير: "موقف الرمال".
استضفته في حلقة من برنامج "إضاءات" على قناة العربية في 15-6-2007 وكان الثبيتي مبدعاً، وتداولت المنتديات وأدوات التقنية القصائد التي ألقاها بصوته الرخيم في تلك الحلقة، وخصوصاً قصيدته الرائعة "بوابة الريح" والتي جاء فيها:
مضى شراعي بما لا تشتهي ريحي ** وفاتني الفجر إذ طالت تراويحي
أبحرت تهوي إلى الأعماق قافيتي ** ويرتقي في حبال الريح تسبيحي
نبت هذا الشاعر في الصحراء، كأنه النخلة السامقة، والتي تؤتي أكلها كل حين، بشعره النابض بالحب والحياة ورائحة الرمل والصحراء والمطر نظم قصائده، وحين سألتُه إبان حواري معه عن المعنى الدقيق للشعر والشاعر أجابني:" الشاعر عنده إحساس أكثر من الآخرين أو إدراكه لهذا الإحساس أكثر من الآخرين.. استجابة لإيقاع الزمن وإيقاع الحياة، والشعر العربي وبحوره وأوزانه كانت استجابة لإيقاعات الحياة؛ سير الإبل مثلاً وأصوات المطارق هي التي على مر الزمن تكونت منها البحور الشعرية".
وإذا كان هناك من فنّ تصقله التجربة كثيراً فهو فنّ الكتابة عموماً، في حواري معه كان يتعجب من جرأته في شبابه باستخدام مفردات تحتاج إلى شجاعة كبيرة لم تكن لديه في آخر حياته، وخاصة كلمات استخدمها في "التضاريس" يقول: "أنا الآن تأملت في التضاريس حتى على مستوى المفردة كان عندي جرأة عجيبة، لولا أني أدرك أنها كانت لازمة كان يمكن استغفر منها الآن وأزيله، وصارت زجي يا شقراء مثلاً، أنا ما ممكن أكتبها أو ابتداء من الشيب حتى هديل الأباريق.. تسترسل اللغة الحجرية بيضاء كالقاري.. نفرة كعروق الزجاجة.. أنا لا ما ممكن أكتبها بها لشكل إلا يكون فيه، يعني تنقصني الجرأة والشجاعة أيضاً".
برحيل الشاعر الكبير محمد الثبيتي تطوى صفحة شعرية عربية كبيرة، وبموته يحيا حرفه أصيل النبرة صافي الصوت، أشبع الخليج بالحروف والمعاني الجديدة. ولسان حاله ما قاله هو:
في انتظار المساء الخرافي/ ترسو مراكبنا البابلية
خفاقة الأشرعة/ وريح محملة بالضجيج
تدير نجوم المجرة حول/ ضفاف الخليج
وتعبث بالصوت والماء والأمتعة.
تجربته الشعرية نفّاذة وأصيلة، ترعرعت قصيدته من رحم القصيدة العمودية، يصفه محمود حبيب قائلاً: "العلامة الفارقة في موقع محمد الثبيتي من القصيدة السعودية الحديثة هي جلوس الشاعر نفسه على كرسيين اثنين في وقت واحد، من دون أن يسقط بينهما، كما يعبّر المثل الفرنسي. والفقرة الزمنية التي أدّى فيها الثبيتي دوره في المشهد فرضت أن يكون شاعراً قادماً من الجذور، محملاً بهاجس حقيقي نحو امتداد التجربة الشعرية الحديثة. وبمساندة الموهبة والجدية تمكن محمد الثبيتي من أن يكون محمد الثبيتي، نفسه، دون أن يتورط في نزق يسلبه ملامحه. وهو في أعماله الثلاثة الأساسية "تهجيت حلماً .. تهجيت وهماً" و"التضاريس" و"سيد البيد" يقدم نفسه بدوياً رائعاً".
وداعاً أيها البدوي الصحراوي الكبير الذي نحت حروفه من صخرٍ صلب، طبت وطابت روحك، سيقرأ الأطفال والأبناء شعرك، وستتداوله الأجيال...كلما سمعتُ قصيدةً بصوتك أشعر أنني بجوارٍ غارٍ من نور في جوف الحجاز، كأن الحشرجة التي تغرف بها قصيدتك ساعة إلقائك تحبس في عروقها أمل المدينة ووجع الصحراء ... رحم الله الشاعر الثبيتي رحمةً واسعة
الاتحاد الاماراتية
خيم الحزن على مكة المكرمة، ظهر أمس، وهي تشيع، بكافة أوساطها الرسمية والأدبية والشعبية، الشاعر محمد الثبيتي، أحد أبرز أبنائها في سماء الشعر، إذ وافته المنية قبل أمس، بعد معاناة طويلة مع مرض عضال، وأزمة قلبية تعرض لها شاعر عكاظ قبل عام تقريبا.
