ما المحرك الذي يدفع الكاتب، الممارس لأي شكل من أشكال الإبداع اللغوي إلى تجشم مشقة الكتابة؟ الأفكار في رأس الكاتب، المشاعر تتحرك في داخله، ماذا تضيف الكتابة كعمل إلى كل هذا. هل الكتابة متعة، حاجة، بحث عن الذات العابرة في اللاشيئ الخالد، هل يمكن النظر إلى فعل الكتابة كمهنة تخضع للمعايير التي تخضع لها أية مهنة أخرى؟ ما الذي يدفع الكاتب نحو الدوران في عجلة هاجسها، مرارة؟ أم غواية؟ يمكن للأدب هذا الحبيب المتسلط أن يدمر كل ما عداه. ما الذي يجعل الكاتب مستسلما لهذا الحب ــ لو كان حبا. هل الكتابة أنانية، تلبيس الآخرين أفكارك، رغبة في الخلق وتحد للزوال. لا بدّ من سبب لمن يمارس هذه اللعبة ــ العمر، مضحيا ربما باستقرار نفسي ومادي وأسري، أو مستقلا عربتها لتقله إلى حيث الرفعة والشأن.
أنتِ.. لماذا تكتبين؟ أنتَ.. لماذا تكتب؟
هذا السؤال ربما كان سؤالا أزليا، وربما كان أيضا السؤال الذي يتحرك في داخل كل كاتب بينما يجلس أمام أوراقه مستسلما لنعمة البياض الذي يحبره، متسائلا في سرّه لماذا أكتب؟ وما جدوى ما أفعل؟ كلنا على نحو أو آخر نمارس فعل الكتابة، نكتب لنعبر عن أنفسنا، وربما لتظل الورقة التي تحمل حروفنا في طيّ كتبنا، أو مودعة في جارور صغير أو تحت الوسادة التي نرخي عليها رأسنا لننام، لكن فعل الكتابة نفسه قد يستمر معنا ونحن نتجاوز سنوات المراهقة نحو سنوات أكثر حكمة أو (أقل)، حينها قد يفضي بنا الحلم نحو القارئ فنبدأ رحلة البحث عنه، ووسيلتنا إلى ذلك لا بدّ وأن تمر بدهاليز طويلة من النشر والصحافة والأعلام. ما هو الدافع الذي يقول لنا >انشر ما تكتب<، ما هو هذا الشيء الذي ينادينا لنتحاور مع الآخر الذي لا نراه إلاّ في سراديب أحلامنا، قد نلتقيه في ندوة عامة، هذا القارئ هو الذي نكتب من أجله أو بحثا عنه، لكنه يظل بالنسبة إلينا ذلك السرّ الذي نجهله ونجهل تفكيره. أنكتب من أجل الآخر؟ وأي آخر هذا الذي نكتب له؟ كلها أسئلة ربما لا تفضي لإجابات، لكنها تطرح -كما قلنا- السؤال الأزلي الذي يلاحقنا منذ الحرف الأول. هنا دعوة لطرح السؤال على العلن، دعوة لطرح تلك التساؤلات التي تقال في دواخلنا أو بيننا وبين المرايا التي تحيط بنا لحظة الكتابة. هي دعوة للانتقال بالسؤال من هاجس البحث الشخصي إلى هاجس البحث العام.
وربما يكون لإعادة طرح السؤال الآن أكثر من مبرر وأكثر من سبب، فها نحن نشهد انحسارا كبيرا للكتاب في مواجهة الإنترنت والقنوات الفضائية، وبالمقابل فإن حدثا محيرا يحدث وهو زيادة الكُتاب على نحو ملحوظ، ففي كل يوم يتراجع فيه القارئ عن شراء الكتاب نجد في مقابله كاتبا جديدا يولد كتابه على نفقته الخاصة أو عبر إحدى دور النشر التي ما تزال تؤمن بدور الثقافة والكتاب، أو بواسطة دور نشر تقبض ثمن الكتاب قبل أن تطبعه. ونعود إلى السؤال الذي طرحناه على عدد كبير من المثقفين الذين ينتمون إلى بقاع العالم العربي على اختلافها، ونقول أننا تلقينا إجابات مختلفة تتلاقى عبر الكثير من النقاط وتختلف عبر العديد منها أيضا؟
لماذا تكتبون؟
سؤال أزلي كما أشرنا، لكن الإجابة عليه كما استشفينا من الآراء الواردة عبر هذا الاستفتاء تدل على أن للكتابة أسبابها الكثيرة التي تتبدل وفقا للعمر والتجربة والبحث المستمر في قلب الحياة وقلب سؤالها الكبير.
ندى منزلجي