وفي المسجد المكي الشريف، أقيمت صلاة الجنازة على الراحل، ثم حمل نعشه إلى مقبرة المعلاة، حيث ووري الثرى بحضور جمع من محبيه وأصدقائه وأسرته التي كان على رأسها نجله نزار، الذي أوضح في حديث عابر لـ «شمس» أن الجلطة دهمت والده ليلة أمس، واستدعى الأمر نقله إلى المستشفى: «ورغم المحاولات الحثيثة التي بذلها الأطباء لإنعاش قلبه، فإنه فارق الحياة، رحمه الله».
وتحدث عناد الثبيتي، ابن شقيق الراحل، عن الخصال التي كان عمه يتخلق بها، مشيرا إلى عطفه ورأفته وحبه للناس: «لذلك نسأل الله أن يتغمده برحمته.. رحل محمد الثبيتي عن الدنيا بجسده فقط؛ لأن التاريخ سيخلد ذكره بين أعلام الشعر في المملكة».
وفي معرض حديثه عن الفقيد، تطرق الدكتور محمود حسن زيني، أستاذ الأدب العربي والنقد بجامعة أم القرى، إلى الأثر الذي تركه الثبيتي على الشعر السعودي والعربي بإسهاماته الثرية وشعره الجميل: «كان الثبيتي شمعة أنارت دروب عشاق الشعر ودارسيه في أنحاء الوطن العربي، ولا نملك الآن إلا الدعاء له بالمغفرة والرحمة، وإنا لله وإنا إليه راجعون» .
ها هو الموت يضرب مُجددا، لم يكن باستطاعتنا أن نفيق من حزننا المديد على رحيل القصيبي وقبله درويش ليفجعنا الموت ثانية برحيل سيد البيد شاعرنا الكبير محمد الثبيتي الذي حفر اسمه بامتياز في ذاكرة الشعر العربي والمحلي على حد سواء، واستطاع بموهبته الفذة أن يتصدر المشهد الشعري لعقدين ماضيين من الزمن كان ذلك بشهادة الجميع.
والحق يقال، إن الوسط الثقافي في المملكة لم يُجمِع يوما على تميز تجربة أحد من الشعراء مثلما أجمع على تميز تجربة الثبيتي الشعرية، وهو الذي لم يكن مهتما بتلميع اسمه أو تكريس حضوره الشعري عبر الملتقيات والمهرجانات الشعرية العربية، بل كان طوال الوقت بمنأى عن كل ذلك، مثلما كان في الوقت ذاته قريبا من الشعر، الشعر وحده. أيضا لا يخفى على أحد أن تجربة الثبيتي كانت وراء ظهور وبروز أهم الأسماء النقدية بالمملكة وخير دليل على ذلك الإصدارات النقدية العديدة التي تناولت تجربته بالكثير من الثناء والتقدير.
ضرب الموت ضربته.. لكن محمد الثبيتي الشاعر الإنسان سيظل حاضرا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، سيظل حاضرا في المخيلة والوجدان على الدوام. ضرب الموت ضربته لكن الشاعر كان قد عاش حياته كما يجب أن تُعاش الحياة. ضرب الموت ضربته لكن الشاعر كان قد كتب قصائده كما يجب أن تكتب القصيدة. ضرب الموت ضربته فطوح بنا جميعا في مفازات الفقد السحيقة والألم.. رحمة الله عليك أبا يوسف.
سأقول في هذه اللحظة، وبحزن شديد الفصاحة: «محمد الثبيتي» واحد من أعظم شعراء العربية على مر التاريخ.. وقد فقدناه، وهو لم يزل في قمة عطائه وتألقه الإبداعي.
شاعر يمتلك الأدوات الفنية المكتملة لإبداع نص شديد الخصوصية والتميز والإدهاش.. مثلما يمتلك الرؤية التقدمية والحس الوطني والبعد الإنساني، الذي يتسلل إلى قلوبنا كلما قرأناه أو استمعنا إليه وهو يرتل علينا فيوض نصوصه، أو كلما أشعلنا قناديل الذاكرة لاستعادة حالاتها.
حورب الثبيتي مبكرا منذ أوساط الثمانينات، وحورب بعد ذلك وانتهكت كرامته الإنسانية، بتواطؤ الكثيرين.. ولعله واجه الحرب حتى في آخر ساعاته، ذلك أنه ومنذ إصابته «بالجلطة»، قام الإهمال بدور ذلك العدو المفترس، حيث ساهمت فيه بعض الأطراف التي تعاملت مع حالته.. وذلك ما يدعو، لا إلى الحزن والرثاء وحسب، وإنما إلى الإدانة أيضا.
ومع كل ذلك، فإن «محمد الثبيتي»، الشاعر والإنسان، قد رسم لوحة خالدة، لم تستطع الحروب الظلامية أن تنال من عظمتها، وسوف لن يكسرها الموت ولا النسيان، حيث ستبقى فنارا عاليا، يتأمله محبو الشعر والوطن والحرية، عبر كل الأزمنة و تعاقب الأجيال، وسوف نبقى نغني معه دائما:
«أدر مهجة الصبح
صبّ لنا وطنا في الكوؤس».
في ليلة عزاء وتأبين أقامها النادي الأدبي بالرياض لاستقبال محبي الشاعر الراحل محمد الثبيتي وقرائه، طالب عدد من المثقفين والأدباء بألا تقتصر ليلتهم على الحزن والنحيب ورسائل التأبين، مقترحين جملة من الإجراءات العملية للتعبير عن وفائهم الحقيقي للراحل وتقديرهم لدوره في رفد مسيرة الشعر العربي، من بينها دعم أسرته ماديا ومعنويا، وإطلاق اسمه على أحد شوارع العاصمة، وعلى أحد مراكز وزارة الثقافة والإعلام، وتأسيس جائزة أدبية تحمل اسمه، وإعداد دراسات نقدية تتناول تجربته الشعرية والأثر الذي أحدثته في الشعر العربي، إضافة إلى إعلان تكريمه في معرض الرياض الدولي للكتاب الذي ستقام فعالياته في شهر مارس المقبل.
وكان عدد من المثقفين والأدباء حضروا إلى مقر أدبي الرياض استجابة لدعوة النادي الذي بادر إلى إعلان ليلة السبت الماضي «ليلة وفاء» لشاعر عكاظ، أدارتها الشاعرة هدى الدغفق، وتحدث فيها نقاد وروائيون وصحافيون، منهم عبد الله الزيد وسعد البازعي وأحمد الدويحي وإبراهيم الوافي وحزام العتيبي وأحمد الغامدي وفهد الربيق ومعجب الزهراني وصالح الغامدي وأحمد الغامدي وليلى الأحيدب، وغيرهم ممن خيم الحزن على وجوههم وهم يتلون كلماتهم المترعة بالأسى على رحيل الفقيد الذي كان يحظى بشعبية طاغية في نفوس زملائه وأصدقائه وقرائه. وسيرا على نهج «أدبي الرياض» الذي سبق له إقامة ليلة وفاء في حياة الشاعر، علمت «شمس» أن أندية أدبية أخرى وبعض المتلقيات الثقافية تجري استعداداتها لتنظيم فعاليات تأبينية مختلفة للتعبير عن العرفان بجهود الثبيتي ومكانته في نفوس محبيه .
أسبوع حافل شهدناه، بدءا من ثورة الحلم التونسي، مرورا بتظاهرات شعبية في الأردن والجزائر ومصر، واستفتاء انفصال الجنوب السوداني، وخروج المنتخب المخزي في قطر، وأمطار جدة التي حولت نفق الملك عبدالله إلى «بركة صناعية» كالمعتاد، ورحيل الشاعر السعودي محمد الثبيتي، رحمه الله، في هدوء، وغياب مريديه والمسؤولين!
تداول العديد في المملكة وخارجها بيت الشعر الجميل «إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر» للشاعر التونسي «أبي القاسم الشابي» الذي توفي فتيا في العشرينات من عمره، تعبيرا عن فرحتهم بثورة الشعب وخروج المقهورين الشبان ضد قمع أجهزة الأمن والحكم في تونس، بعد أن أشعل شرارتها إحراق الشاب «محمد بوعزيزي» نفسه احتجاجا ويأسا، وسط ذهول الجميع من كيفية انهيار النظام التونسي بهذه السرعة والفجائية، ليخرج المنظرون والكتاب والمحللون ومرتادو الإنترنت، كل يجير ما يحب إسهاما في هذه الثورة، والأكيد أن للإنترنت دورا كبيرا فيها، لكن البطل الأكبر هو القهر والجوع واليأس!
للشباب الآن ذاكرات إضافية موزعة على مواقع الإنترنت، في اليوتيوب والمواقع الإلكترونية والفيس بوك وغيرها، فكل تصريح يصدر عن مسؤول أو مصدر ما، يحفظ في مكان ما هناك، ويسترجع عند الحاجة، لم تعد الصحافة الورقية والإعلام الرسمي مسيطرين، ولم يبلغ الإعلام الجديد كذلك النضج، ولكنه يبقى مصدرا للمحتوى وما يحدث، وليذهب التحليل إلى الجحيم! فكل شيء يصل تباعا في رسائل إلكترونية، أو رسائل ماسنجر للبلاك بيري، أو تويتر أو الفيس بوك، أو مقاطع فيديو على يوتيوب، وتنسخ آلاف المرات، وإن اختلط الصحيح بالمغلوط فيها، فالمهم المعرفة «الهامشية»، لا «الحقيقة المطلقة».
المعرفة الهامشية هي الخطر، وهو ما لم يستوعبه بعض المسؤولين بعد، ويعدد أسباب إخفاقه، ومبررات «اللاإنجاز»، بحثا عن مزيد من وقت أو استمرار، متناسيا أن دوره كمسؤول هو تذليل هذه العقبات من الأساس، وكما قالها لهم خادم الحرمين الشريفين «لا عذر لكم».
مَدَد: صوت محمد عبده «عذبة أنت.. كالطفولة، كالأحلام، كاللحن، كالصباح الجديد»، من كلمات الشاعر أبي القاسم الشابي!
naifya@shms.com.sa
محمد الثبيتي «1373 ـ 1432 هـ الموافق 1952 ـ 15 يناير 2011».
ـ شاعر حداثي، برز في فترة الثمانينات الميلادية من القرن الـ 20.
ـ من مواليد الطائف عام 1952.
ـ حصل على بكالوريوس في علم الاجتماع وعمل في التعليم.
ـ يعتبر من رواد قصيدة التفعيلة السعودية، ومن أبرز ناظميها على المستوى العربي.
ـ أصدر النادي الأدبي في حائل أخيرا أعماله الكاملة في مجلد واحد، يضم جميع إنتاجه الشعري.
حصل على عدد من الجوائز أهمها:
ـ الجائزة الأولى في مسابقة الشعر التي نظمها مكتب رعاية الشباب في مكة عام 1397هـ عن قصيدة «من وحي العاشر من رمضان».
ـ جائزة نادي جدة الثقافي عام 1991 عن ديوان «التضاريس».
ـ جائزة أفضل قصيدة في الدورة السابعة لمؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري عام 2000 عن قصيدة «موقف الرمال.. موقف الجناس».
ـ جائزة ولقب «شاعر عكاظ» عام 2007 في حفل تدشين فعاليات مهرجان «سوق عكاظ» التاريخي الأول.
صدر له من الدواوين:
ـ عاشقة الزمن الوردي 1982
ـ تهجيت حلما.. تهجيت وهما 1984
ـ التصاريس 1986
ـ موقف الرمال / موقف الجناس
من الأوراق التي ستبقى في أيدينا، ولن تصوّحها شمسُ النسيان، ولن يمتد إليها أثرُ التقادم.. أوراق شاعرنا الراحل محمد الثبيتي. ليس لأنها جزء من ذاكرة، ولا لأنها تجمع في سطورها ما ينبض بالحنين. تكفي رفّة فينتفض طائر الروح. ثمّة ما هو أعمق من ذلك، وإنْ ظلّ مرتبطا بالذاكرة وبالحنين، تلك هي القيمة الشعرية التي وسمتْ شعرَه بخاصّة في عمله «العظيم» التضاريس.
هذا العمل الذي قبل أن نتلقّاه ورقا، كان كلاما يسعى في ليالينا ونهاراتنا عبر أشرطة الكاسيت التي سُجّلت في أمسياته الشعرية، ومنها واحدة في الأحساء في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي. كان «الشريط» صحبتنا. نتلذذ بما نسمع، نستعيد ونحفظ. لم يكن شريطا بقدر ما هو كأس شعرية معبوبة تأخذنا إلى الثمالة؛ ننتشي بروعة، كلما أردنا الاستزادة منها لا تطولها أيدينا ولا في إمكاننا أن نسميها. عند ذاك الحدّ، عرفنا عبث التسمية والحرص عليها وعلى التعريف. حسبنا أن يقع في حواسنا ونتمثّله من الداخل بهجةً وتغييرا ترتجّ له فيزياء الجسد. حسبنا أن يقع فينا الشعر على هذا النحو من التمثّل والحضور.
أعيد اختبار هذا الأثر بين وقت وآخر، ولا ثمّة ما يبهت أو تتهدّل وردته؛ فأوقن أيّة شعريّة عالية كانت لأبي يوسف.
ملف جريدة شمس السعودية